الپاتيزمية PATISMUS العَداء السَّافِرُ للكُرد (2)
التاريخ: الثلاثاء 07 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



زاغروس آميدي

من الطبيعي في هذه الأحوال أن تظهر أعراض سلبية حادة في عقلية هذه النخب الثقافية الپاتيزمية مثل التطرف أو الخضوع المهين للسلطة الجائرة وكذلك التعصب العرقي المقيت والتزمت الوطني الذي يسمي بالشوفينية والتعصب الديني والمذهبي والطائفي والتعصب الايديولوجي، فاليساري أو الشيوعي الأصولي الپاتيزمي ليسَ أقلَّ تشوهاً فكرياً وعداءً وعنصريةً تجاه الكرد، بل وأحياناً كثيرة يتجاوز المتدين الأصولي الپاتيزمي في ذلك.
فليس غريباً إذن أن ينظر هؤلاء إلى الكرد هذه النظرة العنصرية الإستعلائية، لأن صاحب العقلية ذو المفاهيم المشوَّهة، هو كالذي ينظر إلى الأشياء من خلال صفيح زجاجي مكسور، فتبدو له الأشياء مشوهةً فعلاً. وحتى حينما ينظرون لذوات أنفسهم من الداخل ينظرون إليها من خلال مرآة مكسورة. فهم مشوهون ثقافياً وتربوياً في العمق الداخلي المترسخ لديهم عبر الإمتداد التاريخي الطويل،


 وهذا ينعكس بالضرورة سلباً على نظرتهم الخارجية إلى القضايا والمشكلات التي هم فيها. فالذي لايقدر على كشف مواطن الخلل لديه سيبقى يعاني من نقصائصه وعيوبه، ولا يقوى على تقويم الإعوجاج العقلي والفكري والنفسي لديه، ومن ثم لايقدر بالتأكيد على أن يطلق الأحكام السديدة، ولا يقدر أن ينظر إلى الآخرين إلا بإعوجاج. 
لن أبحث هنا عن سيكولوجية الپاتيزميين، فهذا موضوع يحتاج لبحث ودراسة خاصين، لكني فقط مضطر هنا أن أشير إشارات عابرة، فالأساس الذي تقوم عليه ثقافة الپاتيزميين أساس غزوي قديم ومتصدع ومهترء، وهو يشمل الجزء المنحط من العادات والتقاليد،كما يشمل المذاهب الدينية والأفكار القومية والوطنية المتزمتة والمفصلة تفصيلاً لديهم لنفث الكراهية المقيتة والمشاعر العنصرية البدائية والعداء السافر للأخر المختلف، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن تغلب عليهم روح العداء والفشل والإحباط والعجز وحب الإستحواذ والجشع والنهب والسلب كلٌ حسب طريقته.
لا اريد هنا أن أبدو وكأني متعصب قومي شوفيني، من خلال هذا الوصف السريع للپاتيزميين، فأقول بأن الكرد ليسوا أفضل حالاً من العرب والترك والفرس، بل أن أساسهم أقدم ومهترء أكثر، وعاداتهم وتقاليدهم ومذاهبهم وأفكارهم القومية الشوفينية أكثر سوءًا، والبغض والحسد والكراهية منتشر فيما بينهم أكثر مما هو بين الپاتيزميين. أشخص هذه الحالة المزرية لشعوب الشرق الأوسط  عموماً لأبين بأن أول الشفاء هو التشخيص الصحيح. وبأن التشخيص الخاطىء هو تماماً كتجاهل المرض إن لم يكن أكثر خطراً.
ولو فتحنا فرضاً بعضا من جماجم أهل الثقافة في هذه المنطقة، فلن نرى فيها سوى العداء والكراهية للأخر المختلف، وسياسة الإقصاء والتهميش للأخر المختلف، وحب النفاق وممارسة الكذب، والإستعداد لإرتكاب الشَّر،  وقابلية الإصابة بالفساد،  والهوس المريض للجنس، وأشياء أخرى منها تشكيل صور مشوه للشعوب الأخرى التي هو في عداء معها بشكل أو بآخر. 
وهذه كلها أعراض في الحقيقة لمرض مزمن يفتك بالعقل الپاتيزمي، وهي تظهر في الطبقة السطحية من الدماغ الپاتيزمي، أو فيما يسمى بالعقل الواعي حسب علم النفس، وإذا توغلنا في الداخل قليلاً أي في العقل اللاواعي، يمكننا أن نصل إلى أسِّ المرض ذاته الذي يفرز تلك الأعراض. ويتمثل المرض في عقد وعلل لاحصر لها، ودراستها صراحة ليس من شأني ولا من إختصاصي أن أتعرض لها، وأترك ذلك لعلماء الإجتماع والنفس، وسأكتفي أنا هنا فقط بالتعرض إلى العقد أو العلل التي تفرز مواقفهم المتوحشة والجائرة اللا إنسانية تجاه الكرد.
ولكي لا أخدع القارئ، لا أُريده كثيراً أن يهتم لما أذكره دون أن يمحَّص ويدقّق ويفكِّر فيه جيداً، فأنا إختصاصي العلمي هو الهندسة المدنية، لكن لا أمنع نفسي من الخوض في العلوم النظرية حيث ما وجدت في نفسي القدرة والإمكانية على ذلك، فالعلوم النظرية عموماً تبقى قابلة للأخذ والرد في أكثر مواضيعها، خاصة فيما يتعلق بعلم الإجتماع وعلم النفس تحديداً، فإن الخبرة العملية والصراع في معترك الحياة والنفاذ إلى جوهر القضايا الحياتية والمقدرة على فهم بواعث ومحركات الناس ومكامن ضعفهم وقوتهم تساعد كثيراً على فهم العلم الإجتماعي والنفسي، ويصف الطبيب وعالم الإجتماع غوستاف لوبون بأن الذين غيّروا التاريخ كانوا علماء إجتماع قبل أن يكونوا قادة أو فلاسفة أو أنبياء.
    
أولاً: علّة التقدير المفرط للذات 
فهم أي الپاتيزميّين أياً كان إيرانياً، تركياً، عربياً، وبمختلف أصنافهم (ديني اصولي، قومي، يساري) يعانون من ظاهرة التقدير المفرط للذات، (واقصد العرب في العراق وسوريا بالتحديد، أما العرب في البلاد الأخرى فنظرتهم إلى الكرد تختلف كثيراً، بإستثناء البعثيين القوميين وبعض اليساريين العرب) ويسكن في ذات كل واحدٍ منهم عقدة "إشتهاء النبوة"، أو لنقل رغبات نبويّة لدرجة الهوس، فالمثل الإعلى الأول عند هذا النموذج الپاتيزمي هو الله المطلق الإمكانيات والصلاحيات في الخير والشر، والذي تكلم عن نفسه (صفاته، صورته، عرشه، جنته وملائكته...)  في الكتب المقدسةكالتوراة وأخذ عنه بعد ذلك القرآن. بحيث يعتبر نفسه أنه يملك قدرة عقلية هائلة بإعتبار أن مثله الأعلى هو الله وقدوته هو رسوله فهو وكيل الله على الأرض أو خليفة الله بالمصطلح الديني. وكل ما يقرره هو الإيحاء الرباني (من الوحي)،  وبموجب ذلك يجد نفسه أنه الأعرف والأصلح للتفكير بمصالح الغير، وهو الأقدر والأكفأ المخوَّل لإتخاذ القرارات حول مصير الناس، ليس المحيطين به فحسب، بل الأبعدين عنه أيضاً. فهو في داخله نبي صغير أو رسول يستقي العلم الأبدي والكلي (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ) من وحي نبيه المرسل ليس فقط للبشر وإنما لكل أنواع الكائنات الحية كالطيور والنمل، هذا النبي الصغير القابع في لاوعيه يظنه قادراً على أن يقرر ما هو خيرٌ لغيره وللعالم، لكن الواقع يشهد أنه لا يعرف أن يقرر ما هو خيرٌ لنفسه، فكيف يمكنه أن يقرر ما هو خير لغيره وللعالم ؟
ولأن الكرديّ المسكون في لا وعي النموذج الپاتيزمي هو ذلك الذي قرأ عنه في كتب التاريخ القديمة التي تخلط بين الحقيقة والأسطورة وبين الواقع والخيال، والتي حتى أنها لم تُمحص ولم تخضع للدراسة والبحث العلمي، والتي تشوه غالباً صورة الكردي، أو تتشكل صورة الكردي عنده ،هو ما سمع عنه من إمام أو شيخ أو صاحب طريقة أو من مدرس لغة عربية كالذي ساشير إليه لاحقاً، أو ما يتم تداوله بين العامة من الناس. وبالتالي يجد هذا الپاتيزمي أن الإنسان الكردي قاصر وغير قادر على الإدراك في معرفة أين تكمن مصالحه، فيتطوع بنفسه لعمل الخير لمصلحة الكردي ويرى أنه من الأفضل أن يبقى الكردي تحت وصايته المباركة، ويظن في نفسه أنه أحسن صنعاً عندما يقف في طريق الكرد ويُعطِّل قيام دولة كرديّة، لأنه يعتقد أنه يمنع الكردي من إرتكاب معصية كبرى، ولأنه أيضاً بذلك يساعد الله في منع تقسيم العالم الإسلامي، وكل ذلك بوحيٍ من الله، لأنه -كما ذكرت - في أعماقه يرقد نبي صغير يقوم بإرشاده وتوجيهه.  وهو بالتالي مستعد حتى لقتل الكردي إذا لم يدرك مصلحته كما يراها هذا الپاتيزمي بدافع المعرفة الكلية التي يكتنزها في داخله، ويشبه نفسه كالأب الذي يضرب إبنه من أجل مصلحته. ويعتبر بأنّ المجازر الجماعية التي إرتكبها الپاتيزميّون بحق الكرد لم تكن إلا تلبية لأوامر إلهية وإمتثالاً لمشيئة الله تعالى، ولهذا السبب الصادر في اللاوعي إلى جانب أسباب أخرى - سأتطرق لها لاحقاً -  إمتنعت النخب الثقافية عند العرب والترك والفرس عن إدانة الجرائم التي إقترفتها جيوشهم ضد الكرد، وخاصةً قبل أن يتحدى الإنترنيت ووصائل الإتصال الحديثة معرفة وإرادة النبي الصغير القابع في دواخل نفوسهم.   
وأذكر هنا واقعة من أيام الجامعة، حين أصر بعض الزملاء كان بعضهم من الملتحين أثناء مجادلة، أن أصل الكرد من الجن، بناء على ما أورده المسعودي في كتابه التاريخي الضخم مروج الذهب (ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داود عليهما السلام حين سلب ملكه ووقع على إمائه المنافقات الشيطانُ المعروف بالجسد، وعصم الله منه المؤمنات أن يقع عليهن، فعلق منه المنافقات، فلما رَدَّ اللهّ على سليمان مُلْكه ووضع تلك الإماء الحوامل من الشيطان قال: أكردوهن إلى الجبال والأودية، فربتهم أمهاتهم، وتناكحوا، وتناسلوا، فذلك بدء نسب الأكراد).
وقد تناول هذا الخبر المثير الكثير من المؤرخين والكتاب منهم الإصفهاني والطوسي مع إضافات ناسبت مزاج زمانهم، فقد نسب الإصفهاني هذا الخبر إلى عمر بن الخطاب ربما لينال مصداقية أكبر :(ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأكراد جيل الجن كشف عنهم الغطاء! وإنما سموا الأكراد لأن سليمان عليه السلام لما غزا الهند، سبى منهم ثمانين جارية وأسكنهم جزيرة، فخرجت الجن من البحر فواقعوهن، فحمل منهم أربعون جارية، فأخبر سليمان بذلك فأمر بأن يخرجن من الجزيرة إلى أرض فارس، فولدن أربعين غلاماً، فلما كثروا أخذوا في الفساد وقطع الطرق، فشكوا ذلك إلى سليمان فقال: أكردوهم إلى الجبال! فسموا بذلك أكراداً). أكرَدَ:طرد. أكردوهم أي أطردوهم.
وأضاف الطوسي الپاتيزمي عنصريته إلى هذا الخبر فجعل الأكراد أدنى مرتبة من أصحاب العاهات: "وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم". مشاراتهم: مبايعتهم أو مجادلتهم أوإستفزازهم.
أعود إلى حديث الزملاء الملتحين، فقد أقسموا لي بأن الكرد أصلهم من الجن، بناءً على هذه الأخبار طبعاً. وحين يقسم الملتحي على صدق كلامه، فلا فائدة بعد ذلك من مناقشته. وبعد عدة أيام أتى إلى أحدهم  بمجموعة هذه الكتب وقال بحماسة أنظر إلى هذه الكتب، ألم أقل لك أن الأكراد أصلهم من الجنّ؟.
طبعاً من الصعب إزاحة تأثير مثل هذه الثقافة من معرفة هذا المسلم الأصولي الپاتيزمي، وبالتالي من الصعب أيضاً أن يساوي نفسه بالكردي، فكيف به أن يعترف بحقوقه في غير الوجهة التي قررها إيحاؤه ورغبته النبوية في ذاته العليّة؟. وعلى العموم فإن ذوو الذوات المفرطة في التقدير، لايمكنهم النظر إلى الأمور بموضوعية، فكيف إذا ما دعموا بمثل هذه الكتب.
وأذكر مرة أنه حدثت بيني وبين مدرس اللغة العربية في المرحلة الثانوية مجادلة استمرت حصتين أصرّ خلالهما بأنّ أصل الأكراد من شبه جزيرة العرب، وجدهم هو كُرْدُ بنُ عَمرٍو مُزَيْقِياء بن عامر بن ماء السّماء أو كرد بن مرد بن صعصعة بن هوزان. وكان مصدره "القاموس المحيط".       
طبعاَ أنا هنا لا أريد أن أُغضب أحداً، ولا أريد أن أُفهَم خطًأ أو يساء فهمي، أنا أنطلق من مبدأ أننا كلنا نعيش في منطقة واحدة وهامة تمثل مركز العالم، تستوفي كل الشروط لبناء حضارة يستفيد ويشارك فيها الجميع، وإذا أصاب الخير طرفاً انعكس إيجاباً على الأطراف الاخرى، ولكنها للأسف (منطقتنا) تعاني من آفات فكرية وثقافية مستفحلة ومتعمقة في مجتمعاتنا، وكل ما أحاوله هو أني أضغط بشدة على مواطن الألم والإلتهاب كما يفعل الطبيب المتمرس أثناء التشخيص، كي ألفت الإنتباه إلى الآفات التي تفتك بنا من أخمص أقدامنا إلى قمة رؤوسنا. فحالنا يشبه تماما حال صاحبنا الذي يقول أنه بخير عندما يُسأل عن حاله عادةً، بينما يكون في الحقيقة في أسوأ حالاته.  
لماذا أتحدث عن المثقفين الپاتيزميين والكرد أيضاًّ بهذه الصورة التشاؤمية المؤلمة؟
الذي أريد أن أفهمه، لماذا لا يستطيع المثقف القضاء على تعصبه بصوره المتعددة كالتعصب القومي والتعصب الإيديولوجي والتعصب الديني، وأجده إذا ما تحرر من سطوة التعصب القومي أصبح خاضعاً لسطوة التعصب الأممي، وإذا ما تخلص من التعصب الديني وقع في التعصب القومي أو الطائفي. ماجدوى الطلوع من حفرة والوقوع في حفرة أخرى، الكثير من المثقفين تحرروا أو الأصح أهملوا الدين وإعتنقوا الماركسية فصاروا متعصبين لماركس أو قائده أكثر من الإسلامي المتعصب لنبيه محمد، وآخرون تعصبوا لزعماء قوميين شوفينيين. 
ما فائدة التثقيف إذا لم يغير المثقف سلوكه وطريقة حياته وتفكيره نحو الأفضل؟
ما فائدة المثقف إذا لم يخترق جدار ذاته الأنانية ويحرر نفسه الأمارة بالتسلط على الآخرين وإنكار حقوقهم؟
ما فائدته إذا لم يشارك في التغيير نحو الأفضل؟
هل يبقى من معنى للمثقف إذا لم يشارك في مقاومة الظلم وتحقيق العدالة؟
للأسف فقد فقدَ المثقف الكثير من معناه وقيمته، حين ارتضى الإنقياد للأسهل من الأمور التي توفر له مستوى حياة إقتصادية أفضل غير قابلة للإشباع. أو حين قرر الخضوع لسلطة الديكتاتور المتعجرف الذي يضطهد شعبه، من أجل حفنة من الدولارات، أو صار ظلاً للإمام الفقيه الذي يفرض على شعبه عادات ولباس من عصر الجاهلية من أجل الحصول على منصب أو وظيفة.
هل تحول المثقف إلى مستودع لجمع المعلومات فقط؟ بل وأيضاً وضعها في خدمة الظلم أحياناً؟
لماذا اصبح المثقف جباناً؟ 
هل لأن مغريات الحياة إزدادت واصبحت لا تقاوم؟ فصار يعمل ليل نهار عند الطاغية لتلبية حاجياته ويركب سيارة بأربع عجلات ولايهمه ماذا يقرأ أو ماذا يكتب؟
المثقف في إيران صار إما شيخاً أو مدمن مخدرات، أو شيوعياً متخلفا متعصباً أكثر من شاه إيران. وفي تركيا صار المثقف أتاتوركياً طورانياً إستعلائياً أو أردوغانياً عثمانياً، أو ماركسياً اصولياً متعسفاً. في سوريا والعراق صار المثقف إما عفلقياً شوفينياً يعوذ برب عفلق،كلما وقع في مأزق، أو اصولياً إخوانيا يعوذ بربِّ الفلق، كلما تعرّض لفلق. أو يسارياً منعزلاً منفصلاً عن الواقع. وصار المثقف الكردي التابع لهؤلاء هامشياً خاضعاً ومقلداً لثقافة السابقي الذكر من أسياده، لا حول له ولا قوة، وكلهم يفخرون بالإنتساب إلى إتحاد كتاب الديكتاتور أو حوزة الإمام الأعظم أو الأب الأعظم. ياللعار ! كما صرخ فولتير ذات يوم، فغيرت صرخته التي مايزال يتردد صداها إلى اليوم العالم أجمع إلا شعوبنا. 
لماذا لا يمكن أن يظهر مثقف فولتيري في منطقتنا؟
 حين نعلم الأطفال لغة عرب الجاهلية أو لغة كسرى الفرس أو لغة قرقوش والسلاطنة العثمانيين، فلا يمكننا ان نتوقع من هؤلاء الأطفال أن يغردوا يوماً مثل فولتير أو يفكروا مثل ديكارت أو يرسموا مثل دافنتشي. وحين ندرس أبناءنا تاريخ ابن الخطاب وكيف ركب حماراً أتى به من يثرب إلى الشام، فسوف يعجز هذا الطفل بالتأكيد عن إختراع طائرة. أو إذا روينا لهم كيف كان السلطان سليم الآول أو الثاني يصلي على سجادته التي يرميها في عرض البحر، فسوف يعجزون حتماً عن فهم المنطق، وإذا عبأ الفرس عقول أطفالهم بتاريخ اسطوري حافل لأمبرطوريتهم، وتصوير دم الحسين لهم وكأنه حصل هذا الصباح، واحتفلوا في الساحات الرسمية كل سنة بمقتل عمر بن الخطاب على يد الفارسي أبا لؤلؤة، فلن يدخروا هؤلاء الأطفال جهداً عاجلاً أم آجلاً للزحف على النواصب الأمويين وأهل السنة. وإذا لقّن أهل السنة أكبادهم بأن الشيعة مجرد روافض حاقدين على العرب، فلن يتردد هؤلاء بتكفيرهم وتفجيرهم أو تفجير أنفسهم بهم مجرد أن ينبت على وجوههم شعر، أي حتى قبل أن يعتمروا العمامات أو يطلقوا اللحى ويحفوا الشارب.
وإذا عمل العرب والترك والفرس على تعليم أطفالهم بأن لا حق للكرد عندهم وأنهم مجرد بدو رحل قدموا ذات يوم من مجاهل الهند، أو أنهم أبناء الجن من إماء سليمان، فليس من الصعب عليهم حين يشتد عودهم أن يرموا الكرد بنبالهم ويفنوهم عن بكرة أبيهم.
وإذا كانت المنطقة اليوم تشهد مأساة حقيقية، فإن المثقف الپاتيزمي هو أول من مهّد لها، بدراية منه أو بدونها، إما بسكوته أو عجزه عن تحليل الواقع وإظهار الأسباب ، أو بتشخيصه الخاطئ للواقع وقراءته السطحية للتاريخ، أو بمشاركته المباشرة في هذه المأساة عن طريق تسخير لسانه وقلمه إرضاءً للطاغية أو خوفاً منه، لا فرق من حيث النتيجة. والظلم لا يولد كبيراً وإنما يكبر بسكوتنا عنه أو برعايتنا له أحياناً.
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18958