الائتلاف السوري فوق اللغم التركي
التاريخ: الجمعة 10 تشرين الاول 2014
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود  
  
أظن أن الائتلاف السوري الآن في وضع لا يُحسَد عليه، ولعله كان في وضع كهذا منذ البداية، سوى أن مؤشر المستجدات يزيح الستار راهناً عن أمور كثيرة كانت في حكم المضمَر حتى الأمس القريب، وسخونة المستجدات جعلت صورة الوضع أكثر وضوحاً، بله، قل سفوراً . 
إن التفاعلات الدراماتيكية تلك التي تشهدها المنطقة إثر تنامي الخطر الداعشي في كل من سوريا والعراق، وتكثيف داعش لغزوه على إقليم كردستان العراق، إثر مأساة شنكال، ومن ثم السعي إلى اقتحام كوباني في الجانب الشرقي ولصق الحدود التركية مقابل " سروجي: بيرسوس التركية "، كل ذلك يحرِج الائتلاف 
السوري عموماً، ونسبة الكرد المشاركين فيه خصوصاً.


فبوصلة السفينة التي تمخر عباب التاريخ في خضم الأحداث المتتالية، تتراءى للعيان كثيراً تحت تأثير توجهات الساسة الأتراك، ليزداد السيناريو جلي الملامح باضطراد، وكأن انفجار الأوضاع في سوريا استجابت له تركيا كنظام، ورتّبت له أكثر من أي قوة دولية سياسية أخرى، بالتعاون مع ذوات المصلحة من الدول الأخرى " اسرائيل وحاميتها الكبرى : أميركا "، ليس لأن تركيا تحكمت في سيرورة الأحداث وخاصية الثورة السورية كما سمّيت في أول انطلاقتها، وهي مفارقة استباقية قبل جلاء الرؤية، وإنما لأن ما حدث تجاوب مع المنشود تركياً، ليكون المستجد باسمه في تركيا بمثابة دعم لها، والسعي الحثيث إلى احتضان رموزها أو من أصبحوا رموزاً والمتحفزين إلى التغيير الجذري للنظام . 
كما قلنا، ليس بالضرورة أن يسمّي أحدهم " مقدمة ما " ليشير إلى " نتيجة ما " بالمقابل في الحال، حيث إن منطق الراهن وفي النظام اللانظام الصادم للمقاييس الإقليدية الشديدة الحسية " في المسافات المحدودة "، يعتمد على قواعد افتراضية لها صلة باللامرئي وحتى باللاحدثي كما عرِف عنه حتى الأمس القريب، لحظة أخذ المتنشَّط فكرياً، وما هو معتَّم عليه مخططاتياً بعين الاعتبار، وإلا فإننا نكون في وضعية العمى التاريخي في الظل اللامحدود للميديا وفضائياتها الهائلة والرهيبة. 
تركيا هي الدولة الأوحد، وهي تتاخم الحدود السورية على امتداد 1000 كم " ألف كم " تقريباً، والجغرافيا الكردية مهما يعتَّم عليها تبعاً لسياسة الدول التي تقاسمتها حكمة طرحها، بالعكس، إنها بمثابة " الطريدة الجغرافية الثمينة والمغرية لإجراء محبوك كهذا ! "، وعندما تفتح بواباتها الحدودية للاجئين السوريين والمنشقين عن النظام، واحتضان المعارضة، ولا بديل عنها، كان لعاب رموز أمنها يسيل كما لم يحدث من قبل، لتعيش لحظتها التاريخية وهي تنتظر بيضة الديك التاريخية الاستثنائية: كيفية توجيه مسار " الثورة "، وكيفية إدارة الدفة، وكيفية التعامل مع البوصلة بالنسبة للاتجاهات المرتقبة دون نسيان حصص من يعنيهم أمر " الكعكة " السورية تالياً . 
لنسمّيها سيناريو ضمن سيناريو ضمن سيناريو: سيناريو الأحداث في سوريا، وسيناريو المخطط له لدى القوى الكبرى، والسيناريو التركي المتداخل مع الأوليْن دون الدمج وإخفاء العلامات الفارقة: كيف يمكن ترويض من يحاول التحرك وكأنه حر في التعامل مع المستجد، وقد عبر حدوداً ليست له، وأن خروجه من " قفص " نظام ما، لا يخوّله لأن يتحرك في أي اتجاه كما يريد، إنما في الحد الأقصى ضمن " محمية سياسية " : لا تخفي نوعية المشرفين والمسجلين لكل شاردة وواردة داخلها، ورغم أن التنظيمات المتطرفة: جبهة النصرة، ثم داعش وغيرهما، لها صلة مباشرة بـ" علق " الجروح السورية، إلا أن الرعاية والوصاية وحق الولاية علامات ناطقة بالتركية الفصحى والأمنية الطابع، ولا بد أن مآل الكرد والمستجدات التي شهدها الإقليم الكردي وفي روجآفا حيث المتابعة عن كثب من قبل تركيا والدول الأخرى المجاورة لها، كان في صلب اهتمامات تركيا، وحركية الغزو الداعشي في الفترة الأخيرة بدت وكأنها لا تستهدف إلا الكرد وكردستان، رغم أنها لم ولن تدخر جهداً في إلحاق الأذى بكل من هو في خانة " المطلوبة رؤوسهم ". 
لا يمكن الحديث هنا عن التلكؤ التركي أو المماطلة أو التسويف أو تحليل المسوغات التركية تجاه سخونة الجاري وخطورته دون تمهل، إنما لزوم إمعان النظر في مآل السيناريو التركي والذي يظهر وكأن الأحداث كلها اجتمعت كجملة روافد لتصب في نهر " المصلحة " التركية خصوصاً، خصوصاً " مجدداً " وأنها لا تخفي مخاوفها تجاه كل خطوة ملموسة تقرّبنا من نهاية معينة للوضع في سوريا لصالح المعارضة بداية. 
الائتلاف داخل قاعدته المتحركة على أرضها، ومحاط برجالات أمنها وخبرائها العسكريين، وجملة المحافظين من " كبار الرتب العسكرية " والذين يريدون تركيا موجهة وفق تعليماتهم " حكم العسكر ! "، ولا فكاك للخروج من الداخل، لأنه محكوم بالجغرافيا المستلفة أو المواقع التي يقيم فيها المنتمون إليها " في استانبول وغيرها "، حيث لا بديل يحل محل تركيا ، هذا إذا افترضنا أن مجرد التفكير في البديل ممكن في ضوء المعطيات من ألفها إلى يائها، وفي الوقت الذي لا يخفي الائتلاف داخله نسبة لا يمكن تجاهلها، تلتقي مصلحتها ذات الصفة القوموية العربية مع السياسة التركية، فتتحرك بالتالي على خطوطها المعارة وكأنها خطوطها المستقلة، ليجد الائتلاف نفسه وفق التصور المقدَّم في مجمل الأحوال فوق اللغم التركي والذي يتحكم بمصيره، حيث مفتاح التحكم فيه بيد العراب التركي . 
مشهديات الرعب الداعشية وهي حية ومرئية من على الحدود التركية مقابل كوباني المغزوة، لا تقصي الناظر عن شبهة المسمى بـ" المنطقة " العازلة" كوباني والجوار في الواجهة "، ليكون لدينا قتل أكثر من عصفور بحجر واحد: وكل العصافير كردية، والرابح الوحيد هو الصياد: القناص التركي الذي لم ينزع عنه لباس صيده العسكري ومخططات الإيقاع بالآخرين، والانتشاء برائحة الدماء المراقة، وخصوصاً إذا كانت كردية كونها أدمنتها منذ زمن طويل، ولعل وقف الدماء هذه، يعني نهاية هذا الصياد ذو الأنياب والأشداق الواسعة ! 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18163