الفائز في الانتخابات البرلمانية التركية
التاريخ: الأحد 14 حزيران 2015
الموضوع: اخبار



نورالدين عمر

عدم حصول الحزب العدالة و التنمية  الحاكم في تركيا على الأغلبية البرلمانية التي تمكنه لتشكيل الحكومة بمفرده لم تكن خسارة له بقدر ماكانت فرصة لم يتوقع احد لحزب العدالة و التنمية لتصحيح مساره الذي كان ينحدر نحو الدكتاتورية و الانعزال. اعتقد ان حزب العدالة و التنمية  بهذه النتيجة التي افرزته الانتخابات البرلمانية التركية ليس هو الخاسر  لعدة أسباب أهمها :
- رغم تراجعه و لاول مرة منذ عام 2002  ، و عدم حصوله على الأكثرية المطلقة والتي تخوله لتشكيل الحكومة بمفرده فهو قد حصل على نسبة 40% من اصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من شهر حزيران الحالي و التي شارك فيها 20 حزبا مرخصا يمثلون مختلف الشرائح و الطوائف و المكونات في الجمهورية التركية، و لكن اربعة احزاب فقط استطاعت ايصال اصواتها الى البرلمان عبر اجتيازها لحاجز 10% التي يفرض على كل حزب اجتيازه لدخول البرلمان ،


 اما الاحزاب 16الاخرى فلم تستطع بعضها الحصول الا على بضعة الالف من الاصوات مثل حزب الحق و الحريات (حق-بار) الذي حصل على 4500 صوت فقط . و كانت العدالة و التنمية هو الحزب الاول في قائمة الفائزين واستطاع الحصول على 258 مقعدا في البرلمان من أصل 550 مقعدا هو العدد الكلي للمقاعد في البرلمان التركي اما الحزب المعارضة الرئيسي و الذي حل في المرتبة الثانية فهو الحزب الشعب الجمهوري بنسبة 25% تقريبا اي 132 مقعدا في البرلمان و هو فرق شاسع بينه وبين العدالة والتنمية اما الفائز الثالث فهو الحزب الحركة القومية اليميني المتطرف بنسبة 16% و 80 مقعدا في البرلمان. أما الفائز الرابع و الذي كان سببا في تغير كافة المسارات و الخيارات فهو حزب الشعوب الديمقراطي و الذي يمثل الكورد رغم انفتاحه على القوى و المكونات الاخرى و باعتباره كان الفائز الأول في اغلب المحافظات و المدن الكوردية . و بهذه النتائج تكون العدالة و التنمية هو الحزب الأوفر حظا لتشكيل الحكومة المقبلة بتحالف إحدى الأحزاب الفائزة .
- في حال لو حصل الحزب الحاكم على الأغلبية المطلقة في البرلمان كما جرت العادة منذ عام 2002 و التي تخوله لتشكيل الحكومة بمفرده و تغير الدستور الحالي وفق افكاره و اجنداته الاسلامية و تغير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي دون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي و دون طلب المساعدة من اي حزب فإن ذلك كان يعني نصرا شكليا و مؤقتا للعدالة و التنمية  لكن عواقبه على المدى القريب كانت خطيرة و ربما مهلكة و هدامة على الجمهورية التركية و ضربة لديمقراطية و لمسيرة السلام ، فتركيا ربما كانت  ستتجه نحو الدكتاتورية والسلطنة بدل من الانفتاح والديمقراطية ومن الممكن ان الاضطرابات كانت ستصبح جزء من الحياة اليومية و يندلع الاشتباكات العسكرية و يفرض حالة الطوارىء على اغلب المحافظات و المدن الكوردية و تبدا حملات التمشيط و يعود عمليات الكريللا العسكرية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي هو في حال هدنة عسكرية مع الجيش التركي منذ عام 2013 بناء على اوامر و اقتراحات الزعيم الكوردي الاسير عبد الله اوجلان الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد منذ اعتقاله في نيروبي عاصمة كينيا و تسليمه الى تركيا في 15شباط 1999 . فتركيا كانت مرشحة ان تدخل مرحلة جديدة من الاضطرابات و الازمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . و لكن اجتياز حزب الشعوب الديمقراطي و الذي يعتبر كجناح سياسي لحزب العمال الكردستاني في تركيا لحد 10%و حصوله على نسبة تتجاوز 13% من أصوات الناخبين اي 80 مقعد في البرلمان التركي ، و هو بذلك رغم انه حرم حزب العدالة و التنمية الحاكم من أغلبية مطلقة و حرمه كذلك من التفرد بتشكيل الحكومة ، و لكنه فتح الباب لمرحلة جديدة من تطور الديمقراطية في تركيا و شمال كوردستان و صيغة مغايرة وجديدة للعلاقات الكوردية - التركية ، مرحلة لو استغلالها العدالة و التنمية بروح الانفتاح و التفاهم لاستطاع إيصال تركيا إلى مستويات أعلى سياسيا و تنمويا .
-ما يواجه تركيا سياسيا هو حل المسالة الكوردية ضمن صيغة توافقية تلبي مطالب الشعب الكوردي و بطريقة لا يضر بمصالح الجمهورية التركية و لا يؤدي إلى تفكيكها كبعض الدول الإقليمية التي تتفكك بفعل الصراعات العرقية و الطائفية . و العدالة و التنمية لن تجد شريكا و مخاطبا جديا لحل هذه المسألة كحزب الشعوب الديمقراطي الذي يهدف إلى حل المسالة الكوردية في تركيا ضمن حدود الجمهورية التركية و بصيغ مقبولة و واقعية و غير متطرفة . و حزب الشعوب الديمقراطي حزب لا يرفض التوجهات الاسلامية المعتدلة و لا يقلق كالأحزاب المعارضة التركية الاخرى على مصير العلمانية و الدولة الكمالية و يسعى إلى مزيدا من الانفتاح و الديمقراطية و هو متفق مع العدالة و التنمية على تغير الدستور بشرط أن تتضمن اعترافا دستوريا بالشعب الكوردي. والشعوب الديمقراطي مدعوم من حزب العمال الكردستاني و يساند كافة خطواته لتحقيق السلام و لا توجد بينهما أية تباين في وجهات النظر بالنسبة لحل القضية الكوردية، وهما اي العمال الكردستاني و الشعوب الديمقراطي ملتزمان بتعليمات و نهج الزعيم الكوردي الأسير عبد الله اوجلان.
و هكذا لو استطاعت العدالة و التنمية تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الشعوب الديمقراطي فإنه سيكون أقوى و أكثر تأثيرا في الداخل و في الساحة الإقليمية و الدولية و ستشهد تركيا استقرارا سياسيا و اقتصاديا وستفتح الطرق أمام تركيا لانضمامها إلى الاتحاد الأوربي و ستكسب مزيدا من الدعم و المساندة من الكورد المتواجدين في دول الجوار لتركيا . فالعدالة والتنمية هو الفائز في حال تحررها من العقلية الشوفينية و العنصرية و التسلط . و الشعوب الديمقراطي هو الفائز لأنه صوت الشعوب المظلومة، و تركيا و شمال كوردستان هما الفائزان في هذه الانتخابات لأن مرحلة الحل و السلام ستدخل مرحلة جديدة من الزخم و التطور.
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19299