سوريا و السيناريوهات المحتملة !
التاريخ: الثلاثاء 22 تشرين الاول 2013
الموضوع: اخبار



زيور العمر *

تصريح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حول عدم إمكانية تحقيق الحل العسكري في سوريا، و إشادته بتعاون النظام السوري مع مهمة المفتشين الدوليين المكلفين بتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية السورية، أعاد مؤتمر« جنيف 2»، من جديد، إلى واجهة الحوار الروسي - الأمريكي، بشأن الأزمة السورية، بعد أن تراجع فرص عقده، إثر قيام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة في 21 أغسطس( آب) الماضي، و تهديد الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية عقابية لنظام الأسد، قبل أن يوافق الأخير على إقتراح روسي، يقضي بتدمير مخزونه من الأسلحة الكيماوية، مقابل الإفلات من الضربة العسكرية الأمريكية، و تجنب نتائجها و تداعياتها على نظامه.


عاد «جنيف 2» الى واجهة الحلول السلمية للأزمة السورية، و التسوية المزمع مناقشتها، و التفاوض عليها، بمشاركة طرفي الصراع: النظام و المعارضة، رغم الشكوك التي تحوم حول إمكانية إنعقاده، ناهيك عن إمكانية التوصل الى تسوية من نوع ما، بين طرفي الصراع، في ظل المعطيات و الموازين الراهنة على الأرض، لجهة إستمرار الدعم اللامحدود لنظام بشار الأسد، سياسياً و عسكرياً، من قبل حلفاءه، مقابل إحجام « أصدقاء » الشعب السوري، الإقليميين و الدوليين، عن تقديم المساعدة الحقيقية و الفعالة، لمساعدته على تحقيق ما خرج من أجله، منذ مارس ( آذار ) 2011، قبل أن يتحول حراكه الثوري السلمي الى مقاومة مسلحة، فرضها إصرار النظام السوري على الحل الأمني- العسكري في مواجهة مطالب السوريين في الحرية و الكرامة، و إستغلال الجماعات الإرهابية لحالة الفراغ الأمني في البلاد، لصالح فرض مشاريعها العقائدية، التي تتعارض مع أهداف و مصالح الشعب السوري، المتمثلة في تحقيق الحرية، و بناء دولة تضمن العدل و المساواة لجميع أبناءه.
إنتقال سوريا، بعد أكثر من عامين و نيف، من حالة ثورة الى واقع فوضى، خلق لدى السوريين شعوراً، بأن أحوالهم تتجه إلى نهاية كارثية، و أن بلادهم باتت تواجه تحدياً وجودياً، جراء السيناريوهات الجاري الحديث عنها، و خاصة على لسان سياسيين سوريين معارضين، قبل غيرهم، لا يترددون، في وسائل الإعلام، لأسباب تتعلق بمصالح شخصية، في كشف ما يُطبخ خلف الكواليس، من دسائس و مؤامرات حيال القضية السورية، و خاصة، تلك التي تتعلق بإرتباط جماعات سورية معارضة، سياسية و عسكرية، مع قوى إقليمية و دولية، لا تهمها تطلعات السوريين و مستقبلهم، بقدر تنفيذ أجندات و مشاريع، لا تريد الخير لسوريا، و لثورتها الوطنية الديمقراطية، الأمر الذي خلق الإنطباع لدى السوريين، أن مصيرهم بات مكبلاً بسلسلة من السيناريوهات، منه ما هو « مفترض » في صيغة تسوية سياسية بين النظام و المعارضة، برعاية دولية و إقليمية، يجري التسويق لها، دون أن تتضح بعد، إطارها و محدداتها، و القوى المشاركة فيها، هذا من جهة، و بين ما هو « مفروض »، و إن كان غير معلن عنه، إلى الآن، باعتبار أن ما يطرح إلى الآن، سواءً من النظام أو المعارضة، لا يوح بإمكانية التوصل الى تسوية سياسية، في ظل التناقض الكبير في المواقف بين الطرفين، مما يؤكد الرأي القائل بأن الصراع ماضٍ في مسارٍ، لا يستقيم مع شروط و ظروف التسوية« المرتقبة » في جنيف 2، و إنما مع السيناريوهات الجارية الإعداد لها في سوريا، كما حدث في العراق، و إن بآليات و وسائل أخرى.
يقر خبراء السياسة، إن أغلب ما يتم تداوله في وسائل الإعلام، لا يعكس، عادة، ما يتم طبخه خلف الكواليس، و هذه ظاهرة يمكن إستشفافها في الحدث السوري، على وجه خاص، لجهة الحديث عن « جنيف 2»، و كأن الهدف منه، هو إنهاء معاناة السوريين، و وضع حد لعمليات الخراب و التدمير، التي تتعرض لها سوريا، جراء الصراع المسلح، منذ ما يقرب من عامين، و ذلك من خلال تشكيل حكومة إنتقالية من النظام و المعارضة، و بصلاحيات كاملة، دون الأسد، و الزمرة المحيطة به !. في حين أن إجتماع جنيف 2، الذي تضغط روسيا لعقده، و تؤكد على ضرورة حضور كافة أطياف المعارضة السورية فيه، هو مصلحة روسية، بالدرجة الأولى، لانها تضمن لها و لمصالحها الإستراتيجية مكانة مهمة في المنطقة. زد على ذلك أنه لصالح النظام السوري أيضاً، باعتبار أن القبول بالحوار و التفاوض معه، يعني حسم كل الخيارات العسكرية القائمة لاسقاطه، داخلياً و خارجياً، فضلاً عن أهميته لإيران، الذي يشكل النظام السوري أحد أضلاع مشروعه الأساسيين في المنطقة، الى جانب حزب الله اللبناني، و حكومة المالكي العراقية. و ما يصح في جهة المحور الموالي للنظام، يصح بالنسبة إلى المعارضة، و الدول « الداعمة » لها، إيضاً، و ذلك لأن أغلب الدول، و خاصة الإقليمية منها، لا يمكن أن تقبل بقيام نظام ديمقراطي في سوريا، و ليس من مصلحتها، أن ينجح الربيع العربي، الذي كانت الثورة السورية إحدى تجلياتها، أما فيما يتعلق بأمريكا و العديد من الدول الغربية، فهي تدرك أهمية النظام السوري للأمن القومي الإسرائيلي، و التقطت هذه الدول، منذ البداية، التحذيرات الإسرائيلية، من مغبة حسم الصراع السوري مبكراً، فضلا ً عن النتائج التي خلفته مجرد الحديث عن جنيف 2 على المعارضة السورية، و الشروخ و الإنقسامات و التصدعات التي أحدثته في هياكلها، إلى الآن، أخرها، كان تهديد المجلس الوطني السوري بالإنسحاب من الإئتلاف الوطني السوري، إذا قرر هذا الأخير حضور جنيف 2.
مما يعني أن شروط التسوية في « جنيف 2 » غير متوفرة، بالمطلق، لا من جهة النظام، الذي لا يمكن أن يتنازل عن إمتيازات الحكم و السلطة لأية جهة، و لا المعارضة، التي تجد في أي تفاوض لا يؤدي الى تنحية الأسد، بمثابة المسمار الأخير في نعشها. و مع ذلك، روسيا تحاول، و تضغط، و تبتز، و تفعل كل شئ، من أجل الدفع بإتجاه إنعقاد « جنيف 2»، لإنعاش فرص الأسد في البقاء، و ذلك من خلال إقتراح تمديد رئاسته من جهة، و إحراج المعارضة السورية، و إظهارها بمظهر الرافض للحلول السلمية من جهة أخرى.
 كل المعطيات تشير إلى إطالة أمد الأزمة السورية، و احتمال دخول البلاد في حرب أهلية طاحنة، مركّبة في مفاعيلها و لاعبيها، بحيث لن تعدوا مجرد صراع بين النظام و المعارضة، و إنما حرب أهلية، لن ينجو من نيرانها و حرائقها، أي مكون إثني و ديني في سوريا، بعد أن ينهار النظام و سلطته، و تتفرق الجماعات المعارضة بشكل نهائي عن بعضها، فتتحول البلإد الى ساحة فوضى شاملة، و حرب أهلية بين السنة و العلويين، و المسلمين و المسيحيين، و العرب و الكرد، و عندها لن يجد السوريون أنفسهم إلا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تقسيم البلاد بين مكوناته الثلاث، العرب السنة، العلويين و الكرد، أو القبول ب « طائف » سوري، على غرار ما حدث في لبنان، أو عملية سياسية على شاكلة التجربة العراقية بعد الإحتلال الأمريكي في 2003.
و عليه، فإن أمام السوريين، خيارات صعبة، و إستحقاقات خطيرة، فرضتها أجندات قوى، داخلية و إقليمية و دولية، تعارضت مع مصالح و تطلعات الشعب السوري، و ثورته التاريخية، التي أُريد لها أن تفشل، حتى تختنق في أحشائها تطلعات كل شعوب المنطقة، و الى الأبد.
* كاتب كردي سوري








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16396