الخلاف والاختلاف في الحركة الكردستانية - الجزء الثاني
التاريخ: الأثنين 07 ايلول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  رغم أن سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه هما وراء نشأت هذه المنظمة الشاذة(داعش) ومنبتها وتوسعها ولا يزالون يستخدمونها بشكل أو آخر، مع ذلك فتركيا وأمريكا معا يقدمان لها الدعم أو يتغاضون عن تمددها، وتوسعها، ويحاربانها متى ما بلغت مرحلة تجاوز الحدود المسموحة لها، تقصفها أمريكا على أطراف المناطق الممنوعة لها التقرب منه، ومنها المنطقة الكردية، وتهددها تركيا عندما لا تنفذ إملاءاتها وأجنداتها واهمها مهاجمة المنطقة الكردية، ورغم هذا التناقض بين مصالح الدولتين لكنهما يبقيان على اختلاف حضاري وحوارات دبلوماسية، وبعد عقدين اتفقا وبمرحلتين، الأولى التوقيع على استخدام قاعدة إنجرليك  والتغاضي عن ضرب العمال الكردستاني والان تمت الموافقة على إبعاد داعش عن المناطق الحدودية مع تركيا،


 وعلى الأغلب سيكون بالطلب وليس استخدام القوة العسكرية، فهي منظمة تعيش على المساعدات التركية اللوجستية، وستلبي مطلبها بطريقة ما، وهي منظمة بعثية، إسلامية، تكفيرية، مافياوية، سمها ما شئت، تستفيد من هذه التضاربات بشكل رهيب، مثلما استفادت من تناقضات الكتل السياسية العراقية ومن خدمات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لتستولي على أسلحة الجيش العراقي بشكل كامل تقريبا. والغريب أن القوى المعارضة السورية المتعايشة في المدن التركية تصمت على هذه الجرائم والخدع، وتغرق يوما بعد آخر في انتهازيتها وخنوعها لأجندات الدول المحتضنة لها، والمؤدية إلى تفاقم معاناة الشعب السوري، لأنها تنطلق من منطق الاختلاف مع تركيا ودول الخليج على المسلك لبلوغ الهدف المشترك وهو تغيير سلطة بشار الأسد العلوي، وليس تغيير النظام، وأمام هذه التجارب، تغمض الأحزاب الكردية والقوى الكردستانية أعينها، وكأنها لا تعي ولا تفهم الجاري حولها، وتستمر في عملية توسيع هوة الخلاف والصراع، ولا تحاول الاستفادة منها رغم وضوحها أمامهم.
  وكما هو معروف ومبان لكل أطراف الحركة الكردستانية وفي غربي كردستان، الهدف والغاية النهاية، هي كردستان حرة، ويجب ألا يكون عليه اختلاف، بل الاختلاف هو على الدروب المتبعة لبلوغها، لكن في الواقع الكردستاني الجاري توسعت الخلافات وتجاوزت المسالك لتتطرق إلى الاجتهادات حول الغاية ذاتها، وتحت مسميات متنوعة وبضبابية، لذلك ينتقل الاختلاف وبسهولة إلى واقع الخلاف، حيث التنازع، ومن ثم الصراع، فيحدث الافتراق، وهي وبالتأكيد ترمي بكل الأطراف إلى مستنقع السلبيات، ويخيم الضعف على الحركة الكردستانية ومكانة الشعب الدولية، وتقل إن لم تنعدم فرص النجاح لبلوغ الهدف. 
ولا شك أن الشعب الكردي يدرك بغريزته، ومن منطلق العاطفة القومية والوطنية، أن التنوع في الرأي عند أطراف الحركة الكردستانية شبه معدومة، لذلك يتزايد عنده الانتقادات لحركته السياسية، وتتقلص أو تنعدم ثقتهم بها، كما وبدأت في السنوات الأخيرة تتجه أصابعهم إلى أطراف من الحركة الثقافية أيضاً. والأغلبية من الشريحة الواعية تعلم أن الاختلاف يقبل فيه الاجتهادات والحوارات والرأي الآخر، وخاصة إذا دعمت بمسوغات منطقية، لكنها تتحول إلى خلاف إذا أستخدم الإكراه، وأشبع بجهل متعمد، ومزجت الحوارات والانتقادات بالرغبات أو النزعات الفردية أو الحزبية وقدمت اجتهادات مبنية على الأنا أو النحن. وتاريخ الأحزاب الكردستانية، وحاليا الكردية في غربي كردستان، تخلى من حسن النية تجاه الآخر، ولهذا كانت أمكانيات التقارب والتآلف، معدومة، فغلب واقع الفراق على مر الزمن.
   في كل الحالات يوجد هناك المخطئ والأكثر خطأً، حتى لو دعمت كل الأحزاب مواقفها بحجج ومسوغات ذات مصداقية، لذاتهم أو لمؤيديهم، لأن المنطق يعرض الأطراف المتناحرة ضمن الواقع المذموم، فلا يعطي الحق لأية جهة، والتمسك بأحقية الهيمنة على دروب النضال وأساليبه لبلوغ الهدف، تصبح هشة ولا تحمد عقباه، ولا يؤمل منها نجاحا قيما أو انتصارا قوميا وهي في هذه الضحالة، فالجهتان يحملان الإثم ذاته، حتى ولو كان أحدهم أكثر ذنباً، لأنه تنعدم في واقع الخلاف مفاهيم ومبادئ النسبية، والعدالة، ومعظم الصراعات بحد ذاتها تبنى على جهل الأطراف المتنازعة أو عنادهم أو تفاقم نزعة الطغيان. ومن المنطق أن يكون الحكم من خارج الحلقة، وهذا الحاكم في المجتمعات الحضارية يكون عادة من الحركة الثقافية الواعية، لكن وللأسف في الواقع الكردي أغلبية هذه الشريحة منحازة إلى جهة سياسية دون الأخرى، أو أجبرت على الرضوخ لإملاءات الأحزاب السياسية، وأغلبها تشارك في الصراع، وتلغي عن ذاتها صفة التنوير، تحت حجج متطلبات مرحلة الصراع مع العدو، متناسين أن المرحلة تتطلب تنوير المسالك للحركة السياسية الكردستانية، عندما تتيه وطنيا أو مع العدو.
   رغم الاتفاق على أن كردستان مستعمرة، والمؤامرات متواصلة عليها، وتشترك فيها الدول الإقليمية، وتدرك الأغلبية الكردية هذه الحقيقة، لكن الاقتراب من الحلول تختلف وتتدرج في كثيره إلى واقع الخلاف وتؤدي إلى صراعات داخلية موازية لصراع الكرد مع الأعداء، فقضية داعش الأن أصبح من أحد أهم الأخطار المحدقة بالمنطقة، يقترب منها الولايات المتحدة بمنطقه وعلى خلفية أجنداته، ويتعامل مع القوى الكردية على بنيتها، ورغم أن المصالح هنا تلتقي، لكن يبقى الضعف الكردي فارضا ذاته لطغيان الخلافات بين الحركة الكردستانية، وتسعيرها من قبل شريحة ثقافية واسعة، فتستغلها الحكومة التركية، وتزيد من تأجيج الخلاف، ولا تتوانى بالتغطية إعلاميا على ما تقدمه من إسناد وخدمات في كل المجالات للمنظمة التكفيرية ولغيرها اللواتي هم على التماس مع المنطقة الكردية...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
2482015
نشرت في جريدة بينوسا نو العدد 40 الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19638