ما يشبه السيرة الذاتية
التاريخ: الخميس 22 اب 2013
الموضوع: اخبار



 حليم يوسف

ككاتب وككردي وكسوري، لم أعثرعلى كلمة تحيلني إلى التعبير عن تجربة إشكالية عشتها في الحياة وفي الكتابة، وتجمع بين زوايا هذا المثلث العجيب بزواياه الثلاث الحادة، سوى كلمة يتيمة تحمل دلالة "إفتراضية" مؤلمة. فمن المفترض أن يولد كل إنسان في مكان، على أرض ما، تحت سماء ما، فيسميه وطنا له ويستريح في المعنى. بالنسبة لي، كأحد أبناء جيل سيئ الحظ، وككردي ولد في سنة النكسة العربية، ولدت وفي يدي حقيبة مليئة بملفات تعجز الدول عن حلها.(من باب الايضاح فقط، يسمي الكرد السوريون تركيا "فوق الخط" ويسمون سوريا " تحت الخط". ويقصد به الخط الحديدي والحدودي الفاصل بين الدولتين. وتعودهذه المصطلحات الدارجة على أفواه أهالي المناطق تلك الى الحقبة العثمانية وتسبق نشوء الدولتين).


ولدت من أب هرب من بلاد ما فوق الخط ليقترن بإمرأة من بلاد ما تحت الخط والتي ستصبح لي أما. رغم ذلك، لم يتحدث أبي التركية، كما لم تتحدث أمي العربية. اللغة الوحيدة التي تواصلا بها مع هذا العالم، من الولادة وحتى الممات، كانت الكردية فقط، والممنوعة على جانبي الحدود وفي الدولتين. بذلك وجدت نفسي وأنا طفل صغير في مواجهة المنفى. ولدت منفيا عن لغتي، لغة الأهل، وعمقت عناكب الاستبداد هذا الشرخ الروحي، لتحول الوطن في داخلي إلى منفى. مع الزمن سكنت في لغة جديدة، هي لغة المدرسة، والتجأت إليها عبر الكتابة متحايلا على لغة الأهل الممنوعة، ومتخذا منها جسر العبور إلى ما يشبه الوطن أو إستنشاق رائحة ما يسمونه وطنا. وطن من المفترض أن يكون قائما وأن أنتمي إليه. وفجأة إكتشفت بأن الكتابة تتحول إلى تخريب في عمق العلاقة مع المكان. وجاء الوقت لحسم الاختيار بين التحول الى شيئ أصم وجزء ثابت من المكان، أو مغادرته على الفور. وكان المنفى الآخر، أوهذا الإدمان الذي نحن فيه الآن. وداهمت ثورات الربيع العربي صقيع منافينا المبعثرة، فارتبكنا أمام جمرة الحنين إلى مفردات مطمورة في رماد يأسنا العجوز.وكانت، بلغة المدرسة الحرية، وبلغة الأهل آزادي، أجملها
ولأول مرة، بعد غياب طويل، ينتابني شعور بأن الحالة السورية تشملني أيضا ولست خارجها كما كنت دائما. فكانت المشاركة في تأسيس رابطة الكتاب السوريين محاولة لإستعادة الوجه الأجمل لحالة سورية، مدنية، ثقافية، جماعية، إفتقدناها على الدوام. كان من المفترض أن تنشأ هذه الحالة في وقت آخر، قبل عقود مثلا، وفي مكان آخر، في دمشق مثلا. ولذلك تكون المحاولة بالغة الصعوبة حينا، متعثرة أحيانا، وجذابة في كل الأحيان. وتأتي مجلة أوراق تتويجا لترميم تلك العلاقة العميقة مع وطن "من المفترض" أن يتخلص من الأصنام، من الدكتاتورية وآثارها ومن جيوش الظلام. وتستيقظ فينا روح البحث عن آثار المنفيين. مرة عندما كان الوطن بحد ذاته منفى لنا ومرة عندما سكن الوطن في داخلنا ونحن في المنافي. لن أخفي تشاؤمي مما وصلنا إليه، وما وصل إليه الوضع على الأرض في سوريا هذه الأيام، لكنني لن أخفي أيضا إحتفاظي بالقدرة على الحلم. ولعل "أوراق" المجلة، هي إحدى ركائزوتجليات هذا الحلم بمعناه الثقافي
…………………………………………
نص الكلمة التي ألقيت في حفل إطلاق مجلة أوراق في لندن 15 آب 2013






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16080