الكورد وتيارات الإسلام السياسي في المنطقة
التاريخ: الثلاثاء 10 نيسان 2007
الموضوع: اخبار



  د.آزاد أحمد علي *
pesar@hotmail.com

الكورد والإسلام: مقدمات تاريخية
أحاطت بالكورد تاريخيا مجموعة من الظروف، أنتجت خصوصية الحالة الكوردية الراهنة، ويتساءل الكثير من المؤرخين والمهتمين بالشأن الكوردي حول طبيعة وماهية الظروف التي أنتجت الحالة الكوردية الاستثنائية في المنطقة وربما في العالم.


استثنائية الحالة الكوردية تكمن أساسا في عدم قدرة الإمارات الكوردية في القرون الوسطى من تخطي عتبة التبعية وانجاز الاستقلال السياسي في سياقه التاريخي، بمعنى انه لم تساعد الظروف أيا من الإمارات والممالك الكوردية لترتقي وتتوسع وتنجز تطورها إلي سوية الدولة ذات الكيان الإداري والسياسي المستقل. إن عدم تخطي الإمارات الإقطاعية ـ الدينية هذه العتبة والدوران في فلك الإمبراطورية الإسلامية والخلافة العباسية في بغداد، في مراحل مبكرة أي مطلع الألف الأول الميلادي، بدءا من الإمارة ـ الدولة المروانية ومن ثم الأيوبية، وصولا إلى إمارة بوتان بقيادة العائلة البدرخانية في أواخر القرن التاسع عشر، إضافة إلى العديد من الإمارات الكوردية الأخرى، هو موضوع يمكن إحالته في المحصلة  إلى ظروف اجتماعية ـ اقتصادية وبالقدر نفسه من الأهمية إلى العوامل الفكرية وبالتالي إلى المعتقد الديني وهو الإسلام تحديدا. فلإسلام  مازال حاضرا في الراهن الاجتماعي والسياسي الكوردي بهذه الصيغة أو تلك.
تجمع المصادر التاريخية على أن الأكراد دخلوا الإسلام سلما، بل كانت المقاومة للدين الجديد ضعيفة وشكلية في اغلب المناطق الكردية وخاصة الجنوبية والغربية منها. والتأكيدات على ذلك تتكرر عند المؤرخين أمثال البلاذري والواقدي وابن الأثير:
 ((ولما أخذوا الرقة ونصيبين ضم عياض إليه سهيلاً وعبد الله وسار بالناس إلى حران، فلما وصل أجابه أهلها إلى الجزية فقبل منهم. فكانت الجزيرة أسهل البلدان فتحاً. ورجع سهيل وعبد الله إلى الكوفة. وكتب أبو عبيدة إلى عمر بعد انصرافه من الجابية يسأله أن يضم إليه عياض بن غنم إذا أخذ خالداً إلى المدينة، فصرفه إليه، فاستعمل حبيب بن مسلمة على عجم الجزيرة, والوليد بن عقبة على عربها))(1)

سياحة عياض بن غنم في كوردستان عام 17 للهجرة:

تصور بعض مصادر التاريخ الإسلامي لوحة كاريكاتيرية لعملية دخول الأكراد الإسلام، ومن الطرافة أن نورد هنا ما نقل عن الواقدي في رواية تصف دخول الأكراد الإسلام في مناطق متعددة من منطقة بوتان، تلك المنطقة الكثيرة القلاع والجبال والتي كانت معروفة في المصادر الآرامية بمنطقة (قردى،قردو) أي كردى،كردو، ولا شك أنها من أحصن المناطق الكردية وأكثرها مناعة على الغرباء. يقول الراوي نقلا عن الواقدي: "فلما نزل عليها عياض دعاهم إلى الإسلام، فأجاب العقلاء منهم، ومن أبى اقر عليه الجزية ... وزار عياض جبل الجودي وموضع سفينة نوح وكان ملكها يسكن عادياء ، نزل على ثمانين(2) وزار أهل تلك القلاع وكان يملكها الحر بن صالح وكان تحت يده من القلاع كواشي والزعفران، وقلعة قفيز ودربيس وقلناس وببلون وانشان واسطون وآبدا ووجل والمنظورة وطماري وبان وكوكب والسندية والدير وبابشري وباكوكا وباشهر والشريفة، قال فلما بلغ المراسلة إلى الحر بن صالح أجاب وأطاع وكان يسكن بعادياء فاقبل إلى عياض بن غنم، فاسلم على يديه، وكتب لأهل بلاده عهودا وأمره أن يدعوا  أهل بلاده للإسلام،ثم ارتحل عياض بن غنم إلى الجانب الغربي ـ أي الغرب من دجلة ـ"(3).
 يبدو أن عياض بن غنم (الذي زار) مع الملاحظة انه قام ـ بزيارة هذه القلاع وليس فتحها ـ  وكأنه في جولة سياحية أو أنها كانت قلاعا إسلامية في الأصل، إذ لم يعترض أو يحتج أحدا على زيارة عياض وجيوشه. فإذا أسقطنا نسبة المبالغة في النص وأخطاء النساخ والأخطاء التاريخية للمؤلف ذاته، فان ما يتبقى بعد كل هذا التدقيق ذات دلالة معبرة وتوحي لحالة من الاستسلام تستحق التوقف، هذه الحالة مدعمة في مصادر تاريخية أخرى فالبلاذري يؤكد على الفتح السلمي لمناطق وقلاع الأكراد: "ولى عمر ابن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والأذن لمن أراد الجلاء في الجلاء ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها على الجزية ثم فتح المرج وقراه وأرض باهذري وباعذري وحبتون والحياني والمعله ودامير وجميع معاقل الأكراد."(4)  
 على ما يبدو كان المجتمع الكوردي مجتمعا في انتظار أن يهز أحدهم غصن شجرته الكهلة، وخاصة من خارج وسطه الاجتماعي والجغرافي.
 قد يكون من الإجحاف تثبيت صيغة قبول الكورد الإسلام من خلال عدة روايات ونصوص، ولكن كيف لنا أن نتخيل عياض القائد العسكري وهو يشرح تعاليم الدين الإسلامي بالعربية للسكان الأكراد في القلاع الحصينة بأعالي جبل جودي بهذه الطريقة الودية، ولكن الوقائع والمعطيات التاريخية  تثبت دخول الكورد في الإسلام بيسر وانتشار الإسلام في هذه المناطق الحصينة طبوغرافيا والسهلة روحيا بهذه البساطة، لا يمكن للإسلام أن ينتشر إلا في سياق تاريخي وحيد كونه دين الذين لا دين لهم، دين تلقفته تلك الجماعات التي اندثرت وانكمشت معتقداتهم الأصلية في قوالب جامدة وميتة وغير قادرة على تلبية المستلزمات الروحية  والمعرفية لمجتمعاتهم المغلقة. إننا سنفترض عدم وجود مناعة فكرية ـ دينية كافية في المجتمعات الكوردية المحلية حينئذ من جهة، وعدم وجود إدارة اجتماعية ـ سياسية متطورة من جهة أخرى. وما ساعد على هذا القبول السريع أيضا هو الطابع التبليغي الاشعاري للإسلام في بداياته. فالدخول في الإسلام كان يتطلب الدخول في الإسلام وحسب، دون الخوض في التفاصيل التنفيذية. ولكن متى وأين قاوم الأكراد هذا الدين؟ يبدو أنها جاءت في مراحل  لاحقة وفي المناطق التي تدين بالزرادشتية والمسيحية  سواء كانت في الجزيرة والخابور أو في مناطق غرب الفرات.
إن الإسلام الذي استقر في المناطق الكوردية بات شديد الانفصال عن طموحات الجماهير إن جاز التعبير في هذا السياق، وكان إسلاما يدعو للولاء والتبعية للمركز  دون السعي لإنتاج إسلام محلي مذهبي كالتشييع الذي تم محاربته من قبل الأيوبيين.
وعلى ما يبدو أن النزعة السنية العثمانوية التي دعى إليها علماء الدين في بدليس وضواحيها بقيادة الملا إدريس البدليسي، ودعم بنيانها شرفخان البدليسي وغيره من النخب الكوردية عصرئذ، هذه النخب التي ساهمت جميعا في الاستقرار المذهبي السني لصالح العثمانيين من جهة، وتأمين الغطاء الأيديولوجي  للخلافة العثمانية من جهة أخرى. إن هذه النزعة كانت الحلقة الأخيرة والمميتة في مسلسل التهور الكوردي ـ الصوفي عبر التاريخ.
 إن صلاح الدين بوعيه الإسلامي الصرف المنحاز للإسلام السني، كان حلقة وصل مهمة بين المدارس الإسلامية السنية والأخلاقيات الجهادية، كما كرس على الصعيد الكوردي الإسلام   الجهادي، ومهد للطرق الصوفية والولاء الأعمى للخلافة العربية وللسلاطين المماليك والترك العثمانيين السنة لاحقا.
 فصلاح الدين كظاهرة إسلامية كوردية تختزل جزءا مهما ومشخصا من إشكالية علاقة الكورد بالإسلام، والتي لا تكمن في خدمة الإسلام وكسر شوكة الصليبين وقلب الموازين بين الإسلام والمسيحية في المشرق والتمهيد لاستيلاء المماليك والعثمانيين على العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأدنى فحسب، وإنما في التمهيد لحكم أحفاده مناطق إسلامية عديدة وإعلاء شأن الأكراد سياسيا في القرون الوسطى. إلا أن حكم ذريته وأقربائه من القبائل الكوردية تلاشى في حكم الآخرين، أما وسطه العسكري ـ الاجتماعي الكوردي فقد استعرب وذاب في الوسط العربي تماما. وبالتالي يمكن القول بأن  إسلام الكورد  كان مدخلا موضوعيا لاندماجهم في المحيط العربي التركي الفارسي.

المرحلة الانتقالية: النزعات الاستقلالية الكوردية عن السلطتين العثمانية والصفوية:

في القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر بدأت الدولتان العثمانية والصفوية تؤسسان عمليا لدول  قومية على أرض الواقع،  وبشكل خاص  بدأت "الدولة التركية تترسب" في قاع السلطنة العثمانية، وبرزت دولة أخرى فارسية على خلفية الحكم الصفوي، وكانتا تتأسسان على أكتاف الكورد وعلى حساب سيادتهم وجغرافية انتشارهم الواسع في الشرق الأدنى.
لم تكن المؤسسات الإسلامية الأهلية الكوردية  ذات البنى الصوفية تفكر قط في تجاوز السلطنة العثمانية أو الخروج عليها فهذه المؤسسات كانت ذات نزوع صوفي تمارس الدروشة وتستقطب المزيد من المريدين الأكراد البؤساء، كان سقف أحلام وطموحات شيوخ الطرق الصوفية الكوردية أن يزداد عدد أتباعهم ويتم عبر تبعيتهم تأمين حياة دنيوية كريمة لأبنائهم ولنسائهم ولذريتهم الكبيرة عادة، وما تبقى من امتيازات سيحصلون عليها في حياة الآخرة. لم يكن سقف أحلام رجال الدين الكورد يتجاوز ذلك الواقع الاجتماعي الروحي، ولم يكن في تصورهم قط الخروج من عباءة السلطنة العثمانية الإسلامية السنية، وما جاء خلاف ذلك هو محض استثناء.
 ونتيجة لتنامي الممارسات العرقية واستئثار قلة من حكام الفرس والترك بسلطة الدولتين الإسلاميتين اللتان كانتا تتوارثان بصيغة أو أخرى (الخلافة الإسلامية)، وبسب إقصاء الكورد وازدياد الممارسات التميزية بحقهم، ونزعة السلطان محمود الثاني لبسط سلطته على الإمارات الكوردية المستقلة في الربع الأول من القرن التاسع عشر.
قامت حركات وانتفاضات ضد هذين السلطتين وتنامت وتدرجت إلى أن وصلت إلى مستوى الحركات الاستقلالية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وكانت جل هذه الحركات بقيادة نخب قبائلية أو حضرية متأثرة بالتحولات السياسية والصراعات الدولية التي كانت تجري بقوة يومئذ في منطقة الشرق الأوسط. ولم يكن دور النخب الدينية فيها فاعلا إلا أن تأسست حركة كوردية بقيادة الشيخ عبيد الله النهري(عام 1879) الذي لمح صراحة بالردة الإسلامية لخلفاء بني عثمان، والتلميح الواضح أيضا بمشروعية قيام كيان كوردي مستقل منفصل عن الصفويين الشيعة (الكفار) والعثمانيين السنة (المرتدين)، لقد كانت دعوته مرتكزة على وعي فكري ـ ديني مشوب بالحس القومي وفكرا قوميا مشبعا بالإسلام(5).
 كما تابع من بعده عدد من رجال الدين الكورد هذا المسار ذات النزعة الاستقلالية وخاصة الشيخ عبد السلام البارزاني.
حيث  بدأ حدوث شرخ بين الإسلام الرسمي العثماني وإسلام النخبة من رجال الدين الكورد المتنورين وبعض الزعامات العشائرية والحضرية التي سعت إلى استقلال كوردستان عن السلطنة العثمانية، مع بروز الرغبة في التحالف والاستنجاد بأوربا وروسيا المسيحيتين، والعمل معا ضد السلطة العثمانية. أسس هذا التحول لبداية الوعي القومي الكوردي ولتراجع النزعة الإسلامية الجامعة لشعوب المنطقة في ظل خلافة أو دولة مشتركة.
 ومنذ ذلك الحين استمرت حالة الالتباس بين ما هو قومي كوردي وما هو إسلامي في مجمل الحراك القومي حتى أواسط القرن العشرين وظهور الأحزاب الكوردية العلمانية والماركسية، التي عملت  بوضوح على نقد التاريخ الإسلامي وسلطاتها التي قمعت الكورد.

المرحلة المعاصرة: الإسلام السياسي والكورد، الصدام المتوقع:

  المرحلة المعاصرة مازالت استمرارا للقرنيين الماضيين فإشكالية علاقة الكورد بالإسلام هي سياسية اليوم أكثر مما هي روحية, لذلك اختزلنا هذه العلاقة بالإسلام السياسي على اعتبار أن الإسلام الروحي والطقوسي متجذر في المجتمع الكوردي وليس له تضاد مع إسلام الجوار.
وتكمن إشكالية هذه العلاقة أساسا في أن المسلمين هم الذين اضطهدوا الكورد تاريخيا، على الرغم من أن أوربا مسؤولة مسؤولية كاملة عن اختفاء الكيان السياسي الكوردي الذي كان قائما على الأرض طوال قرون عديدة بصيغ محلية ونسبية.
لكن من مارس الاضطهاد وحملات الإبادة ضد الكورد هم المسلمون التراك والفرس والعرب، ولم يكن موقف "الإسلام السياسي" المعاصر كافيا لإدانة هذه المأساة، وبصرف النظر عن  من مارس الاضطهاد، القوى القومية العلمانية ـ العسكرية خاصة في تركيا والعراق أم غيرهم.
لأنه من الأهمية بيان أنه لم تقدم التيارات الإسلامية المعاصرة للكورد إبان محنتهم المعاصرة أي دعم أو موقف متعاطف سوى (الموعظة الحسنة)، باستثناء بعض القوى (الشيعية في العراق كجبهة مضادة لحزب البعث).
لذلك يبدو أن التيارات الإسلامية المعاصرة لم تولي المسألة القومية عموما والكوردية بشكل خاص ما تستحق من الأهمية. بل من المتوقع أن ينطوي مستقبل العلاقة بين  الكورد وتيارات الإسلام السياسي المتصاعد في المنطقة على صيغ من التناقض والتناحر والتضاد. لأن الإسلام السياسي المنظم ضمن حركات علنية هو المسيطر حاليا على الحكم في ثلاث دول معنية بالملف الكوردي وهي: إيران (الإسلام السياسي الشيعي الخمينيوي)، والإسلام خفيف الوزن الليبرالي في تركيا (حكومة حزب العدالة والتنمية)، وكذلك فإن العراق يحكم عمليا من قبل القوى السياسية الإسلامية وهي الفاعلة سواء كانت شيعية أم سنية.
ومن المحتمل أن يتصاعد دور القوى السياسية الإسلامية في سورية وان ينتقل نفوذهم من الشارع إلى الحكم، ومن العمل السري إلى العلن، سواء استمرت السلطة الحالية في الحكم أم لا.
بناء على هذا التشخيص المبسط  لمعادلات الواقع السياسي في الدول التي تقتسم كوردستان وتتنكر لحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره السياسي، سواء ترجم هذا التقرير في المصير على شكل حكم فدرالي أم استقلال تام، وحيث أن برامج وقناعات القوى الإسلامية لا تتضمن أي إقرار بحق تقرير المصير للشعب الكوردي وإنما هي في الغالب تتحدث عن أمنيات وبعض الطروحات الخجولة حول المظلومية الكوردية والعدالة، وحيث أن الخطاب الإسلامي مازال خطابا نظريا احلاميا يطمح إلى لم  شمل المسلمين في دولة واحدة، وهي ضمنا تريد من الكورد المسلمين الانتظار ليتنعموا بسلطة الدولة الإسلامية العادلة أو الخلافة ـ الإمارة القادمة، وموضوعيا الخطاب الإسلامي في الدول الأربعة المذكورة هو خطاب انتظار لحل المسألة القومية الكوردية وغيرها من المساءل المشابهة، وبالتالي وبصيغة عملية يشكل هذا الموقف سكوتا عن وامتدادا لممارسة سياسات الاستعلاء والاضطهاد القومي ضد الشعب الكوردي. وقد ترجمت وتحققت آليات الاضطهاد ضد الكورد على شكل  حملات عنف وإبادة وإعدامات قام بها حراس الثورية الإسلامية الإيرانية وجنود وقوات الأمن التركية التي تدار من قبل حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
 لقد أثبتت الأحداث والوقائع السياسية في العقود الماضية إن حكم الإسلاميين في كل من إيران وتركيا وممارستهم العملية تجاه الأكراد لم تختلف عن قسوة حكم القوميين الشوفينين من العسكر وخاصة في العراق...
  فما الجديد الذي يحمله الإسلام السياسي للكورد في المنطقة؟
 على ما يبدو ليس هنالك ما يحمله الإسلام السياسي للكورد سوى صيغ معدلة من الاستعلاء والاضطهاد القومي تحت عباءة الإخوة الإسلامية، فالبرامج النظرية لقوى الإسلام السياسي لا تتضمن أي حل سياسي وعادل للقضية الكوردية، كما أن الذاكرة الكوردية مازلت مشبعة بالدماء وصور قتل أطفال الكورد من قبل هؤلاء (الأخوة في الدين) في الدول المجاورة. وبناء عليه فمن المنتظر أن يتسع الشرخ ويتصاعد حدة التضاد مابين قوى المنضوية في إطار التيارات الإسلامية الصاعدة في المنطقة وبين القوى الديمقراطية الكوردية الداعية للتحرر القومي.  وشكل هذا الصراع لم يتحدد بعد على  اعتبار أن آليات الصراع غير واضحة وملتبسة ومتخفية تحت أكثر من قناع  حاليا.
 إن المجتمع الكوردي هو مجتمع إسلامي بلا شك لكنه ونتيجة لجملة الظروف المذكورة هو أكثر المجتمعات الإسلامية قابلية للديمقراطية والعلمنة والحداثة ومواكبة التطورات المعاصرة وامتثال التيارات الليبرالية والاشتراكية ـ الديمقراطية، على اعتبار أنها مستاءة من الاضطهاد المتأتي من هيمنة الشعوب الإسلامية المجاورة. ومن المتوقع أن تنتعش هذه التيارات العلمانية واللادينية فيما لو تهيأت لها الأرضية والدعم الثقافي والاقتصادي، ومهدت لها الطرق اجتماعيا وفكريا، إن قوة هذه الاتجاهات العلمانية لا تأتي كرد فعل متوقع على الاضطهاد الإسلامي المنتظر والمحتمل للشعب الكوردي فحسب، وإنما البنية الاجتماعية والاقتصادية والمناخ الفكري قادران على احتضان وتنمية هذه الاتجاهات السياسية المعاصرة.
وهذا لا ينفي وجود وتنامي بعض تيارات الإسلام السياسي في المجتمع الكوردستاني، فقد  فاز نهاية عام 2005 تيار إسلامي هو الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بحوالي 9 % من أصوات المقترعين في كوردستان العراق. وهذا الفوز الكبير نسبيا ناتج على الأرجح من أخطاء التيارات الكوردية القومية ومن ضعف وتراجع التيارات الاشتراكية، وكذلك بسب ضخ الأموال من قبل الحركات الإسلامية خارج كوردستان، ولكن هذا لا يعني بان هذا التيار سيتراجع مستقبلا ولا يعني بالضرورة  أيضا نكران حقيقة أنه قد يكسب الشارع الكردي  نسبيا، خاصة في المستقبل حسب برامج عملية وبطرق سلمية.
إن فرص انتشار الإسلام السياسي في الوسط الكوردستاني هي أقل بكثير منها في الدول والمناطق الإسلامية المجاورة. وذلك نتيجة لتراكمات التاريخ وأخطاء القوى الإسلامية المعاصرة التي لم تولي اهتمام جدي ومناسب لمسألة حق تقرير المصير للشعب الكوردي وإنهاء تسلط السلطات ـ الدول (الإسلامية) الأربع على شعب كوردستان، ولم تقف  في مواجهة سياسات إرغام الكورد على الانحلال، بل كانت متفرجة على حملات الإبادة التي تم تغطيتها وشرعنتها فقهيا (حملات الأنفال ضد الكورد في العراق)، فالتيارات الإسلامية بذلك لم تكن  متفرجة وحسب؟ بل كانت سندا إلى جانب التيارات العنصرية القومية التي عملت على إبادة الشعب الكوردي المسلم(أحفاد صلاح الدين وفرسان الشرق حين اللزوم). لقد ظلت التيارات الإسلامية في الواقع على مسافة بعيدة من معاناة الكورد، وربما انتظرت لحين أن يمحى الشعب الكوردي من على خارطة المنطقة تحقيقا للانسجام القومي سابقا، والخوف كل الخوف أن تستمر هذه المواقف مستقبلا  في سبيل  تحقيق أهداف القوى الإسلامية في بناء دولة الحاكمية أو الخلافة على حساب شعب إسلامي عريق، ينزاح موضوعيا إلى خارج هذا العالم المضطرب اليوم.
ــــــــــــــــ
المصادر:
ابن الأثير.الكامل في التاريخ. ذكر فتح الجزيرة وأرمينيا، ص ـ 532
2- وهي قرية هه شتيان على قمة جبل جودي، التي يذكر بأن نوح عليه السلام نزل بها.
3-الواقدي، تاريخ فتوح الجزيرة والخابور ودياربكر والعراق. تحقيق عبد العزيز حرفوش، دمشق –1996  ص ـ 234
4- البلاذري. فتوح البلدان، مصر 1932 - ص  ـ327
5- د. عبد الرؤوف سنو. النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية، (1877-1881)، بلاد الشام ـ الحجاز ـ كردستان ـ ألبانيا. بيروت 1998، الصفحات / 113 – 135/
------------------
*كاتب وباحث كردي سوري – رئيس تحرير مجلة "الحوار" الصادرة في سوريا منذ عام 1993، تهتم بالشؤون الكردية وتهدف لتنشيط الحوار العربي- الكردي.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1866