الفيدرالية حلا للقضية الكردية في سورية
التاريخ: الأحد 11 اذار 2007
الموضوع: اخبار



شيرزاد عادل اليزيدي

إنها الذكرى السنوية الثالثة للانتفاضة الكردية الشاملة في كردستان الغربية (كردستان سورية) في 12 آذار (مارس) 2004 والتي غدت بجلالها وسموها عنوانا للقضية الكردية في هذا الجزء من كردستان بوصفها أهم وأبرز محطة نضالية في التاريخ الكردي في سورية وهي تطرح في ذكراها الثالثة وتفرض أسئلة مصيرية ووجودية حول واقع ومستقبل القضية الكردية في سورية


وهي أسئلة ملحة لن يغطي عليها تحويلنا لذكرى 12 آذار إلى مجرد طقس احتفائي ومناسبة لإصدار البيانات الإنشائية المنمقة الزاخرة بالمشاريع النظرية التي لا تتوفر على آلية  ملموسة لترجمتها إلى واقع وممارسة عمليين .
وبادئ ذي بدء لا بد من التوكيد على أننا لسنا هنا في صدد الدخول في جدل لا ينتهي عن سلبيات ومثالب وأخطاء الحركة التحررية الكردية في سورية لاسيما في بناها الفوقية تلك السلبيات التي راهنا جميعا واعتقدنا لوهلة أن انتفاضة 12 آذار ستكون بداية لتجاوزها وتخطيها وللارتقاء إلى مستوى تحديات المرحلة واستحقاقاتها الداهمة والكف عن التصرف وفق عقلية الماضي نحو تبني منهجية نضالية تقوم على الثقة بعدالة ومشروعية قضيتنا الكردية في سورية بما لا يقل أبدا عن عدالتها ومشروعيتها في الأجزاء الثلاثة الأخرى من كردستان من حيث كونها قضية أرض وشعب لكن وللأسف فان ثمة أطرافا سياسية كردية في سورية لا تزال ترى إلى الأكراد في سورية كمجموعة بشرية دون مستوى شعب قائم بذاته لا يحق لها بالتالي سوى استجداء بضعة حقوق ثقافية لا بل ثمة من يرفض حتى تسمية 12 آذار بالانتفاضة مصرا على تسميتها أحداثا في محاولة مضحكة لإفراغها من محتواها القومي والحقوقي .
أن انتفاضة 12 آذار كانت ولا زالت بمثابة فرصة تاريخية ذهبية أمامنا كشعب وكحركة سياسية لبلورة وتدشين ممارسة نضالية سلمية أكثر مبادرة وتمرسا ولتطوير أداء سياسي ديموقراطي أكثر تنظيما وحرفية بما يسهم في ترسيخ دعائم القضية والحركة الكردييتين في سورية ويوسع هوامش التحرك والمناورة والتأثير أمامهما ما ينعكس إيجابا على وزن القضية الكردية في سورية وحجمها ودورها كقضية عادلة لشعب وأرض الأمر الذي يفتح الآفاق واسعة أمام حلها بطريقة ديموقراطية حضارية خاصة وأن النظام البعثي الحاكم في دمشق يعاني من وهن وضعف شديدين ما ينعكس على أداءه داخليا وخارجيا عبر إيغاله في تخبطه وعزلته الدولية والإقليمية والعربية والداخلية كتحصيل حاصل ومن هنا يمكن للقضية الكردية أن تكون أكثر فاعلية وإسهاما وتأثيرا في المشهد السوري العام الذي يموج بتفاعلات وتطورات خطيرة وكبيرة إذا ما بادرت الحركة السياسية الكردية إلى تنظيم صفوفها وتوحيد خطابها نحو تبني استراتيجية قومية ووطنية عليا تشكل قاسما مشتركا أعظم لكل الانتماءات والتوجهات السياسية المختلفة ولعل المدخل إلى ذلك هو في التعاطي بجدية أكبر وحنكة وبعد نظر سياسيين مع مجمل الوقائع والحقائق المتعلقة بالوضع السوري واحتمالاته التغييرية المتصاعدة لا سيما لجهة حالة الترنح والتخبط التي يعيشها النظام الحاكم الذي يورط نفسه بنفسه أكثر فأكثر من خلال أدواره التخريبية والتدميرية في العراق ولبنان وفلسطين دون أن ننسى سورية بطبيعة الحال يضاف إلى ذلك ضرورة عدم استهانة الحركة الكردية بقدرات وامكانات شعبها الذي يربو تعداده على الثلاثة ملايين نسمة ويتوفر على عمق استراتيجي في أجزاء كردستان الأخرى لاسيما في كردستان الجنوبية (كردستان العراق) التي أثبتت التجربة هناك مدى فاعلية القضية الكردية ومحوريتها في عملية التغيير والتحول الديموقراطيين في عموم المنطقة وخصوصا في الدول المقتسمة لكردستان وهنا تحديدا تكمن أهمية توفر نخبة سياسية أكثر جرأة وحنكة وكاريزما في كردستان سورية فالحركة الكردية هناك مدعوة مع حلول الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية العارمة في 12 آذار إلى تجاوز انقساماتها وخلافاتها والتوحد على سلة قواسم مشتركة جامعة وفي حال تعذر التوافق بين مختلف فصائل الحركة الكردية فان لجنة التنسيق الكردية باعتبارها الجهة الأكثر تمثيلا والأقرب من نبض الشعب الكردي في طروحاتها ومواقفها مدعوة هي وكل من لف لفها إلى تصعيد نشاطاتها وفعالياتها الديموقراطية الحضارية في صورة مظاهرات واحتجاجات واعتصامات مدنية وسلمية إذ لا ينبغي أن يتحول التوافق المطلوب طبعا لكن المتعذر إلى عقبة أمام بلورة لجنة التنسيق الكردية لخياراتها وقناعاتها القومية والوطنية التي تشكل إجماعا لدى عموم الشعب الكردي في سورية وعليه لا بد من حراك ملموس على الأرض ولابد من ترجمة هذه الخيارات والقناعات التي لا غبار على صوابها وتعبيرها عن واقع الحال الكردي إلى سياسات وتحركات عملية نشطة وكثيفة داخليا وخارجيا لاسيما مع تنامي حجم الجالية الكردية السورية في الخارج وبخاصة في أوروبا مع تفعيل الحراك الدبلوماسي والإعلامي بغية طرح القضية الكردية في سورية ووضعها على الأجندة في عواصم القرار الدولي وشرحها وتعريفها لقوى المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي تشكل سلطة معنوية ورقابية موازية لحكوماتها في دول الغرب الديموقراطي الأمر الذي يشكل رافدا أساسيا لتصعيد التحرك المطلبي الديموقراطي في كردستان سورية فما لم يصار إلى ذلك كله فان المخطط السلطوي للالتفاف على حال التوقد والتوهج النضالي الديموقراطي التي دشنتها انتفاضة 12 آذار في كردستان سورية ربما يكلل وللأسف بالنجاح فلعل أكثر ما ميز تلك الانتفاضة الرائعة هو كسرها حاجز الخوف والرهبة لدى الرأي العام الكردي من النزول إلى الشارع والجهر بشكل منظم وموحد بوجوده وحقوقه .
والحال أن لا خيار أمامنا كأكراد في سورية سوى تصعيد وتيرة حراكنا المدني الديموقراطي لطرح قضيتنا وتفعيل حضورها فسورية ومعها إيران على وشك الدخول في نزاع مفتوح مع المجتمع الدولي والأكراد شاؤوا أم أبوا يقعون في عين هذه العاصفة وعليه فالمطلوب منهم أن يحسبوا حساباتهم جيدا وأن يحددوا موقعهم ودورهم أهدافهم ومطالبهم أعدائهم وأصدقائهم ويتدبروا مصيرهم ومستقبلهم عبر الانخراط ديموقراطيا وسلميا في المجهود الدولي الرامي إلى دمقرطة المنطقة وتحديثها والتصدي للمحور الإيراني - السوري الذي يعمل جاهدا على عرقلة هذا المجهود الدولي وإفشاله عبر إغراق شعوب المنطقة في بحور الدم والحروب الأهلية والطائفية المقيتة إذ لم يعد ممكنا مضي الحركة الكردية السورية في التزام الصمت ولعب دور المتفرج المتلقي والمفعول به فهذا التصرف أقل ما يقال عنه أنه غير سياسي وغير حكيم وغير مكترث بالتقاط المؤشرات والمعطيات المحيطة والتفاعل مع الأحداث والتطورات الدراماتيكية المتلاحقة والتي تفيد كلها بسير الحكم السوري إلى الهاوية جارا معه الشعب السوري بعربه وأكراده ومن هنا لابد من تغليب حس المسؤولية السياسية والأخلاقية لدى الحركة الكردية عبر بلورة خارطة طريق واستراتيجية براغماتية ترتقي إلى مستوى التحديات بدلا من التردد والترقب والوجل من اقتحام مسرح الأحداث وكأننا غير معنيين لا مباشرة ولا مداورة بما يجري وسيجري في سورية والمنطقة عموما فالشعب الكردي هو المعني الأول والمستفيد الأول والأكبر من التغيير الديموقراطي في سورية بما يفسح المجال أمام إقرار حل ديموقراطي عادل للقضية الكردية في سورية على قاعدة اتحاد فيدرالي عربي - كردي فالفيدرالية في رأينا المتواضع هي الحل الأمثل للقضية الكردية في سورية ولعل كاتب هذه السطور هو من أول دعاة تبني الفيدرالية صيغة لحل هذه القضية وما يبعث على التفاؤل في هذا الصدد تبني حزب يكيتي وهو أحد أكبر الأحزاب على الساحة السياسية الكردية  السورية إن لم يكن أكبرها في مؤتمره الأخير الدعوة إلى حل القضية الكردية على أساس لامركزي أي بعبارة أوضح على أساس فيدرالي حيث ورد في مقررات المؤتمر ما يلي : " الحل الأمثل للتعدد القومي والديني والطائفي في سورية ينبغي أن يستند إلى نظام لامركزي سياسي ديموقراطي يراعي التوازن بين جميع مكونات المجتمع السوري ويحقق التوزيع العادل للسلطة والثروة كما أكد المؤتمر في مجال حل القضية الكردية على إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الراهنة بما يجعل المناطق الكردية الثلاث الجزيرة – كوباني – عفرين) منطقة إدارية واحدة وتمكين الشعب الكردي من إدارة نفسه في شؤونه التشريعية والإدارية والقضائية بنفسه في إطار النظام الديموقراطي البرلماني" . وبلا ريب فان هذه الخطوة تشكل نقطة تحول نوعية في الخطاب السياسي والمطلبي لأكراد سورية وهي خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح نحو تبني شعارات ومطالب تتناسب مع عدالة القضية الكردية ومشروعيتها وحجم التضحيات المبذولة في سبيلها فالحركة الكردية ملزمة بإثبات وجودها وفاعليتها وقدرتها على قراءة ما يدور حولها والتفاعل الايجابي مع الأحداث بما يجعل منها صانعا ولاعبا مؤثرا في مسار الأحداث فما لم يثبت الأكراد في سورية وجودهم ويجهروا بحقوقهم ومطالبهم دون مواربة وعلى قاعدة كونهم شعبا يعيش على أرض وطنه كردستان ويعاني من غمط حقوقه القومية المشروعة عبر سياسات سلطوية مبرمجة في التعريب والتمييز والتبعيث والصهر القومي ما لم يتم ذلك فلن تطرح القضية الكردية بجدية وإلحاح على الأجندة الدولية وليس خافيا أن وصول القضية الكردية إلى المحافل الدولية هو شرط شارط لخروجها من براثن البعث الفاشي في دمشق .
ولاشك أن الرأي العام الكردي بنخبه الفكرية والثقافية مدعو هو أيضا إلى تصعيد حراكه ونشاطه عبر المشاركة بشكل أكثر تنظيما ووضوحا وفاعلية في بلورة  رؤى وطروحات لآليات وميكانزمات تفعيل الحراك السياسية الكردي ما يشكل عاملا ضاغطا ومحفزا للحركة الكردية وخصوصا نخبها القيادية على تجاوز مراوحتها في مكانها ولخروجها من سلبيتها وقدريتها المفرطة نحو تولي زمام المبادرة النضالية وليس الاكتفاء بسياسة ردود أفعال لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى التصدي للأفعال السلطوية الموغلة في القمع والعنصرية والدم كما ظهر جليا في انتفاضة آذار 2004 حيث لم تتوان السلطة عن تحريض وتسليح العصابات والمليشيات البعثية والاستيطانية للبطش والتنكيل بالشعب الكردي المسالم والأعزل فلا زالت انتفاضة آذار بعد مضي ثلاثة أعوام على حدوثها حاضرة وبقوة تفرض نفسها وتلقي بظلالها على كامل المشهد في كردستان سورية فهي حية باقية في عقل ووجدان كل الأكراد في سورية وحتى في الأجزاء الأخرى من كردستان وعليه فما زال أمامنا كشعب وكحركة سياسية وكنخبة ثقافية فرصة استثمار 12 آذار بكل ما تحمله من قيم إنسانية ووطنية عالية وتمثل روحيتها ومعانيها الراقية والسامية والتي تؤكد سمو هذا الشعب وحيويته ورفضه الخنوع والرضوخ إلى ما لا نهاية لواقع الحال السلطوي الخانق والبائس ما يؤكد جدارته في إحقاق حقوقه والعيش بحرية وكرامة ومساواة .
إن انتفاضة آذار هي فاصلة تاريخية في مسار القضية الكردية في سورية ولن يرحمنا التاريخ كنخب سياسية وثقافية إن تقاعسنا عن الارتقاء إلى مستواها بما هي اختزال وتكثيف لكل محمولات الحق والخير والجمال والعدالة المتجسدة في القضية الكردية فما كان جائزا وممكنا قبل 12 آذار ما عاد كذلك بعدها فانتفاضة آذار هي من سوية الأحداث التاريخية التي تحدث تغييرا شاملا وانقلابا جذريا في منظومات القيم والمفاهيم والأفكار سياسة واجتماعا وثقافة خاصة وأن السياسات والممارسات السلطوية القمعية والإجرامية بحق أكراد سورية لم تتوقف منذ المجازر التي ارتكبت في آذار 2004 مرورا باختطاف واغتيال العلامة الشهيد الشيخ محمد معشوق الخزنوي وصولا إلى استباحة القامشلي ونهبها والتنكيل بسكانها الآمنين اثر مظاهرة 5 / 6 / 2005 فضلا عن مسلسل الاعتقالات والتحرشات وحتى القتل بحق المدنيين الأكراد الأبرياء كما حدث عندما قامت قوى الأمن باغتيال الشهيدة عزيزة اليزيدي عشية الذكرى الأولى لانتفاضة آذار في 28 / 2 / 2005 في رسالة ترهيب دموية لا تخطئها عين إلى كل كردي في سورية .
قصارى القول المطلوب هو بلورة واعتماد صيغ نضالية متقدمة وخلاقة تتسق وتتناغم مع انتفاضة 12 آذار بما كرسته من ثقافة مقاومة مدنية ديموقراطية ضد الظلم والجور والإجحاف والاضطهاد القومي المديد بحق الشعب الكردي الذي انتفض في كل مدن وقرى كردستان سورية ضد جلاديه ومضطهديه وهو لن يتردد في المضي في حراكه السلمي الحضاري نحو إثبات ذاته وإحقاق حقوقه وعليه فالحركة الكردية في سورية مطالبة بتأطير هذا الزخم الشعبي وتنظيمه وتوظيفه وفق استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم تقوم على مقومين أساسيين وارتكازيين في معمار القضية الكردية في سورية ألا وهما : الشعب - الأرض أي أن ثمة شعبا متمايزا عن الشعب العربي في سورية وهو الشعب الكردي وأن ثمة أرضا متمايزة عن الأرض العربية في سورية وهي كردستان الغربية (كردستان سورية) والحل الأمثل كما أشرنا قبلا هو في قيام اتحاد فيدرالي عربي - كردي في إطار سورية ديموقراطية تعددية إذ أن أية حلول مبتسرة للقضية الكردية في إطار المواطنة والأخوة العربية - الكردية ... كلها صيغ فاشلة وعقيمة لا تستحق التوقف عندها فدون أخذ كل هذه الحقائق في الاعتبار لاسيما الحقيقة التأسيسية للقضية الكردية حقيقة كونها قضية شعب وأرض دون الركون إلى هذه الحقيقة سنبقى نراوح في مكاننا فاقدين المبادرة وعاجزين عن البناء والتفاعل حتى مع حدث تأسيسي وتاريخي كانتفاضة 12 آذار (مارس) 2004 .

sh.yazidi@hotmail.com
sh.yazidi@yahoo.com







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1668