التخوين نهج أم فلسفة؟ (الجزء الثاني)
التاريخ: السبت 10 ايار 2014
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

لا شك أن ثقافة تخوين الأخر المخالف  فكراً أو تكتيكا نهج سياسي مدروس بفساد كفلسفة هشة دونية، إنه وباء مستسقاة من ثقافة، توارثتها حكومات وسخرها طغاة لغاياتهم، تتفاقم وتخفوا حسب الصراعات، وفي شرقنا في القرن الماضي كانت لها بنية ملائمة على مدى عقود تزايد الفكر الاشتراكي والصراع العربي الإسرائيلي، ولم تتوانى السلطة من نشرها بين المجتمع السوري عامة، إلى أن استخدمتها معظم الأحزاب السياسية  السورية، كانت قد أحياها نظام الأسد من  بين الرماد الفكري، بعد أن كانت قد خفت حدته  على خلفية  انهيار السوفييت وصراعها مع الإمبريالية العالمية، وانتقال القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية بشكل واسع، لكن النظام السوري تلاعب على إبقائه حياً على مدى عقود، كثقافة بنيوية على استمرارية بقائها، تهزم صاحبها وترتكز على بنى فاسدة، كما ونشرتها بخبث بين الأحزاب الكردية على أن  الغاية منها  حماية الوطن، واستخدمتها جزافا كإسناد لتكتيكها بالإبقاء على معظم الأحزاب تحت طغيانها للسيطرة على مدارك الشعب.


   ورغم إدراك الجميع  أن الأخطاء بكليتها ومنها مفهوم التخوين بحد ذاته حالة نسبية، قد تحمل في طياتها بعد وطني في عرف شريحة أخرى مغايرة، وهذه تعتمد على البنية الاستراتيجية أو التكتيكية والبعدين الوطني والقومي، إلا أن البعض المنتمي بمطلقه لجغرافية حزب أو منظمة معينة، ضمن الوطن التي ملكها الأسد، يلغون كل أنواع البحث في المفاهيم الذي لا تقاس بمنطقهم، فكل كتابة أو طرح خارج منطقهم يعامل معاملة الخائن، علما أن مفهوم  الخيانة بحد ذاته اصبح في حكم الاندثار، مثلما تتغير المقاييس والاعتبارات والغايات، لكن البعض يحيطون المفهوم بأبعاد غارقة في التشوهات. ولتكتمل بصمة الخيانة على الأخر المخالف، كثيراً ما تدرج المقدسات الوطنية لإثارتها، ولا يتوانون من دمج أعمالهم ومفاهيمهم ونقدهم بمعاناة الشعب السوري ووضع المهجرين ودماء الشهداء، معتبرين كل نقد تدنيس لقدسية القضايا الوطنية، يخلقون من المقدسات موانع يتحصنون ورائها للحفاظ على أخطاء كياناتهم السياسية، وهذا هو بالضبط المنطق الذي يستند إليه النظام عندما يواجه القوى الدولية، بأن سوريا تتعرض إلى خيانة ومؤامرة دولية، فيغطي جرائمه تحت خيمة الدفاع عن الشعب ضد الخونة!

  على المنطق الشاذ هذا اشتغلت سلطة الأسد عند التعامل مع الأخرين، وعلى أعتابها بلغت الكثير من غاياتها، ونجحت في اختراق أكثر الأحزاب السورية متانة، وتمكنت من تشتيت شرائح المجتمع السوري والقوميات المتواجدة في جغرافيتها بكل سهولة، وبناءً على هذه الأبعاد أصدرت مجموعة المثقفين الكرد بيانهم المذكور.
  لهذا يحتاج البعض من الإخوة الكتاب المنتمين إلى الأحزاب الكردية إلى قراءة البيان المنشور، ثانية وثالثة، والتمعن في الغاية، فالعمل على مضمونها والتعامل مع المطروح بشفافية لا ينقص من سوية أحزابهم، بل سيزيدهم احتراما وتقديرا، بين الجماهير وعند الحركة الثقافية المتوقعة أن تخلق البادرة التقارب والتألف بين القوى الكردية، فغاية البيان يتجاوز الحاضر الجاري، بل يبحث في المنظور البعيد لتكوين نهج سياسي منطقي مبني على النقاشات الحضارية بين الحراكين الكرديين.
   ومن الجميل أن تكون ردود أفعال الإخوة الكتاب المنتمين إلى الأحزاب الكردية أو في فلكهم، دعمًا للغاية الكلية وليس انعكاساً لرد فعل أني، ويبحثوا عن حلول للقضاء على النهج الخاطئ، والظاهر من أجله البيان، ويستخدموا المنطق النبيل لتصحيح الأخطاء، وهدم فلسفة التخوين التي تنشر بين المجتمع. ولا شك أن تناول الموضوع كواجب وطني وليس حزبي، سيؤثر على انتشار مخلفات الثقافة الشمولية المكروهة، في زمن الاحتياج إلى التقارب والتألف.
   يتطلب من الحراك الثقافي السوري عامة والكردي بشكل خاص أن يركزوا على الأبعاد القومية والوطنية، وأن يكون نقدهم اشمل من تناول سياسة حزب دون الأخر، ولابد من دراسة الواقع الثقافي التي عملت عليها نظام البعث والأسد على مدى عقود من الزمن، وتغييرها، كما ويتطلب من الشريحة السياسية والثقافية عامة، التحلي بالمنطق الحضاري عند التعامل مع الأخر المخالف فكراً أو سياسة، وبما أن سياسة التخوين أصبح يفرض ذاته في حاضر سوريا عامة، فمواجهة الأفة تعد من احدى مهمات السياسي الواعي والمثقف التنويري.
والتغاضي عن هذا النهج، يوسع هوة الخلافات والتناقضات بين المجتمع السوري عامة، ويسهل للنظام الشمولي استخدام أساليبه الفاسدة ثقافيا وسياسيا، ويتفاقم هدم التعامل الحضاري بين الشرائح السورية عامة والمتناسقة قوميا أو دينيا بشكل خاص.
  هذه المفاهيم هي نفسها التي يستخدمها البعض من المعارضة السورية الخارجية ضد القوى الكردية، واعتمادا على نفس الثقافة يقومون بتخوين الكرد عامة أو بعض أحزابهم، خاصة عندما رفع الكرد سقف مطالبهم القومية على أبعاد مفاهيم الثورة السورية، كما وهو المنطق نفسه الذي تدفع بالمعارضة الخارجية والداخلية إلى لزوم الصمت أمام ما تقوم به التيارات التكفيرية من تدمير في المنطقة الكردية، وعليه من واجب الحراك الثقافي الكردي مواجهة هذه المفاهيم  وتعرية تعاليم المدرسة البعثية التي يستمد  بعض شخصيات المعارضة منها مفاهيمهم، خاصة الذين لا يتوانون من تخوين أطراف من الحركة الكردية حسب منطقهم.
   وأخيراً، نتمنى من الإخوة في قيادات الأحزاب الكردية أن يضعوا مسؤولية الرد والتعامل مع الحراك الثقافي بين يدي مجموعة تدرك وتعي أساليب التعامل والاحترام والتقدير للنقد، ولا نشك بأن هذه الحقيقة لا تغيب عن مداركهم، لكن من الأهمية بمكان توضيحها لأعضائهم، وللكتبة الذين يريدون إبراز الذات، فكثيرا ما يؤدي الدفاع الهش والفظ عن الحزب إلى النتائج العكسية، ولا يستفيد منه إلا النظام الشمولي، فسويات التعامل تؤثر سلبا أو إيجابا على سوية الحزب حاضرا ومستقبلا، وعلى وعي الكرد كمعارضة وطنية، وعلينا ألا ننسى أن البناء الذي نخطط له ليس لسنوات قليلة قادمة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
نشرت في العدد-24-من جريدة (بينوسا نو) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17428