إن قال لك اثنان: أنت لم تعتمر كوفيتك، فتحسس رأسك (همسة في أذن حزب الاتحاد الديمقراطي)
التاريخ: الأحد 11 ايار 2014
الموضوع: اخبار



 حيدر عمر
إن ما اصطلح على تسميته  بـ (أدب الشعب) يشمل، فيما يشمله، الحِكْمة. و الحكمة، كغيرها من أجناس أدب الشعب اللفظي، هي خلاصة تجربة الشعوب، و فلسفتها تجاه الكون و الحياة. فهي عصارة التجارب الحياتية وافراز للحوادث والنوازل، وإلهام بعد تفكير وتدبر للامور. و هي  نظر في المآل واستخلاص للعاقبة بعد استشراف للمستقبل ومعرفة للمقصد.   

إن إحدى أهم خصائص الحكمة هي أنها تحرَّض المرء و تدفعه نحو التفكير. و الفكر، حسب أفلاطون، يميِّز بين السويِّ و المريض من الناحية النفسية، و لذلك يقول: "نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكِّر، و نحن متعصِّبون إذا لم نُرِد أن نفكِّر، و نحن عبيد إذا لم نجرؤ أن نفكِّر". السويُّ نفسياً يرفض هذه الصفات الثلاث.



 و هذه الحكمة التي بين أيدينا، و التي جعلناها عنواناً، تحرِّض المرء على التفكير، و تدعوه إلى ألَّا يركب رأسه دائماً، فيتمسَّك بصوابية ما يراه. فإن قيل لك: إن ما تذهب إليه من رأي أو تعمل من فعلٍ ليس صحيحاً، ففكر بذلك، و قارن وجهة نظرك، أو ما تقوم به من فعل بوجهة نظر و أفعال الآخرين، ربما تكون مخطئاً، و يكون الآخرون على الصواب، و العكس كذلك صحيح. هذه المقارنة و مناقشتها هي ما يوصل إلى  تصحيح وجهات النظر و تقاربها.

و إذا أردنا أن نتوسَّع في معنى هذه الحكمة، فسوف نراها  تدعو صراحة إلى الحوار و المناقشة و تبادل الآاء، و معروف أن هذه الأفعال الثقافية الثلاثة، أقصد الحوار و المناقشة و تبادل الآراء، لا تقبل تشبُّث المرء بأفكاره، و رفض أفكار الأخرين، وهي الطريق الأمثل للوصول معاً إلى النتائج التي تتوخاها تلك الأفعال الثقافية.
هذا ما يقدمه لنا تراثنا و هذه الحكمة. و إذا كان مختلف الأمم بحاجة إلى العودة إلى تراثها في الظروف الصعبة، و إمعان النظر فيه ودراسته، لعلها تجد فيه ما يعينها على الخروج من عثراتها، فإن الكرد اليوم، و في الظروف التي يمر بها غرب كردستان و سوريا أحوج ما يكونون إلى هذه العودة إلى تراثهم الذي يعرفون ثراءه.
ليس الصِغر و لا الكِبر، و ليست القلة و لا الكثرة، و ليس الضعف و لا القوة  شروطاً للحوارات، بل المعرفة هي الشرط الوحيد في هذا الميدان، و المعرفة، كما قال الكرد قديماً، ليست في كون المرء صغيراً أو كبيراً، و القوة إذا استند إليها أحد طرفيْ الحوار، فإن هذا الحوار لن  يؤدي إلى نتائج عادلة، ولا إلى الاستقرار المنشود.
علاوة على ذلك، فإن القوة لا تستطيع أن تحقق ما يريده الأقوياء دائماً، فالعواصف القوية تستطيع أن تقلع الأشجار الكبيرة التي  امتدت جذورها عميقاً في الأرض، و لكنها تعجز عن قلع  نبتة ضعيفة.
حقائق التاريخ، قديماً و حديثاً، أثبتت أنْ لا مستقبل للأشخاص و الأنظمة التي تفرض آراءها و سلطتها، اجتماعياً و سياسياً، على مكوِّنات شعوبها بالقوة و الإكراه. أين اسكندر الذي كان في زمانه كبير العالم؟ أين الدولة العثمانية  التي امتدت جغرافيتها من حدود النمسا غرباً إلى حدود إيران شرقاً، و ضمت إليها الشريط الشرقي و الجنوبي للبحر المتوسط؟ ألم يكن يقال عن بريطانيا "الإمبراطورية التي لم تغب الشمس عن جغرافيتها؟ ما حدودها الآن؟. أين النظام الشيوعي الذي حكم شرق أوروبا سبعين عاماً؟!
هذه الأمثلة و كذلك مصالح الشعب الكردي تدعو حزب الاتحاد الديمقراطي إلى ألّا ينغرَّ بقوته، و ألَّا ينسى أن التاريخ الذي يكتبه الأقوياء كثيراً ما لا يستطيع الصمود أمام مصالح الشعوب.
لا زال الشعب الكردي يراهن على أن ينتصر صوت العقل في هذا الحزب الكبير، الذي يمتلك القوة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، على صوت التهوُّر، فيعود إلى الإصغاء لآراء القوى السياسية الكردية الأخرى المتواجدة في غرب كردستان. ليأخذ الجميع مكانه إلى جانبه في السفينة التي أكاد أجزم أن حزب الاتحاد نفسه يعرف تماماً أنها أوسع من أن تملؤها تلك الأحزاب الصغيرة التي وقفت معه في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
أخيراً ما أودُّ قوله هو أنه جميل أن ينظر المرء أحياناً حوله إلى الطبيعة، لئلّا ينسى أنها مثلما تزيِّنها كثرة الألوان و تعددها، كذلك تزيِّن كثرة الآراء و اختلافها الحياة. و أن الدفاع عن الشعوب لا يمنح المدافع حق اضطهادها، و لا حق طردها من بيوتها و أوطانها.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17432