حوار مع الدكتور منذر الفضل حول القضية الكوردية ومستقبل العراق
التاريخ: الجمعة 23 اذار 2007
الموضوع: اخبار



   أجرى الحوار لافا خالد

في بلد لازال مثقلاً بمخلفات النظام السابق ويعيش تحت سطوة احتلال اجنبي يستدعي منا أن  نبتعد عما يثير الإختلاف في عراق مركب من أمزجة مختلفة لنقترب من المسافات التي قد تفتح لنا بوابة الحاضر ونلامس ما يبحث عنه المواطن العراقي الغائب الحاضر في وطن تفاصيله مفتوحةعلى كل الإحتمالات


فالعراق اليوم منبر لصراعات ومساحة للمختلف والإختلاف حتى على الثوابت التي تمتلك شروط الإتفاق  ويبقى السؤال  لماذا العراق لتكون المسرح لهذه الإختلافات الأكثر من عميقة ومن قبل أكثر من طرف داخلي منها وأطراف خارجية , اختلاف على الوحدة والحدود , أكثر من رأي حول المقاومة ضد الإحتلال والتحريرمن النظام السابق  واختلافات أخرى , حول كل ذلك مع الدكتور منذر الفضل نفتح بعضا من تلك القضايا العالقة  حول المختلف والمتفق في العراق في تقاطعات ومقاربات القانون والسياسة وخطى مازالت لم تكتشف الاتجاهات .  

كتب
أحد الكتاب قائلا : (ليس للكورد اصدقاء سوى الجبال). الكرد عرفوك مناصراً لقضاياهم  صديقاً وفياً كما جبالهم , الآن وقد تغيرت معطيات كثيرة هل بقيت المعادلة على حالها أم إن أي حل للعراق لن يكون إلا عبر البوابة الكردية ؟
 
بداية اشكركم على مبادرتكم الكريمة هذه في اجراء هذا الحوار الصريح , وقد عرفت بالصراحة في اقوالي دائما , وسأحاول أن تكون اجابتي بقدر ما أعرفه من خلال مشاركاتي ومساهمتي في العملية السياسية خلال سنوات عمل المعارضة العراقية لتغيير النظام الدكتاتوري البائد , وخلال المراحل ما بعد سقوط النظام .
كنت وما أزال صديقا للشعب الكوردي الذي هو جزء من الأمه الكوردية العريقة , والكورد هم من أقرب الناس الى قلبي وتربطني معهم علاقات وثيقه منذ الطفوله وتوثقت أكثر خلال مقاعد الدراسه منذ عام 1968وهو تاريخ دخولي الى كلية الحقوق ثم توطدت أكثر بمرور الزمان وتتوجت بالمصاهرة معهم حبا واحتراما وتقديرا , وأحتفظ بهذه العلاقات الطيبة الى اليوم .
 و الكورد هم الوحيدون بلا دولة رغم تضحياتهم الكبيرة التي قدمت عبر تاريخ الثورة الكوردية ورغم الظلم والاجحاف الذي يعاني منه ملايين الكورد في سوريا وفي تركيا وفي ايران . كما ان مناصرتي للكورد ليست حالة ظرفية أو تنبع من العاطفة وانما نابعة من ايماني الراسخ  بالقضية العادلة لشعب كوردستان في العراق وفي الدول الاخرى التي تتقاسم أرضه والتي ما يزال بعضها ينكر على الكورد  حتى الهوية وصفة المواطنة مثل سوريا !
إن الكورد هم قوة فاعلة ومؤثرة من حيث رسم ملامح مستقبل العراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي وإن أي حل لمشكلات العراق يمر عبر البوابة الكوردية , فقد لعب الكورد دورا كبيرا في اسقاط النظام الدكتاتوري وفي بناء مؤسسات العراق الجديد وفي تقديري لولا الكورد ما كانت هناك حكومة ولا دستور ولا انتخابات ولا اجتماعات للبرلمان , ولولا الكورد لكانت الحرب الاهلية أشد شراسة مما هي عليه الان وتأكل الاخضر واليابس , إلا انهم كانوا وما يزالون عامل توازن ايجابي وصمام الآمان لمنع المزيد من التوترات والصراع بين العرب السنة والعرب الشيعة في العراق فضلا عن انهم قوة فاعلة ومؤثرة ضد قوى الارهاب وضد التكفيرين .

العراق مولد أول قانون سنته البشرية كتشريع حورابي , الآن صنف العراق أكثر الدول انتهاكا للقانون ولحقوق الإنسان ، هل يمكنم ان توضحوا معادلة القانون والقمع في العراق وحتى الإنتهاكات التي تحدث بعد تغيير النظام  ؟ ماذا بشأن النقاط الكثيرة التي أثرتموها في إصلاح النظام القانوني العراقي ؟

لم يشهد العراق الاستقرار السياسي ولا الدستوري ولا القانوني منذ تاريخ انشاء دولة العراق عام 1921 وحتى الان , فالعراق متعدد القوميات والديانات والمذاهب والافكار وينعم بمختلف الثروات الطبيعية التي صارت نقمه وليست نعمه على العراقيين .ولقد انعدمت ثقافة الحوار والتسامح والاعتراف بالاخر بسبب العقلية العربية الشوفينية التي حكمت العراق فضلا عن الانقلابات العسكرية وطموح العسكر في السلطة الذي لم يتح الفرصه لبناء حكم مدني ودستوري مستقر في العراق لاسيما وان الحكم الدكتاتوري والحروب المدمرة التي شنها داخليا وخارجيا فككت نسيج المجتمع العراقي وهدمت جسور الثقه وخلقت مشكلات من الصعب حلها ومنها هجرة ملايين العراقيين وبضمنهم كفاءات علمية في مختلف التخصصات.
 ورغم وجود الدستور والقوانين الا انها كانت وما تزال غائبة او ضعيفة في التطبيق عبر هذه المراحل المختلفة من الانظمة السياسية , وللاسف لم توجد توعية حول ثقافة حقوق الانسان واحترام الدستور والقانون فكان الحاكم فوق القانون وصار قانون القوة هو الاساس بدلا من قوة القانون .
وبعد زوال النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 ورثت الحكومات المتعاقبه تلك القوانين التي شرعت إبان الحكم الشمولي السابق والتي تنسجم مع فلسفة النظام المذكور وما تزال حتى الان يجري تطبيق اغلبها بينما يوجب الوضع الجديد اجراء اصلاح او تعديل او الغاء هذه القوانين لكي تنسجم مع العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي غير انه وللاسف الشديد لم تتوقف الانتهاكات لحقوق الانسان التي بلغت حدا خطيرا من حيث الاعتقالات بدون سند قانوني وممارسات التعذيب في السجون اضافة الى ما تقترفه يوميا قوى الارهاب من التكفيريين وبقايا النظام السابق وعصابات الجريمة المنظمة من الجرائم كالقتل والاغتصاب والخطف والسرقة والسلب والنهب والتخريب وقطع الرؤوس وغيرها . 

كأكاديمي قانوني وثقت الكثير عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد النظام السابق ؟ الآن وبعد غزو العراق ما دوركم في توثيق الإنتهاكات التي تحدث في سجون العراق ك أبو غريب وحتى القضايا التي مست الشرف وغيرها من القضايا  ؟

بدون أي شك حصلت انتهاكات خطيرة جدا لحقوق الانسان في عهد النظام السابق فاقت كل تصور فضلا عن الجرائم التي ارتكبت ضد الكورد وضد الشيعة في الوسط والجنوب وضد العديد من احرار العراق الرافضين للظلم , وللاسف فقد استمرت هذه الانتهاكات لحقوق الانسان من طرف قوى الارهاب وبقايا النظام السابق و القوات المتعددة الجنسيات وقوات الجيش والأمن والشرطة العراقية والمليشيات المسلحة المختلفه, ونحن نعتقد بأن الانتهاكات أيا كان المرتكب لها فهي تشكل جرائم دولية يجب محاسبة الفاعلين والمشاركين فيها حسب القانون أيا كان الشخص المسؤول ,  وبدون تفعيل القانون وحماية حقوق الانسان ونشر ثقافة التسامح وتغيير المناهج الدراسية التي تنشر الكراهية  لا يمكن للاستقرار والأمن أن يتحقق في العراق ,  ولدى منظمة العفو الدولية جانب من المعلومات عن ذلك لأن ما يحصل في الواقع العملي أخطر بكثير مما ينشر للرأي العام , وتتحمل مسؤولية هذه الجرائم والانتهاكات لحقوق الانسان  قوات التحالف أولا طبقا الى اتفاقية جنيف الدولية  والأجهزة التنفيذية للحكومة  إذ أن كليهما مسؤول عن توفير الأمن والاستقرار و تطبيق القانون والحد من هذه الانتهاكات .

 معلوم إن نزاهة القضاء هو الضمانة لتحقيق العدالة في مجتمع مثقل بتراكمات خلفه النظام السابق ويعيش تحت الإحتلال ؟  هل صحيح إن الفساد ينخر القضاء العراقي أم إنها حملات إعلامية يروج لها من ليس له مصلحة في استقراره ؟

تعرض القضاء العراقي الى التدمير والتخريب والتسيس في ظل النظام السابق وساد الفساد في كل موقع وزاوية من مفاصل الدولة والمجتمع ومن المستحيل تطهير هذا الفساد المالي والاداري بوقت قصير لاسيما وان الوضع الامني في العراق بات معروفا للجميع ويرمي بثقله على القاضي والمعلم والطالب والموظف وكل فرد في المجتمع  , ولهذا فهناك فساد في مختلف القطاعات في الدولة , ونعتقد ان دور هيئة النزاهة في العراق هو دور ضعيف لا يتناسب مع حجم الفساد المالي والاداري , إذ ان هناك معايير دولية للشفافية واسس للسلوك المهني والوظيفي لم تحترم وصار العراق الان من بين أكثر الدول خرقا لقواعد الشفافية وللمعايير الدولية في قضية الفساد , فالمحاسبه للمفسدين ضعيفه والرقابة على الفساد اكثر ضعفا مما يجعل وجود هذا السرطان واستمراره مرضا مدمرا لكل شئ .ولما كان القضاء مرفقا حيويا في الدوله فان حمايته وتحصينه واصلاحه ضروري لمعالجة سرطان الفساد وطبقا الى تصريح مسؤول مفوضية النزاهة فان المبالغ  المتعلقه بالفساد وصلت الى  8 مليارات دولار وان المتهمين بلغ عددهم 8 وزراء سابقين مطلوبين للعدالة وعشرات المدراء العامين ايضا ولم يحصل اي تقدم في عملية محاسبتهم وفق القانون .

المشهد العراقي يبدوا وكإنه صراع شامل على كل محتويات العراق ، سياسيا اقتصاديا فكريا وووو وكذلك كان صراعا قانونيا بين القانون ودولة القانون ضد القمع الممنهج ؟  هل تركت القانون قليلا  لصالح السياسة أم لا انفصام بين المعادلتين ؟

الصراع أحد قوانين الحياة منذ الأزل , وهو قائم الآن بين تيارات مختلفه دينية وقومية وعلمانية الى جانب قوى الارهاب والتكفيرين وبقايا النظام السابق والجريمة المنظمة , وهو صراع شامل يتعلق بالوجود والمصالح والفكر مما يجعل المشهد العراقي يبدو مظلما وقاتما والاوضاع تسير نحو المزيد من العنف والعنف المضاد .
ومن الصعب فصل القانون عن السياسة أو فصل السياسة عن القانون , حتى ان الكلية التي درست فيها علم القانون ودرَست فيها كانت تسمى بـ (كلية القانون والسياسة) في جامعة بغداد , ويراد بالقانون من الناحية اللغوية  الشرعة أو السنة , والتي هي احكام مقننه تصدرها السلطة التشريعية في البلاد وتضع العقاب على من يخالفها من أجل تنظيم الدولة والمجتمع , والقاعدة القانونية تختلف عن القاعدة الاخلاقية من حيث وجود الجزاء أو العقاب على من يخالف القانون , ويراد بالسياسة أصول الحكم أي فن ادارة الشؤون العامة في البلاد , ولا يمكن تحقيق هذه الادارة بصورة سليمة دون قانون يحكمها , فعلم السياسة وعلم القانون هما علمان متلازمان , إلا أن القانون هو الذي يجب أن يحكم السياسة والسياسيين وليس العكس ولذلك لم أترك القانون لصالح السياسة ولم أترك السياسة لصالح القانون .

الكثير من النخب العراقية راهنت على العامل الخارجي لتخليصه من النظام الشمولي الذي استبد بكل مفاصل الحياة  وكنت منهم , الآن وفي ظل الدمار الشامل الذي يعيشه العراق في مختلف مؤسساته , ما كان سبب تفاؤلكم , هل تصورتم ان تسير الأمور بهذا الاتجاه المعاكس ؟ من تحملون المسؤولية , وكقانونيين لما لا ترتفع أصواتكم لإعادة الهيبة للقضاء والقانون العراقي الذي يغلق الكثير من قضاياه ضد مجهول مما يزيد التشكيك بقدرته وحتى نزاهته في بعض الأحيان

نعم اعترف بأنني كنت أحد المعارضين للنظام الصدامي منذ عام عام 1991 و ممن راهن على العامل الخارجي الداعم للعامل الداخلي في تغيير النظام الدكتاتوري وكنت أحد الخبراء العراقيين الذين عملوا تحت إشراف لجنة من وزارة الخارجية الامريكية للأعوام 2001-2002 لبناء الديمقراطية وتحقيق الفيدرالية واحترام حقوق الانسان لمرحلة ما بعد سقوط حكم البعث من خلال بناء دولة القانون عبر توصيات واضحة قدمت من لجنة الخبراء العراقيين الى الادارة الامريكية ومؤتمر المعارضة العراقية , وقد كان عددنا في اللجنة 32 خبيرا نذكر منهم الشهيد سامي عبد الرحمن والدكتور فؤاد معصوم وكنعان مكية ونوري البدران والدكتور موفق الربيعي وقباد طالباني ورند رحيم وآخرين ,  وقد استشعرنا قرب سقوط النظام منذ عام 2001 بسبب اخطاء بليغة وجرائم ارتكبها النظام السابق وبسبب قسوته البالغة وبطشه بالمعارضين العراقيين انذاك والقراءه الخاطئة للاحداث من صدام وأركان حكمه , ونذكر مثالين على هذه الاخطاء والجهل والفردية في الحكم  فقد روى لي أحد الاشخاص انه قابل صدام عام 1990عقب غزو الكويت وقال له أن أمريكا تحشد الجيوش لطرد القوات العراقية من الكويت وانها قوة عظمى قادرة على كل شئ , فلماذا لا تنسحب القوات العراقية قبل بدأ المعركة ؟ فأجاب صدام ( الحرب لن تقع وإن كلام الصحافه يختلف عن كلام كواليس السياسة) وقد وقعت الحرب فعلا وحصلت أكبر كارثة على العراق والعراقيين من هذا العمل العدواني الذي ارتكبه النظام السابق في سياساته الخاطئه ضد دول الجوار , والمثال الاخر من حرب اسقاط النظام في 9 نيسان 2003 حيث روى لي احد الاصدقاء إنه قابل صدام في مهمة ما في شباط 2003 بينما كانت الحشود العسكرية تقترب من ساعه الصفر فقال صدام للشخصية المذكورة ( اعرف إن الحرب سوف تقع وان الامريكان سوف يحتلون العراق وهذه المرة جاءوا لغرض اسقاط النظام واستهدافي شخصيا ولكن سنهزمهم وسننتصر عليهم بعون الله ..!)
ولذلك فان العامل الداخلي وحده لا يمكن ان يغيير النظام السابق بدون العامل الخارجي لاسيما وان مصالح الدول الاقليمية والدولية تضررت كثيرا من سياسات وجرائم الدكتاتور السابق وهددت أمن العالم واستقراره وصار نظام صدام نظاما ارهابيا يمارس ارهاب الدولة المنظم ضد العراقيين وضد دول الجوار.
وللأسف لم يجر تطبيق التوصيات التي قدمناها مع بقية المجموعه خلال عمل لجنة بناء الديمقراطية التي اشرت اليها ,  كما ارتكب الحاكم المدني بريمر اخطاء كبيرة اخرى سمحت بانتشار الفساد المالي والاداري الذي ينخر الآن في الدولة والمجتمع  وأدت الى ضعف كبير في هيبة الدولة والقضاء وصار قانون القوة هو السائد ,  وأعتقد أن من الصعب الآن اصلاح الاوضاع وتحقيق الأمن والاستقرار دون أن تتحقق عوامل واصلاحات وتغييرات جوهرية كثيرة كما صارت لدينا قراءة جديدة للاوضاع في العراق .

يمكن اعتبار معركة الدستور من المسائل المفصلية والديموقراطية في الوطن العربي والمنطقة ما مفهومك لدولة المؤسسات الدستورية  لعراق الغد ؟ هل يمكننا القول ان الشعب العراقي انتصر في هذه المعركة أم الأمر مرهون بانسحاب القوات المحتلة  ؟

لا يمكن أن تقوم دولة قانون في العراق دون أن تبنى مؤسسات دستورية وفقا للدستور , أي دولة قائمة على اساس الفصل بين السلطات الثلاث (السلطة التشريعية وهي البرلمان والسلطة التنفيذية وهي الحكومة والسلطة القضائية المستقلة وغير المسيسة) وقد تم انشاء جانب من هذه المؤسسات حسب الدستور غير إن البناء جاء هشا بسبب وجود السيادة الناقصة للعراق وتدخل قوات التحالف في جميع مفاصل الدولة والمجتمع فضلا عن وجود مشكلات جوهرية مستعصية الحل في العراق ووجود التدخلات الاجنبية لمختلف دول العالم في الشان العراقي . كما إن جسور الثقه انهارت بين العرب الشيعة والعرب السنة واصبح التعايش صعبا مما يوجب البحث عن بدائل اخرى واهمها اعادة رسم خارطة العراق من جديد.
أما عن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة فأنها أسقطت النظام الدكتاتوري وحررت البلاد , ثم اتخذت وصف المحتل طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي , وارتكبت اخطاء كبيرة اعترف بها القادة الامريكان انفسهم , ولكن انسحاب هذه القوات الآن في ظل الاوضاع الامنية المتدهورة يجعل العراقيين فريسة بيد قوى الارهاب والتكفيريين وبقايا النظام السابق الذين يتربصون الفرص ويلبسون ثوب المقاومة .

حينما نتحدث عن الدستور الدائم فان اسم الدكتور منذر الفضل يكون بارزا ، هل لكم ان توضحوا لنا لمساتكم الشخصية في  صياغة الدستور ؟

قبل اسقاط النظام الدكتاتوري واثناء عملي ضمن صفوف المعارضة العراقية كشخصية حقوقية مستقلة , وتحديدا في عام 2000 وبمبادرة شخصية مني أعددت مسودة مشروع دستور لعراق ما بعد حكم صدام ونال المشروع استحسانا من قبل بعض قوى المعارضة العراقية انذاك ومن مجموعة عمل الديمقراطية التي عملت برعاية وزارة الخارجية الامريكية , كما نالت اغلب الافكار الواردة في تلك المسودة اهتماما من سيادة الرئيس البارزاني من خلال رسالة شخصية تلقيتها من سيادته , ومن ثم تم عرض الافكار الواردة في المسودة على مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي شاركنا فيه في 14 ديسمبر 2002 , حيث تم توزيع تقرير مفصل صادر عن لجنة الخبراء باللغتين العربية والانكليزية على المشاركين في المؤتمر يتضمن توصيات لجنة الخبراء ومن ضمنها الاوراق التي قدمتها والمتضمنة مقترحاتي عن تحسين حقوق الانسان في العراق وعن مبادئ الدستور الجديد لعراق ما بعد صدام وشكل الفدرالية المناسبة للعراق وموضوع اجتثاث البعث .
 وفي عام 2005 تم ترشيحي عضوا في أول جمعية وطنية عراقية منتخبة عن التحالف الكوردستاني كشخصية عربية مستقلة  وتم انتخابي من الجمعية المذكورة عضوا في اللجنة الدستورية - اللجنة الثانية المتعلقة بالحقوق والحريات - ,  وقد اعتمدت بعض مقترحاتي التي قدمتها بخصوص الحقوق والحريات فضلا عن تبنى مقترحي في نص المادة 7 من الدستور الجديد المتعلق بحظر بفكر البعث , ونصوص اخرى . وبالمقابل  هناك الكثير من مقترحاتي لم يتم الأخذ بها في اللجنة وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الانسان عامة وحقوق المرأة خاصة  وأسس الديمقراطية  , كما لم تنجح محاولاتنا الكبيرة  في ادراج الاعلان العالمي لحقوق الانسان في نص الدستور .

عربي القومية  شيعي المذهب ، كوردي التخندق هي اوصاف نسمعها ، هل هي مطابقة للواقع وهل ساهم هذه النموذجية في شخصيتك في تقريب وجهات النظر اثناء صياغة الدستور ؟

عربي القومية وشيعي المذهب , نعم هي اوصاف صحيحة وقد ولدت معي ولم يكن لي  دخل في اختيارها , إلا انني اخترت بارادتي أن أكون في خندق الكورد بسبب المبادئ الانسانية التي نؤمن بها التي تسمو فوق كل اعتبار ,  وهذا الانحياز لحقوق الانسان والشعوب ولاتباع الديانات لم يحقق كل ما كنا نطمح اليه في الدستور العراقي بسبب وجود أعضاء يؤمنون بالتشدد الديني والتعصب القومي العروبي في اللجنة الدستورية ,  بل إن بعضا من الأعضاء هم من الداعمين للارهاب وبعضهم من ذوي السجل الاسود من بقايا النظام السابق ! فقد طرحت في اللجنة الدستورية إعادة حقوق الكورد الفيلية وأنصاف كل المتضررين من النظام السابق كوردا وعربا وتركمانا وكلدانا واشوريين ومن كل اتباع الديانات  وحتى حقوق اليهود العراقيين المهجرين , اضافة الى تأكيدي على ضرورة وضع الاعلان العالمي لحقوق الانسان كجزء لا يتجزأ من نصوص الدستور وفصل الدين عن الدولة وعدم تسيس الدين وغيرها من الافكار , إلا ان هذه المقترحات اصطدمت بجدار صلب وافكار ضيقة وقفت ضدها  , ووصل الأمر الى أن بعض الأعضاء في اللجنه الدستورية قالوا وبكل صراحة بأن كل من يحمل جنسية غير عراقيه فهو غير عراقي , وولاؤه لغير العراق .

ما موقفك من قضية اجتثاث البعث ؟ ألم يدفع الكثيرون ثمن لقمة عيشهم بتطبيق الإجتثاث ,بالعلم
   إن من يدير خطة بغداد الآن  بعثي سابق ؟

أود أن اشير الى إن أحد أهم التوصيات التي قدمتها شخصيا الى مجموعة عمل بناء الديمقراطية التي عملت تحت اشراف وزراة الخارجية الامريكية عام 2001 – 2002 هي اجتثاث البعث , وكما أشرت في جوابي السابق الى تبني مؤتمر المعارضة في لندن للمقترح , وتم تنفيذه من قبل الحاكم المدني بريمر ,  وكان هدفي أن يوضع هذا المبدأ في الدستور , وقد وافقت على مقترحي هذا الجمعية الوطنية العراقية عام 2005 التي أخذت به وأقرته بالأجماع في نص المادة 7 من الدستور العراقي الدائم
((المادة (7):
اولاً: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولايجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.
ثانياًـ تلتزم الدولة محاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه.)).
وكان مقترحي بالأصل هو حظر فكر البعث بصورة عامة دون تمييز بين فكر صدامي وغير صدامي ولكن بسبب اعتراض البعض تم اقرار هذه المادة بهذا النص وكان تبريرهم لكي لا تجرح مشاعر النظام في سوريا !. 
وللحقيقة نقول بأن الدكتور موفق الربيعي الذي كان أيضا في لجنة الخبراء طرح أيضا نفس الفكرة أي اجتثاث البعث عام  2001 وكذاك الدكتور علي علاوي ,  وعارضتها حركة الوفاق الوطني بزعامة الدكتور أياد علاوي , أما الدكتور أحمد الجلبي فقد تولى رئاسة لجنة اجتثاث البعث بعد سقوط النظام .
  ونعتقد بأن ليس كل البعثيين هم من المجرمين وانما لابد من وضع الأسس القانونية الصحيحة للتفريق بين المجرم منهم وغير المجرم ,  فهناك :
1. المرتكبون للجرائم الدولية من البعثيين وغير البعثيين : وهم الاشخاص الذين ارتكبوا جرائم دولية كجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية . ومن هؤلاء رئيس النظام السابق واعوانه الذين يقدمون للمحاكمة في العراق وبعضهم نال عقابه ومنهم من ينتظر  .
و هذا الصنف من المجرمين يجب معاقبتهم وفقا للقانون العراقي ووفقا للاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي صادق عليها العراق ولا تجوز المصالحة ولا الحوار معهم مطلقا وفقا للاتفاقية الخاصة بمنع ابادة الجنس البشري ومنع تقادم الجرائم الدولية . ونشير هنا الى أن جرائم الارهاب التي يرتكبها الارهابيون الآن في العراق تقع ضمن هذا التصنيف . كما لا يجوز السماح بعودة حزب البعث الذي ارتكب جرائم لا تقل عن جرائم النازية  الى الساحة السياسية , ولا اعتباره جزءا من التعددية السياسية , وخاصة بعد أن تم حظره في الدستور العراقي الجديد .
2. المرتبطون بالبعث والنظام السابق الى وقت سقوط النظام من غير المرتكبين لأية جريمة دولية أوعادية   وهؤلاء لا يوجد مايمنع من اشراكهم في الحياة العامة بعد تأهيلهم وفق ضوابط لجنة اجتثاث البعث .  

كان الدكتور عضوا لأول برلمان عراقي منتخب وعن القائمة الكوردستانية ، ماشعورك حينما ينتخب الكورد ابن النجف صوتاً لهم في البرلمان

أقول بكل صدق وامانة أنني شعرت بالفخر والاعتزاز وايقنت بأن الكورد لهم ثقة مطلقة بشخصي حين حملوني هذه المسؤولية الكبيرة التي تتعلق بمستقبل قضيتهم , كما علمت أن اسمي قد حظي باجماع الاحزاب الكوردستانية عندما طرح في برلمان كوردستان أثناء ترشيح اسماء قائمة التحالف الكوردستاني للجمعية الوطنية العراقية .

أثرتم قضية الكرد الفيلية في المحافل الدولية ما هو موقفك من هذه القضية , هل حققت صداها لتوثق حقوقهم في الدستور ؟ أم هناك أطراف تؤجل وترفض تحت مسميات كثيرة ؟

الكورد الفيليون جزء لا يتجزأ من الشعب الكوردي وقد تعرضوا أثناء النظام السابق الى ظلم مزدوج بسبب انتمائهم القومي أولا والمذهبي ثانيا  ولاسباب اخرى منها مركزهم المؤثر في الميدان الاقتصادي في  العراق ,  ولدورهم الكبير في الحركة التحررية الكوردية وفي الحركة الوطنية العراقية عامة ,  وقد اختفى العديد من أصدقائي من على مقاعد الدراسة ولم يعرف لهم اثر بسبب جرائم النظام السابق , ولم يتم انصاف هذه الشريحة المناضلة حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري , وكنت قد اقترحت خلال فترة كتابة الدستور وضع نص خاص يذكر قضيتهم وينصفهم ماديا ومعنويا ولم يحظ اقتراحي بالدعم اللازم , وتم الاكتفاء بذكر قضيتهم في ديباجة الدستور ,  بينما كان يتوجب أن تخصص مادة في نص الدستور تذكرهم بالاسم بسبب حجم الضرر الذي وقع عليهم وتعويضهم ماديا ومعنويا .  
 
لماذا يتخوف الكثيرون من مسألة الفيدرالية ؟ هل سيكون تقسيما للعراق إن طالبت بها أطراف أخرى غير الكرد ؟ و برأيك هل ستطبق ؟ وإن لم يكن كذلك كيف ستؤول الأمور وبخاصة  وان الكرد متمسكون بهذا المطلب ؟ وهل تجد في الفيدراليات الحل لمشكلة العراق ؟

يتخوف الكثيرون من الفدرالية لانها فكرة جديدة في العراق أولا , ولأنها تعني بناء الديمقراطية التي تفتقدها منطقة الشرق الاوسط  ولآن الفيدرالية تعني توسيع المشاركة وتفتيت فكرة مركزة السلطة وهي ضد الشخصنة التي ليس من السهولة على حكام المنطقة تقبلها . والفيدرالية موضوع جديد على الوضع في العراق لأن مركزية السلطة بدأت منذ اكثر من 80 سنة وارتفعت وتيرة الخطر بالحكم الشمولي منذ عام 1968 وكان لابد من تجنب حصول الكوارث مجددا ببناء قواعد الديمقراطية وتوسيع المشاركة وفق أسس عادلة , اذ ما معنى التغيير الذي حصل في العراق اذا عدنا الى نفس المربع الاول والى نفس النظام الدكتاتوري المركزي المتسلط ؟ .
وفي كوردستان العراق الفدرالية تنبع من الحقوق الثابتة للشعب الكوردي في تقرير مصيره و احترام خياراته , وهي خيار الكورد في إدارة شؤونهم بأنفسهم بعد نضال مرير مع الدكتاتورية , وتضمن توزيعا عادلا للسلطة والثروة  , ويجب احترام رغبة الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه وحقه في اقامة دولته المستقلة التي ستقوم إن آجلا أم عاجلا .
وقد كنت وما زلت من الداعين الى انشاء أكثر من اقليم فدرالي على غرار اقليم كوردستان في الوسط والجنوب والغرب , ومثلما اثبتت الفدرالية  نجاحها في كوردستان يمكن لها ان تنجح في عموم العراق اذا تم تطبيق نصوص الدستور بشفافية , وقد تكون هي بالفعل الضمان الأمثل لوحدة العراق بعدما اثبتت المركزية الشديدة فشلها الذريع في الحفاظ على هذه الوحدة ,  خاصة وإن العراق يتميز بتنوع عرقي ومذهبي ويعيش حالة من الاحتراب والصراع الدموي بين مكوناته مما يجعل من الصعوبة بمكان جمعهم تحت مظلة حكم مركزي متفرد , وبتصوري  الفدرالية هي من أهم المكاسب التي تحققت للعراق الجديد بتثبيتها كمبدأ دستوري في المادة الاولى من الدستور العراقي الجديد  . 

نحن نعيش عصر العولمة التي تلغي الحدود القومية وبصيغة اخرى تخلق صراعا بين القانون الدولي والوطني ، كيف يمكن حل الاشكالية ولمن تكون الغلبة ؟

العالم أصبح مثل قرية صغيرة بفعل التطورات العلمية الكبيرة وشيوع الانترنيت ووسائل الاتصالات وهناك مؤسسات دولية وقانون دولي يخضع له الجميع فضلا عن القانون الوطني لكل دولة , ولا تعارض بينهما وان حصل هذا التعارض فالغلبة تكون للقانون الدولي وبضمنها الاتفاقيات الدولية التي مصدرها الارادة للدولة , ونضرب مثالا على ذلك : لو ان الدستور او القانون لدولة ما يجيز استخدام القسوة المفرطة ضد الشعب او ضد اقلية دينية او عرقية فيها وأرتكبت جرائم بسبب ذلك فحتى لوكان دستور تلك الدولة  يمنح المسؤولين عن تلك الجرائم الحصانة ويعفيهم من المسؤولية , فان هذا يبقى عملا غير مشروع لأن قواعد القانون الدولي ومنها الاتفاقيات الدولية لا تجيز منح الحصانة الى أحد ممن ارتكب انتهاكات ضد حقوق الانسان أو ممن ارتكب جرائم دولية , ولا يجوز لأي طرف منحه العفو أو منحه حق اللجوء ولا تسقط هذه الجرائم بمرور الزمان , وهذا ما حصل مع المتهمين العراقيين من اتباع النظام السابق الذين ارتكبوا جرائم دولية ضد الكورد وضد الشيعة في الوسط والجنوب حيث لا حصانة لهم ولا يعفون من العقاب حتى ولو نص الدستور العراقي السابق على الحصانة الدستورية لهؤلاء لأن هذه النصوص الدستورية مخالفة لقواعد القانون الدولي الذي له العلوية هنا على نصوص القانون الوطني .

كيف تقييم سير محاكمة النظام السابق واعدام رئيسه بالسرعة التي فاجئت الكثيرين ؟  ألم يوقع تنفيذ العقوبة الحكومة العراقية في فخ الطائفية والإنتقام الشخصي سيما وإن قضايا كثيرة شائكة كانت ولازالت عالقة  ؟

كنت من أوائل الداعين الى محاكمة صدام والمتهمين العراقيين , وكانت الادارة الأمريكية مهتمة كثيرا بقضية المحاكمة قبل سقوط النظام بسنوات , ونحن ضد سياسة الثأر والانتقام الشخصي ومع تفعيل القانون واحترام حكم القضاء .  وفي عام 1998 وبمبادرة من الدكتور اياد علاوي رئيس وزراء العراق السابق عقد مؤتمر دولي في لاهاي لمحاكمة صدام ورموز نظامه ولكشف انتهاكات حقوق الانسان في عهد النظام الصدامي  وكنت من المساهمين في عقد هذا المؤتمر في وقت كان النظام شرسا للغاية  ضد معارضيه ,  وكنا نأمل أن تلعب المحاكم الدولية دورها في هذا الشأن وللاسف لم يتحرك القضاء الدولي لمحاسبة هؤلاء .
ثم  وجهت لي دعوة الى واشنطن عام 2001 لغرض إلقاء محاضرة عن محاكمة صدام والمسؤولين العراقيين مع عدد من الحقوقيين المختصين , فتم طرح  نماذج متعددة لانشاء المحكمة , وكانت فكرتي للمحكمة المختلطة أقرب المقترحات للقبول , أي أن تكون المحكمة عراقية من قضاة عراقيين وبدعم من خبرات أجنبية لأن حجم الجرائم كبير جدا ومتشعب ولم يسبق للقضاء العراقي ان نظر في هكذا قضايا , وفعلا بعد سقوط النظام تشكلت المحكمة طبقا للقانون رقم 10 لسنة 2005 الذي صدر من أول جمعية وطنية عراقية منتخبة  , ويحاكم المتهمون حاليا وفقا للقانون المذكور مع القوانين العراقية النافذه .
وفي تقديري إن المعايير الدولية للمحاكمة العادلة متوفرة في سير المحكمة وهي علنية وتتوفر فيها كل الضمانات للمتهم ,  ويشرفني إن بعضا من طلابي سابقا (في كلية القانون والسياسة وفي المعهد القضائي وفي معهد سيلي في براغ) ممن ساهمت في تدريسهم واعدادهم قانونيا وقضائيا داخل العراق وخارجه هم من القضاة في المحكمة الجنائية المختصة ولهم جدارة وكفاءه قانونية عالية ونزاهة , كما أن اعدام صدام كان متوقعا وقد نال جزاءه العادل .

في قضية الانفال يشير الكثير من المراقبين إلى تورط جهات خارجية وربما دول مجاورة في جريمة إبادة الكرد , هل لديك معلومات عن تلك الجهات وإن صحت ذلك هل سيقول القضاء العراقي كلمته أم ستسيس القضية لغير صالح الحق الكردي ؟

الى جانب المتهمين العراقيين الذين يحاكمون عن جرائم الانفال وحلبجه , فان هناك عشرات المتهمين الاخرين نتمنى ان ينالوا الجزاء العادل من القضاء , وبدون شك هناك اطرافا دولية متورطة في هذه الجرائم وبخاصة الشركات الدولية التي زودت نظام صدام بالغازات السامة والسلاح الكيماوي وقنابل النابالم وغيرها , إلا أنه ليس من السهل مطاردة هذه الشركات ومحاسبتها لأسباب كثيرة .
 
كتبت الكثير عن هجرة العقول وتفائلت بمستقبلهم بعد سقوط النظام والعودة لإعمار العراق الجديد , ألا تؤيد القول إن هذا النزيف تضاعف بل دفع الكثيرون حياتهم بعد الوعود المعسولة , كيف ترى مستقبلهم في  عراق الغد ؟

ترتبط قضية هجرة العقول العراقية بالاستقرار الأمني والاقتصادي واحترام القانون وقد كانت هذه الهجرة كبيرة خلال فترة النظام السابق بسبب انتهاكات حقوق الانسان والجرائم المرتكبة والحروب التي اشعلها النظام السابق , وللاسف فقد ازدادت هذه الهجرة بصورة اكبر بعد سقوط النظام الدكتاتوري بسبب انعدام الأمن وغياب القانون وانتشار الفوضى والاعمال الارهابية  في كل مكان , ولعلها اكبر هجرة في الشرق الاوسط حصلت في العصر الحديث , ولا يمكن لهؤلاء المهاجرين أن يعودوا لخدمه وطنهم بوعود معسولة وانما يجب أن تتغير الاحوال ويتوفر الأمن ويحترم القانون ويتوفر الاستقرار وتتحسن الظروف المعاشية وإلا فان النزيف سوف يستمر , ونشير الى إن كوردستان كانت ملاذا للمئات من العقول التي هاجرت من بغداد ومن الوسط والجنوب, بينما توجهت عشرات المئات من هذه الكفاءات خارج العراق .

 في حديث لك قلت إن كركوك خط أحمر ماذا تقصد بذلك ؟ وماذا بشأن الإشكاليات الكثيرة  كقضية المرحلين والتعويضات وتغيير ديموغرافية المكان من قبل أطراف كثيرة وحتى خارجية ؟  على عاتق من  يقع حسم المسألة ؟ ما هي وثائق الكرد الواجب ابرازها لإثبات كردستانيتها هل تكفي الإحصائيات القديمة لتكون أدلة دامغة بأيدي الكرد  ؟ وما اصل المادة 140 من الدستور؟

ذكرنا مرات متعدده أمام وسائل الاعلام بأن قضية كركوك بالنسة للكورد هي خط أحمر وحسب علمي هي قضية مقدسة لهم لا تقبل المساومة , حتى أن القائد التاريخي مصطفى البارزاني لم يقبل بالعرض المقدم له من حكومة بغداد  اثناءالمفاوضات في فترة السبعينات من القرن الماضي  بادارة المدينة بالمناصفة , واعتقد إن مفتاح السلام في العراق الفيدرالي ومد جسور الثقة والتعايش السليم يكون بحل هذه القضية وفقا للدستور العراقي لعام 2005 ووفقا للمادة 140 التي اوضحت خارطة الطريق في (التطبيع ومن ثم الاحصاء ثم الاستفتاء السكاني) , اذ ان كل منصف يعرف جيدا كيف تمت عمليات الترحيل والتعريب ضد الكورد والتغيير الديموغرافي في هذه المدينة الكوردستانية التي تدخل تاريخيا وقانونيا واداريا ضمن حدود كوردستان وفقا للوثائق والسجلات والاحصاءآت المتوفرة لدى الجهات ذات الشأن .
 إن مشكلة كركوك قضية عراقية بحتة يحلها العراقيون ولا يجوز لأي طرف اقليمي أو دولي أن يتدخل بشأنها ,  ففي هذا التدخل مساس بالسيادة العراقية وتعقيد للمشكلات التي تحلها تطبيق المادة 140 .
ولابد أن نذكر هنا اننا أشرنا في مشروع الدستور الذي قدمناه عام 2000 الى أن كركوك جزء من اقليم كوردستان فضلا عن المناطق المستقطعه الاخرى .
 وأثناء انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن عام 2002 دافعنا عن هذا الموقف تحريريا وشفاها بكل الوسائل , وحين تشكلت لجنة اعداد وصياغة البيان الختامي للمؤتمر المذكور صرت عضوا في اللجنة الفرعية الخاصة بالفدرالية , وقد نجحنا مع زملائنا في اللجنة ( أذكر منهم  الاستاذ جوهر نامق والدكتور محمد عمر مولود و الاستاذ فرست أحمد وآخرين) بعد معركة مضنية في تثبيت وإدراج الفقرة الخاصة  بمشكلة كركوك وازالة آثار التعريب وتطبيع الاوضاع فيها ضمن التوصيات التي رفعت الى القيادة السياسية للمؤتمر وتضمنها البيان الختامي , واذكر بأنه حصل نقاش حاد حول موضوع كركوك في لجنتنا , أي لجنة الفدرالية , وقد امتنع اثنان من الأعضاء عن التوقيع على التوصيات  احتجاجا على موضوع العرب الوافدين وغادرا القاعة وهما (السيد سالم الجلبي والسيد فيصل الاستربادي الذي يشغل حاليا منصب نائب ممثل العراق في البعثة العراقية في نيويورك) ,  وأذكر بأن الاخير أرسل لي بعد انتهاء المؤتمر  رسالة غاضبة عبر الانترنت يحملني فيها المسؤولية عن التطهير العرقي الذي سيقع على العرب الوافدين  الى كركوك في حال تنفيذ هذه الفقرة , وهذا ما دفعني الى الاعتقاد بأنه لا يعير اهتماما للجرائم الخطيرة التي وقعت ضد الكورد والتركمان في كركوك وانتهاك حقوقهم , بقدر ما يهمه موضوع  العرب الوافدين . هذه الازدواجية والكيل بمكيالين موجودة وللأسف في اذهان الكثير من السياسيين والمثقفين العرب .
كما إن الفقرة المتعلقة بتطبيع الاوضاع في كركوك أخذت طريقها بعد ذلك الى قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية المادة 58 منه  , ثم تم النص عليها في المادة 140 من الدستور العراقي الدائم عام 2005 . 
 
نشرت الصحف النرويجية والسويدية وبعض مواقع الانترنيت معلومات عن قضية بيع جوازات السفر العراقية من طرف السفارة العراقية في السويد والنرويج , وباعتباركم شخصية قانونية محايده تقيمون في العاصمة السويدية ستوكهولم وتطلعون على هذه الصحف ما تقيمكم لهذه الاتهامات ؟

طيلة حكم النظام البعثي المقبور ومنذ عام 1968 وحتى تاريخ سقوطه في عام 2003 كانت هذه السفارات مقرات للتجسس على العراقيين واوكارا للمخابرات الصدامية وليست بيوتا للمواطنين العراقيين , وعلى صعيد السويد فقد تم طرد البعثة الدبلوماسية الصدامية  قبل اسقاط النظام السابق بسبب نشاطاتها التجسسية ضد المعارضين للنظام الدكتاتوري , وبعد سقوط النظام الدكتاتوري احتلت شخصيات كوردية عراقية كفوءة مناصب رفيعة في السلك الدبلوماسي , ففي السفارة العراقية في السويد يشغل منصب السفير العراقي سعادة الدكتور أحمد بامرني وهو شخصية قانونية وسياسية مرموقه ويتحلى بخلق رفيع ويمثل العراق بكل طوائفه وقومياته وأديانه , ومن غير الممكن أن ترتكب اخطاء في أعمال السفارة ويسمح بها , وعلى حد علمي فان هناك حملة ظالمة وشرسة من بقايا النظام السابق وبالتعاون مع الشوفينيين العرب وغير العرب ضد السفارات التي تحتل فيها شخصيات كوردية مواقع دبلوماسية رفيعه , منهم سفير العراق في مملكة السويد والسفراء في النمسا وهولندة , وقد ثبت بطلان الادعاءات ضد السفارة العراقية في السويد وفقا للاجراءات الرسمية من السلطات النرويجية والسويدية . وللأسف ما يزال الكثير من الشوفينيين العرب ينظرون نظرة فوقية لغير العرب ويرفضون أن يكون لهم أي  شأن أو دور في العراق بدعوى إن العراق عربي ولا يحق لغير العرب أن يحتل مناصب سيادية أو دبلوماسية فيه , وهم يصرحون بذاك  جهارا وعلانية من خلال الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى , ونتمنى أن تكون هذه المفاهيم الخاطئة قد ولت مع النظام المقبور الى غير رجعة .

الدكتور منذر الفضل أحد الداعين للحوار الكردي العربي وعبر سنوات طويلة , كيف ترى مستقبل العلاقات العربية الكردية ؟

الحوار من الناحية اللغوية  هو المراجعة , وحين نقول تحاور القوم يعني تراجعوا في الكلام وحين تحصل المراجعة يقترب احدهم من الاخر ويقبل به رغم الاختلاف,  ومن هنا فان الحوار اساس لفهم الاخر والتعايش معه من خلال مراجعه الذات , وقد عقدت في لندن واربيل عاصمة اقليم كوردستان مؤتمرات للحوار الكوردي العربي  بهدف توطيد العلاقات الاخوية بين الشعبين حيث إن هناك روابط مشتركة تجمع بينهما , وقد كان لنا شرف المشاركة في عدد من هذه المؤتمرات .
ونحن نرى إن مستقبل العلاقات العربية – الكوردية تتطور نحو الامام رغم وجود التعتيم الاعلامي العربي  وتقصيره الكبير في  التعريف بالشعب الكوردي , فقد ظهر العديد من الكتاب العرب في هذا البلد وذاك يكتب عن القضية الكوردية وينادي بالحوار بين كل القوميات واتباع الديانات والمذاهب برؤية بعيده عن الانغلاق الفكري أوالتعصب والتطرف متأثرين برياح الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان  . فضلا عن وجود عدد من الكتاب والمثقفين العراقيين المعروفين بمناصرتهم للقضية الكوردية والمؤمنين بالحوار الكوردي العربي . 
 والحوار يجب أن يقوم على أسس من الاحترام المتبادل والمساواة , إذ لا يمكن أن  يجري الحوار  بمنطق الوصاية أو النظرة الفوقية للآخر , ولا يكتب له النجاح  اذا  كان من باب الحوار بين الأخ الكبير والأخ الأصغر , أو بين مواطن درجه أولى وآخر درجه ثانية ! لأن الجميع يتمتع بنفس القيمه الانسانية وبذات الحقوق والواجبات .
إن الحوار بين العرب والكورد يقرب المسافات بينهم ويبني جسورا متينة من الثقة ويعزز فرص التعايش والاعتراف بالآخر ويحقق السلام للجميع .
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1784