معجم حياة داعش الداخلية: «فضائح» معلنة ومستورة
التاريخ: السبت 02 اب 2014
الموضوع: اخبار



إبراهيم اليوسف

لا يمكن النظر إلى طفرة ظهور الجنين القزم الوليد -داعش- الذي يشبه كائنات الأفلام السحرية، رغم محاولته ترسيخ أقدامه، عبر معادلة من المفردات المتواطئة، إن على نحو مباشر، أو على نحو غير مباشر، إلا على أنه نتاج تراكم الثقافة الظلامية عبر قرون، بعد توافر أدوات أخرى كثيرة، في مطلعها: كبسولة الحقد ذي الرؤوس العديدة، من قبل طرفين رئيسيين، أحدهما: البطانة المستفيدة من نظام البعث بزمرتيه المتناقضتين في سوريا والعراق، وثانيهما هؤلاء المهمشون المسحوقون الذين استشعروا بالغبن التاريخي، ولم يجدوا أمامهم من حلول سوى أن يكونوا حاضنة حثالات التاريخ والجغرافيا، المستقدمين من بلدان عربية، وإسلامية،


بل وعواصم غربية، بعد تهيئة المناخات اللازمة لاستشراء حضورهم، وتسهيل الطريق لهم، لأغراض عديدة، منها تطهير أرضهم من حملة شحنات فيروسات ما بعد العنف التي نشأت-في الأصل- على أيدي بعض جهاتها، ومنها استعادة الحروب الأوربية، على مسرح آخر، ومن خلال أرواح أخرى، بعد أن تم إعدادها داخل وخارج بلدانها، بروح العنف، وتزيين الطريق لها إلى الحوريات وجنان الخلد.
لقد كان جد واضح، أن هذا الوباء الداعشي، ما كان له أن يصل إلى المرحلة التي وصل إليها-الآن- لولا إعداد التراب المناسب له، في الفضاء السوري، حيث قام هؤلاء التكفيريون بأداء خدمات كبرى للنظام السوري، عبر ضرب المعارضة، واستجرارها-في ظل سقوط أغلب من كانوا قيادات الصف الأول في واجهاتها وتهافتهم من أجل مصالحهم الخاصة- وقد تمت مؤازرة النظام في تبني هؤلاء الإرهابيين من قبل جهات و دول إقليمية، وعربية، وغربية، دون أن يعلموا أن من يربي الإرهاب إنما يربي قاتله، مثله في ذلك مثل من يأوي الأفعى الجريحة، أو الأفعى، البردانة، الموشكة على الموت، فيوفر لها الدفء في حضنه، ليكون أول ضحية لها، ما أن تتخلص من أزمتها، و تعود إليها حيويتها ...!..
يحار المرء، وهو يصنف، ويوثق الفظائع والأهوال التي يرتكبها من ينتمي إلى داعش، من المجرمين، الشذاذ، الأفاكين، والأفاقين، ممن لا قيم لديهم، ولا أخلاق، وباتوا يتوارون خلف النص القرآني، على أنه مرجعهم الرئيس، عبر القراءة الانتقائية، الصارمة، يوقفون دورة التاريخ، بعد أن قطعت مسيرتها، ليس فقط أكثر من ألف وأربعمئة سنة-فقط- وإنما آلاف السنين، ليظهروا الوجه البشع لإعمال حد السيف، ويجزوا الرؤوس، يكومونها وكأنها بيادر-القرع- أو" البطيخ الأحمر- بحيث يسورون، ويرصعون مقارهم ومكاتبهم التي يقيمون فيها بأشلاء الأجساد، والجماجم، سواء أكان ذلك بعد محاكم هزلية أم دونها، وهوما يشكل عودة لدورة التاريخ إلى أحط محطة على الإطلاق.
ويبدو أن هذا التنظيم الإرهابي- وهو أحد نسخ القاعدة- يؤسس نفسه على دورة العنف، في حدها ما بعد الأسطوري، وما بعد الخرافي، وليس أدل على ذلك سلسلة الأعمال التي لايمكن أن يليق بها أي توصيف من معجم القذارة، ومن بينها ما واجهوا به مسيحيي الموصل، خلال الأيام الماضية، بعد قصف كنيسة المطرانية والتي بنيت قبل أكثر من ألف وثمانمئة سنة، أي قبل أكثر من أربعمئة  سنة من  ظهور الإسلام الذي تفهمها،  وتفهم أهلها-وإن على طريقته الناقصة- بمن فيهم الحجاج بن يوسف الثقفي "660-714  " نفسه الذي يمر على رحيله ثلاثة عشر قرناً كاملاً في هذه الأيام، بما في ذلك من وثائق، وكتب، وتحف، وكراريس، ورائحة التاريخ و الحضارة..
وليس بعيداً،عن قصف هذه الكنيسة، ووضع قائمة ثلاثين كنيسة أخرى في هذا المكان-على الدور-كما تم مع كنائس الرقة من قبل، حيث تم تحطيم أسد شيران في حديقة شيران والذي جلبه محافظ الرقة، في ثمانينات القرن الماضي، من قرية شيران التي بدأت أعمال الحفر فيها في العام 1929، وتم العثور على عدد من التماثيل التي تعود إلى" 727-744" قبل الميلاد، وهو ما يعني بجلاء إصرار هؤلاء على نسف الذاكرة البشرية، ونسف الحضارة الإنسانية التي تعاقبت على بنائها أجيال هائلة، وهي روح عدمية، ما بعد وحشية.
واضح، أن داعش يستهدف من يصنفون ضمن إطار الأقليات -وهم سكان المنطقة الأصليون- كما المسيحيون والكرد، ولهذا فإن أنظارهم توجهت إلى منطقة" كوباني" الكردية التي يلقنهم أبناؤها الدروس في البطولة، ويلحقون بهم الهزيمة تلو الأخرى، رغم توافر أسلحتهم الحديثة، والمتطورة التي حصلوا عليها عن طريق حكومتي: بغداد، ودمشق، حيث أن البرازية، من أهل كوباني هم من المقاتلين الأشداء الذين يرفضون تفريغ مناطقهم، بعد أن أقدمت داعش على إفراغ مناطق ك"تل أبيض" و" تل حاصل" و" تل عرن" وهاهم قد توجهوا إلى الحسكة، ضمن مخططهم للوصول إلى "قامشلو" ووضع اليد على حقول نفط الرميلان، كما" الجبسة" و" ديرالزور".
لقد تناقلت شبكة التواصل الاجتماعي ما سماه النشطاء ب"النهفات" الساخرة، وهي من النوع المضحك المبكي، ومن عدادها فرض الحجاب على" المانيكانات"، بل والأغرب من ذلك المطالبة بتغطية ضروع البقر، بدعوى أنها تنشر الفتنة، بل التمهيد ل"ختان النساء"، وغيرها من الأفكار الإبليسية، الغبية، هي قد تصدر عن "عبقريات" و"فهلويات" بعضهم، لاسيما أنهم باتوا، وهم يسيرون تحت سطوة الحقد الأسود الذي يتقطر من أرواحهم، ورؤاهم، يتخبطون في أحكامهم، فلقد هددوا مسيحيي الموصل بأحد الخيارات الثلاثة: الدخول في حظيرة الإسلام، امتداداً لشعار: أسلم تسلم..!، أو دفع الجزية، أو الهجرة، مجردين إلا من ثيابهم التي يرتدونها، وهي من عداد سلسلة المظالم الكبرى بحق الديانة المسيحية، التي هي إحدى محطات الحضارة في هذه المنطقة، والعالم، في آن.
وإذا كان خيال بعضهم-وكموقف من ظهورهم المفاجىء- راح ينسج طرائف ساخرة عنهم، إلى حد الأسطرة، والخرافة، كتلك الفتوى التي انتشر خبرها-كما النار في الهشيم- حيث صورة داعشي وإلى جانبه نص فتوى مضمونها أن تناول شاب وشابة ل" الآيس كريم" معاً، يجعلها أخته في الرضاع-انطلاقاً من فكرة أن في هذا النوع من المثلجات مادة الحليب- لأن هناك ممارسات يومية يقومون بها، إضافة إلى  سرقاتهم التي يقومون بها، ومنها حفرياتهم في مناطق الآثار، وغزو متاحف ومعابد الرقة والموصل ،كمثالين، بل عرف عنهم أنهم رجموا امرأة لمجرد أن لها صفحة فيسبوك، بل قاموا بقطع أيدي بعضهم بتهمة السرقة، أو قطعوا أصابع سبابات ووسطى بعضهم الآخر-الأصابع التي توضع بينها السيكارة- لأنهم مدخنون، ماخلا الجلد بسبب الإفطار في رمضان، أو عدم إغلاق المحلات، أو المرور في الشارع بعيد أذان أية صلاة، ولوكان صاحب المحل أو عابر الطريق غير مسلمين....!!.
ويأتي فرز داعش للبيوت في الموصل إلى أقسام، جد خطير، وذلك، من خلال رموز إشارات و مكونة من حروف مختلفة، إذ يوضع حرف" النون" على بيوت المسيحيين-باعتبارهم نصارى هكذا- وحرف "الراء" على بيوت الشيعة على أنهم" الرافضة"، هكذا أيضاً..!، في الوقت الذي يتم تهديد الكرد، وهم يشكلون نسبة كبرى من عدد سكان ثاني مدينة عراقية، بعد بغداد، حيث تم-بحسب الأنباء الواردة- إنذارهم عبر مكبرات الصوت لمغادرة المدينة.
يروي أحد الهاربين من بين براثن داعش، بعد أن تم إغراؤه من قبل مسوقين لهذا التنظيم الإرهابي، أن الالتحاء، والتزيي بمظهر" المجاهد" الورع، ليسا معتمدين-وسط التنظيم- بل أن هناك أمراء يتملصون من الصلوات الخمس، بل إن هناك من يحتسي من بينهم الخمرة، أو يتعاطى" الكيف"، ناهيك عن حياة الدعارة المفتوحة التي يعيشها كثيرون منهم، كما روي عنه أنه يتحدث عن مشاعية -المرأة- في ما بينهم، إذ يتهافت أعداد منهم على-المرأة الواحدة- التي تقع في شباكهم، ينالون منها الوطر بحيوانية، ناهيك عن أن استفحال وباء-اللواطة- بين صفوفهم، وهناك من يتم اعتقاله، أو حتى إعدامه من الملتحقين بهم، عندما يتم الشك بأمره، أو نتيجة نميمة أحدهم ضده، كما أنهم يطلبون ممن يلتحقون بهم من أبناء أية منطقة يصلونها أن يرفدهم بالمعلومات عن الشخصيات البارزة المناوئة لهم، بالإضافة إلى تكليف بعضهم بتدبير أمور زواج المناكحة، لقاء المال، أو تحت طائلة إغراء أو تهديد ذوي من يقع عليها الاختيار، بل إن أغلب زيجاتهم تأتي من الأوساط التي كانت تتعامل-في ما سبق- مع النظام، ويتم توجيه اتهامات إليهم، لاتحل دون فرض مثل هذا الزواج على أولياء أمور الضحية، وهناك مئات المترملات اللواتي وقعن فريسة هؤلاء الجلاوزة المرضى جنسياً.
ومما يقدمه هذا اللائذ بالفرار في شهادته أن هناك جهلة، تم التغرير بهم، باسم الإسلام، وإن هؤلاء يلوذون بالفرار، متى أوتيت لهم الفرصة المناسبة، بيد أنه يتم تهديد أهليهم، بعيد عرض أشرطة الفيديو التي تصور أعمالهم الإرهابية، بحق الأبرياء، بل إنهم ينفذون حكم الإعدام، أمام أعين جميعهم، حتى بحق من يضل الطريق، سهواً، لبث الترويع في النفوس، وضمان منع هروب أحد من بينهم، لئلا تفشى أسرارهم، بل وإن أغرب ما في هذه الشهادة هي أنه يؤكد أنه ماخلا هؤلاء المغفلين، الجهلة، فإن خمسة وتسعين بالمئة، من داعش، هم مهووسون جنسياً، وغير أسوياء...
إن رصد انتهاكات داعش، وجرائمه، وشذوذ آرائه، وتناقضاته، يحتاج-حقاً- إلى جيش من الباحثين والدارسين، ليتناولوا ما يرتكبونه، أمام أعين العالم، وعبر الإعلام المفتوح، بعد أن لجأوا إليه، يستخدمونه، لاستكمال رسالتهم في الترويع، بل الإرهاب، فلا عجب أن ينصرف كبار المفكرين في العالم لاستقراء وتشريح طفرتهم التي ظهرت على مسرح الشرق الأوسط، بل العالم، عبر زمن قصير، لا يمكن لأي جيش عرمرم في الكرة الأرضية أن يؤدي مثل مهماتهم، وهو ما يدل على أن هناك تواطؤاً فعلياً معهم، في المنطقة، لاسيما من قبل هؤلاء الذين أرادوا استخدامهم، بشكل عابر، من دون أن يدركوا حقيقة أن من يحتضن الإرهاب، أو يربيه، بشكل تكتيكي، يكون الضحية التي يمحقها الإرهاب، بشكل استراتيجي.
وبعيداً عن استيلاد داعش، والمختبر الذي قذفه ليعقد المشهد السوري، إذ أن كل من هو في سوريا مستهدف من جهة ما، فلا أحد خارج دائرة الاستهداف، بمعنى أنه لا يوجد أي سوري مطلوب الرأس، من قبل جهة ما، فإن تكن سورياً، فإن هذا ليعني أنك مطلوب لامحالة، بل إن هناك من هو مطلوب ليس من قبل جهة أو جهتين، بل هو مطلوب من قبل الجهات كلها، وهنا، فإن لا أحد غير مطلوب عند داعش، إن لم يكن داعشياً، وهو ما يفرض على من استبعثوه، واختلقوه، ورعوه، من الدول الكبرى أن تعيد النظر في ما أقدمت عليه، وهوما يجعل مهمة استئصال خلاياهم المفعلة، والنائمة، وتحجيمها، على سلم الأولويات من قبل الدول الكبرى المتهمة بوصول سوريا، والمنطقة إلى هذا الدرك من التهالك، لاسيما أن البيئة الحاضنة لهؤلاء موجودة حتى في عمق الغرب نفسه، ولا منجاة لأحد، من دون التكاتف لمواجهة خطرهم المحدق، هذا الخطر الذي خرج عن حدود جهاز الاختبار الأممي، بعد أن تحولت المواد الكيميائية المشكلة له إلى كائنات تكاد تحرق العالم، كل العالم......!!!!؟.
ألمانيا
ملحق جريدة النهار
2-8-2014







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17777