كُردية اسماعيل بيشكجي التركي
التاريخ: الثلاثاء 03 حزيران 2014
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود
" لقاء في دهوك "
اسماعيل بيشكجي " 1939 " بات أشهر من نار على علم من قبل المعنيين بألف باء الثقافة الكُردية، ولعله الأول حتى الآن جهة التعبير عن مبدأه النضالي: الفكري والعملي إزاء القضية الكردية، وكأنها قضيته الأولى في الحياة. لم لا؟ وقد أمضى في سبيلها سنوات طوالاً في السجون التركية، وأن يعرَف بـ " صديق الشعب الكردي "، فمن هذا الباب التاريخي الكبير.
بيشكجي التركي، سليل مدرسة منهجية مفتوحة ربما؟ في التربية الفكرية، والمتابعة الاجتماعية والسياسية والتاريخية في مضمار نظام مركزي غربي: قليلاً، شرقي كثيراً، يراقب كما يعاقب من يسمي الواقع ومتناقضاته، وتحديداً حين لا يكون واحداً، إذ عليها كان وجوده وحدوده.


 يكفي، مثلاً، أن تستعين بكتابه البديع في ميدانه البحثي الميداني والاجتماعي " كردستان مستعمرة دولية-1990 "، حتى تجد في بيشكجي حضور كردية مقاومة لا أظنها قائمة لدى نسبة لا يستهان بها لدى الكرد أنفسهم في الدقة والوضوح وتحمل مسئولية القول والتأكيد على كل كلمة، في كردية يعيشها بيشكجي وهو تركي، وكأنها مصيره ورهانه، وأن يكون " صديق الشعب الكردي " فهو لقب لا يمكن لأي كان بسهولة حمله في محيط يعاني الكردي ما يعاني.

لقد كان حضوره الشخصي عبر زيارة أخرى إلى إقليم كردستان فرصة ليُرى عن قرب وهو يتحدث بالتركية، بهدوء، كما لو أنه يقول ودون تملق: انظروا واسمعوني أتكلم بالتركية وهي لغتي الأم، ولكن الكردية رهاني في معترك الحياة خاصة! فلنتعلم درس تآخي اللغات !
وما لقاءه في قاعة المحاضرات في " رئاسة الجامعة " في دهوك بتاريخ 2 حزيران 2014 الساعة السادسة مساء، وقد غصت القاعة بحضور أهل الثقافة وذوي الفضول وغيرهم، ما لقاءه إلا لقاء هذا الصديق وهو يتحدث عن قرب " لأهله " لأحبته كما لو أنه يطمئنهم بأن " كردستان " بخير، ما دام هناك من يسعى من أجلها، لكنه في الوقت نفسه كان يريد أن يعلِم برسالة وهي طي كلماته ويبثها لمن حضروا وتابعوه بالصوت والصورة" كما رأيت من البداية إلى النهاية في صمت يترجم نفسه دلالة واعتباراً " وعبر الترجمة المسموعة والمفهومة إلى الكردية مباشرة: نعم، هناك كردستان، وهذا ليس اكتشاف، إنما يحتاج ذلك إلى من يكون في مستوى التحدي، وحب كردستان مدفوع الثمن الباهظ، والحساب مستمر. وأظنه كان يخبر من حوله وفي سياق محاضرته عما يحيط بالكردي: تاريخاً وجغرافيا عن أن الكردي يحتاج دائماً إلى وعي تنويري وكفاح من نوع خاص ليعلم من يكون ومع من يكون من حوله، وكيف يعيش حقيقة وجوده كردياً، وماذا يعني أن تكون كردستان وطناً له وثمة تحديات من كل الجهات ؟ !
بيشكجي في عموم ما قاله في سرد تاريخي " عن كردستان "، وما توقف عنده بصدد صراع القوى في المنطقة: الدولية والإقليمية وفي العصر الحديث، وخصوصاً في محيط الحرب العالمية الأولى، والقوى التي تعبّر عن وجودها وهي ممزقة: الكردية في الواجهة، وهي تتمثل في شعوب عانت كثيراً من لعبة القوى الكبرى وتلك الكولونيالية في المنطقة، وتركيا في الواجهة: الأرمن، السريان، الكرد ..الخ، وليظهر الكرد في مسرح العمليات السياسية والاجتماعية المفتوح دائماً وهو ملتهب، مشيراً إلى أن ثمة الكثير ينتظر المعنيين بالشأن الكردي: علاقتهم مع الجوار، علاقتهم التي لا تخلو من توتر وما فيه من تحد على صعيد الجغرافيا والسياسة: مع الأرمن والسريان: شرقاً وغرباً" ما بين وان وآمد "، كيفية التفاهم مع شركاء المكان وإمكانية تجسيد وجودهم في هذه الدائرة الشغالة بالمخاطر كذلك، والمفاجآت، ولعبة تركيا كنظام " ذكي " ولديه فعالياته وقواه الحية الظاهرة : التركية، وما يدعمه بأساليب سياسية مختلفة: دينية واجتماعية حتى في العمق الكردي" التأكيد على أن وضع الكرد اليوم أصعب مما كان عليه في عشرينيات القرن الماضي "، إلى جانب فكرة بلورها في نهاية محاضرته تقريباً، وهي قائمة وتمثل تحدياً للكردي والمعني مباشرة بما يجري: قدرة التركي كمؤسسة سياسية وأمنية وثقافية على استقطاب أتراك وهو يوحدهم بين اعتبارهم ممثلي قومية وكونهم مسلمين، ليكون الإسلام بعداً حيوياً من أبعاد وجودهم وقابليتهم في الاستمرار أقوياء ومسيطرين على " الوضع "، وبالمقابل: استقطاب قسم ملحوظ من الأكراد أنفسهم، وكأن الجانب الديني في السياسة التركية قادر على تحقيق ما يصبو إليه الكردي وهو يتنفس الصعداء، أي يتلمس ما يريد في هذا الممتد دينياً في العمق الديني، وهي لعبة لها تاريخها منذ أيام العثمانيين ومع الاتحاد والترقي" الإيالات الحميدية- التركية لاحقاً "، لعبة ليس من السهولة تفكيكها والتغلب عليها وثمة نظام قائم، إنما أيضاً: ثمة كرد ربما يفتقدون قدرة مقاومة غواية هذه اللعبة وإيجاد البديل وهم مقيدون إلى واقع، وفي كردستان لما تزل ممزقة" مجزأة ؟ .
بيشكجي، ولمن يهتم بما يكتب، ربما أسمعنا بالكثير مما يتردد لديه ومكرر أيضاً في كتبه المختلفة" سوسيولوجيا : حقله المميز "، وخصوصاً" النظام في شرق الأناضول- 1969 "، وهو تاريخ صعب، كان الكردي حينها يتعرض إلى أكثر من سياسة إمحاء" صهر قومي : آسيميلاسيون " وإقصاء عن كل ما يعنيه لغة وثقافة وتاريخاً وجغرافيا ، و" كردستان مستعمرة- 1990 "، عبر التأكيد على أن " صانع " هذا الاستعمار أكثر من نظام محلي وإقليمي ودولي" لعل الكردي نفسه وجه من وجوه تشكله واستمراره داخل لعبة سياسية أكثر من أفق مرئي". فالرجل فيما بلغه بعد هذا النضال البطولي بثقافته ووعيه السياسي الحاد وعمره المديد نسبياً، ربما أدرك أن ليس بالإمكان قول أكثر مما قيل" وهو بليغ" وفيه الكثير مما يصادق عليه الواقع.
وإذا كان قد أكد على أن وجود تباشير أمل ودواعي طمأنة " إقليم كردستان نموذجاً "، وهذا ما يجب أن يفرح له الكرد، فإن المطلوب هو مضاعفة الجهود لأن هناك مسائل عالقة ومصيرية تخص الكرد في العمق الجغرافي والتاريخي، في تعاملهم مع بعضهم بعضاً ومع آخرين من حولهم، كون اللعبة في أكثر أدوارها خطورة تسمي الكرد عبر أولي أمرهم تحديداً .
حضور بيشكجي إلى إقليم كردستان مجدداً لا يخفي جانبه الاحتفالي وهذا يليق به، وعلى من يبحث عنه أن ينقّب فيما كتبه، كما لو أن المسموع في المحاضرة دعوة مباشرة إلى الكتب التي تحمل اسمه، إنما أيضاً إلى الواقع بمزيد من اليقظة، إنما أيضاً وأيضاً مشفوعاً بالأمل، إن أومِن به، ولعله فيما عاشه يشكل مثلاً ما، وهو أمل يستحق المتابعة والدفاع عنه .
إنه لقاء تاريخي حقاً هذا الحضور الشخصي المهيب، وتحديداً حين تستمع إلى صديق استثنائي: صديق شعب يبحث عن اسمه، ولا أظنني بعيداً عن الصواب في ضوء المعاش بأنه" الخل الوفي " فيما جاء به وألح عليه باسم الكردي فينا .
الكرَة في مرمانا إذاً !
دهوك







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17558