آذار شاه
التاريخ: الأحد 11 اذار 2007
الموضوع: اخبار



مسعود عكو

أن تكتب عن آذار يعني أن تعشق الربيع، وتتلمس أريج أزهاره كلها، وتصنع من بعض أوراق تلك الزهور قارباً، ثم تبحر دون أن تعرف إلى أين، حتى كأنك تملئ الوجوه شوقاً، وحنيناً فتصبح الأرض سياجاً لذاك القارب.
هكذا عوّدنا آذار الذي لا ينسى أبدا أن يأتي في كل عام، ومعه الكثير من الآهات، والحسرات لنا في حين نفكر دوماً أن نستقبله بالسنابل، والزهور، وبجراحه التي تركها في قلوبنا، والتي لن تتعافى حتى لو مر الآذار في كل يوم آلافاً من المرات.


 سيثمل الحنين بخمور العشق، وتترنح الكؤوس في أيادي العشاق، ليرمي كل بائس بقلبه، لعله يفوز بحب عظيم، في حين تتوقد النيران على ذرى الجبال، والتلال الهرمة التي ملّ القدر من تحملها للحرائق، وسحب الدخان، وتشتعل القلوب شوقاً ليوم جديد فتنير صباحاتها بشمس على أرض لا يغيب عنها الحب حتى في ذروة ساعات الأسى.
آذار شاه، يا ملك الشهور، ربيع القلوب، وحنين اللحظات الكئيبة. في أيامك الصمت كلام، والكره حب وهيام. السماء تخضر من الربيع الذي جئت به، كل ما في الكون يزهو بنفسه لأنه يسير في ليلة من ليالي آذار، ولا صوت سوى للبلبل الحزين الذي يئن في كل أغانيه ذكرى ألم كردي متجدد مع كل آذار يمر على هذا الشعب البائس.
آذار شاه، لازالت أيامك الدامية تئن من صدى أزيز رصاصات مجنونة، اخترقت البراءة، منتقمة من النوروز، الفرح، الشعر، الغناء، ولأن تلك الرصاصات، وحامليها يكرهون كل ما هو جديد، وجميل فأوقدت بالقرب منّا أنيناً لم تجف عبراته، ولن تجف حتى يبقى آذار في تقويم السنة الكردية، ولن تنسى الثكالى، والأرامل. أية زهرة، ووردة اقتلعتها مخالب وحوش قذرة؟ فذرف الصمت عليهم شعراً، وقصائد حزن، وألم كردي عتيق بقدم منارة الحزن الأبدي في البشرية.
آذار شاه، لازال القاميش يشهد على وأد الزهور، وذبح البلابل، مترافقة بدموع كثيرة من أعين أمهات شهدت اقتلاع الأرواح، لاتزال الفتيات تغسلن الدماء الملطخة أثواب أعراسهن، وبين شعورهن أزهار نائمة من آذار آخر، وكأن عودة الرجال من الخسارات لا تليق إلا بربيع من القلب، فكانت كل وردة برصاصة، وما أكثر الورود في آذار، قصائد منّا، ومنهم الأسلحة، أزهار منّا ومنهم البارود .
آذار شاه، قبل ولادة أحزاني، كتب القاميش أولى قصائد عشقي، فبنى منها حروف القصب قرب الحدود، وقبل خرالمبوس رسم تقاسيمها الطاهرة على مهد الوادي الأخضر، لينبع منها أنهار حبها الأزلي، ولتغني فيها البلابل الحزينة كل كلماتها التائهة، ورثت رحيلها أوراق العم القديم بين خلجات الكبد المدمى، وترك الخوف يتقاسم الزمن على خلافة الحرية الضائعة. لكن! أزيز الرصاص أخترق قلوب العشاق، لينال الحب أحزانه، ويبكي القصب أبناءه.
آذار شاه، ما تزال الجبال شاهدة على دخان الطائرات القاتلة، والأطفال مازالوا يشتمون رائحة التفاح، وينابيع الربيع تشهد في كل نوروز على جرائم الإبادة العرقية، فكل نوروز يتجدد الألم الكردي بذكرى استشهاد مدينة بأكملها لم ينجو من عقاب الوحوش حتى أنعامها، وما بيوت الله كانت بمنأى عن قنابل الفتك، والصواريخ السامة.
آذار شاه، مازالت السحب، والغيوم تشهد على دخان محمّل بالخردل، والنابالم، ما تزال الحجارة تشهد على بقايا موتى، والأرض المحترقة بالنابالم تشهد على سقوط الآلاف من البشر على ذراتها التي امتزجت بالدماء، وأية دماء..؟
كان أخر شهيق له رائحة السيانيد، الخردل، والنابالم.
آذار شاه، كاوا يوقد النيران فوق جودي، همرين، طوروس، وزاغروس، وسيظل يوقدها حتى، ولو لم يبق في الكون نار. سيشعل جسده ناراً، وسيحرق كل ما في الكون من ظلم، خوف، وقتل، ولن تثنيه عن آذاره كل وحوش الكون، وسيعلن كاوا في كل نوروز يوماَ جديداً الكل فيه ينتظر الضوء الذي طال انتظاره، وستشرق الشمس في فجر نوروز الذي كان دائماً يشرق حتى، ولو بعد حين.
آذار شاه، ملك الشهور، عد إلينا مرة دون أن نذرف دموع الحزن بقدومك، فقلوبنا ملت الكآبة، والحزن، وأعيننا جفت عبراتها.
ألا توجد في جعبتك نسمات عشق، وأمل؟ ألا تحمل بين طياتك فرحاً، وحباً؟ قد مل القدر من أنين أيامنا الحزينة، وبات الحزن رسالة الكردي في كل آذار.
نتوسلك أن تعود إلينا هذه المرة بدون حزن، آلم، وأسى. ولكن هيهات أن تنسى، وهيهات أن ننسى أيضاً يا آذار.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1669