سرد الكلام بين السيدين عبدالحميد درويش وصالح مسلم
التاريخ: الأثنين 30 اذار 2015
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

لا صلة لمقالي هذا بأي مقارنة بين السيدين عبدالحميد حاج درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي في سوريا، وصالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا من جهة موضوع محدد يجمعهما معاً: نقاشاً أو سجالاً، إنما يتركز على اللغة التي تشكّل ضرورة حياتية وعامل تقويمي: ثقافياً واجتماعياً وشخصياً للرجل عموماً، وللسياسي باعتباره ميدانياً، وأكثر متابعة وتعرضاً لهذا التقييم، وحاجته إلى سرعة المبادرة والقدرة على صوغ الكلام من خلال موقعه، إلى جانب أن ثمة مثالاً " حياً " سأتوقف عنده يخص السيد درويش نقداً وتحليلاً !


لعل مضمون المقال، هو طريقة سرد الكلام لدى كل منهما في التعبير عن موضوعات مختلفة، وكون السيد درويش من أقدم السياسيين الكرد في سوريا، ومن مواليد 1936، وله علاقات متنوعة هنا وهناك، وخصوصاً راهناً، على خلفية الجاري من الأحداث في سوريا طبعاً، أما السيد صالح مسلم فهو من مواليد 1951، أي يصغره بخمسة عشر عاماً، ونشاطه السياسي أو الحزبي تال عليه بحكم العمر قبل كل شيء.
من موقع المتابعة، وعن قرب، ومن خلال المكاشفة السمعية والبصرية، ثمة تفاوت كبير بينهما " وأنا لا ألجأ إلى التفضيل المباشر "، جهة استخدام اللغة، ودائماً لصالح السيد مسلم: إنْ بالعربية أو بالكردية، عدا عن كون مسلم يجيد استخدام الانكليزية، كما تابعته في التلفاز، إلى جانب التركية، بما أنه أكمل تعليمه الهندسي الكيميائي في استنبول.
إن مما لا شك فيه، وكما تقدَّم، هو أن اللغة تمثّل رهان المرء في المواقع الحساسة: السياسة وضمناً الحزبية كونه يعيش علاقات مباشرة مع الوسط عدا عن أنه موضع معاينة أو حتى اختبار من قبل المهتم به أو سائله، والسيد درويش ليس لديه مثل هذه المقدرة اللغوية، التي، أول ما تعلِم به، هو اعتبارها شاهدة عيان على كون المتكلم أهلاً لما هو عليه موقعاً.
ولا بد أن ذلك ينطبق على الغالبية الساحقة من المعتبرين سياسيين وحزبيين كرداً وفي موقع المسئولية، ومن خلال خبرات لم تبرهن حتى اللحظة أنهم يقدّرون عامل اللغة حق تقدير، كما لو أن وجود أي منهم كاف، وما لذلك من نوعية الصورة المركَّبة في ذهن كل منهم عمن يحيطون بهم وفي الواجهة: رفاقهم، ولم أختر السيد درويش نموذجاً، إلا لأن له باعاً طويلاً في هذا المضمار، سوى أن الرصيد اللغوي وإمكان إدارته وتطويره بائس، ليضاف على نظرته إلى نفسه وإلى من يتعامل معهم كرداً كانوا أم عرباً، أم حتى أجانب من خلال متابعة طريقة التكلم أو الاسترسال في الكلام.
يبقى السيد مسلم خلافه، وهو التالي، كما ذكرت، على السيد درويش، في القدرة اللافتة على سرد الكلام، والتعبير عما يريد، دون تأتأة أو تلكؤ، أو بتر لغوي، ولا بد أن هذا المشهد الدلالي" السيميائي " وثيق الارتباط بالعمل الممارَس، والجهد المبذول والجاري رفده بالمزيد، ليكون أكثر لفتاً للنظر، وإخلاصاُ لما يؤمن به سياسياً.
ولكي أبتعد عن جانب تنظيري، وأسمّي الملموس، أشير إلى " التوضيح " المنشور في موقع " ولاتي مه " الالكتروني، بتاريخ 29 آذار 2015 وباسم السيد درويش " قسم : أخبار "، وهو مكتوب وليس ارتجالياً:
جاء التوضيح في " 260 كلمة "، والفعلي في " 245 كلمة " فقط لا غير، حيث العنوان ورد هكذا " عبدالحميد درويش يكذّب موقع  خبر 24 "، وهو إعلامي في صميمه، منذ البداية، بقدر ما يترجم طريقة التعامل مع الآخر مهما كان نوع كلامه، ولا أدري ما إذا كان العنوان من عنده أم صيغَ من قبل غيره.. في الحالتين تبقى المساءلة قائمة.
من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً النظر إلى جانب السوية اللغوية وتماسكها وطريقة التوضيح، وهي تترجم استفزاز السيد درويش بشكل لافت:
وردت كلمة " الكذب " مفرداً وجمعاً ست مرات في التوضيح.
وردت عبارات أخرى لها صلة بالكذب: الدس ، التضليل، التهجم، الهجوم شر هجوم، الشتم..
استخدام عبارة " العملاء وأجهزة الأمن وطوابيرها " وهي تشي بأكثر من معنى وتشنج ذهني.
الربط بين الشخص، ولعله معروف من قبله، والموقع، من خلال أسلوب المخاطبة بالجمع.
الخلط بين المفرد والجمع: تعلم جيداً، في وقت كنتم تهاجموننا على موقفنا هذا " فالعلاقة قديمة إذاً " . بالمقابل لدينا العبارة اللاحقة: نعم كنت ومام جلال أصدقاء ورفاق ! والصحيح : صديقين ورفيقين، وفي النص ، الصواب: أصدقاء ورفاقاً !
استخدام مفردة " الشتم " بعيدة كلياً عن المطلوب، وهي بسوقيتها، وإذا كانت كذلك، لا داعي للتوضيح أصلاً.
بالمقابل، تأتي مفردة " من المتضررين " دون كفاءة التعبير المطلوب، إذ ثمة: الاستثارة، التشنج أيضاً، الاستفزاز، أو إثارة الغيظ على الأقل..الخ.
عدم التعبير الدقة عن علاقة الصداقة بينه وبين مام جلال " من خلال مفردة : لمجرد "، بينما الكلمة الدالة : كونه صديقاً لمام جلال .
المبالغة الدالة على ما يقلّل من خاصية العلاقة الرفاقية أو الصداقة، في المديح الذي هو شأن شعري في الغالب، وهو يشير إلى أن مام جلال كان رمزاً نضالين للكرد والعرب في الشرق الأوسط . نعم، إن مام جلال رمز نضالي إلى جانب آخرين من رموز النضال الكردي، أما أن يأتي التعميم وبإطلاق" للكرد والعرب "، فإن ذلك لا يعبّر عن وهن الذاكرة السياسية، أو خور ملاحظة الجاري من حوله وفي المنطقة عموماً فقط، وإنما عن بؤس التجربة الثقافية والسياسية على المستويين: الكردي والعربي، وغياب حس الواقع في المجمل !
التكرار المعبّر عن الاستفزاز السالف ذكره: الصداقة التي تمتد لأكثر من نصف قرن مضى..نعم كنت ومام جلال أصدقاء ورفاق لأكثر من خمسين عاماً خلت.. إذ ما الداعي لمثل هذا التأكيد في تاريخ هو الشاهد وليس سواه ؟
وفي المنحى ذاته استخدام عبارة: الأكاذيب الرخيصة- الكذبة الفاضحة، تأكيداً على نفاذ فعل التشنج في نفس الموضّح، كما لو أنه يطالبه بالبحث عن " أكاذيب غالية "، مع أن الثانية لا تأتي في مقام الأولى قيمةً .
عدم الدقة في توظيف الكلمة في سياق، كما في عبارة: كذبتك قد جاءت متزامنة مع عشية كذبة نيسان.. إذ إن الناظر في العبارة هذه يجد نفسه أمام منحى آخر خلاف المقصود تماماً.
في الإطار نفسه ما الذي يحفّز السيد درويش على أن يفصح عن مشاعره إزاء مام جلال بقول: وإنني أتألم كثيراً من هذا المرض العضال الذي أصيب به مام جلال ؟إلا إذا كان هناك أمر آخر في نفس الموضّح ! 
مخالفة التوضيح الذي هو إعلامي لحكم قيمة الذي هو أخلاقي لمن يحسن حبْك الكلام، وفي الوقت الذي يتكفل التوضيح بإبراز الآخر لدى المتلقي، طالما أن الخبر عار عن الصحة، أي كما في : ، ولا أعتقد بأن أحداً سيكافئكم على فعلتكم هذه، كما كان البعض يُكافأ على نقل مثل هذه المعلومات المفبركة من قبل .
تضخيم الخبر بما يلفت النظر أكثر من حجمه، وإلا فإن ثمة ما يخالف حقيقة الموضَّح، وخصوصاً في العبارة: الجنحة: التهمة الجاهزة والتي ظلت تتداول في أوساط حزبيينا الكرد" الكبار منهم ؟ ويتم تلقينهم من حولهم "، أي: العملاء وأجهزة الأمن وطوابيرها التي مازالت تعمل على محاربتنا" جمعاً طبعاً "، ويبدو أنها تندرج في عِداد الطبيعة الثانية لديهم...
لعل في وسع دارس التوضيح باعتباره نصاً خبرياً، أن يتناوله من زاوية استدلالية وإعلامية واجتماعية، ويبحث عن نقاط أخرى لها علاقة بموقع الخبر ومخاطِبه ومن يكون شخصاً أو أكثر، وهو بالتأكيد ليس واحداً، وأن مغزى " المكافأة " لا يستطيع لا درويش ولا ابراهيم محمود ولا أي شخص كان البت فيها، إلا إذا كان درويش يعرف السيد سردار ابراهيم وأين يكون ومن يكون معه، وفي الحالة هذه تصبح القضية " بيتوتية تحزبية " لا داعي لكل هذا " التغبير والتعتير ".
لا ختاماً، وأنا أقول: من المؤسف أن يستمر" سياسيونا وبصفتهم حزبيين في موقع المسئولية " على هذا المنوال، وبمثل هذا الحشد غير المتناغم من الكلام المفكك، وما يترتب عليه من موقف" تاريخي " وهو أنهم بطريقتهم لا يعيرون للغتهم أي اعتبار، بما أنهم ينتقلون من انقسام إلى آخر وبشكل مضاعف، وفي كل انقسام ثمة تباه بالحاصل، كما لو أن الشعب عيّاء عياء لا يسمع ولا يرى ولا يحسن " إعراب الكلام " ووزنه، والتفريق بين المفرد والمثنى والجمع كأولي أمره.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18918