إعلان نفير الكردايتي
التاريخ: الأربعاء 01 ايار 2013
الموضوع: اخبار



صلاح علمداري

من جملة ما أفرزتها الثورة السورية وفصولها المتعاقبة أنها أسقطت عن الساسة التقليديين آخر أوراق التوت وكشفت عوراتهم ومدى بؤسهم وترددهم وسط الطوفان الذي يلتهم مساحات الوطن شرقاً وغرباً , شمالاً وجنوباً٫ ومن جملة ما تمخضت عنها الثورة و على الخط الموازي هي ولادة أفكار جديدة ورموز شبابية وشخصيات من العمق الجماهيري تنامت بشكل سريع عبر تنسيقيات و تنطيمات ميدانية حركت الشارع السوري وقادت بجدارة مظاهرات حاشدة في معظم المدن السورية. 


جبهة هذه المعارضة الشبابية الناشئة والحراك السلمي الذي خرج عن القوالب التقليدية منذ البداية كانت مع النظام اِلا ان القوى الكلاسيكية التي تحتكر صدارة المعارضة السورية ورموزها التقليديين تنبؤوا بالخطر الكامن في ثنايا الفكر الجديد واعتبرت هذه القوى أنها مهددة أيضا بشكل او باٌخر لذلك لم تتردد في محاربة قوى الحراك هذه في مهدها دفاعا عن مواقعها هي ومستقبلها السياسي . فعسكرة الثورة- مثلا- كان مطلبا استراتيجيا للنظام منذ البداية والمعارضة كانت بالضد منها إلا ان بعض تيارات المعارضة انقلبت سريعا وصارت تدفع ايضا باتجاه العسكرة علنا .. حتى انحصرت المظاهرات وشعاراتها في زوابيق وثنايا الأحياء الضيقة و احتل العسكر ساحات المدن وإختنق صوت الشباب أمام صوت الرصاص...
كردياً ليس الحال منفصلا عن السوري العام فالكرد في سوريا كغيرهم من شعوب الارض وقفوا خلف مثقفيهم في تداول الشأن العام وصناعة السياسة وصياغة الخطاب لكن الحصاد الكردي جاء بعد أكثر من نصف قرن ونصف العقد من السنين مراً تماما كحصاد فلاح مغمور لم يتمكن من فصل الحب عن الزيوان . فبين مطالب الشارع الكردي وحقوقه الملحة من جهة وبطش النظام وانكاره لكل ما هو كردي على امتداد عمره من جهة اُخرى انسحبت الاحزاب من الواجهة السورية الى الداخل الكردي لتدخل في صراعات بينية وتنظيرات لا معنى لها أدت الى انصراف الجماهير عنها وانحسارها في مساحات شعبية صغيرة قللت من دورها وحددت من فاعليتها..... سياسات النظام العنصرية هذه ضد الكرد وعجز الاٌحزاب عن التصدي لها والتعامل معها طوال عمرها السياسي خلقت في العمق الشعبي الكردي في اٌكثر من مرة ولا سيما في المساحات الخضراء (اوساط الشباب والمثقفين) شحنة قومية متمردة على الواقع وكادت في كل مرة تسفر عن متغيرات في طبيعة التفكير واعادة صياغة السياسة الكردية ولكن وفي كل مرة أيضا نجحت القيادات التقليدية في تفريغ هذه الشحنة في البوتقة الكردستانية خارج سوريا, ونجت من المواجهة التي قد تحرجها مع الفكر الشبابي الجديد. فبين كردستان الجنوبية والشمالية استهلك كرد سوريا خلال العقود الماضية معظم قوتهم الشبابية وامكاناتهم المادية وبين "اربيل" و"قنديل" تذبذبت البوصلة الكردية ولا زالت حتى الآن تبحث عن الاتجاه الاكثر مغناطيسية وجذبا لتستقر وكاٌنْ كرد سوريا يعانون من قصور فكري او عاجزون عن تحديد حقوقهم ورسم سياساتهم وتقرير مصيرهم حتى بغياب السلطة شبه الكامل في المدن الكردية لا بل عاجزون حتى عن ادارة مدنهم وبلداتهم التي تركها النظام في الاشهر الاخيرة وترك فيها فراغا في الادارة والخدمات والتموين... لكن المفارقة هنا ان هذه القيادات الكردية التي نتهمها بالعجز في السياسة والادارة تفوقت بجدارة حتى على مثيلتها السورية في سحب البساط من تحت أقدام قوى التنسيقيات والحراك الشبابي الكردي وكل التنظيمات والهيئات التي رافقت الثورة في بدايتها وأفرغتها من شحنتها المتمردة وهذه المرة على أرضها (سوريا) واستردت منها عنوة راية القيادة !؟ لم نطعن بنوايا "أربيل" ولا بوفاء "قنديل" اطلاقا فرئيس وحكومة الاقليم وكذلك القائمون على الأمر في "قنديل" اخوة أجلاء لم يتوانوا عن تقديم النصح والمعونة والاغاثة لعموم بني جلدتهم في سوريا ولكننا نشكك بامكانيات القيادات الكردية التقليدية بعد ان حيدت قوى الشباب عن قيادة الحراك الجماهيري, وبقدرة مخزونها الفكري على استيعاب مستجدات الوضع الاقليمي والدولي, وتداخل مصالحها على الارض السورية ونشكك كذلك في توفر ارادة العمل الميداني لديها لاتخاذ مواقعها بين الجماهير وايجاد ادارات محلية لمتابعة شؤونها اليومية بعد ان اثبتت التجارب مدى افتقارها لقواعد العمل الجماعي والميداني فالمجالس الكردية المعلنة وهيئتها العليا لم ترتقي – رغم اهميتها – لدرجة الإدارة القادرة على ضبط الايقاع المتسارع والمريب في المدن والبلدات الكردية واللجان المنبثقة عن الهيئة لم يتم تفعيلها في الكثير من المواقع حتى الآن علما ان الهجرة العكسية الطارئة من المدن الكبيرة نحو الريف الكردي اضاف عبئا على الاعباء المكدسة واحتواؤها يتطلب الكثير من الجهود والكثير من الجدية والمسؤولية.
 فاذا كانت السياسة في عرفنا الثقافي المجتمعي ولعقود مضت حكراً على الاحزاب فإنها لم تبقى كذلك في الفضاء الاقليمي والعالمي الراهن وأن "الكردايتي" التي طالما اتخذها القادة والسياسيون هدفا ومنطلقا تبقى فوق كل الاعتبارات وفوق كل الاحزاب وفي ظروف تاريخية معينة كالتي نعيشها اليوم لا بد "للكردايتي" ان تعلن نفيرها العام وتخرج من اطار القواقع ومن تحت مظلة الاحزاب وتنهي احتكارهم لها لتنتقل الى كل المساحات الخضراء والى حضن الجماهير و الى الساحات.
سياسة "النأي بالنفس" الكردية لم تعد ذات صلاحية تذكر و"صورة" الدفاعات الكردية إهتزت بعد دك الأحياء الكردية ومدنهم وتهجير أهلها وفرصة بقاء المناطق الكردية آمنة وخارج دائرة الصراع المسلح تتضاءل يوماً بعد آخر .
 إعلان نفير "الكردايتي" هو بمثابة خط الدفاع الاستراتيجي او المناعة الذاتية فهو تدشين للانفتاح الاجتماعي والفكري والحوار بين المجموعات المنعزلة عن بعضها والتي صنعتها "الحزبايتي" والبدء بالعمل الجماعي والمتكامل الذي من شانه إعادة إنتاج مواقف من وحي الحدث السوري وطبيعة الوجود الكردي و ثقافة وطنية عصرية وصناعة سياسة وهيكلة احزاب ومأسستها وصياغة خطاب مناسب يتوجه به الكرد الى العمق الوطني السوري والى شركاء المستقبل والقوى التي ستنبثق عن مخاضات الثورة السورية - دون شك - والتي ستمسك دفة القيادة وتصبح هي حاكمة البلاد.
 لن تتوقف الثورة السورية عند سقوط السلطة او طاقم الحكم وليس من الإنصاف لها أن تتوقف فالمطلوب هو إسقاط نمط فكر و ثقافة موروثة من عهد الحرب الباردة تقزم الانسان ولم تعد صالحة للقيادة في عالم اليوم .
 احشى ما اخشاه ألا يكون بمقدور الكرد وساستهم التقليديين قراءة المستقبل قراءة صحيحة وألا يتمكنوا من استثمار هذا الظرف الوطني لإحداث ثورتهم الداخلية ضد الذات (ثورة الكردايتي ) و إصلاح مركبهم المتهالك دون أن يغرق في البحر السوري الهائج.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=15498