معادلة المفاعل النووية الإيرانية .. إيران تنتصر
التاريخ: الجمعة 17 تموز 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  120 مليار دولار، أموال إيران المجمدة في البنوك العالمية، ستحصل عليها، على مراحل، كما وستحدد أوبك سقف جديداً أعلى لإنتاجها النفطي، وستباع بالأسعار العالمية، خارج الأسواق السوداء والتي كانت تفعله من خلال دول، كالعراق مثالا، وستخفض نسبة الهدر في الاستيراد، وستقلص من صرف الأموال على شراء التكنلوجية العسكرية، هذه وغيرها من البنود المدرجة في مئة صفحة حسب الاتفاقية بين أمريكا وإيران وبمشاركة خمس دول أخرى. إنها بداية نهاية الحصار الاقتصادي المفروض على إيران والمتشدد خاصة في السنوات العشرة الأخيرة، مقابل الحد من المفاعل النووية، والتي هي بذاتها دعم آخر غير مباشر لتمتين بنيتها الاقتصادية. فالأموال التي كانت تصرف على الأسلحة ستندرج ضمن الخطط الاقتصادية الإنمائية.


 الاتفاقية ستخلق من إيران دولة باقتصاد ضخم، سترفع من قدراتها، وستخرجها من التضخم المالي، ستوقف من تدهور قيمة عمولتها أمام العملات الصعبة، وستضع حد تراجعيا لأسواقها الداخلية، إيران بدأت تلم نتائج انتصارها اقتصاديا على حساب دعم الإرهاب، منذ القاعدة في العراق وعند سقوط أول الجنود الأمريكيين في شوارع بغداد إلى فيينا حيث نهاية مفاعلها النووية التي صرفت عليها حتى الأن قرابة 20 مليار دولار لتحصل على أضعافها، كانت مقامرة ولعبة بوكر وتكاد أن تنتصر بشكل كامل إذا لم تتلاعب بمصيرها، وانتبهت إلى الخدعة الدولية التي كادت تغرق فيها، بجرها إلى الهدر على الهيمنة الشيعية، مثلما حصل لمعمر القذافي عند صرف أموال  ليبيا على الإرهاب والصراعات الخارجية. فهي تشبه في كثيره الحظر الذي فرض على ألمانيا واليابان بعد سنوات الحرب، والتي جعلتهم من الدول الأكثر رفاهية ورخاءً بين الدول الأوربية والعالمية. 
 توقعات، لمستقبل إيران، في حال صرفت حكومة ولاية الفقيه الأموال بالطرق الصحيحة، وأدرجتها ضمن الخطط الإنمائية للوطن، وأبعدتها عن عمليات التوسع والهيمنة الفكرية –المذهبية، والعنجهية الفارسية، وتغاضت عن تمويل المنظمات الإرهابية والأحزاب الطائفية، كحزب الله، والسلطات الشمولية كسلطة بشار الأسد.
 لم تبنى الاتفاقية على الثقة بل على الحقائق والوقائع، هذا ما ذكره رئيس أمريكا السيد براك أوباما في سجالات الدفاع عن الاتفاقية المرفوضة من نواب الحزب الجمهوري، وأرفقها بأنه سيستمر في الحصار، وسيعيد الضغط في حال عدم التزام إيران بالبنود أو خرجت عن شروط لجنة هيئة الأمم المرسلة إلى إيران لتطبيق الاتفاقية ومراقبة عمليات تفكيك المفاعل، وتحديد إخصاب اليورانيوم إلى 10% من السقف الموجود حاليا. مع ذلك فالانتقادات حادة، والشكوك متنوعة، ومن جهات عديدة بدءً من إسرائيل إلى دول الخليج والعالم السني، إلى نواب الحزب الجمهوري، الذين يدفعون بالسيد براك أوباما في الظهور على القنوات التلفزيونية أكثر من المعتاد في الأيام الثلاث الأخيرة، مدافعا عن الاتفاقية بكل قوته، ومهددا مسبقا نواب الجمهوريين في الكونغرس باستخدام الفيتو، فارضا استراتيجيته، التي شدد عليها في الفترة الثانية من إدارته، حيث صفر ضحايا الأمريكيين في الخارج، وبلوغ معادلة التوافق بالطرق السلمية، وإدراج أمريكا ضمن الدول العالمية الأخرى، حيث الهيمنة عن طريق الاقتصاد، والتكنلوجيا، وقوة الرأسمال، وسيطرة شركاتها العالمية، وهي استراتيجية  مغايرة لكل ما سبق، تتلاءم والتطور الحضاري، بل تعتبر طفرة مثل طفرات ظهور الإنترنيت، قد لا يدركها الأغلبية مثلما لم يدركوا قوة الإنترنيت وهيمنتها في بدايات ظهورها، وهي ناعمة في السيادة والسيطرة، لهذا تتهم  وتوصف بالضعف والجبن والخوف من المواجهة المباشرة، في طرق حل القضايا الساخنة، لكن الديمقراطيين الليبراليين ومنذ عهد نائب الرئيس كلينتون،  آل غور، والتشديد على النت وحماية البيئة، أدرجت الاستراتيجية الأمريكية لدى الديمقراطيين في  أبعاد مغايرة للمسيرة الكلاسيكية.
 لا شك التعامل مع سياسة إيران ودول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، تتوضح من خلال هذه الاستراتيجية. فتوقعات إبعاد إيران من المنظمات الإرهابية تقارن بمدى ابتعاد دول الخليج من إسناد بعض المنظمات، ولا يستبعد أن نقاط في هذه القضية بحثت في النقاشات الجانبية، رغم أنهما صرحا في مباحثات فيينا السابقة أنهما سيفصلان مباحثات المفاعل النووية والحصار الاقتصادي عن قضايا المناطق الساخنة كسوريا واليمن والبحرين، لكن لا بد وإنها بحثت في أروقة جانبية، وعليه كان أتصال براك أوباما مع إسرائيل وبعض دول الخليج للاطمئنان، كما وتصريحات الخارجية الإيرانية بأنهم سيدعمون الحرب على الإرهاب، ولم تتوضح فيما إذا كان القصد منه دعم ما تقوم به الميلشيات الشيعية في العراق وحزب الله في سوريا والتي لا تقل إرهابا عن إرهاب داعش، أو ما تقوم به دول الحلفاء، وهو في عمقه كان تصريحا ضبابيا دبلوماسيا رافق مرحلة الاتفاقية. 
 من خمس سنوات إلى ثمانية، هي الفترة التي ستبقى اللجنة الدولية في إيران، مراقبة المفاعل النووية وبعض المراكز العسكرية الخاصة بالصواريخ البالستية، مع ذلك إسرائيل قلقة بشأن الاتفاقية، إلى حد المواجهة المباشرة مع إدارة أوباما، وتحريك واسع للوبيها ضمن الكونغرس وغيره من الأروقة السياسية الأمريكية والأوروبية، فهي لا تهاب السلاح الإيراني الكلاسيكي كما تدعيه، ولا من المفاعل النووية، فهي تملك أضعافها وأكثر تطورا، ترهبها المنظمات الإرهابية التي تدعمها إيران والفكر التكفيري، فالاقتصاد القوي وبقاء الفكر الديني المتطرف، هي ما تريده إسرائيل  الحد منه، فمن حيث المنطق الفعلي، انتصرت إيران على دول المنطقة وضمنها إسرائيل في هذه العملية، إذا نجحت، أكثر مما لو صنعت القنبلة الذرية. وهي ترهب دول الخليج بالمد الشيعي، عن طريق مواطنيهم من المذهب الشيعي، وأغلبيتهم ينتمون إلى المذهب أكثر من انتمائهم إلى الوطن أو الجنسية القومية، إضافة إلى دور المنظمات المدرجة مؤخرا في قائمة المذهب الشيعي كالحوثيين الزيديين. الرهبة التي أدت إلى إجراء صفقات شراء أسلحة من أمريكا وروسيا وأوروبا تجاوزت التريليون دولار، بينها صواريخ بعيدة المدى ورادارات عالية التكنلوجية، وعقود ضخمة لشراء الطائرات بعد اتفاقية فيينا الأولى، والقادم أبشع. وهو ما استند إليه براك أوباما عندما واجه نقد الجمهوريين، بأنه في حال عدم بلوغ الاتفاقية، دول أخرى في المنطقة ستقوم ببناء مفاعل نووية مماثلة، والعالم سيكون أمام تزايد الدول الصانعة للقنبلة الذرية، وكان يقصد به السعودية. والاستراتيجية في عمقه، هي عملية التوازن العسكري الاقتصادي عند حدود معينة وسقف يضعه لهم الدول الكبرى وعلى رأسهم أمريكا. ولا يرى مخرجا من هذا الصراع، الذي بدأ منذ ظهور الإسلام وسقوط المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية، ومرورا بالصراع السني الشيعي، إلا بإعادة جدولة التفكير في تحليل خلفيات الصراع بشكل منطقي، وتقبل الآخر، فقبول الفرس ليس كأصحاب دولة حامية للشيعة، بل ككيان لهم تاريخ، وتقبل كما هي مثلما يجب قبول إسرائيل كدولة بكيان، وكذلك قادم كردستان، والقوميات الأخرى، كما يريدون، ليس كما تفرضه الذات الأنانية، ومنطق السيادة.
 الشرق الأوسط تغرق، ولن تنقذها سوى ثورة شاملة، على الأنظمة المذهبية والشمولية، والإسلام التكفيري الراديكالي، وعلى رأسهم الحكومات الداعمة لهم، وتدرج حكومات معظم الدول ضمن القائمة، فالمسيرة طويلة، والتضحيات هائلة، والمنطقة أمام دمار اشرس من الجاري، إذا لم تضع حدود للمد الشيعي والإرهاب السني، ولم ترفع عن بقاء السلطات الشمولية الحصانة الدولية، فشعوب هذه الدول هي التي تدفع الثمن، والصراع ليس جار عن طريق كميات الأسلحة ونوعيتها، فهي أدوات قد تكون بدون فعل، بل عن طريق الثقافات الموبوءة، والأفكار الشاذة المنتشرة، والتي تستند عليها السلطات الشمولية للهيمنة، وهو ما تحدث عنه السيد براك أوباما في كلمته الأخيرة، بما معناه، أن عدم وجود الاتفاقية ستزيد من حجم الصراع في المنطقة وستتوسع الكارثة، والاتفاقية قد تحد منها ومن توسع الإرهاب.
     فمحاربة إسرائيل والحد من ظهور الكرد على الساحة الدولية حجة عند البعض، والإرهاب السني حجة عن الآخرين، والمد الشيعي عند البعض، وفي الفترة الأخيرة برزت وبشكل واسع محاربة القوميات الأخرى غير العربية، أو الأديان غير الإسلامية، تحت حجة الانتماء الوطني أو العودة إلى الدين الحنيف، فانتشرت آفة التهجم على الكرد والأمازيغ، ومحاربة إسرائيل، وفي الفترة الأخيرة وبعد تزايد دور الكرد في المنطقة كقوة فاعلة في مواجهة الإرهاب، وطرح قضية بناء الكيان الكردي في المحافل الدولية، تصاعدت موجات التهجم وتوسعت الشريحة المعادية للكرد، وتزايدت ساعات البث الإعلامي في أغلب القنوات العربية وخصصت لنقد الشعب الكردي بشكل عام ودون تحديد الحركة السياسية وتكتيكاتهم، والاتفاقية الجارية بين إيران وأمريكا لم تعرض هذه القضية، لكنها فتحت أبواب لإيران للتهجم، وخلقت أمكانيات في التفرغ لها، وفرض شروطها، عن طريق أدواتها، ويتوقع أن تدرج القضية الكردية في ميزانيتهم كما هي إسرائيل، وذلك من توجهين، مذهبي من جهة والسيطرة القومية الفارسية من جهة أخرى، ولا يستبعد أن يكون الصراع على كردستان مشابها لصراع الصفويين والعثمانيين، خاصة وأن الدولتين حصلا من الدعم الدولي ليبلغا الهيمنة الاقتصادية المطلوبة، والملائمة لتفتح عيونهم أكثر على الأطراف. وبشكل عام ما يجري في الشرق الأوسط ومن ضمنها الاتفاقية المذكورة هي حرب بالوكالة بين الدول الكبرى.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
14-7-2015







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19435