الديمقراطية... والنظام العربي ... عرض نقدي من منظور يساري
التاريخ: الأحد 28 كانون الثاني 2007
الموضوع: اخبار


دهام حسن

تزايد الاهتمام في العقود الأخيرة الماضية بمسألة الديمقراطية، ويحتدم اليوم حولها الجدل باطراد، وتتناولها الأقلام بالعرض والتحليل والمعالجة ، واحتلت درجة الأولوية من بين سائر الشعارات النضالية الأخرى على الساحة العربية ، واندار إليها مختلف التيارات السياسية والمنظمات الأخرى؛ وكأنما اكتشفتها من جديد فأخذتها شعارا نضاليا ، تشهرها سلاحا ماضيا في وجه أنظمة القمع والاستبداد والديمقراطية المقننة..
تزايد الاهتمام بالديمقراطية بعد تضافر أسباب عديدة في مقدمتها : التحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة العالمية على مختلف الصعد ،السياسية والاقتصادية والثقافية ، ترافقت مع التقدم العلمي والتكنولوجي وما استتبع ذلك من وعي جماهيري واسع ؛ التغيير والتجديد اللذان مسا بنية الأنظمة الشمولية خاصة

وتشير إحصائية، أنه في غضون عشرين عاما ، مابين عام 1974- 1994، تحولت ستون دولة من أنظمة شمولية إلى نظم ديمقراطية، كما غدا مستهجنا نظام حكم الحزب الواحد ، أو ديمقراطية الحزب الواحد، فبعض هذه الأحزاب في طريقها إلى الأفول ، وبعضها الآخر تنتظر؛ تقول روزا لوكسمبورغ (الحرية التي تمنح لأعضاء حزب واحد مهما كان عدد هؤلاء الأعضاء كبيرا لا تعد حرية ،فالحرية هي دائما لمن يفكر بشكل مختلف). أيضا من الأسباب التي أدت إلى تزايد اهتمام الناس بالديمقراطية،فشل السوفييت من تقديم نموذج جذاب للاشتراكية، أو حتى للديمقراطية ، إخفاق القوى الراديكالية في العالم العربي،من قوميين ويساريين،من توفير الحريات، أو تحقيق التنمية والمساواة الاقتصادية، خيبة أمل الشعوب الحالمة،بالنموذج السوفييتي،وما آل إليه النظام، الانقلاب في رؤى القوى الراديكالية،صاحبة المشاريع النظرية والبرامج الثورية .. فبعد تسلمها للسلطة مالت إلى التفرد والاستبداد ، بتركيز السلطة بأيديها،واتهام المعارضة بشتى النعوت ، النشاط الذي أبدته بعض المنظمات الدولية،الحقوقية، وسواها..وتركيزها على الحريات الأساسية،وفضحها للنظم الاستبدادية، انتشار الفكر الليبرالي ،وتقبل الناس له، لاسيما جانبه السياسي (الديمقراطي)،نجاح بعض النظم ذات التوجه الليبرالي من تحقيق التنمية ، وتوفير الحريات.. فمثلا استطاعت الدول التي عرفت بالنمور الآسيوية، أن ترقى بمجتمعاتها إلى درجة من التطور والتقدم الاجتماعي والثراء المادي،وتوفير مستوى رفيع من المعيشة لشعوبها ، رغم ما عرف عن بعض هذه البلدان بأنها قاحلة، وفقر بعضها الأخرى بالموارد الطبيعية،وسر نجاح تلك الدول يعود لسبب واحد وحيد، هو طبيعة الحكم .وهذا الأمر حط من شأن النظم الشمولية وهي ما عرفت بالنظم (الاشتراكية ، والديمقراطية الثورية) .ومن أسباب اهتمام الناس بالديمقراطية أيضا ، بروز نخبة من المفكرين والمناضلين الذين لم تقيدهم الحلقات التنظيمية الضيقة، هؤلاء لم يألوا جهدا في طرح آراء جريئة،ومناولة الواقع،ومواجهة الأعباء المتزايدة، بخيارات منطلقة من الواقع،ومؤسسة على العقل،وهي في المحصلة عكست رؤى ومصالح الجماهير الغفيرة ، وقد سهلت مهمة هؤلاء المناضلين القنوات الفضائية ، التي غزت وناضلت في كل بيت . وهنا لا يفوتنا التذكير، على الأهمية البالغة التي كان ماركس يعلق على التقدم التكنولوجي ،وكان لا يسعه الفرح لأي اكتشاف جديد ، وكان يركز على أهميته الثورية،وتأثيره في تجديد الفكر ، وتغيير الواقع، فثورية الآلة في فعل التغيير ،لا تقل أهمية عن نشاط الإنسان الثوري ،يقول ماركس : (أيها السادة إن البخار والكهرباء والمغزل الآلي هم ثوريون أكثر خطورة حتى من المواطنين باربيه وراسبال وبلانكي). كما أدركت القوى الشعبية المهمشة ،والتي عاشت حالة الاغتراب،وأقصيت عن التمثيل السياسي،أن هؤلاء الحكام ليسوا سوى بشر مثلهم ، فلماذا هذا العسف والتحكم بالعباد، وحصر السلطة بهم وحدهم ؟ علما أن الطبيعة لم تعط أي إنسان الحق في حكم الآخرين بتعبير ديدرو . وأخيرا نقول.. إن الديمقراطية قد امتحنت كشكل للحكم، مقارنة بالأشكال السابقة لها واللاحقة ، فتبين على محك التجربة ، أن الديمقراطية أفضل أشكال الحكم وما تزال .....

إن الديمقراطية ليست شيئا مجردا معطى ،يمكن تشخيصه أو استيراده وتمثله والاكتفاء به ؛ بل هي تجربة إنسانية، كما أنها كأية ظاهرة اجتماعية ، لا تبقى على حال واحدة ، بل تتطور، وتغتني بمفاهيم جديدة ، وتأخذ أشكالا وصورا عديدة ، لا يمكن تأطيرها،أو ترسيم مداها ؛ يضيق ويتسع هامشها،حسب طبيعة النظم والمجتمعات القائمة، وما تسودها من علاقات ، فإذا كانت هذه اللفظة اليونانية تعني بالأساس ، سلطة الشعب ؛ فهي اليوم لم تعد تقتصر على شكل الحكم فحسب ،بل تجاوزت مدلولها اللغوي،فلا اليوم ولا غدا يمكن حصرها أو قصرها على مجموعة مفاهيم ، فهي كما يراها البعض بصواب،ليس بعمل منجز ،فتظل عرضة للمناقشة ، ولن يفتأ الناس يخلعون عليها مفاهيم أخرى جديدة، فتتحسن وتتطور جراء فعل الناس ، لكن كان من المستحيل قديما أن تتبلور الديمقراطية بمفاهيم اليوم الواسعة ؛ ربما تجلى مظهرها في مجتمع الرق بالتذمر والاسترحام، وشكوى ذليلة من جانب العبيد، أما المساواة، فقد كانت بعيدة عن تفكيرهم،حتى في الخلافة الإسلامية ، كان من المستبعد أن تثمر إرادة العوام عن اختيار الخليفة على أساس انتخابي، أو أن يباح للمعارضة الجهار بالرأي بما فيه نقد سلطة الخليفة ، وهذا ما يعزز رأي من يقولون، إن التراث العربي الإسلامي يفتقر للثقافة الديمقراطية ...

إن الديمقراطية،لم تتبلور بهذا الوضوح من المبادئ والمفاهيم إلا في الغرب الرأسمالي،في عصر التنوير من القرن الثامن عشر، بعد أن اجتازت شعوبه طرقا مضنية من المكابدة والتضحيات الجسام ، خلال حقبة طويلة من صراع ضار، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعقائدية ، استغرق قرونا، وقد تجلى هذا الصراع بين الملكية الإقطاعية والكنيسة من جهة والبرجوازية الفتية وسائر فئات الشعب من جهة أخرى . وفي مرحلة لاحقة ،دار الصراع بين البرجوازية المهيمنة والطبقة العاملة المكافحة . وتمخض عن هذا الصراع شكل من أشكال الديمقراطية ،كخيار للحكم اهتدى إليها العقل البشري.. فهل هذا يعني أن الديمقراطية وفدت إلينا من الغرب .؟ سبق أن قلنا أن الديمقراطية، فبركة يونانية من حيث مدلولها اللغوي، والسياسي أيضا ؛ أما أنها وافدة إلينا من الغرب ،فنقول أن كل تربة يعيش عليها البشر،صالحة لاستنبات هذا اللون أو ذاك من ألوان الديمقراطية،فهي كما يقال بنت ظروفها، وهي إنجاز بشري مبدع، وليست بضاعة تستورد كما يقال . تظهر بأشكال مختلفة،ولابد أن تكون مواكبة إلى حد ما، إلى الطور الذي بلغه شعب البلد المعني، مع ملاحظة أن المجتمعات في عصر التواصل السريع، والتفاعل الثقافي والاجتماعي، تطلع على تجارب بعضها،وتسعى أن تستفيد وتتعلم من هذه التجارب ، ولا يعد هذا المسعى نقلا أو نسخا للتجربة الديمقراطية.. وعلى العموم ، لا يمكن للديمقراطية أن تنهض بهذه المفاهيم المتداولة اليوم ، إلا في المجتمعات المدنية المتحضرة؛لهذا أميل إلى رأي جون ستيوارت مل، من القرن الثامن عشر،من أن تأسيس السلطة الديمقراطية،يتطلب مستوى من التقدم الحضاري..

ثمة من يقولون، نحن مع الديمقراطية،ثم يطرحون هذا السؤال المضلل،ولكن الديمقراطية لمن ؟ . وهؤلاء على الأغلب إما في قمة السلطة،أو مجموعات في الأحزاب اليسارية غير الحاكمة . إن هذا الطرح المخادع،يدل قبل أي شيء ، على لا ديمقراطية قائليها،وفاقد الشيء لا يعطيه ؛ فالفريق الأول ما يخشاه ، هو فقدان السلطة،لأنه فرض نفسه على شعبه بالقوة،واقترح عليه لبوسا من الديمقراطية مؤطرة ومفصلة بمقاييس يزعم أنها أفضل الأشكال، ويلغي بالتالي أي بديل قد يطرح نفسه.. أما في الأحزاب اليسارية غير الحاكمة،فتجد عندها على غرار هذا السلوك والنهج ، فهي لم تمارس الديمقراطية في أحزابها ،اقتداء بالنموذج الشيوعي السوفييتي، حتى تطالب بها الآخرين بحماس..الديمقراطية ينبغي أن تكون للجميع ، وليس من أحد له الحق ، بمنح الديمقراطية لهذا أو حجبها عن ذاك ، غير شعب البلد المعني، فبالديمقراطية تتكشف كل الأوراق ، ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود،وتدرك الجماهير بحسها الوطني والطبقي ، من ذاك الحزب ،أو تلك الجهة التي تعبر بهذا القدر أو ذاك عن تطلعاتها ،أو لا... فتلتف حوله أو تخذله ، وأي تبرير لحجب الديمقراطية،عن البعض، وتحت أية ذريعة كانت،إنما هو خدعة ، وفعل سلبي ، يتيح للقوى المحافظة من البروز والعبور، لأن لها قنواتها باستطاعتها أن تنفذ منها ولديها من الإمكانيات للتأثير، من حيث وضعها الاقتصادي، وارتباطاتها ، ودوما يوجد من يمثلها في السلطة ، وتكاد تكون منتشرة في كل قصبات الدولة ؛ في حين أن القوى اليسارية ، ليس لها غير عملها التنظيمي ، وهو على الأغلب في هذه الحقبة مهلهل ، فتقمع ، أو تسمح لها ببعض الطقوس،والكرنفالات، لكنها تبقى مقيدة في صحافتها،مقيدة في نضالها اليومي،مقيدة حتى في إبراز وجهها المستقل ؛ وربما أفلحت السلطة في إغواء بعضهم ببعض المزايا، وإفساد بعض اللاهثين واحتواؤهم ، بالتالي ؛ كما ما زالت كثير من المفاهيم القديمة تنطلي على بعضهم ؛ فيرفضون بالتالي هذا الشكل من الديمقراطية ، لأنها (ديمقراطية برجوازية) أو (ديمقراطية ليبرالية) ! لأنهم يبغون شكلا من الديمقراطية ، لا صورة لها إلا في مخيلتهم ؛ متناسين أن ماركس نفسه ، اعتبر الديمقراطية البرجوازية رغم نواقصها حقيقة صحيحة، لا يمكن دحضها ، وكان يثمن التجربة الديمقراطية البرجوازية ، ويرى أنه على النظام الاشتراكي الذي سيخلف الرأسمالية، أن يحترم تلك الحقوق ، ويسعى لتطويرها ، وتعميقها ، حيث أن الماركسية استئناف طبيعي وتاريخي للديمقراطية الليبرالية ، لا إلغاء لها ، بل تعد نفيا دياليكتيكيا لها. كما أن إنجلس كان يرى التطابق بين مصالح الشيوعيين والديمقراطية ، فبممارسة الديمقراطية ، يسهل على الطبقات الشعبية التحرك والظهور بحجمها المؤثر، وتعزيز مواقعها ، وهذا يمهد بالتالي لهيمنة المنتجين في مختلف أوجه النشاط الاجتماعي والسياسي ، يقول انجلس إن ( النتيجة الحتمية للديمقراطية ، ستكون السيطرة السياسية للبروليتاريا في سائر البلدان المتحضرة )..
إن الخارطة العربية على اتساعها،وتنوعها ، من حيث أشكال الحكم ، تكاد تلتقي في نقطة واحدة وهي أن جميعها ،لم تستلم السلطة ديمقراطيا ،والمؤسسات القائمة على اختلافها ،لا تعدو كونها تنظيمات شكلية ، تابعة للسلطة ، ومقيدة بمواقفها، وهي تفتقر إلى الدعم الشعبي، والقائمون عليها لا يملكون صلاحيات ، أوتي بهم ليمتثلوا لأوامر ونواهي السلطة ، ويصبحوا بالتالي بيادق بأيدي عناصر السلطة.

إن الجهاز الأمني في غالبية الحكومات العربية ، في تضخم مستمر ، ومنتشر في كل المواقع الاجتماعية لرصد البؤر الاجتماعية المتذمرة ، ولجمها ، وشل قدرة الفاعلين السياسيين ، ومن هنا يتملك الإنسان خوف دائم ، وربما نزوع نحو السلبية وعدم المبالاة ، وميل نحو الخنوع والإذعان والشعور بالاغتراب (فليس من وطن لرجل لا يملك شيئا) كما يقول هولباخ؛ حيث تحصر السلطة في حفنة قليلة تعيش حياة طفيلية على حساب الجماهير المنتجة الكادحة ؛ وما علينا بعد هذا سوى أن نجهر بهذا القول المأثور : ( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ).
من المعلوم أن القوى الراديكالية العربية من قوميين ويساريين ، استطاعت كسب أوسع تأييد شعبي وحشده خلف الشعارات الثورية الطنانة، في فترة السيطرة الاستعمارية، وما بعدها ، لكنها ما أن تسلمت السلطة ، حتى تنكرت لكثير من القيم والمبادئ الديمقراطية والشعارات التي نادت بها ، وتحولت الدولة القومية التي أنشؤوها إلى جهاز للسيطرة والاستبداد (تفترس المجتمع وتتكلم باسمه )بتعبير أحدهم .لقد أخفقت تلك القوى في مهمتين أساسيتين ، توفير الحريات والتنمية . فقد كانت المصلحة الذاتية هي رائد العناصر المتنفذة في تلك القوى ، وقائدها من هنا جاء التنكر للمبادئ ، والنكث بالوعود ، وعدم تقبل الثقافة الديمقراطية . ومن الطريف والغريب والعجيب ،أن النظام السوفيتي أبى إلا أن يسم هؤلاء بالديمقراطيين الثوريين ولا ندرى من أي واقع ،أو من أي قاموس التقطوا هذا المصطلح ،فصدام حسين في نظر هؤلاء ديمقراطي ثوري .علما أن للينين رأيا واضحا ، ومغايرا في هذه المسألة ،ولمثل هذا التوصيف يقول لينين :( فإن كون المرء ديمقراطيا ثوريا – ديمقراطيا – يعني في الواقع مراعاة مصالح أغلبية الشعب لا مصالح الأقلية، وكونه ثوريا يعني تحطيم كل شي ولى زمانه بأشد الحزم وبلا رحمة ) فصدام حسين الذي كان يحرم على شعب العراق مشاهدة القنوات الفضائية . هل كان يثور هذا الشعب ، أو يحبطه ويدفعه نحو الخمول واليأس ،ويعود به إلى القهقرى. ناهيك عن مجازه، المشهود بها أمام الملأ.

إن اليسار العربي في الوطن العربي على العموم ،ومن ضمنه القوى الماركسية بوجه خاص ،مدعو للنضال،دون هوادة على جبهة الديمقراطية ،فالنضال من اجل الديمقراطية ،ينطوي على كثير من القضايا والمفاهيم ،التي يخوض من اجلها الأحزاب والمنظمات ، كل في موقعه ، وأي تهاون في هذا الجانب من قبل اليسار، إنما يحكم على نفسه بالضعف والعزلة, والتخلف عن الركب الذي يغذ السير نحو فضاء الحرية .

إن على القوى اليسار قبل غيرها ، أن تدرك ، وتعتبر أن غياب الديمقراطية في التجربة الاشتراكية السوفياتية من الأسباب التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي، وتوارى حزبه العظيم بقوامه التسعة عشر مليونا من الأعضاء. التجربة السوفييتية ، كانت تفتقر إلى الكثير من عناصر الديمقراطية ، من حرية التعبير والتنظيم ، والحرية الحقيقية في اختيار الحكام .

لقد ارتفع إيقاع المطالبة بالديمقراطية منذ (البيروسترويكا)، ودب حراك سياسي في الوسط الاجتماعي بعد عقود من الخمول القسري،برز هذا الحراك بدينامية جديدة ، واصطفافات جديدة. فتشكل وعي جماعي تمثل بقوة اجتماعية متنامية، أرهبت الحكومات الاستبدادية،تلك القوى التي رأت في الديمقراطية وسيلة للحد من جبروت الدولة ،وحماية لحقوق المواطنين, وسبيلا لخلق المواطنية الحقيقية ، وتعميق التلاحم والوحدة بين مكونات المجتمع المعني،وتعد الديمقراطية أفضل خيار للتواصل والتدامج، بين تعدديات وتنوعه، دون إغفال خصوصية الأقليات الإثنية واللغوية والعقائدية،  ومن الأهمية الاستجابة لتطلعاتها المشروعة..

إن الدولة الديمقراطية تقوم على ركائز عدة،بدونها لا تتحقق الديمقراطية، أو تكون الديمقراطية ناقصة في أحسن توصيف، من هذه الركائز:

أ- احترام الحقوق الأساسية.. فالحقوق الأساسية للمواطنين ،تتمثل في حرية الرأي والتعبير،والجدل الحر،حرية التنظيم والتظاهر والتنقل،حق العمل والتعليم وحق الأمن والحماية والعيش الكريم، الخ... ومن هذه الحقوق ما تتعدى الحقوق الفردية ، فالصحافة مثلا، تفضح المستور، وتساعد المهمشين والمستضعفين على معرفة حقائق الواقع وما لهم من دور، وتأليبهم ضد الأوضاع السائدة، فبهؤلاء جميعا يتكون الرأي العام الذي يتحول إلى قوة ‘ ليرتد صداه بعد ذلك في سراي الدولة قويا مرعبا .!.

ب- المساواة في المواطنة أو المواطنية: المساواة التامة أمام القانون،دون أي تمييز بين المواطنين ، يتمتع الفرد بحريته الشخصية ، من حقه الانتماء إلى أي جماعة سياسية أو ثقافية أو قومية أو دينية ، ولا بد من توافر أجواء مناسبة لممارسة نشاطه السياسي، في مناقشة سياسة الدولة ، والمساهمة في تسيير شؤونها، ومن حقه،الترشيح، والتصويت،والتأسيس لمبدأ تداول السلطة، والمنافسة على الحكم.بحرية والمواطنية، أيضا،تقتضيها الأخلاق،وهي تتجاوز الجنسية،وإن تماهت معها بالشكل ...

ج- الاعتراف بالتنوع والتعدد: النظام الديمقراطي،يقر بالتنوع والتعددية،سواء أكان التعدد في المعتقد أوفي الرأي أو في التطلعات المشروعة . النظام الديمقراطي،يأخذ برأي الأغلبية، ويقر ويحترم حقوق الأقليات، والمنظمات والأحزاب المختلفة؛ والديمقراطية هي السبيل، لتعميق الوحدة الوطنية، والتلاقي، والتدامج،بين تعددية المجتمع وتنوعه، وتحطيم النظام المراتبي. وقد وجدنا كيف أن الاستبداد باتباعه سياسة القهر والتمييز والمراتبية ، يسبب في تشتت مكونات البلد وتشظي أفراده ...

د- العلمنة: إن الديمقراطية، تفضي بالضرورة برأي الكثيرين إلى العلمانية، لأن الحقائق العلمية، هي

التي يأخذ بها الإنسان في آخر مطاف تفكيره،بعد أن تتجاذبه النوازع الوجدانية،والحقيقة العلمية.. ففكرة، دين الدولة ، تنفي التعددية، وتضيق على العقائد والمذاهب وتفرض نمطا من السلوك الأخلاقي، ينافي مبدأ الحرية الشخصية، وهي بهذا تناقض فكرة الديمقراطية.. فالعلمانية في أحد أوجهها، تترجم بفصل الدين عن الدولة؛ أي كما يقال ما لله لله وما لقيصر لقيصر. والعلمانية تحفظ للدين قدره ومكانته وتعطي بالتالي الإنسان حرية التحرك والتفكير والتعبير والاختيار ويغدو المجال رحبا يسع التعددية في المعتقدات والتطلعات...

هـ- الصفة التمثيلية: وهي من أهم ركائز الديمقراطية، وتتمثل بانتخابات حرة ؛ أي اختيار الحكام من قبل المحكومين, بخيار حر وبشكل دوري، ومنتظم ، تشهد مشاركة واسعة من مختلف الطبقات الاجتماعية، لتعطي بالتالي شكلا من أشكال السيادة ، حيث تكون السلطة نتاج المجتمع؛ وهذه السلطة تجدد كما أسلفنا بشكل دوري بانتخابات ديمقراطية حرة وتكون مستجيبة للمطالب الاجتماعية، والمصالح الشعبية، وتنفي بالتالي الأفضلية المتخيلة و المراتبية، والاستثناءات؛ مما تتاح للقوى المتنافسة ديمقراطيا فرص تداول السلطة ...

لا شك أن ركائز الديمقراطية التي أتينا على ذكرها، ومعها ومن ضمنها المفاهيم الأخرى ، لايمكن عزلها عن بعضها ، فهي تتداخل،وتتشابك، وكلها ترمي إلى نقل الإنسان إلى حالة مريحة ...... المحكومون وحدهم هم الذين يعرفون قيمة الديمقراطية ، ويقدرونها وهم وحدهم يقيمونها ، ويسعون لتطويرها وتحسينها ،لأنهم وحدهم يعانون ويشتكون .يقول أحد الإثينييين : الإسكافي يصنع الحذاء لكن منتعله وحده يعرف أين يضايقه .!








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1447