نظام الدفع الرباعي قسراً نحو النزوح والجنوح
التاريخ: الأحد 24 اذار 2013
الموضوع: اخبار



سفير علي

كلما اتسعت الرؤية في المشهد السوري ، وجالت الأبصار في خباياها وآثارها المدمرة، ضاقت الكلمات وصفاً واستحالت الى كلمات جوفاء لاقيمة لها أمام هول ماحصل ويحصل من كل فج عميق، إذ الصورة أبلغ وصفاً ، والمشهد المأساوي يدمي القلوب ويحبس الأنفاس  والوضع المأساوي للبلاد والعباد قد فاق كل التصورات الممكنة، فكلما أشتد وطيس الحرب وعلا صوت السلاح والنباح كان تعطش الساديون أكثر إلى المزيد من الدماء المراقة، في إفصاح عن نوازعهم الشريرة وتلذذٍ بجلال الألم البشري في دموع الثكالى وبؤس اليتامى والأرامل والمشردين


 وعلى أكوام من الخراب والدمار الهائل كانت تسمى يوماً بيوتاً ومبانٍ سكنية تحولت إلى أطلال مهجورة وسكنها لعنة الشيطان لتصبح أثراً بعد عين في أعنف نوبات جنون هستيرية للأستخدام المفرط والهمجي للأسلحة الثقيلة بأنواعها في البروالبحروالجووالمفارقة إن هذه الأسلحة المستباحة الآن  كانت مخزنة ومجمدة تحت الصفربل ومدللة طوال عقود مضت لأغراض قيل بأنها للممانعة والمقاومة والمواجهة في جبهات نصر حقيقية لاوهمية، فأين هي من هذا الثالوث المقدس في الوقت الذي ظل  أبناء الوطن مخلصين لوفائهم في الزود عن حياض الوطن والحرص والمحافظة على العدة والعتاد بكل أمانة وإخلاص وتفان ، ومن إنها ستوجه يوماً إلى صدور الأعداء خارج شريط الوطن الحدودي، من المتربصين بسورية سوءاً وغدراً، ولكنها أساءت السمت الجغرافي في التقدير والهدف وغدرت بهم شر غدر وخيانة، وإرتدت بفوهاتها وبراميلها المتفجرة من علياء سماءه إلى الداخل في إستباحة للأرض والسماء فتكاً وتدميراً وقتلاً، لتكون حرباً ظلامية (ثانية) بإمتياز، ولكن ضد أبناء شعب كان أعزلاً منذ الأمس القريب .

إنها حرب آثمة تدار بآلات فتك غبية لاتعرف البشر ولا الحجر، و بإيعاذ مباشر من الملك المعظم مؤيداً بعطايا سرمدية، الهية، شعبية، دستورية و(سمها ماشئت) فالقانون يفصل جاهزاً وعلى المقاس تماماً، والإستخفاف بعقول الرعية صفة البقاء والغلو لديه، فله الحق أن يفكر نيابة عنهم، ويقررعنهم، وينفذ بهم وعندما تلتبس عليه الأمور، وترتهن الوقائع الى الحجج فإن الهروب هو المخرج في اللجوء محموماً إلى قاعات التهليل والتصفيق والهتاف بطول البقاء ودوام الفكر والنقاء وسريان السر والسرور وإلى الأبد يا............
 فالأمور إذاً تسير على هذه الشاكلة المنحوسة و بدواعٍ من حجج واهية ومقدمات خاطئة وركائز تسويفية لا قياس لها في علم السياسة، وليس هناك من  رادع ولا وازع ولا جامع لإرادة طيبة، ونية صادقة تنهي هذه المأساة البشعة، وتستقيم إلى جادة الرشد والصواب، وتركن إلى صوت العقل والحكمة والتدبير والنظر في عواقب الأمور ونتائجها وذلك بإيجاد مخرج آمن يقي الشعب السوري المزيد من ويلات الحرب ومآسيها المفجعة ويلبي تطلعات الشعب السوري ويصون حقوقه المشروعة.
وفي تطور لافت للأزمة السورية وتداعياتها المأساوية المزمنة، فقد خيمت بظلالها السوداء لتشمل دول الجوار والمنطقة وما تعانيه أصلاً من جراح لم تلتئم وأورام خبيثة معاندة (تزداد خبثا) ويستوجب إستئصالها من كل بد ، لما لها من دهاليز مظلمة تعشش وتلد بحبال سرية مع الأم الحنون صاحبة العناية والرعاية الفائقة ، فالبعض من هذه الدول نأت بنفسها فناءت تحت وزر التدخلات الفظة، والبعض الآخر أعلنت جهاراً كلتا البيعتين قولاً وفعلاً إرضاءً لولي النعمة وفقيه الأزمة ، وأخرى إستثقلت وإمتنعت بثقلها ولم تستطع حتى الآن أن تخرج رأسها كالنعامة من الرمال المتنقلة التي ستكشف عورتها يوماً.
ويبدو بأنه قد قدر للثورة السورية أن تكون (حصان الطروادة) لثورات الربيع العربي في كونها هي الأعنف على الإطلاق أمداً وأمتداداً وشمولية ، قتلاً وتدميراً وبشتى صنوف الأسلحة الفتاكة التي كان من ضمنها أخيراً وليس آخراً منحة العام الجديد المسمى ال(سكود) أو بالأحرى (السكوت) أو يحرق البلد، ليزداد بذلك رحلة المليون إلى المصير المجهول، ويتسارع وتيرة النزوح الجماعية مع مطلع العام الجديد داخل البلاد وخارجها من اللاجئين والمشردين والمنكوبين وممن تقطعت بهم السبل تتقاذفهم الأحداث جيئة وذهاباً، وجلهم من النساء المفجوعات اللواتي ترملن وفي عهدتهن أطفالاً صغاراً بعمر الورود، ولكنها ذابلة ومحطمة وفقدت الإحساس بالألم والأمل ، في هذا الربيع الذي أبى إلا أن يعيد ديمومته ودورة الحياة من جديد في أبهى صوره وحلله المبهرة ، ويكون أصدق نية من البشر في ظلمهم وجورهم وطغيانهم ليزهر ويخضر من جديد باسطاً ألوانه الطبيعية الخلابة في زهرة نرجس بيضاء وياسمين شامي مخضب بلون دم الشهداء الذين هم على مذبح الحرية قرابين ونذر سخية للكرامة والحرية المنشودة .
ويستمر رحلة تدفق النازحين والمشردين إلى المعابر والمنافذ الحدودية للدول المتاخمة لسورية وهي شاملة للجهات الأربعة حيث يسرعون الخطى محاولين التقاط أنفاسهم في سعي للعمرة والوصول إلى المعبر الميمون، وشبح الشبيحة تلاحقهم ويتراءى لهم الموت في كل مكان، وقد يخيمون طويلاً ويفترشون الأرض بين الأحراش المموهة وفي الكهوف والمغاور المنسية درءاً لغدر الزمان والمكان في إنتظار ساعة الفرج إلى الملاذ الآمن بعد استحالة حتى ايجاد مناطق عازلة وحظر جوي تخفف العبئ والهم والغم عن الدول المستضيفة المستضعفة التي باتت هي الأخرى تستنجد وتهول وتطلب المزيد من العالم و المجتمع الدولي في مؤسساته الخيرية والمدنية والهلالية كي تتدارك وإياها النقص الحاد في المواد الإغاثية والمعونات والإحتياجات الشهرية في أسوأ وأكبر موجات نزوح جماعية تشهدها المنطقة منذ عقود من الزمن فأستحقت وبحق أن تكون مأساة العصر بكل المعايير والمقاييس الإنسانية، ومن (رأى ليس كمن سمع) فعلى إمتداد البصر والبصيرة تتشظى الخيم الكثيرة ، ولكل خيمة قصة وحكاية، شؤون وشجون، عذابات وآهات سيرويها جيل بعد آخر في طقوس وقداديس جنائزية مهيبة، فهنا عائلة أحترقت بكامل أفرادها وأستوت شواءً بلحم آدمي غض، وهنا بدأ طاعون البطالة يفتك بأرباب الأسر المتهالكة أصلأ تحت طائلة الديون المتراكمة عليهم، وهذا صالح وذاك طالح ومحسوب ومنسوب وسيد وعبد و... (ولله في خلقه شؤون) حتى أن هذه (المخيم- مات) قد أصبحت تكنّى بأسماء لا تخلو من الطرفة والسذاجة تعبيرا ًعن الشكوة والشتيمة، وغضب السماء والأرض عليهم ولله الأمر.
أما في (دوميز) وما أدراك ما الدوميز فإن القصة والحكاية والإسطورة تختلف وإن تشابهت الوقائع والأحداث فهنا حكاية شعب آخر مضطهد منذ الأذل بين أنظمة متعاقبة متكالبة، أرتأت أن تختلف في كل شيء وتتفق على القضية الكوردية بطمس هويتها وإفراغها من مقوماتها التاريخية كقضية أرض وشعب وتاريخ، وترفض حتى أن يطلق أسم كردستان على خيمة فيما لو كانت وراء البحار الخمسة، وما أقرب اليوم إلى الأمس البعيد وذاكرة الأيام تعيد نفسها من حلبجة الأبية إلى الأنفال، ومن قامشلو العصية إلى دوميز وما بين الذاكرتين يصدح ثانية صوت شفان برور عالياً (فرمانا- فرمانا) وتلك الجموع الغفيرة الهائمة تزداد حشراً على الخط الفاصل مابين الجنة والنار، وما أن يجد موطأ قدم له حتى يخر ساجداً وهو يشهق شهقته الأولى، ويستنشق طعم الحرية من جديد باسطاً كلتا ذراعيه وهو يحتضن كوردستان لأول مرة ليجد فيها ضالته المنشودة وملاذه الآمن وحلمه الجميل وقد يصل به الحد أن يرسم خريطته المستقبلية وطموحاته وأمانيه الجمة وهو في عجالة من أمره في إنتكاسات أخرى وخيبات أمل متلاحقة، معبراً بذلك عن سيكولوجية الإنسان المقهور وإنكساراته الكامنة في أعماقه، وما أن تتكشف الأمور أكثر فأكثر وتتضح معالم دوميز المأساوية وما فاضت به قسوة الاحوال وضيق الحال في صورة قبائل بدائية متآكلة فيما بينها، وأشلاء مخصية مكدسة في الخيم البيضاء التي تضمر خلاف ما تظهر،وخلائط غير متجانسة مما هب ودب فلا الجار جارٌ ولا الجيران جيرانٌ ولا للمعتكفين جنابُ ،ويصعق المبتلى مذهولا أمام هذه المشاهد القاسية، وينأى بنفسه منطوياً في منولوج داخلي يرثى له، وينقطع خيط الرجاء الواهي ما بين الجنة والنار، فالنار نارٌ والجنة نارٌ، و يهيم شوقاً بالعودة إلى قمقمه الجميل إلى حين قيام كاوى حداد أخر، وقد أدرك بأن الخطب جلل، وأن المأساة أكبر من أن تحتوى بخيم العالم جمعاء، بالرغم من الجهود المضنية،والسخاء اللامحدود من الأخوة الأعزاء في الإقليم المفدى، الذين أدركوا خطورة المرحلة الراهنة عموماً، والمناطق الكوردية خصوصاً وقد أصبحت على المحك تماماً، وقاب قوسين او أدنى من التيبس والهلاك، فمدوا جسور التواصل والمحبة الأخوية عبر أطنان من المساعدات اليومية وقدموا لأخوتهم في المخيمات مالم يقد مه الغير(جملة وتفصيلاً) وأحيو شرايين الحياة في المناطق الكوردية المنكوبة المنهوبة وخاصة في قصة شتاء طويلة توالت فصوله، وقد قالوها مراراً وتكراراً (أنتم أخوتنا، ويربطنا وإياكم مصير مشترك، ونشارككم المعاناة والظروف القاسية) ولما لا فهم الذين أختبروا الظروف جيداً، وذاقوا طعم العلقم في الحروب والإبادات الجماعية، ويعرفون معنى ومرارة اللجوء والإنزياح والإنسلاخ والتشرد والشتات ، ويدركون أيضاً إن بقاء الحال من المحال، وإن الليل الطويل سينجلي، والأنظمة المعتلة ستتهاوى من أصولها عاجلاً أم آجلاً، وأن طريق العودة لهجرة العقول الشابة للكورد الغيارى ، هو السبيل الوحيد للتشبث بالأرض والعرض والعزة والكرامة مهما غلت التضحيات، طال الزمان أوقصر، فنوروز قادم رغم أنف الطغاة، وحلبجة والأنفال وقامشلو ستعيد ذكراها في آذار كل عام، والحكام زائلون زائلون، وتبقى إرادات الشعوب المضطهدة هي المنتصرة دوماً والتاريخ الإنساني حبلى بها
(اللهمّ أحبب إلينا قامشلو الكوردية، كحبنا لكوردستان أو أشد )  .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=15296