أمم في المسلخ، أمم في المطبخ: أين الكرد....
التاريخ: الأثنين 03 شباط 2014
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

المسافة الفاصلة بين مفهوم" الكرد " و" الأكراد "، هي ذاتها المسافة المعلومة بين وحدة العناصر في موضوع، والجزء الذي يعرَّف به بعيداً عن تلك الوحدة. وهذه المسافة الوخيمة بتبعاتها هي الأكثر معايشة اليوم، رغم مظاهر الحشد والرشد الكرديين دعاية ورعاية، بل إن الجاري اليوم يؤكد ومن خلال قبيلة الألسن المتنافرة واقعاً وهي تتقدم في الواجهة التمثيلية كردياً، يؤكد على أن مفهوم " الكرد " ليس له أي وجود تاريخي " أقول تاريخي " وبإطلاق، بقدر ما كانت الجغرافيا المعلنة بصفتها الكردية وسْع مساحة، وحتى هذه " اللحظة " خميرة حية في ديمومة الأكراد وليس الكرد، وبودي، وأنا أعلِن محدودية معرفتي بالتاريخ، أن أسمع من يشير إلى تاريخ طائف، ولو في يوم واحد كان الأكراد كرداً بالفعل .


لم يكن هناك كرد أبداً، بالصيغة المتعارَف عليها قومياً وعلى الأرض، وحسبي أن أقول أنه، وعلى مر التاريخ " الكردي طبعاً " كلما دُق ناقوس " الكردية " زلزلت الأرض " الأكرادية " زلزالها، وعلينا هنا التفريق بين من كان يشدد على وجود الكرد على  ورق ما، ويطبق القول في فعل ما ويتحقق ذلك، وكل الأمثلة التاريخية التي تفصح عن " كردستان الكبرى "، ودعاتها، ودون لزوم لذكر اسم ما، أي اسم، لم تقم على قاعدة وعي قومية فعلية عبر تطابق التاريخ مع الجغرافيا، إنما كان الحافز المحرّك لوعي يستشرف " الكردية " بتمام قياسها القومي- الجغرافي،مسمّياً لما هو قبلي أو عشائري أو استفزازي يدفع بممثله إلى التعبير عن " انجراحه " ممن أثاره أو قلَّل من قيمته، فتكون دعوى الكردية " الكبرى " علامة فارقة للاستقطاب في المجمل، حيث لا البدليسي ولا البدرخاني الأول ولا الأخير ولا كان حتى جلادت بك البدرخاني معنياً في الأصل بفكرة القومية الكردية واقعاً، ولا كان عبيدالله النهري، ولا محمود الحفيد، ولا كل هؤلاء الذين يفقعوننا ليل نهار بكردستان الكردية وهم بالكاد يثبتون على لوح عائم في بحر التشرذم التحزبي .
إن ما أراه اليوم، وككاتب  كردي ؟ من مظاهر التعبير الملتهبة والمبهرجة ذات الشأن بكردستان التي باتت تتردد هنا وهناك، وربما في نوع من السباق،كما لو أن كردستان حقاً على " الأبواب " دون السؤال عن نوع بابانويل الدولي الأممي الذي يعد الكرد بما ألحوا عليه منذ عهود طويلة، وأن جملة التشكيلات التي تسمى ويصفَّق لها هنا وهناك، باتت تتحدى أولئك الذين يشكّون في كرديتهم ويقلبونها على وجوهها وهم مأهولون بتاريخ عاصف يخص الكرد في أدوارهم وتنوع أطوارهم بصغارهم وكبارهم، بإناثهم وذكورهم، بقدر ما تقلقهم وتخيفهم " ولعلّي منهم !؟" خلَل سؤال: هل حقاً أن كردستان على الباب، وأن أعداء الكرد قد صاروا في مقام " فص ملح وذاب ؟ "، كما الحال في " روچآڤا كُردستان "، وأن المستحيل الكردي والقدر الفلكي الكردي والعبث الكردي قد انتهت صلاحيته؟ لكم أتمنى أن أصدّق بصري وأكذّب بصيرتي، لكم أتمنى أن أكون داخل هذا التيار " الشعبي " المندفع وملئي الكردية المعتبرة، سوى أن لجام التاريخ لما يزل يطبق على فمي أكثر من اللازم، وأنا بين الفينة والأخرى أكاد " أكفر " بـ" كمشة " الكلمات- المفردات " التي بثت فيَّ عقوقاً في الوالدَينية القومية، أو زندقة في تصريف الأنظار، وربما بلبلة في عقول " جهّال " و" ناشئة " أبرياء جداً، وأنا لا أكف عن النظر في مفارقات التاريخ وطريقة ولادة الدول والأمم وكيفية حياكة ثوب الزفة لعروس قومية أو أممية وإعلان " ليلة دخلتها " لتعيش نهارها التاريخي وقد تزوجت من عاشقها القومي والوطني: الكردي الفحل بامتياز !
أجدني ملزَماً وكوني أعاني من قهر روحي وهدر كينونة، باستدعاء الكاتب التشيكي المعروف جداً بالنسبة إلي: ميلان كونديرا، والذي خرج من بلده تحت وطأة القهر الشمولي منذ سبعينيات القرن الآفل إلى فرنسا، وهو يكتب في مقال له عن بلده التشيك وكيف حيكت ضده المؤامرات ومن قبل الأوربيين" أخوته القاريين طبعاً " في ثلاثينيات القرن الماضي لئلا تكتسب ليس صفة دولة فقط، وإنما لئلا تعرف بنفسها دولة أو في نطاق شعب مستقل، ورعب المثار في كتابته بالنسبة إلي مجدداً:
( صار اسم مونيخ رمز الاستسلام أمام هتلر، لكن لنكن أكثر مباشرة، ففي مونيخ، خريف عام 1938، تفاوض الأربعة الكبار: ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وإنجلترا، على مصير بلد صغير أنكروا عليه حتى حقه في الكلام، ففي غرفة جانبية، انتظر الدبلوماسيان التشيكيان الليل بكامله، أن يقتادا، صباحاً، عبر دهاليز طويلة، إلى قاعة أعلن لهما فيها تشامبرلان ودالاييه، وهما منهكان، وضجران، الحكم بالموت. ثم:
بلد بعيد نعرفه قليلاً: a far away country of wich we know litlle، هذه الكلمات الشهيرة التي كان تشامبرلان يريد بها تبرير أن التضحية بتشيكوسلوفاكيا كانت عادلة. توجد في أوربا الأمم الكبرى من ناحية والأمم الصغرى من ناحية أخرى، توجد الأمم المستقرة في قاعات المفاوضات، والأمم التي تنتظر طوال الليل في الغرف المجاورة. ص 442).
ينظَر للتأكد : ميلان كونديرا: ثلاثية حول الرواية: فن الرواية، الوصايا المغدورة، الستار، ترجمة: بدرالدين عرودكي، المشروع القومي للترجمة، القاهرة/2007، في 560 ص ونيف. من القطع الكبير.
حسبي أن أشير وبألم طبعاً، وسخط مرافق طبعاً، إلى ما يحاول المعنيون بالشأن الكردي " من يستطيع حصرهم- إحصاءهم ؟!" إبرازه من أن الكرد" هكذا " لا بد أن ينالوا حقوقهم، وأن التاريخ لن يرجع إلى الوراء، دون أي اعتبار للعبة القوى، والأنكى من ذلك وكمثال مفجع ومضحك طبعاً، ما يحاول" الجنيفيون : الكرد " الظهور به، على أن مجرد وطء عتبة جنيف اعتراف بالوجود الكردي، وعليهم هنا أن يجيبوا على سؤال: أين كانوا يجلسون، وكيف كانوا يجلسون؟ وكيف تحدثوا مع بعضهم بعضاً، وتوصلوا" أي الكرد، مجاوري لوزان " إلى صيغة مشتركة، وهي : إعلام الكرد أنى كانوا أنهم حققوا ما يتوقون إليه " طبعاً هم وليس الكرد "، التشديد على ما قاموا به، رغم بؤس المشار إليهم.
أشدد مجدداً على أن ما أفصح عنه كونديرا لما يزل قائماً كردياً أكثر، وأن من الممكن جداً فتح المجال للكردي المتحدث عن القومية الكردية، والشعب الكردي هنا وهناك، وهو متجاهل للعبة القوى الدولية قبل غيرها، وموقع الكردي فيها، وهو لم يحل حتى الآن في صيغة دولة أو دويلة فعلية واقعاً، حسبي أخيراً وليس آخراً، وبالنسبة لهؤلاء المتباهين والموزعين باسم الكردية الموهوبة فيهم، ومن في ركابهم من دعاة الثقافة المرافقة والموجَّهة، الإشارة إلى قول لفولتير الفرنسي:
كثيراً ما يفرح شخص ما، وهو يُرفَع على الأكف عالياً، دون أن يعلَم أن الذين يرفعونه سيركبونه على : الخازووووق !
دهوك







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16957