مؤسسات مثقفي غربي كردستان
التاريخ: الأحد 06 ايلول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس 

   المثقف الوطني، هو الذي يحتاجه أي شعب، في الثورات أو بدونها، لإحداث التغيير الحضاري فيه. والشعب الكردي، من ضمن الشعوب التي هي بأمس الحاجة إلى الثورة الثقافية لتغيير النظام الجاري، وعليه فمهمة مثقفه الوطني صعبة، وثقيلة، ففي الداخل، وحيث هيمنة السلطة الشمولية، عليه أن يتبنى إعادة جزء من البناء المسموح له، وفي الخارج، حيث فضاء الحرية، وسهولة المهام، عليه تكثيف جهوده، لبلوغ الغاية، مع ذلك كثيرا ما تخلفت شرائح من الحركة الثقافية عن أداء مهامها في الداخل، وتقاعست مثلهم مجموعة في الخارج وبشكل ذاتي، ومن بين أخطائهما، عدم التوافق على توزيع الأدوار والمهام فيما بينهم، ولم يتمكنوا من بناء المؤسسة المناسبة لدمج الطرفين وبواجبات مختلفة، لترقى المؤسسة إلى سوية القضية وحيث الظروف الجارية. كانت للسلطة الشمولية دور في هذا التمزق، ليس فقط بين الحركة الثقافية والسياسية، بل بين المجتمع بكليته، وأجبرت الحركة السياسية على أخذ حصتها منه، وفرضت عليها أن تتسلط على قسم واسع من الحركة الثقافية.


    وعليه وعلى مدى السنوات الماضية ناشدت رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، المثقف الكردي، وطلبت منه التمسك باستقلالية الرأي، والقيام بتحليل الواقع السياسي والثقافي للمجتمع الكردي بشكل أكاديمي مشترك، كمرحلة أولى عند الدفاع عن القضايا الوطنية، وذلك من خلال مؤسسات ثقافية، لتكون لكلمتهم التأثير والثقل المناسب، كما وطلبت، من الخارج والداخل، أن يعملوا وبطرق مختلفة، كل حسب مجالاته والأجواء التي يستطيع التحرك ضمنها،  لإحداث تغيير في الموجود، ويضعوا بصماتهم على مسيرة الأحداث الجارية، كما وناشدت ببيانات ومن خلال نقاشات وسجالات ثقافية، جرفت إلى خلافات سياسية، أن يقوموا بمسؤولياتهم، حتى ولو كانوا منتسبين إلى أحزاب سياسية، وطالبت بالعمل على تغيير الإرهاصات التي خلقتها الأنظمة الشمولية. وقد كانت الرابطة على قناعة أن محاولات التغيير لا تتم بانتقادات فردية، أو تهجمات عشوائية، لأن المهمة كبيرة، والحمل ثقيل، فمن العبث الاعتماد على جهود شخصية، لتغيير مؤسسات سياسية ورائها تاريخ، أو أحداث تغيير في ثقافة غرزتها سلطة البعث والأسدين على عقود من الزمن، ولا شك أن معظم المثقفين والكتاب يدركون حقيقة إيجابيات العمل الجمعي، لذلك تظهر بين فينة وأخرى بيانات تناشد جميع الأقلام بالإسناد والدعم والتأييد  ووضع أسمائهم على الصفحة، قبل النشر، فالعمل مهما كان قيما سيظل بحاجة إلى إسناد  لامتلاك قدرات التغيير.  
   المثقف الكردي في الداخل كان معذورا، في طريقة تعامله ونبرته، وأساليب نقده، وعلى بنيتها بررت رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا الخلافات التي حصلت بينها وبين مؤسسات الداخل، كاتحاد الكتاب الكرد، المجموعة الأولى الضامرة، والثانية المتصاعدة بسند خارجي، وفيما بعد انشقاقها على نهج الأحزاب وحسب التبعية، وتفهمت معاناة الداخل بكل أبعادها، وتقبلت كل أنواع الانتقادات، والتهجمات التي ظهرت على نبرات متنوعة، وبشعارات مختلفة، والمطروحة معظمها تحت ارضاخات قوى سياسية متسلطة، وبقيت الرابطة متمسكة بمنطق إعطاء المشورة، وعرض النصائح، للمؤسسات التي تشكلت تحت ظروف وشروط مفروضة عليهم، فالرابطة تبحث عن نقاط الاختلاف، لأنها تدرك أن المثقف الكردي هو الإنسان ذاته، في الداخل أو الخارج، والوطني سيبقى كذلك أينما كان، وبدون التمييز في الجنس أو الطبقة، وهو المتحرك ضمن كل المجالات الفكرية، من واقع اجتماعي إلى قضايا سياسية تهم الوطن، يبحث في خلافات الأحزاب الكردية والكردستانية، حسب قناعاته، وانتماءاته. والرابطة على قناعة بأن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المثقف الكردي، هي تقبل الرأي الأخر، والنقد، وأن يكون عادلا بين ما يطرحه وما يعرضه الأخرين، ولا تنسى أن الحكمة هي في الصبر والتواضع.
  تصاعدت في السنوات الأخيرة مفاهيم التزام المثقف في غربي كردستان بمنطق الحزب، ومعها تفاقمت أبعاد النقد إلى محاور مهاجمة الأحزاب السياسية الأخرى. وعلى بنية النقاش على هذا المحور، نأت الرابطة الإقحام فيما كانت تجري تحت هيئات السياسيين في الداخل، لذلك تعرضت إلى التهجم من عدة أطراف، لكنها ومن موقعها كانت تملك الرؤية الواضحة، وخرجت بقرارات صائبة، تبينت اليوم بأنها كانت الأصح في أحكامها، والتي بنتها على دراسة واقعية لمجمل الأوضاع في المنطقة الكردية، وما جرى لأعضاء الاتحاد المتشكل على خلفية مؤتمرات استباقية، للتباهي أو ردع الصدع المفروض عليهم، بينت أن الدرب الذي أتبعوه كان متعرجاً وغير سالك ولها نهاية مؤسفة، بل وأن بناء المؤسسات الثقافية وبهذه الطرق وفي مثل تلك الأجواء لا تعطيها القوة الكافية لتنوير الطريق للحركة السياسية والمجتمع الكردي. ولأخطائهم انجرفوا إلى التمزق، وبرزت ضياع ثقة الشعب بهم، بل وأصبحت، وعلى خلفية أعمالهم، أغلبية الحركة الثقافية في حالة لا تحسد عليها، مثلها مثل الحراك السياسي إن لم تكن أكثر سلبية، وهذا هو تقييم الشعب. 
أغلبية الحركة الثقافية، لم تقم بدور التنوير المطلوب منها، ولم تتجاوز مراحل النقد السلبي والتهجم، ولم تقدم الخطط المنطقية البديلة، ولم تتمكن من إقناع الحركة السياسية بآرائها، حيث الظروف الاستثنائية العصيبة المارة فيها المنطقة بشكل عام وغربي كردستان بشكل خاص، خلقوا أعذارا لها، وقسم آخر نهلوا من سياسة الشجب دروسا، أتبعوها، وتعمقوا فيها، وكرسوها، وتغاضوا أو تناسوا أهمية التشخيص للواقع الكردي المذري، وواقع حركته، بل أثخنوا في جروحها، ونادرا ما قام البعض بوضع حلول أو علاج لحالتهم، ومعظم ما ظهر في هذا المنحى، إرشادات ضبابية، فردية لم تغني، ولم تثير حفيظة الحركة السياسية، الهشة أصلا، كما لم تتمكن الحركة الثقافية وعلى مدى السنوات الماضية والمصيرية في تاريخ الشعب الكردي، من تأليب الشعب، أو جمعهم حول رأي واحد، فبدأت الجماهير تنتبه إلى حقيقة أن الحركة الثقافية ليست بأفضل وضع من السياسية.
وللأسف يشارك المثقف السياسي الكردي، أو الملتزم حزبيا، في تردي هذا الواقع. والمنتسب إلى الأحزاب المسيطرة أكثرهم استهلاكا للمفاهيم الهشة، والمنفرة، حتى ولو كان موسوعة، لأنه منقاد ولا يقود أو ينور الدروب، لا تسمح له حزبه بإعطاء أكثر من مشورات عرضية، وفي الواقع ينصهر بعد فترة من انضمامه إلى الحلقة الحزبية، ويذوب مع أجنداتها، أو أنه يواجه إكراهات لتسييره ويصاب بعد فترة بالوهن. وبعكسه المثقف الوطني، الواقف خارج الأحزاب، أو الذي هو سيد رأيه ومفاهيمه حتى ولو كان منتسباً، يقوم عادة بتغيير الذات أولاً، والتخلص من تراكمات مفاهيم موبوءة، خاصة تلك المقتحمة حياته منذ الفترة التي كانت السيادة الثقافية للبعث وسلطتي الأسد. والمثقف المستقل يملك فضاء أوسع لحرية الكلمة، ويرى دروب تغيير المجتمع بشكل أوضح، أو إرشاد الحركة السياسية بشكل أصوب، والتركيز على القضايا الوطنية لا الحزبية، وعلى الأغلب يتمكن من قراءة المستقبل، وتوضيح الهدف، يستثنى الشريحة الباحثة عن الذات، من خلال عرض المخالف المنفر لخلق الجدل حول نفسه. وعلينا جميعا، أن ننتبه، أن النقد وحده، وتقزيم البعض، لا يكفي ولن يخرجنا من الهوة، والحركة الكردية ستنجح في مسيرتها وستبلغ غاياتها عند عرض البدائل ومناقشتها معا، والبحث عن الحلول للمعضلات الكردية، بشراكة وعن طريق مؤسسات ثقافية مستقلة، فالإتيان بالمخطئ ومحاكمته وتعريته لا يكفي بدون أن يرافقها عرض الخطط المنطقية للمستقبل.
  لهذا، ناشدت رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا من خلال ادبياتها، ومن على صفحات جريدتها الشهرية (بينوسا نو) وبناءً على المفاهيم السالفة الذكر، المثقف الكردي، بوضع بصمته على مسيرة الأحداث، ويقوم بمسؤولياته، من خلال مؤسسات ثقافية مستقلة، وخارج إملاءات الأحزاب السياسية، وجريدتها (بينوسا نو) تمكنت خلال السنوات الماضية من إثارة صوت المثقف الوطني، مستندة على بنية ثقافية متينة، وتبنت على صفحاتها، مسيرة دعم لنخبة من المثقفين الكرد، ورغم الإمكانيات الضعيفة لها ولرابطتها، استطاعت المحافظة على استقلالية جزء مهم من الحركة الثقافية، وواجهت بعض المطبات، وانتقادات لاذعة، بل تهجمات مباشرة.
 وفي الختام، لابد من القول إن رابطة الكتاب والصحفيين الكرد أمامها مهام صعبة وحمل ثقيل، فهي المؤسسة الأكثر حيادية بين الحركة الثقافية في غربي كردستان، وقد تبنت هذا الدرب منذ نشأتها، وحافظت عليها رغم التهجمات والانتقادات غير الخلاقة، وتمكنت من أن تعكس رؤيتها بشكل شفاف للمجتمع وللأطراف الأخرى من الحركة الثقافية، وتخلق التقارب والتفاهم، وتصر على العمل المشترك، لأنها توصل بالمجتمع إلى غايتها. فمعا سيكون تنوير الدروب أسطع، والرابطة تدرك أنها لا تزال في أول الطريق، والمسيرة طويلة وشائكة وشاقة، وبدون الأخرين سيكون الدرب أصعب، ولهذا علينا العمل بشكل جماعي، وأن نشترك بطرح الأراء والمفاهيم، والخطط لتغيير النظام الثقافي السياسي الجاري، وصفحات جريدتها (بينوسا نو) مفتوحة للجميع للخوض في هذه الحوارات، فنهجها هو مبدأ تقبل كل الآراء وطرح كل القضايا الوطنية، والنقاش عليها ومعالجتها، ووضع أفضل الحلول لها.
د. محمود عباس 
الولايات المتحدة الأمريكية
28-8-2015
افتتاحية جريدة بينوسا نو العدد (40)الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19628