الدكتور كمال اللبواني قصد حضارة النحر الجارية في كوباني والحسكة الأن
التاريخ: الجمعة 26 حزيران 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

   لم يكن تهديد السيد كمال اللبواني السابق وبالكلمات التالية الواردة في سياق مقالته (... وعلى دول المنطقة أن تتعظ مما يجري، وعلى شعوبها أن تحمل السلاح وتقاتل من أجل الحضارة التي أصبحت في مكان لا تستطيع القضية الكردية أن تدخله …)  رؤية استباقية، بل معرفة ما بالمخطط والمؤامرة التي تشترك فيها القوى المعادية للشعب الكردي، بينهم المعارضة البعثية والتكفيريين، وتنفذها داعش، بدعم من سلطة بشار الأسد، ورغبة تركية. ولنترك أبعاد المؤامرة لبحث منفصل، وسنتناقش والدكتور عن الحضارة التي لا يتمكن الكرد دخولها. وكنا نتمنى أن يعرض القضية، التي تهم الشعب السوري بكليته، من بعدها الوطني مبتعداً عن التعصب القومي العروبي.


    لا يعقل أن تقوم قائمة لحضارة في شرقنا، وعلى مدى قرون قادمة، حيث البنية الثقافية والاجتماعية النابذة لها، لكننا، تجاوزاً سنذكر بأنه في الشرق يبنى كيان لا يستطيع الكرد الدخول فيه أو يلفظهم، أو مجتمع بشري لا يتمكن الكرد من ولوجه( لعلم البعض، أن الحضارة السائدة حاليا على الأرض ولجها الكرد من أبوابها المتعددة والمتنوعة واندمجوا فيها بشكل أعمق وأوسع من أي شعب آخر في الشرق) وهي معالم في كل أبعادها نقيض الحضارة، تسود أو ستسود المنطقة، تبنى على الجريمة والسبي، وإلغاء الأخر، ونشر الثقافة الموبوءة، وخلق النعرات الطائفية والقومية، يمكن وصفها ب (حضارة النحر)، ولربما هذه هي التي عرضها البعض من المعارضة السورية سابقاً، وحالياً في حلقات دفاعهم عن النسيج العربي المهاجر عن المنطقة تحت ظروف الحرب، أو عن المجموعات الحاضنة لداعش أو التي ساندتها عند تدميرها لكوباني، والهاربة حاضراً مع جحافلهم إلى عاصمة الخلافة، والتي حرضت اليوم لتقوم بالمجازر في كوباني والحسكة. 
   وما جرى من الاتهامات وإطلاق الكلمات السوقية بحق الشعب الكردي وبعمومياته، لم تكن سوى خطط استباقية لتمرير أجندات القوى الإقليمية ومساندة داعش، تحت سقف محاربة سلطة بشار الأسد، ملمحين ضمن السياق العدائي، إلى أعمال بعض القوى السياسية، المحسوبة على الكرد، والمتبنية النهج الأممي المطبق على أرض الواقع، بقيامهم بعمليات التهجير والتطهير العرقي بحق العشائر العربية (وإن حدثت فهي مرفوضة من الشعب الكردي) مع التناسي والتغاضي، والصمت بخبث، عن الهجرة الكردية الواسعة والنزوح الهائل من المنطقة خلال سنوات الثورة السورية هذه، والمتجاوزة نصف الشعب الكردي، والتي تقف وراءها سلطة بشار الأسد وأدواته، وعلى خلفية صراعاتهم الوهمية مع جحافل داعش المدعومة من بعض أطراف المعارضة السورية السياسية والمسلحة.
    ونحن اليوم في ذكرى عمليات التعريب والاستيطان العنصري العروبي الذي تم في 24 حزيران عام 1974 م دون ظهور أي بيان تنديد أو شجب لماض الأسدين والبعث في هذه القضية (والتي جريمتها تعادل أضعاف الجريمة التي يتهم بها بعض الأطراف العسكرية الكردية من حيث البعد الوطني) التي أدت إلى تهجير ونزوح مئات الألاف من الكرد من غربي كردستان جراء القهر والتجويع والمعاناة المخطط. فالهجمات الإعلامية المبنية على هذا البعد، تندرج ضمن جدال ضحل الغاية، يراد منه خلق الصراعات العنصرية بين الكرد والعرب، وتدمير الروح الوطنية، والنيل من الكرد كشعب مطالب بحقه ضمن سوريا القادمة، وبتكتيك سياسي معروض تحت ضغوط قوى إقليمية، ولأجندات ذاتية، غايتها تهميش قضيتهم المتصاعدة إقليميا ودولياً، والذي لا يطيب للبعض هذا الظهور، وعليه يكثفون جهودهم لتشويه تاريخ الكرد والتلاعب بديمغرافيتهم في غرب كردستان، ونعتهم بما يسمح لهم ضميرهم.
 لا شك، وضمن هذا السياق، تصبح مهاجمة السيد كمال اللبواني، للكرد كشعب، وللمعارضة السورية كشريحة، ومعاتبة داعش كتلميح، ومناصرة حاضني داعش والبعثيين القدامى، تحت حجة مناصرة العشائر العربية، واعتراضه على التعامل مع الحركة الكردية، واضحة أبعادها، وتعكس ما يجول في اللاشعور، حيث التعصب القومي، والحقد تجاه الأخرين، والمتكونة على خلفية ماضية لا يستطيع التحرر منها، والتي تعزله عن بعده الوطني الذي عرف به سابقاً. 
    حقيقة واضحة للدكتور أكثر من غيره، أن الكرد كشعب، براء من التهمة، كتبرؤهم من الحضارة المقصودة، المبنية على النحر والسبي، ولهم الفخر بأنهم لن ينتموا إليها، وسينبذونها قدر المستطاع، فهم يرفضون الثقافة الملوثة التي شاعتها السلطات العروبية الشمولية بين شعوب الشرق على مدى قرون متتالية، وتحت حجج ومفاهيم متنوعة، ويعتزون بأنهم لم يكونوا دعاة حرب يوما ما، رغم كل المآسي التاريخية، ولم يجتاحوا أراضي الغير، وشاركوا في بناء معظم الحضارات، وكان لهم الفضل في بقاء البعض بأسمائهم العربية والإسلامية. وكل ما فعلوه، على مر التاريخ، أنهم حموا قدر المستطاع شعوب المنطقة وذاتهم من جحافل الإرهاب، واليوم يجاهدون لإفشال المخططات الجارية لإخراجهم من جغرافيتهم وطمس تاريخهم. ولم يتخلى الكرد طوال التاريخ عن التعامل الإنساني ومحاولات فتح أبواب الإخوة بينهم وبين الشعوب المجاورة بعيدا عن حضارة النحر. وسنكون أول من سيتحاور مع الدكتور ومع المعارضة العروبية إذا تخلوا أو تنحوا عن أبعادهم العنصرية وتبنوا البعد الوطني حيث سوريا لا مركزية فيدرالية حاضنة للكل. وما نذكره ليس وصف أدبي، بل انعكاس لرؤية صفحات التاريخ الذي يستطيع كل قارئ تتبعه، والتنقيب فيه، ولا أخالكم أن الدكتور أعلم من الكثيرين بهذه الحقائق.
 تحدث السيد اللبواني كأحد شخصيات المعارضة السورية المعروفة، عن الانتماء الحضاري، بدون تحديد مقومات الانتماء إليها، وعرض جدلية تخلف الكرد عنها، ونبذها لهم كشعب. متناسياً أن الحضارات لا تميز بين الشعوب، ولا تظهر في بيئة تسود فيها الظلاميون، والتكفيريون ومن والاهم، وهؤلاء يدركون تماما، أن أول من سيلفظهم التاريخ والحضارة، هم الشريحة التي سادت بظلامية وعلى مدى قرون من الزمن، ومعهم الشريحة المتبعة والمتقمصة جلباب رواد المعارضة السورية حاضراً، والتي تسكت أمام المجازر الجارية الأن في المدينتين الكرديتين والتطهير العرقي في الرقة (عاصمة الخلافة الإسلامية).
  ولا شك، يدرك الدكتور والأخرين من المعارضة العروبية، أن الحضارة انعدمت في الشرق منذ أكثر من 14 قرنا، وأنقطع الأمل بظهورها بعد طغيان الثقافات الشمولية، ونشر المفاهيم السادية، وكانت نهاية كل شيء اسمها حضارة، عندما قضيت على العلاقات الإنسانية، وطغى التعامل بين الشعوب على مبادئ النحر. أنعدم الأمل عندما نشرت وفرضت على الإنسان في الشرق المطلق الإلهي بسيادة المطلق البشري، وبها قضي على كل مرتكزات الحضارة، وهدمت كل أمل بإعادة بناء حضاري. وسوف لن تقم لها قائمة في المنطقة مادام هناك طغيان للفكر العروبي، واستمرت السيادة للعروبيون، وساد الفكر الإسلامي الجهادي العنفي.
وهؤلاء الإخوة الذين كانوا من قادة المعارضة الوطنية السورية، كثيرا ما يبرزون على الساحة الإعلامية، بهذه الذات المتناقضة والمهشمة فكريا، يحاولون في لا شعورهم بناء سوريا، لكنهم في الواقع العملي يدمرون البعد الوطني لسوريا، ويمزقون نسيجه المشتت أصلا من قبل الأسدين. وكلما تزايد هجومهم، في الإعلام العربي، أو على المواقع، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، على الكرد، ستتوسع هوة الخلافات بين أطراف المجتمع السوري، وستدفع بسوريا إلى واقع الانقسام والتمزق، والتخلف الفكري، وهم أولا وأخيراً مع سلطة بشار الأسد سيحملون وزرها، وسيحاسبون عليها مستقبلاً.
  أثبتت الشريحة المعادية للشعب الكردي من المعارضة العروبية السورية، وعلى مدى سنوات الثورة، وفي المؤتمرات العديدة، من خلال بياناتهم وتصريحاتهم، عدم إيمانهم بدولة المواطنة، ورفضهم الشراكة مع الشعب الكردي، وإقامة سوريا لا مركزية، بنظام فيدرالي. وتوضحت بأنهم ضد منطق المساواة، في الوطن، وفي الدستور، والشراكة في كتابة بنوده. ومن المؤسف، أن عيش الكردي مع العربي المقاد بهذه المفاهيم، لن تكون مسيرة أمان. ومع استمرار منطق الأغلبية والأقلية، والسيادة في الرأي والقيادة، سيضطر الكردي النزوع إلى حماية الذات ضمن سوريا لا مركزية، وهو حق لا يتعارض والقوانين الإلهية، من بعده المطلق، ولا البشرية في مجالاته النسبية، ويحق للعروبي ولهذه الشخصيات المعارضة السورية، اتباع مبدأ السلطات الشمولية السابقة، باتباع الخطط والتكتيكات لإعاقة المخطط الكردي، واتهامه بكل الموبقات، ومن السذاجة للكردي مطالبة هؤلاء بتحقيق العدالة، حيث منطق الضعيف، قبل أن تكون دعوة حقوقية أو عدالة بشرية-إلهية، ولا نستبعد أن هؤلاء الذين يثيرون الصراع بين الكرد والعرب، وفي مقدمتهم الذين كشفوا عن ذاتهم سابقا، والأن الدكتور  كمال اللبواني وبسام جعارة وآخرين سبقوهما، لا يختلفون عن سلطة بشار الأسد في كثيره بالتحريض بين الشعبين الكردي والعربي، وسوف يحاكمون أمام محاكم الشعب السوري، وسيكون الكردي أول من سيطالب بمقاضاتهم، لمهاجمتهم الشعب الكردية بكليته، وخلقهم الصراع العنصري بينهم وبين العرب، ومساندتهم للمنظمات التكفيرية التي ساعدت السلطة على تحريف الثورة السورية، وألصقوا بالشعب الكردي التهم العنصرية من خلال استراتيجية حزب أممي يدعي تمثيل النسيج السوري قبل أن يمثل القومية الكردية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
2562015







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19355