الكرد في سوريا و انقسام أحزابهم
التاريخ: الخميس 30 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



 عبدالله كَدّو   

 إن حالة الانقسام المفرط في الحركة السياسية الكردية حتى اليوم، تعتبر أحد أهم العوامل التي تحول دون تحقيق أي مكسب سياسي أو اجتماعي أو ثقافي للشعب الكردي في سورية، فقد تدنت شعبية الحركة بشكل مطرد مع انقسامها الأول في عام 1965 ، الانقسام الذي أدى إلى حدوث شرخ عميق ليس في جسد الحزب الكردي الأول فحسب، بل امتد إلى جماهيره التي كانت تنتشر على امتداد معظم مواقع تواجد الكرد، ليحدث انقساما في العائلة والقرية والعشيرة الواحدة ،هذه الأدوات التي كان يتم نشر الوعي والتنظيم السياسيين عبرها، في ظل شبه غياب للإعلام حينذاك ، و نظرا لحداثة عمر التجربة الحزبية الكردية، وبالتالي حداثة، إن لم يكن غياب ، القيم الديمقراطية فيها ومنها قبول الرأي الآخر، الأمر الذي أضعف قدرة الحزبَين الناجمين عن الانقسام الأول على تنظيم الشعب الكردي و تعبئته للتصدي لسياسة التمييز المتنكرة لحقوقه القومية.


لقد تشعّب الفعل السياسي الحزبي بعد الانقسام الأول، بالإضافة إلى الشقّ الأساسي المضاد لسياسة الاضطهاد القومي التي ما زال ينتهجها النظام، إلى شقّ آخر ضد الاختلاف باتجاه الحزب الكردي الآخر (الخصم)، ذلك في زمان ومكان أجمع المراقبون السياسيون على أنهما كانا بغنى عن هذا الشكل من الاختلاف ، الذي ما لبث أن تحول إلى صراع سياسي داخلي (كردي – كردي)، واعتبروا ذلك الصراع طفولة سياسية أو ترفاً سياسياً ، إن لم يكن انعكاسا لمصالح فئوية ضيقة أو تدخّل أطراف سياسية اقتضت مصالحها إحداث ذلك الشرخ في الشارع الكردي في سوريا . 
  إذا كانت تلك هي تداعيات الانقسام الأول ، فما الذي يمكن قوله عن الانقسام العاشر الذي أصاب حركتنا السياسية عشية الثورة السورية الني انطلقت في 15آذارمن عام 2011، والتي جاءت بالمجلس الوطني الكردي، نزولا عند غضب الجماهير، في سعي حثيث من الحركة الكردية لإخفاء صورتها المتكسرة إلى تسعة أجزاء، هو رقم أحزابها - آنذاك - التي كان يلف معظمها الخمول واللامبالاة فيما كان الشارع مترعا بالجدية و الحيوية لحد الغليان .
  إن الجماهير الكردية اليوم ترى أن حالة الانقسام التي بلغتها الحركة السياسية الكردية اليوم، إنما تعكس المصلحة الضيقة للحزبيين الكرد فقط، والقياديين منهم بشكل خاص، بعيداً عن المصلحة العامة للشعب الكردي، لا بل متصادماَ معها، و ذلك عكس ما يرد في البرامج السياسية والأنظمة الداخلية للأحزاب الكردية، حيث إن البرامج السياسية للأحزاب وأساليب النضال  المطروحة المتشابهة – إن لم تكن متطابقة - نظريا تتناقض مع هذا التشتت المفرط في هياكل تنظيمية مختلفة، ولا تترك مبررا البتة لوجود هذا الكم من الأحزاب، وتفقدها المصداقية السياسية، الأمر الذي يفسر سبب النظر إلى الحزبي الكردي وسط أقرانه من المستقلين على أنه شخص دون مستوى الشعور القومي وتمثيل المصلحة العامة، بالتالي دون مستوى القدرة على قول الحقيقة، و هو متهم بأن نزعته الحزبية المتناقضة مع النزوع القومي تعميه عن حقيقة واقع شعبه، ليراه كما يريد حزبه - إن لم نقل زعيمه - ما قد يخلق شعوراً بالاغتراب لدى هذا الحزبي – وخاصة إذا كان من القواعد - الذي قد يرى في نفسه المدافع الأول عن القضية ، ليشكل ذلك الشعور بداية اليأس والرغبة في ترك العمل الحزبي، ويقول لرفاق الأمس لا داع للجري بحثاً عن طلبات انتساب جديدة لشبان وشابات يريدون تجسيد أحلامهم القومية، ما لم يتم إصلاح البين مع الأحزاب بداية، ثم مع الجماهير التي سئمت هذا التشرذم الذي يبعث على اليأس والاغتراب لدى الرفاق القدامى.
  إن هذه التعددية التنظيمية المصطنعة التي لا تقابلها تعددية سياسية أو فكرية، تستمد تواجدها الهزيل في أماكن توزع الكرد، من الروابط العائلية والعشائرية ونحوها، على الأكثر، وبالتالي فان هذه التنظيمات تكمل – من حيث تدري أو لا تدري – الدور الذي قامت به الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في البلاد حتى اليوم ، لتفتيت المجتمع الكردي إلى المكونات الأقوامية (عوائل و قبائل  و مناطق ...) .
  إن هذه الأحزاب التي تعتمد غالبا على امتدادات الروابط التقليدية لمؤسسيها وأعضائها من الحزبيين القدامى في عملية اجتذاب الأعضاء الجدد للتنظيم، تكتشف بعد حين بأن أنظمتها الداخلية غير قادرة على استيعاب هذه العناصر وترويضها وضبطها داخل أسوار التنظيم ، فهي (الأحزاب) سرعان ما تصطدم بحالات التكتل داخل نسيجها التنظيمي الهش غير المؤسسي و الخاضع لتأملات وأساليب ورؤى مجموعة متفاهمة تتواصل من خارج الأطر الشرعية ثم تقرر وتنفذ ، وإذا كانت عملية التكتل في الأحزاب العصرية تعبر عن تمايز سياسي أو فكري أو...إلخ لتيار معين، فإنها في معظم الأحزاب الكردية إنما تعكس غالبا الروابط التقليدية ، دون السياسية و الفكرية، التي تشكل نسيجها البنيوي، لينقلب السحر على الساحر وتبدأ عملية الانشقاق، ولكن من الطريف في الأمر أنه عندما يستأنف قادة الشقين العمل الحزبي من جديد، لا يترددون في استثمار نفس الروابط السابقة التي تسببت الانشقاق الأول ثانية " ليداووها بالتي هي داء ". 
  من تداعيات هذا التبعثر التنظيمي والسلوك التقليدي لمعظم التنظيمات السياسية ، عزوف شرائح واسعة من المثقفين وغيرهم من المهتمين بالشأن القومي العام عن النشاط السياسي التنظيمي ، لأنها لا ترى مواقع مناسبة لها وسط ما تراها شراذم محافظة معرقلة ورافضة لكل ما من شأنه إحداث (التجديد) التي قد تسبب تغييرا لمواقعها . 
  يجدر بالذكر هنا ، أنه على خلفية هذا الهاجس ناصب بعض من هذه الأحزاب ظاهرة الشهيد معشوق الخزنوي العداء ، حيث الخشية من زج أوسع قطاعات المجتمع في المعترك السياسي ، ما قد يسبب إزاحة رموز وتيارات تقليدية معينة عن المسرح السياسي .
  ومن تداعيات هذا التشتت، عدم تمتع هذا الكم من الأحزاب و خاصة تلك الصغيرة منها بالإمكانات المادية والبشرية للقيام بنشاطات و برامج ثقافية أو اجتماعية معينة ، أو تأهيل كوادر متخصصة متفرغة في مجالات معينة لتمكينها من التواصل مع الجماهير والوقوف على واقعها عن كثب، وبالتالي القدرة على التفاعل معها وتوجيهها وفق برنامج سياسي قومي واضح. 
  بناءا على ما تقدم يمكن القول ، إن الرغبة الصادقة في إخراج الجماهير الكردية من الحالة السلبية التي غرقت فيها ، كرد فعل على حالة الركود السياسي التي تعيشها هذه الأحزاب ، تقتضي الاندفاع للقيام بخطوات عملية جادة ومدروسة نحو توحيد التنظيمات المتقاربة سياسيا، واعتماد نظام داخلي عصري ديمقراطي واضح لانتخاب قيادتها بشكل ديمقراطي نزيه، بعيداً عن المواربة والصفقات والألاعيب التي طالما مورست من قبل المتنفذين في الأحزاب و التي بعثت على التذمر و الامتعاض لدى الأعضاء وجماهير المستقلين وخاصة لدى الشباب، والابتعاد عن العمل الحزبي، واتهامه بالاستزلام لزعماء الأحزاب، الذين  فشلوا في إقناع أغلبية الجماهير بأنهم إنما يخدمون المصلحة العامة وليس مصالحهم الخاصة، حيث المصلحة ليست بالضرورة أن تكون مادية، الأمر الذي يفسر سبب عدم ظهور رموز سياسية ولا أحزاب جماهيرية تلتف حولها الجماهير في هذا الجزء من كردستان.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19062