التراجيدية في تاريخ السياسات الفارسية
التاريخ: الأثنين 23 اذار 2015
الموضوع: اخبار



أحمد اسماعيل اسماعيل

عرضت شبكة التواصل قبل أيام فيديو لشاب كردي إيراني وهو على منصة الإعدام، في مشهد درامي اعتاده سكان إيران، المميز في هذا المشهد هو أن الشاب الذي كان مقيد اليدين من الخلف، كان يصرخ بصوت عال وعصبية وهو يقاوم البوليس الذي كان يدفعه إلى حبل المشنقة، في البدء بجسمه الضخم ثم بيديه بعد أن أستطاع فك قيده، ليصعد أكثر من عنصر من البوليس ويدفعوه نحو الحبل ليظهر بعدها وهو يتأرجح في الهواء. في أسفل الفيديو كُتب: هذا شاب يُعدم لأنه كردي وسني. أما صراخه ومقاومته فليس بسبب الخوف، بل لطلبه إبعاد والدته عن المكان كي لا تشاهد عملية إعدامه.


دفعني هذا المشهد الدرامي الشبيه بما يحدث في السينما إلى مراجعة تاريخية لعلاقة هاتين القوميتين في أرض إيران، فوجدت أن البداية أيضاً كانت درامية، وهذا طرف منها.  
بين الكرد والفرس ثمة علاقة تاريخية عمرها يقارب ثلاثة آلاف عام، أو يكاد، فالملتان قدِمتا من منطقة واحدة هي آسيا الوسطى، وذلك في أواخر الألف الثاني ومطلع الأول قبل الميلاد، وسكنتا في منطقة واحدة تقريباً. 
وتؤكد مصادر تاريخية أن الميديين (أسلاف الكُرد القدامى كما يؤكد باحثون ومؤرخون غربيون) سكنوا في شرقي مناطق اللولويين؛ أي مناطق أقاليم (كوردستان، بختاران، لورستان، هَمْدان، مركزي، زنجان) الإيرانية حالياً. أما قبائل بَرْسوا ( أسلاف الفرس ) فقد استقرت في منطقة جغرافية محدودة حول ضفاف نهر ديالا العليا وروافده، بين هَمْدان والسليمانية، وقد كان لهذا التجاور التاريخي الكثير من القواسم المشتركة من ناحية الدين والأعياد وحتى اللغة، إضافة إلى الانتماء العرقي"الآري" والغصن الواحد في شجرة اللغات.
قد لا يكون كل ما سلف من معلومات جديداً على المهتم بالشأن التاريخي، غير أن الجديد هو طريقة ابتلاع الدولة الأخمينية لمملكة ميديا، واستمرار الولاة الفرس في انتهاج هذه السياسة جيل بعد جيل، بدءاً بالأخمينية وانتهاء بالخمينية، مروراً بالساسانية، الأشد ظلماً، والفاجارية ومن ثم حكم الشاه وآيات الله بجناحيه، الإصلاحي والمحافظ    
تؤكد مصادر تاريخية قديمة أن الأقوام والقبائل: الإمبراطورية الأشورية القوية ومملكة ميديا الناهضة، ومملكة مانيا، وأورارتو..والسكيثيون أقوام وممالك أخرى كانت في تلك الفترة والبقعة الجغرافية في حالة امتداد وانحسار، قوة وضعف، هزيمة وانتصارات نتيجة المعارك والغزوات، كان أبرزها الحرب التي دارت بين التحالف الميدي -البابلي والإمبراطورية الأشورية،والصدى المدوي الذي خلفه انتصار هذا التحالف سنة(612) ق.م وأثره على مجرى التاريخ، لما كان لهذه الإمبراطورية القوية، المترامية الأطراف، من سطوة وشراسة، غير أن الانتصار الأكثر درامية، والشبيه بما يجري في التراجيديا الإغريقية والشكسبيرية، تجسد في انتصار الدولة الأخمينية على مملكة ميديا، بقيادة، بل بوساطة كورش الثاني، الفارسي من جهة الأب، قمبيز الأول، والميدي"الكردي" من جهة أمه مَندان ابنة الملك الميدي أستياك، والذي تربى كورش في قصره وحظي بثقته، مستغلاً أحوال مملكة هذا الجد، وكثرة معارضيه في الداخل، ليتحالف معهم، ويشن حرباً على المملكة التي تربى في قصر ملكها، وبعناية واهتمام، انتهت بضم ميديا إلى دولته الأخمينية الفارسية بعد ثلاث سنوات من الحرب وذلك في حوالي (550-490) ق.م.
والمفارقة التي تكمن في تاريخ ولاة إيران، وعبر زمن طويل، هو أن ما حدث في ذلك الزمن البعيد، من مكر وخداع وغدر بأقرب الناس لهذا الولي الفارسي هو أنه تكرر في أكثر من ظرف ومرحلة، رغم اختلاف الأزمنة وتبدل الأحوال والولاة.
ففي الحرب العالمية الثانية، وحين دخلت الجيوش السوفيتية أجزاء من الأراضي الإيرانية، ومنها كردستان، أعلن الكرد حينها، وبمباركة من الاتحاد السوفييتي، عن قيام أول كيان كردي، وذلك يوم الثاني عشر من كانون الثاني عام 1946 بقيادة قاضي محمد، انتهت بإعدام هذا القائد وشقيقه العضو في البرلمان الإيراني وابن عمه يوم 31 آذار من عام 1947، الذين التزموا بوعود ولاة إيران حينذاك بعدم تنفيذ حكم الإعدام بأحد منهم. أو الإساءة للمدينة والشعب مقابل استسلامهم للقوات الإيرانية وعدم مقاومتهم لها. 
وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، وانتصار الثورة الإسلامية سنة 1979 و تبدل الولاة، "من كفرة تابعين للشيطان الأكبر إلى ولاة وفقهاء دين"، وبمساهمة من الكرد، وباقي شعوب إيران من :بلوش وعرب وتركمان..غيرهم في تحقيق الانتصار على نظام الشاه، بعد كل ذلك، كرر التاريخ نفسه في ذلك الوقت أيضاً، وذلك من خلال رفض آية الله الخميني لأي مساهمة للكرد في كتابة الدستور الجديد، أو المشاركة في الحياة السياسية، أو منحهم حقوقاً كان قد أقر بها قبيل الثورة، ليسارع إلى إلصاق تهمة الانفصال، والتآمر على الوطن، وتمزيقه بالحركة الكردية الوطنية، واغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني بطريقة بوليسية في دولة أجنبية تم اختيارها من قبلهم لتكون مكاناً للحوار والتفاوض مع أحد آيات الله، تلا ذلك اغتيال خلفه في قيادة الحزب الدكتور شرف كندي، بعد زمن قصير جداً من اغتيال قاسملو، لتبدأ سياسة الأرض المحروقة: قتل وإعدامات، وملاحقات وتدمير مناطق سكنية كان حصيلتها أكثر من 227 قرية تم تدميرها بشكل كامل، حتى اطمأنوا على السيطرة الكاملة للمنطقة الكردية"السنية"، المارقة قومياً ومذهبياً أيضاً.
وبعد مضي زمن، ومع قدوم الإصلاحي محمد خاتمي سنة 1997 واستلامه سدة الرئاسة، أستبشر الكُرد، وباقي القوميات خيراً، غير أن الرجل لم تتجاوز إصلاحاته سوى تعيين محافظ كردي، والسماح بإصدار جرائد ومجلات، وإنشاء منظمة حقوقية كردية.. إصلاحات لم تلبِ أبسط طموحات شعب يبلغ تعداده سبعة ملايين.
وليتكرر الأمر ذاته مع قدوم الرئيس الحالي حسن روحاني، الإصلاحي الذي جاء بعد سنوات عجاف لحكم سلفه المحافظ أحمدي نجاد، فتأملت شعوب إيران، وأبناء المذهب السني، وسياسيه، خيراً، ومعهم العالم الذي يتابع ملف إيران في مجال حقوق الإنسان، وحكومات الدول التي تفاوض من أجل ملفها النووي، وأبناء شعوب أخرى مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين من أجل كف سياسات حكام، ما كان لهم أن يحققوا هذا القدر  الكبير من النشاز لولا تناغم حركة الجناحين معاً.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18894