من الإسلام إلى التعريب - الجزء الثاني
التاريخ: الثلاثاء 15 ايلول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  تراجع الطرف السلمي من منطق الرسول(صلى) في التبشير، أمام تصاعد النهج العنفي، مع مرور السنوات بعد الهجرة، فغطى منطق المدينة على المرحلة المكية، وغلبت مبدأ الغزوات في نشر الإسلام على طريقة الدعاة المسالمون. استندت جدلية التصاعد على تزايد القوة العسكرية، فساد النشر بالعنف وحده بعد وفات محمد(صلى)، ولم يرسل أي فقيه أو داعية، أو صحابي إلى الشعوب، تقدمتهم الغزوات، أو ظهر البعض منهم مع أو بعد وصول الجيوش العربية -الإسلامية إلى المناطق، فأينما توجهت الجيوش الإسلامية كانت تسبقهم شبح الحروب ورهبة الغزوات، المرافقة مع العصبية العربية، ومع كل توسع جغرافي أو تقادم زمني كان هناك تراجع في مفهوم الأمة الإسلامية والذي لم يغطي أو تزيل العصبية العربية الجاهلية المترسخة،


 وكان منطق الاحتلال واستعمار الشعوب والأوطان هي الطاغية على تلك الجيوش الإسلامية العربية، وهو منطق يتهم فيه القبائل العربية قبل الإسلام، لأن الأديان ليس باستعمار بقدر ما هو سيطرة ثقافية قد تتلاءم والشعوب وهي قائمة على حكم أوطانها، إلا إذا استخدمتها شعوب خارجية كأدوات للطغي على الشعوب المجاورة، واستعمار الأوطان، وهو ما فعلته في فترات سابقة  العديد من الإمبراطوريات، واستخدمتها القبائل العربية مع الإسلام عندما استغلت جانبها العنفي بقوة وعمق.
    حتى أن الفقهاء الذين كانوا ضمن جيوش خالد بن الوليد أو عمر بن العاص وموسى بن نصير وعقبة بن نافع، أو القادة المحاربون الذين كانوا أفقه الناس بينهم بالإسلام، شاركوا في الغزوات كمحاربين، ولم يحاولوا أو يتمكنوا من تغيير ثقافة الغزو بين الأعراب الذين شكلوا الأغلبية من هذه الجيوش، وقد تبينت هذه الحالة عندما جمع خالد بن الوليد الناس من القبائل المجاورة غير المسلمة، بعد تخلي الأغلبية عنه، قبيل مهاجمة الإمبراطورية الفارسية وتدمير عاصمتهم المدائن والتي أدت إلى نهب شعوب الإمبراطورية وسبي الألاف من نساء وشبابهم، قبل نشر الدين بينهم، وسيقوا إلى داخل الجزيرة العربية، مع أموالهم المنهوبة، كما وفيما بعد وفي فترة زمنية لاحقة ينقلها بشكل واضح الشاعر مالك بن الريب في مرثيته الشهيرة، بعد أن لبى دعوة سعيد بن عثمان بن عفان ل(يغزو) في جيوش والده، بعد أن أقتنع وآمن بالإسلام وغزا معه طالبا المال والغنائم وليس لنشر الدين، وجرح ومات في طريق عودته إلى دياره. وقد برز دور القبائل العربية غير المسلمة أو الإعراب الذين كانوا يقاتلون في الجيوش الإسلامية كثيرا عندما عزلوا من الاسترقاق وخيروا بين الإسلام أو أن يقتل، فتشكلت الجيوش الإسلامية من أكثرية لا تفقه ولا تعرف من الإسلام شيئا. 
  معظم القبائل العربية الغازية، كانت حديثة العهد بالإسلام، ومعارفهم لم تكن على سوية التلقي من العقيدة إلا الفتات من المفاهيم، والكثير من الطموحات المادية والسبي، وهذه المفاهيم في الدين كانت واضحة ومفهومة لكل جاهلي إلى جانب حوريات وخيرات الجنة، فمقدرتهم على فهم الدين الجديد ونشره كانت تمر من خلال هذه الأبعاد، التي ركزت عليها قادة العرب المسلمون وطبقت عمليا وبشكل واسع، وفي غيرها كانت شبه معدومة مقابل خبرتهم العميقة بالعصبية الجاهلية الطاغية، وكان بينهم وبين ثقافة الشعوب المجاورة مسافات زمنية.
   حتى وأن قادتهم في البعد الآخر لم يستوعبوا بنية الدولة الحضارية، وكذلك ثقافتها، لكنهم، مع ذلك وبسرعة هائلة بعد وفاة الرسول(صلى) وبأقل من ثلاثين سنة، سادوا على جغرافية مترامية الأطراف، واحتلوا مدن تعيش الحضارة، كالمدائن ودمشق، عاصمة الحضارتين. 
  قبائل عربية، لم يكن بينهم من يعرف القراءة والكتابة إلا بضع عشرات، وبين قريش عند نزول الوحي كان هناك 17 شخصا فقط يعرفون الكتابة، وأثناء الحروب الداخلية التي جرت من أجل السيادة، قتل معظم هؤلاء وبينهم أغلبية حفظة القرآن، فأغلب الذين فرضوا الإسلام على الأمصار، كانوا جهلاء بالعلم والدين، فمزجوها بالعصبية العربية الجاهلية، ولم ينشروها سلاما. وفي الواقع كانت الفتوحات غايتها الغنائم  للخروج من واقع العوز والفقر، وكان العرب يحملون ثقافة تبتذل القلم وتمجد الغزوات والسبي، وعلى أثرها أغرقت المدينة ومكة بالسبايا والغنائم من كل الأنواع، وقيل أن الزبير بن العوام في عهد عمر بن الخطاب كان يملك ألف سبي وألف إمة، ورواية بنات يزدجرد حفيد كسرى ملك الفرس الثلاث اللواتي جلبن سبايا إلى المدينة مع الألاف من نساء شعوب الإمبراطورية الفارسية ورجالهم، تبين حقيقة غاية العرب المسلمون من الغزوات، وقد طلب من عمر بن الخطاب بيعهن في سوق النخاسة بالمدينة، لكن علي بن أبي طالب قام بتوزيعهن بين عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان منها سالم، وأبنه الحسين والتي اسمها جهان شاه وولدت له علي زين العابدين، وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق ابن زوجته، مترملة أبو بكر الصديق، وولدت له  قاسم، إلى جانب أن الحسن كان قد تزوج من ابنة يزدجرد الرابعة وهي التي يقال في رواية إنها سممته ثأراً وتحريضا من معاوية بن أبي سفيان. وتعتبر هذه الحادثة ورؤية سبايا وأطفال الفرس المشردين في المدينة من الأسباب الرئيسة التي دفعت بفيروز النهاوندي بالتخطيط مع هرمزان ملك أهواز الذي كان أيضا سبيا في المدينة على قتل عمر بن الخطاب ثأراً لسباياهم ومزلتهم واحتلال العرب المسلمون لبلادهم. 
  هذه الروايات تظهر الخلفية الثقافية للقبائل العربية، والتي تكالبت على استعمار الشعوب، تزلهم وتستعبدهم رغم اعتناقهم الدين الجديد، وأن الجيوش الإسلامية كانت موجات استعمارية لم تختلف عن طغيان الروم واحتلالها للمنطقة، ورواية بنات يزدجرد لا تختلف عن طريقة الرومانيين لاحتلال تدمر وسبيهم لزنوبيا وإرسالها إلى روما، مع اختلاف حضاري توضح عندما ظهر العمران الروماني وظل راسخاً حتى يومنا هذا، مقابل انعدام أي صرح إسلامي عربي. 
  وعلى بنية هذه الحقائق، تظهر أن نشر الإسلام كانت تغطية لغايات أوسع وأعمق تكالبت عليها القبائل العربية تحت غطاء الدين الذي لم يقدم فكرا بقدر ما قدم مفهوم الجهاد من أجل كسب المال والنهب والاغتناء من ورائها، فمعرفة هذه القبائل كانت ضحلة بالمدنية، والدين الجديد لم يقدم شيئا يفوق ثقافة الحضارتين اللتين هدما بنيتهما، فأديا إلى تراجع في الواقع العلمي، وأرضخوهم لتغيير جذري في الثقافة بشكل سلبي، وقدراتهم المعرفية كانت دون سوية بناء دولة على أنقاض الحضاريتين، فاستمروا على أساليب السيطرة والاحتلال العسكري بواقع قبلي لفترة زمنية طويلة.
  عدم معرفتهم في بناء الدولة المدنية أدت إلى تصاعد طغيان السلطة الدينية السياسية، وتسيير مقاليد الأمور في المستعمرات ظلت بيد رجال الدين، والحاكم أو الخليفة كان رجل دين قبل أن يكون سياسيا، في الوقت الذي كانت مؤسسات الحضارتين وفي المسيحية الدين يخدم السياسة، فتغيرت المعاملة في المناطق عند ظهور الإسلام العربي فأصبحت السياسة خادما مطيعاً للدين الجديد الحامل معه الكثير من قوانين ومنطق وشريعة القبائل الجاهلية، وهذا بدوره، وبعد استعمار الإسلام العربي للمناطق تفاقمت عندهم العصبية العربية الجاهلية، فخدمت السياسة اللغة العربية كلغة مقدسة، وفرضت على معظم الشعوب تعلمها، كحكم إلهي على بنية تعلم القرآن، وطغيان بشري على خلفية العصبية الجاهلية للقبائل العربية المحتلة للمناطق.
وعليه فإن معظم شعوب المنطقة أسلمت، ليس على بنية معرفتهم لمفاهيم الدين القادم إليهم عن طريق قبائل أمية غازية من أجل المال والسبي، بل أملين بالتحرر من الطغيان الروماني الموجود والغريب عنهم، أو الرهبة من القبائل المتوحشة البدوية ضمناً والإسلامية ظاهراً، كما ذكرها أبن خلدون، الفقيرة والمستميتة على النهب وكسب الخيرات المادية، والتي ظهرت على الأبواب فجأة، بعد أن قضوا على جيش يزدجرد الفارسي، تتقدمهم ثقافة الغزو، حيث الفدية أو قتل أو سبي من لا يسلم، فالشعوب كانت تسلم ذاتها للقدر القادم حفاظاً على أرواحها وممتلكاتها. وهي في كثيره لا تختلف عن الظاهرة المنتشرة اليوم في العالم الإسلامي، حيث الرعب من المنظمات الإسلامية التكفيرية والإرهابية كداعش والنصرة والقاعدة وحركة طالبان وغيرهم المنتشرون في الأصقاع الإسلامية، فتتقبلهم المجتمعات حفاظاً على أرواحها وممتلكاتها...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
25-8-2015
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19664