مخاض الثورات العربية وعُسر ولادة المجتمعات...!
التاريخ: الثلاثاء 04 اذار 2014
الموضوع: اخبار



  وليد مصطفى *
Walidmostafa1973@gmail.com

مع انطلاقة ثورات الربيع العربي وثورة الكرامة في البلدان العربية التي بدأت مع ثورة البوعزيزي في تونس وامتدت إلى ليبيا ومصر وآخرها الآن في سوريا ، وفي رؤية تبسيطية وسطحية لأحوال الناس في بلدانه يُقارن البعض بين أحوال تلك البلدان اليوم وأحوالها بعد الثورة ليخلص إلى نتيجة سطحية سلبية مفادها : إنّ الأمور قبل الثورة كانت سيئة لكنها ليست أسوأ مما هي عليه الآن.
وهذا الكلام منطقي من حيث الحالة المعيشية والسياسية قريب من الواقع من جهة ، ولكنّه ملتبس من جهة أخرى لأنّ حجّته في ذلك المقارنة والقياس، وحيث أن العقل العربي مولعٌ بالقياس والمقارنة في حين كفت البشرية عن اعتبار المقارنة حجّة منذ زمن قديم فالمثل الفرنسي يقول:(( المقارنة ليست حجّة )) ونحن نقول المقارنة أسوأ حجّة.


منطق المقارنة هذا يستبطن لوماً وتقريعاً لطرف ما ، وهو تجني على الحالة السياسية وتجني على التاريخ البشري وللشعوب التي خرجت للحرية و لإسقاط أنظمته الفاسدة ، وكان ينبغي لهؤلاء (اللذين حركوا الشارع العربي طلباً للكرامة ) وهم على ما يظنون أشخاصاً أو ذواتاً محسوسة ، تأجيل أو إلغاء قرار الثورة والقناعة بما في أيديهم من نعم سابقة.
ونقول لهؤلاء (المقارنين ) إن الثورة ليست قراراً إرادوياً إنما هي حالة صنعها المستبدون قبل غيرهم ، لأنهم لم يتركوا لمجتمعاتهم خيارات أخرى ، وإن معظم الثورات قامت بدون قرار وتخطيط من أحد ، إنما قامت كردة فعل على الظلم والاستبداد (احتقانات سياسية واقتصادية واجتماعية ..الخ) ، تعلن انطلاقتها حادثة ما تكون الشرارة الأولى نحو الحرية والتخلص من الديكتاتوريات ، وتُنتج هذه الثورات خلال مراحلها الكثير من المآسي والويلات وتحصد العديد من الأبرياء..الخ ، فالثورة الفرنسية التي قامت عام (  1789- 1799)  و استمرت لأكثر من مرحلة  للتخلص من حكم لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت والقضاء على السلطة الملكية المطلقة والنفوذ الرهيب لطبقة النبلاء والحكام والأهم القضاء على سلطة الكنيسة ، حيث عمّت الثورة العاصمة باريس ، فنُهبت مخازن السلاح الخاصة من قبل العامة وهوجمت قصور النبلاء وبعض الأديرة ودمرت وأحرقت كل ما يثبت امتيازات الكنيسة في مناطقهم واقتحام رمز الظلم ( سجن الباستيل ) ناهيك عن أكثر من 40 ألف قتيل ، والثورة البلشفية كذلك خلفت الكثير من الضحايا عندما اضطر لينين ومن بعده ستالين، تطبيق الاشتراكية عن طريق العنف ومن خلال ما سمي بالدكتاتورية البروليتارية . والمعروف عن الديكتاتورية وبشتى أشكالها ومهما كانت أغراضها نبيلة، أنها تؤدي في النهاية إلى أن تنقلب حتى على مؤيديها ولذلك قيل: "أن الثورة تأكل أبناءها". إذ تفيد الأرقام أن عدد ضحايا العنف الثوري "المقدس" ضد من أسموهم بـــــ ـ" أعداء الثورة "  في روسيا بلغ نحو خمسة ملايين في عهد لينين فقط، معظمهم من الفلاحين والمزارعين، أما الضحايا في عهد ستالين فقد بلغ بحدود خمسين مليوناً، كما وقضى ستالين على معظم رجال الثورة البلشفية من رفاق لينين.
كذلك الثورة الأمريكية وهي أولى الثورات الشاملة في العصر الحديث والتي دامت نحو/20 /عاماً ( 1763-1783) وقد انطلقت في الأساس لرفض القوانين الجائرة التي فرضها المستعمر البريطاني ، لكن القمع حوّلها إلى ثورة استقلال ، ولّدت الولايات المتحدة الأمريكية ( بعد مخاض دموي وعسير ) ، التي غيّر ظهورها مسار التاريخ .
ربما الثورة الوحيدة وحسب معرفتي التي كانت بيضاء هي ثورة غاندي في الهند ( ربما لأنها كانت سلمية ) ، حيث أنّ غاندي كان يؤمن بالنضال السلمي وبسياسة اللاعنف .
والنمط الآخر من التفكير المسطح والبريء يعتقد أن للثورات مفعول السحر ، فبمجرد أن تقوم الثورة سينقلب جميع الشياطين إلى ملائكة فتسير الأمور كعقارب الساعة متجاهلين إرثاً من الاستبداد والفساد استوطن البلاد نصف قرنٍ أو أكثر من الزمن ، وأنّ جزءاً غير يسير من أمراض القديم ستحلّ في الجسم الجديد حيث أنّ هذه النظم قد خلقت أمراضاً و تشوهاتٍ في المجتمع . وقد تحتاج تلك المجتمعات إلى أكثر من ثورة لتتخلص من تلك التشوهات والأمراض و لتُعيد إليها توازنها، وإنّ صداماً عنيفاً سيحدث بين أفكار متصارعة وقوى داخلية وخارجية كلٌّ له مخططه وأجندته ، إلى أن ينهض الإنسان المسكين من حطامه ليقول : كفى ، ويطرد الجميع من بيته ، ثم يلتمس طريقه ليُعيد البيت إلى مزاجه وحسب ما يعقل.
وبناء على ما تقدم يمكننا القول :إنّ تعثر الأحوال في دول الربيع العربي مردّها إلى حالة الاستعصاء التي وضع الحكام المستبدون مجتمعاتهم فيها ، فالتحكم الأمني الصارم وقبضتهم الأمنية الشديدة والتضييق والتشديد يحمل هذا في طياته بديله الفوضى ، ومنطق هؤلاء الحكام إما أنا أو الفوضى ، إنما يعني الفوضى التي بيّتها وصنعتها لكم وسوف أحرقكم بها ، لكنّنا نقول لهم إنّ المجتمعات سوف تتلمس عاجلاً أو آجلاً طريقها نحو تنظيم ذاتها ، لأنّ الأنظمة المستبدة تولد من رحم الفوضى .
ويكفي تلك الثورات التي تعيش حالة مخاض كبيرة ، أنّ جبلاً من الأوهام والشعارات قد سقط وأصبح قاعاً صفصفاً ، وأنّها طوت حقبة قاسية من عمرها إلى غير رجعة ، وستتجاوز عسر  الولادة لتولد مجتمعٍ ووطن حر ، وإن كانت الأثمان والتكاليف باهظة ، لأنّ الشعوب استعدت لدفعها ولا أمل ولا خلاص لها بغير ذلك (( فصبراً آل ياسر )) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*    كاتب وناشط سياسي كردي.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17086