على دروب اوربا مع المهاجرين*
التاريخ: الخميس 02 تموز 2015
الموضوع: اخبار



تقرير: آديا غويلو – مراسلة لوموند في اليونان
ترجمة : هجار ابراهيم (استاذ محاضر في كلية الآداب – جامعة الفرات)

نشرت صحيفة لو موند الفرنسية على ثلاث حلقات تقريرا مصورا اعدته مراسلتها في اليونان آديا غويلو والمصورة ميرتو بابادوبولوس. فقد ذهبتا لملاقاة المهاجرين القادمين من سوريا وافغانستان: واعدتا موضوعا حول وصولهم عبر البحر الى جزيرة (كوس)  التي تبعد ميلين بحريين عن ميناء بودروم التركي, وانتقالهم الى اثينا, ومفاوضاتهم مع المهربين الذين سيأخذونهم صوب شمال البلاد كي يمروا بشكل سري الحدود الخطرة نحو مقدونيا.


جزيرة كوس KOS  (اليونان): 
"وأخيرا قدماي تطآن حدود اوربا"
بزغ فجر يوم جديد في جزيرة كوس الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من الشواطئ التركية. حول مقر ادارة الميناء وهي على شكل قصر ايطالي صغير ذو ابراج يجتمع مجموعات من المهاجرين, عشرات من المهاجرين وصلوا خلال الليل بالقارب من مختلف جهات الجزيرة. الأغلبية يمكثون في الجوار نائمين على الأرصفة أو على المقاعد ليأخذوا قسطا من الراحة.
 فجأة, صرخات الفرح, جسم في عرض البحر يكبر ويكبر حتى نكاد نتكهن أنه دائرة برجية مأهولة. على الشاطئ المجاور وعلى بعد عشرة أمتار بالكاد, تآلف قوي بين اولئك الذين وصلوا منذ ساعات وهؤلاء الواصلين للتو, ابتسامة على الشفاه, يلوحون وفي اياديهم هواتفهم المحمولة يصورون لقطات للذكرى. "انا مع امي واختي مباشرة على السكايب كي اخبرهم عن هذه اللحظة حيث اطأ بقدمي لأول مرة أرض اوربا" هذا ما قاله رضوان بعد عدة دقائق (أسماء الشهود قمنا بتغييرها). 
هذا السوري البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما والذي يرتدي ثوبا يشبه أحد نجوم الراب, على رأسه قبعة لولبية, ونظارات فخمة تغطي عينيه المتعبتين جدا يروي الساعات الطويلة في الليالي السوداء على شاطئ بودروم التركي. "وبعد طول انتظار .. فجأة وبجنون كان يجب علينا أن نصعد جميعا على ظهر السفينة".
رضوان كان يخشى أن تغرق سفينته لذا فاوض المهرب على ان تقل السفينة 20 شخصا فقط دفعة واحدة كحد أقصى. أخيرا سيكون عددهم 50 راكبا. "لكن في تلك اللحظة لا تستطيع أن تقول أي شيء. زبائن المهرب مهددون. لحسن الحظ اشتريت قبل الرحيل سترة تنقذني من الغرق بخمسين دولارا(44 يورو)." لأنه كما هو حال اغلب السوريين والافغان الذين يسلكون دروب اوربا رضوان لا يعرف السباحة ولم يكن قد رأى البحر من قبل. "لقد أودعت 1500 دولار ثمن عبوري لدى شخص مؤتمن وهو لن يسلمها الى المهرب الا عندما اؤكد له وصولي الى جزيرة (كوس)". ويحدد ذلك كدليل بالرقم التركي الذي مازال يحتفظ به الشاب (السيم التركي).  
أكثر من 22000 لاجئ منذ كانون الأول   
افادنا مهاجر آخر بالتالي: "رافقنا المهرب حتى المياه الإقليمية اليونانية ثم نزل. كان احد شركائه ينتظره على متن زلاجة مائية. اشار لنا الى البعيد حيث الأضواء قائلا انها جزيرة كوس. وبمساعدة ميزة ال GPS  الموجودة على هواتفنا استطعنا تحديد مركز الشرطة الذي ذهبنا اليه مباشرة". ذلك لان الجميع يعرف انه قبل الانطلاق بحافلة صوب اثينا عليهم تسجيل بياناتهم لدى الشرطة اليونانية.
منذ بناء الجدار على طول الحدود التركية اليونانية في شمال شرق البلاد اصبحت جزر بحر ايجة الممر الرئيسي لعبور المهاجرين. يقول جوانيس كاراجيورغوبولوس رئيس قسم الأمن والعمليات البحرية وقائد خفر الشواطئ اليونانية: "اجمالا وصل الى الجزر اليونانية 22031 شخصا في الفترة الممتدة بين 1 كانون الثاني و 31 نيسان.. وهذا هو نصف العدد مقارنة بالعام الماضي".
على جزيرة (كوس Kos ) وحدها, يصل ما بين 150 الى 300 كل ليلة. " 93% منهم لاجئون فارون قسريا من مناطق الحروب, منهم 70% سوريون". حسب الكسندروس كاتالوبولوس من منظمة أطباء بلا حدود التابعة للامم المتحدة والتي حضرت الى الجزيرة منذ شهرين "لكنها لم تفعل شيئا فيما يخص  استقبالهم أو ايوائهم"  
على الجزر الكبيرة مثل سوموس وشيوس وليسبوس توجد مراكز للاستقبال وهي مراكز مغلقة تحت حراسة الشرطة لكن ظروف الاستقبال قاسية لكن على الاقل هناك أسرَة (ج سرير- المترجم) ووجبتان يوميتان وحمامات. في جزيرة كوس لا شيء من هذا. 
 

"هذا أفضل من لا شيء":
يقول اندونيس كيدوناكيس رئيس قسم الأمن المكلف بمراقبة القادمين الجدد:" يجب علينا العمل على مدار اربع وعشرين ساعة حتى نستطيع ضبط وتسجيل بيانات حوالي مئة شخص, اليوم لدينا لائحة بقدوم حوالي 750 شخص مما يعني ان المهاجر الذي وصل حديثا عليه أن ينتظر عشرة أيام وسطيا قبل ان يمر من عندنا".
خلال هذه المدة, أين سيأكل وأين سينام وأين سيستحم؟ الأغنياء يستأجرون غرفة جماعية في فندق من الدرجة الأولى على الميناء. أما الغرف الأخرى فهي محجوزة سلفا للسياح الذين يفدون الى الجزيرة منذ اول الفصل. اصبح فندقا (أليني و اوسكار) ملاذ السوريين والافغان والافريقيين الميسورين مقابل 25 يورو لليلة الواحدة. 
أما الحل الوحيد بالنسبة للآخرين فهو النوم في الخارج في مخيمات مؤقتة أعدتها السلطات المحلية في الميناء. أبلغنا اندونيس كيدوناكيس: "أمام الوضع العاجل ورفض العمدة وضع الابنية تحت تصرفنا قررنا تجديد فندق قديم مغلق منذ خمسة وعشرين عاما بمساعدة المتطوعين انه فندق (كابتن الياس) الذي فتح ابوابه امام المهاجرين منذ منتصف نيسان".
"منذ ان ازدحم المكان ب 200 شخص وسطيا أصبحت الامكانات الصحية محدودة لكنها أفضل من لا شيء", بحسب السيد كيدوناكيس الذي تابع قائلا: "عنما وصلنا الى جزيرة كوس كانت الحمامات مقفلة وقاعات الدخول التي ينام على ارضيتها مساءً حوالي خمسين شخصا على قطعة من الكرتون و ينبعث منها رائحة نتنة". 
جراح الحرب
في الطابق تضم كل غرفة ما بين خمسة الى ثمانية أشخاص والعائلات هي التي تتحمل القسم الأوفر من المشقة لان عليها أن تنعزل عن الباقين حتى لا يصاب الأطفال بالأمراض. الهاجس الكبير لدى جميع الأمهات هو اننا سنصاب بمكروه كبير في هذا المكان المختلط. ذلك ان الوصول الى المراكز الصحية في هذه الجزيرة ممنوع بالنسبة لهم. "الكريب والاحتقانات والامراض الهضمية تنتشر بسرعة, نرى كذلك الكثير من امراض المفاصل بسبب المشي, بل وكذلك جراح الحرب". كما صرح بذلك الكساندروس كاتاروبولوس من منظمة أطباء بلا حدود المنظمة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة الموجودة في جزيرة كوس.
في احدى هذه الغرف تسكن جمانة 36 عاما وزوجها أحمد اللذان يبتسمان فقد بدا لهما اخيرا انهما نجحا بإنقاذ براءة أطفالهما الخمسة وهما يداعبانهم برقة ونعومة. الصغيرة تدعى ماوا جريئة ومتمردة تترجم اسئلتي من الانكليزية لأبويها ولا تتوقف عن الضحك طوال فترة حديثنا. روت لنا جمانة رحلتها سيرا على الأقدام على الحدود السورية- التركية حتى وصلت أخيرا الى استانبول ثم استقلت الحافلة الى بودروم. بحثنا عن المهرب. قالت جمانة: "حتى يهربنا جميعنا دفعنا 4500 دولار وطوال الرحلة كنت اغني مع أطفالي التراتيل بصوت منخفض  داعين الله ليساعدنا".
رمي العائلة بين مخاطر هذه الطريق غير المؤكدة نحو اوربا لم يكن قرارا سهلا اتخذه أحمد الذي اعترف لنا قائلاً: "عندما سنكون في أمان في المانيا سأكمل واجبي. وهو حرية بناتي ودراستهن. العودة الى سوريا ليس خيارا. فهذه الحرب لن تنتهي ابداً". المانيا والسويد أو هولندا هي الوجهة النهائية لأغلب هؤلاء الذين نقابلهم.  وللمقال بقية – المترجم -   
*المصدر صحيفة  لوموند  الفرنسية  29-6-2015
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19383