إبراهيم هنانو والمقاتلات الكرد.. الجزء الثاني
التاريخ: الأثنين 06 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

    طوال سنوات الثورة السورية الجارية، اختلطت وتختلط المعايير لدن المعارضة العربية، وتتأرجح بين الصراعين المذهبي والقومي، وفي الحالتين ترجح كفة الإرهاب السني الداعشي أو جبهة النصرة، كونهما يمثلان الإسلام القومي في عمقه. وكثيرا ما لا يتمكن الإعلام السوري المعارض، إخفاء هذا الوباء الفكري، فكل ما يقع خارج الثقافة الدينية القومية، يعتبر منفّرا، ولا تقبل شراكته الدينية. حصلت وتحصل تقسيمات بين شرائح المعارضة، ظهرت وتظهر إفرازات فكرية شاذة لتؤكد عن قوميتها العروبية وليس عن تدينها.


  ومن هذه الإفرازات الفكرية، نبذ التاريخ والمجاهدين المسلمين من غير العرب، الذين لا يدينون بمفاهيمهم، ويحرصون بفرض قناعاتهم المذهبية ولا يتذرعون باستخدام العنف. ومن ضمن نتائج هذه المفاهيم، تدمير التاريخ بكل مواده، كالمتاحف، والأبنية الأثرية والتماثيل، الحديثة والغارقة في قدم التاريخ، والكتب القيمة التاريخية. فمن متحف الموصل إلى الجامع التاريخي في مدينة شنكال، إلى تمثال المجاهد إبراهيم هنانو في إدلب طالها عبث تلك التيارات. 
هذا المجاهد الذي لا يختلف بجهاده عن جهاد عمر المختار ولا يقل نضاله عن نضال سعد زغلول، وفي التقييم البشري، جرائمه، إن كانت له جرائم، لا تقارن بجرائم نبلاء الزعماء المسلمين السياسيين، مثلما هي إسلام صلاح الدين الأعمق والأصدق من إسلام العديد من الحكام الصالحين، فقد وحد الإسلام في فترة كانت التناقضات والصراعات بين المذاهب على أشدها، ووحد الخلافتين وجمع المسلمين جميعهم تحت خيمة خلافة واحدة، كما ألغى هذا المسلم قوميته الكردية من ذاته، خدمة صادقة للأمة الإسلامية، في الوقت الذي كانت العصبية الجاهلية والقبلية طافحة لدى الأمويين والعباسيين وبدون استثناء.
  والمقاتلات الكرديات، اللواتي يتعرضن إلى انتقادات مبتذلة من قبل بعض العروبيين، ولا غرابة أن تخصصت لهذه الانتقادات شريحة من مجموعات الإسلام السياسي العروبي، تحت غطاء المعارضة السورية، ودفاعا عن الثورة، دون انتباه إلى التاريخ الإسلامي الذي تفتخر بالمجاهدات القلائل اللاتي شاركن في العديد من المعارك، كغزوة أحد، ومعركة أجنادين، وغيرها. ولو كانت الرؤية إسلامية صادقة، وخالية من العنصرية، لوجدوا أن مشاركة النساء الكرديات في المعارك وعلى مر التاريخ له حضوره. وما يجري اليوم في سوريا، رغم الاختلاف مع قياداتهم السياسية، استراتيجية وأيديولوجية، دليل على حب الوطن والتضحية بالنفس من أجله. وتضحياتهن هذه من أجل الوطن ألا تشابه تضحية نسيبة بنت كعب (أم عمار) المدافعة عن الرسول، صلوات الله عليه، في غزوة أحد، أو مشاركة خولة بنت الأزور، التي قاتلت الروم في واقعة أجنادين ضمن جيش خالد بن الوليد نيابة عن أخيها ضرار بن الأزور، الذي كان أسيرا عند الروم، وكذلك تشابه نضال المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد ضد الاستعمار الفرنسي. فما الضير والفرق في وبين مشاركة هؤلاء النساء الكرديات وتلك النسوة كل واحدة في زمنها وفي ظروف نضالها. لقد شاركن هذه الكرديات في الدفاع عن شرف الوطن والقومية الكردية وعن المنطقة بشكل عام، ضد جحافل الأشرار والإرهابيين من داعش وأمثالهم، ناشري الوباء الفكري في المنطقة، ومدمري الإنسان والتاريخ والوطن، الذين يهاجمون الكرد تحت شعار محاربة الكفار.
   رباط مقدس يجمع بين هذه النساء على أبعاد التاريخ، ولا وجه مقارنة بين المقاتلات الكرديات وألوية بشار الأسد اللواتي يحاربن من أجل طاغية ومستبد وسلطة غارقة في الجريمة، والذي شذ عن الحقيقة كاتب التقرير في أحد أعلام المعارضة السورية، وكان متقصّدا في مقارنته الشاذة هذه، ليس دفاعا عن الوطن أو الثورة السورية بقدر ما كان تهجماً على الكرد قوميا، ودعم مباشر لداعش الذين اندحروا أمامهن. وفي الحقيقة ألوية الأسد النسائية قريبة فكريا من هذا الإعلامي العروبي، ومن شريحة أولئك الكتاب، الذين يصعب عليهم الخروج من الثقافة العنصرية القومية، والذين يحملون لواء الإسلام تغطية لرفع شأن العنصرية القومية. حيث يجمعهم، والبعث وثقافة سلطة بشار الأسد، استبداد الفكر، ومنطق إلغاء الآخر، في الوقت الذي تجمع المقاتلات الكرد من المجاهدات المذكورات أسماءهن مع ثقافة الدفاع عن الحق، حيث الشعب والأمة والوطن. وهنا يلتقي إبراهيم هنانو وصلاح الدين وسليمان الحلبي والمقاتلات الكرد في إنكار الذات من أجل الأمة والشعب، ملغيين التعصب وثقافة إنكار الآخر، مبتعدين عن الازدواجية بين القول والفعل، رافضين التأويل أو الإتيان بالنص الإلهي حسب المصلحة الحزبوية أو الفئوية أو التنظيمية، فلم يسخّروا يوما الأمة الإسلامية لرفع شأن القومية، بعكس ما فعلته العديد من السلطات العربية والتركية والفارسية، وتفعلها المنظمات الإرهابية كداعش والنصرة والبعض من المعارضة السورية، مسخري الإسلام لتمرير الأجندات السياسية الحزبية.
تدمير تمثال المجاهد الكردي الوطني إبراهيم هنانو في مدينة إدلب من قبل جبهة النصرة، ومهاجمة مشاركة المرأة الكردية في القتال، على خلفية خروجها من عتامة الفكر الديني المتزمت، ومحاربتها لداعش، كل ذلك يبيّن أن كتابات هؤلاء دعيي الثورة مبنية على بعدين:

1-   البعد الإسلامي، الملغي للأصنام والتماثيل، وقد فعلتها تيارات إسلامية أخرى في مناطق متفرقة من العالم الإسلامي، وما قامت وتقوم به داعش تعكسها النصرة في المنطقة، وهما يستمدان أفعالهما من سيرة الأولين عند ظهور وانتشار الإسلام وتدميرهم للأصنام وتماثيل آلهة آبائهم، وأبشع مثال، عندما دمروا وأحرقوا مكتبة الإسكندرية بكتبها وتماثيلها، أثناء دخول أوائل جحافل العرب المسلمين إليها ... حتى ولو كان الإسلام منهم بريئا. فالمتأخرون يستندون إلى نصوص وأعمال الأولين من المسلمين.
2-   الانحراف بالثقافة الإسلامية وطغيان الجهل الفكري عليها، والدعوة بالقضاء على دور المرأة في المجتمع، واعتبارها مقتصرة على إرضاء غرائز الرجال، وهي نفسها الثقافة التي تبحث عن النص القرآني، لتثبيت عمليات سبي النساء وبيعهن في أسواق النخاسة، والإسلام منهم براء. 
3-   البعد القومي العروبي العنصري، ولا نقصد المجتمع العربي، بل السياسيين والمثقفين الذين لا يزالون يمثلون الأكثرية بينهم، والملغيين للآخر.
إنه الإسلام السياسي، ابتداء من أقصى التطرف ومرورا بالسلفية إلى أرقى المنظمات الليبرالية فيها، من القاعدة والداعش والنصرة إلى الإخوان المسلمين، فتصريحات قادتهم ملأت قاعات عدة مؤتمرات سابقة للمعارضة، وكثيرا ما التقت مفاهيمهم وثقافتهم مع ثقافة البعث وسلطة بشار الأسد في هذا البعد العنصري، لهذا فالثورات الجارية هي للقضاء على هؤلاء مثلما هي للقضاء على الطغاة أمثال بشار الأسد الذين مهدوا البيئة الملائمة لتنمية الوباء العنصري القومي والمذهبي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com 
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18955