اعتذار لأطفال سوريا
التاريخ: الأحد 22 كانون الأول 2013
الموضوع: اخبار



محمد خليفة 

أم على قلوب أقفالها !؟
أخجل من أطفال سوريا 
أشعر أمامهم بالهزيمة .. والانسحاق .. والعجز .. والذعر .
أعاني من احساس مرير وقاتل بالعار .
لا أمتلك الجرأة للنظر في أعينهم لأكثر من برهة خاطفة , فكيف لي أن أخاطبهم ..؟ من أين أستمد القوة للحديث اليهم وجها لوجه ..؟ ومالذي يمكنني التفلسف به في مناسبة كهذه ..؟ هل أتفلسف .. أم أحلل .. أم ألقي عليهم مواعظ فقهية .. أم أحكي نكتا سمجة ..؟ 
كل قول في حضرتهم باطل وهباء . وكل حديث أمام معاناتهم هراء .


اشعر أن نظراتهم المصوبة نحونا ترشقنا بلائحة اتهام طويلة 
لا استطيع حتى تقديم الاعتذار لهم عن الخزلان الذي يبديه العالم تجاههم .. لأنني شريك فيه .

أتوارى حياء خلف الآخرين .. وأغوص في لجة الصمت الصخري الكتيم , وأتمنى لو أستطيع الاختباء عن أعين الناس داخل ملابسي السميكة .. 
أتمنى لو أني لم أكن في يوم من الأيام طفلا لتحاشيت ذكرياتي وأنا ابن سبع أقاسي البرد القارس يوميا في أسمال بسيطة تغطي هيكلي النحيل لا تقاوم زمهرير حلب الشتائي القاسي ماشيا على قدمي كل صباح ساعة كاملة لأصل الى مدرستي متجمدا أدفع ساقيّ الى الأمام بصعوبة , ولكني مع ذلك أشعر اليوم بالامتنان لذاكرتي التي احتفظت بتلك الذكريات الرطبة بما فيها من مذاق حاد للسعات البرد التي لا ترحم , أشكرها لأنها أعانتني بعد خمس وخمسين سنة على تحسس ما يشعر به أطفال بلدي اليوم وهم يواجهون هجوم الشتاء -غير المباغت - عليهم في عرسال والنبك والزعتري وجنوب تركيا .
أرسلنا قبل شهرين مبلغا من المال إلى ريف دمشق مساهمة من (جمعية سند الخيرية ) فسألني المرسل اليه من دمشق في أي مجال تريد انفاق المبلغ فقلت له بلا تردد : للأطفال .. لشراء الملابس والاقلام ومازوت التدفئة , لأنني أعتقد أن الأولوية هي للبراعم الغضة التي طحنتها آلة الهمجية الأسدية أكثر من سواها من السوريين . 

أشعر اليوم أنني واحد من سبعة مليارات اقترفوا جماعيا جريمة قتل الأطفال في البلد الذي يدينون له جميعا بالحياة والحضارة .
أعترف .. والاعتراف ليس دائما فضيلة , ولكنه دائما سيد الأدلة , بأني شريك بالفعل في خيانة أطفال سوريا .. باقتراف جريمة الانانية والتقصير في انقاذ هم من الموت بردا وجوعا .. أعني حماية بذور الحياة نفسها في هذا الركن من كوكبنا المتقلص . 
في لبنان 2012 اثناء زيارة رأيت أطفالا سوريين مشردين في الشوارع يبكون جوعا وبردا وخوفا . قابلت طفلا في الثانية عشرة من بلدة الحراك اعتقل مع حمزة الخطيب في زنزانة واحدة وروى لي فنون التعذيب التي تعرضوا لها قبل أن يقضي صديقه حمزة بصورة بشعة ووحشية.. فلم استطع التحمل .. وأجهشت في حضرة الفتى حتى صار يهدئني !! 
أزور الآن باستمرار مراكز استقبال اللاجئين السوريين في السويد , أواسيهم واستمع الى شكاويهم وقصص معاناتهم التي حملوها معهم وآثارها واضحة للعيان على ملامحهم المرهقة ووجوههم المتغضنة واصاباتهم المختلفة , أرى الأطفال وقد بلغوا سن الشيخوخة مبكرا, يبكون تحت التأثير المستمر للصدمات التي عاشوها وشاهدوها . رأيت أطفالا وصلوا للسويد مع عائلات أخرى بينما فشل أهلهم في الوصول .. واتلقى يوميا توسلات من امهات تركن أطفالهن الرضع في بلدان أخرى قبل هجرتهن .. قصص مروعة مرعبة .. اجتياز البحار في الشتاء في مراكب الموت مغامرة لا مثيل لها حتى في فنون الخيال والفانتازيا ! 
في عام 1962 قال أوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة إن استمرار ظاهرة الجوع في العالم عار دولي يلحق بالجميع لأنه ليس خطيئة للطبيعة بل جريمة من صنع البشر , ولا زال القول صحيحا حتى اليوم , بل أضيف اليه أنه جريمة متعمدة ! هذا الذي يحدث لأطفال سوريا بسبب الثلج ليس جريمة الطبيعة بل جريمة المجتمع الدولي الذي قد نصدق انه عاجز عن وقف الصراع في سوريا ولكن لا يمكننا تصديق اكاذيبه عن مبررات التقصير في اغاثة اللاجئين والنازحين . روسيا تتحدث بما يفيد أنهم لا يريدون مساعدة هؤلاء للضغط على الثوار ليقبلوا بما تريد موسكو وبقية الشقيقات الغربية إملاءه عليهم .. إذن هناك تعمد مكشوف لا يستر عورته !
منذ شهور وأهل الإختصاص في العالم يحذرون من شتاء بارد لم يسبق له مثيل منذ مائة سنة , ومع ذلك لم يتصرف العالم المتحضر بمسؤولية تجاه سبعة ملايين نازح سوري مشردين بين أصقاع الصقيع هنا وهناك , بل تصرف ببلادة وخمول ولا مسؤولية , وكأنه يعاقب السوريين على شيء اقترفوه ويخجل من التصريح به ! 
هل خان السوريون النظام الدولي قبل أن يخونوا نظام الطغيان بتمردهم على وكيله في دمشق ..؟ أم تراهم ارتكبوا المحرم الأعظم بمحاولتهم هدم الزنزانة التي فرض عليهم العيش فيها نصف قرن ..؟ 
ماذا نسمي تصرفات السلطة الجزائرية وهي تطرد اللاجئين السوريين وهم بضعة آلاف فقط عن أراضيها بحجة أنهم لا يحملون وثائق قانونية ..؟ أليس تصرفا عقابيا انتقاميا معبرا عن شماتة واحتقار ..؟ 
ما دام الأمر كذلك فليس عيبا أن نذكر بوتفليقة وهو الذي عاصر فترة الثورة في بلده أنه ما من سوري واحد إلا وقدم للجزائر من ماله .. وليس عيبا أن نذكره بأنه عندما كان هو يدرس في القاهرة بمنحة من حكومتها أثناء الثورة كان آلاف السوريين يتركون جامعاتهم ويتطوعون لمساعدة الجزائريين تدريبا وتدريسا وتطبيبا . 
ماذا نسمي اعتقال السوريين في مصر الكنانة بتهمة محاولة الهرب من مصر ..؟ المرأة التي غرقت بناتها الثلاث الصغيرات في البحر أمام عينيها وضعت في الاعتقال وما زالت في الاعتقال حتى الساعة ..!! السلطات السويدية منحتها حق اللجوء لكن السلطات المصرية لا تسمح لها بالخروج من السجن للذهاب للسفارة السويدية لاجراء اللازم والسفر !!
ماذا نسمي سلوكيات حكومة المالكي الطائفية تجاه القلة القلية من السوريين الذين استطاعوا اجتياز الحدود ..؟ هل هو رد جميل للسوريين على استضافتهم ثلاثة ملايين عراقي لعشر سنوات على الأقل ..؟!
أخشى خشية حقيقية أن يصبح نشيد السوريين في المستقبل : 
بلاد الغرب أوطاني ......... من استراليا ليونان ! 
22.12.2013







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16732