قراءة في الخطاب السياسي للراحل الكبير إسماعيل عمر رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي)
التاريخ: الثلاثاء 16 تشرين الاول 2012
الموضوع: اخبار



شهاب عبدكي

اسماعيل عمر من الشخصيات الوطنية المعروفة بواقعيته وبخطابه الموضوعي في الشأن السياسي , يجمع في شخصه صفات قل نظيرها ، فكان مرناً في تعامله وتناوله لأي حدث ، صبوراً في ردوده وتعليقه  على الاسئلة ، دبلوماسياً في حواراته ، مدركاً لتعدد المكونات السياسية والاجتماعية والقومية والدينية قي سوريا ، له احترام خاص لكل لهذه المكونات ، وذلك بتفاعله وتواصله الدائم معها ، وشغفه في دراسة كل ما يتصل بها ، سواء من الجانب الحقوقي أو السياسي ،


كل هذه الاعتبارات والمعطيات كونت لديه قناعة بأن يكون حاملاً لمشروع سياسي ينسجم مع هذا الواقع ، بعيداً عن التعصب والتطرف  والشعارات غير منسجمة مع الظروف السياسية ،  فاتصف بأنه سياسي معتدل.
ولد أستاذ اسماعيل عمر في قرية قره قوي التابعة لناحية الدرباسية عام1947 ودرس المراحل الاولى من تعليمه في هذه المدينة الصغيرة والتحق بجامعة دمشق وتخرج عام 1969, بعد ان حصل على الاجازة في قسم الجغرافيا ، شارك في حرب تشرين كقائد لسرية برتبة ملازم  ، وعمل مدرساً في مدينة قامشلو حتى استقالته عام 1988.
 انتسب للحزب عام 1963 وتدرج في جميع الهيئات  حتى تم انتخابه عام  1990 سكرتيراً للحزب وانتخب رئيساً عام 2001 ، توفي صباح يوم الاثنين الواقع في18/10/ 2010 اثر نوبة قلبية .
لا يمكن اغفال دوره الريادي في توجيه بوصلة الحركة الكوردية نحو الداخل, بعد أن كانت تتجه رويداً رويداً الى كردستان العراق وكردستان تركيا ، وخاصة العراق التي بدأت تؤثر بشكل مباشر في الحركة الكوردية , مما أدى إلى فقدان الحركة لاستقلالية قرارها السياسي,  وخلقت تساؤلات هل حل  القضية  الكوردية تكمن في بوتقة الشراكة الوطنية ؟  أم يجب التوجه إلى الاشقاء لوضع الحلول، طبعاً الذين عاشوا تلك التجربة يعلمون  ان الحركة كانت تعتمد في نضالها على نشاط الحركة الكوردية في كردستان العراق ، وتقوم بنشر وسرد كل ما يتصل بنضال الاشقاء  لبث الروح وتحريك المشاعر القومية تجاه القضية الكوردية ، مما أثرت على النضال القومي ، وخلقت لدى المعنيين قناعة بأن الحل سوف يأتي  من خلال الحل الكلي لعموم القضية الكوردية ، وليس هناك حل جزئي ، علماً ان البرامج السياسية للحركة  تدعو لحلول جزئية  ضمن توافق وطني .
 ربما هذا التأثير المباشر أدى إلى  التأخير في بناء العلاقة بين الحركة الكوردية والمعارضة الوطنية السورية وصلت لحدود التشكيك المتبادل ، دون فهم لواقع الكورد المقسم بين اربعة  دول ، والجدلية التي تربط الحل الوطني وتأثيرها على النضال القومي في عموم كردستان  ، فكان هناك نقص في هذا الجانب ، وكيفية توظيف هذه المعادلة بحيث يكون  له دور إيجابي  على القضية الكوردية .
 ومنذ تسلمه قيادة الحزب وعبر جريدة روج المنطقية ركز في صفحاتها على دور الكورد في تأسيس الدولة السورية ، وحاجة كل مكونات الشعب السوري إلى التكاتف وقبول بعضهم البعض ، واحترام خصوصياتهم ، سواء كانت قومية أو طائفية بعيداً عن الانكار ،  فهذه المعادلة تعني  لا يمكن اغفال دور الشركاء في سوريا  لحل القضية الكورية وذلك في  العاصمة دمشق  ، وليس في  أي مدينة أخرى لانها عاصمة جميع السوريين ، وكان يردد هذه الكلمات كثيراً في لقاءاته وخطبه ، دلالة وتأكيداً منه على أن الكورد جزء أساسي من الدولة السورية  ولابد من حل توافقي  يرضي جميع الأطراف ،  بعيداً عن الاقصاء والتهميش  ، واعتبره شخصياً صاحب الدور الابرز في ربط البعدين القومي  والوطني  في نضال الحركة الكوردية والتوفيق بينهما .
في منتدى الاتاسي القى كلمة مختصرة ركز فيها على الجانب الوطني وشرح معاناة الكورد جراء الظلم ، وانتقد أداء المعارضة تجاه القضية الكوردية حيث جاء في كلمته مايلي:
( فالقضية الكردية هي قضية وطنية بدون أي شك،لأنها تهم أكثر من مليوني انسان كردي في سوريا، ولذلك فهي  تعني الجميع، وأن المهمة الأساسية لجميع الأطراف الكردية هي إدراجها بين القضايا الوطنية العامة في البلاد التي تتطلب حلولاً عادلة وعاجلة ، ولن يكتب النجاح لهذه المهمة ما لم تنجح هذه الحركة في تعريف الشعب السوري بعدالتها من خلال التواصل مع مختلف الأحزاب والقوى الوطنية والفعاليات الاجتماعية والثقافية، والانخراط في النضال العام الديمقراطي للعمل معاً من أجل إيجاد الحلول للقضايا الوطنية الأخرى. وهذا يستدعي ارتقاء مختلف القوى والنخب العربية والكردية إلى مستوى المسؤولية المطلوبة، لوضع أسس متينة لشراكة وطنية، في سوريا كدولة).
إن اهتمامه بالجانب السياسي للقضية الكوردية وكيفية حلها ضمن توافق وطني لم يكن على حساب مواقفه القومية وعلاقاته الكوردستانية بالعكس تماما فكان يشيد بهذا الجانب كثيراً وهو يعلم أن الكورد ليس لهم سوى وحدتهم في التغلب على المصاعب والتحديات ، إلا أنه كان حذراً في كيفية بناء هذه العلاقات وأن لا تكون على حساب المواقف السياسية للحركة وهذا ما يمكن قراءته في احدى خطبه  حيث بقول :
(ا لعلاقات الاخوية بين الاحزاب الكوردستانية مفيدة وهامة جداً خاصةً في هذه الظروف التي تمر بها الامة الكوردية ، إذا كانت تخدم القضية الكوردية دون وصاية من أي طرف مهما كان حجمه.
نحن نحترم الاشقاء في جميع انحاء كوردستان، فالاخوة يعلمون ان اكراد سوريا قدموا الكثير في سبيل إنجاح ثورات وإنتفاضات شعبية في أجزاء اخرى ، وهمنا اليوم أن تكون العلاقات الكوردستانية علنية شفافة مبنية على أسس واحترام متبادل تضع مصلحة الكورد فوق اي اعتبار) .
وقد حافظ الحزب على توازنه السياسي وعلاقاته الكوردستانية دون تفضيل حزب على آخر وكلنا يعلم عن موقف الحزب فترة الاقتتال الأخوي بين الحزبين الشقيقين في كوردستان العراق ، حين انقسمت الاحزاب الكوردية في سوريا بين مؤيد لاتحاد الوطني ومؤيد للبارتي  ، فبقي الحزب بعيداً عن هذا التقسيم ، ونادى بضرورة الوفاق بين الحزبين ، وكان يردد دائماً في أحاديثه ليس هناك منتصر في هذا القتال  إنما هناك ضرر للقضية الكوردية من هذا القتال ، والخاسر الوحيد في هذا الصراع هم الكورد كقومية  بغض النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه  ، وجراء هذا الموقف الشجاع والمبدئي  أخذ الحزبان موقفاً غير مرضياً من الحزب ومن شخصه بالذات .
بخصوص موقفه من النظام كان من السباقين في تعريف وتوصيف النظام وقد جاء ذلك في البرنامج السياسي للحزب وفي مؤتمره الرابع ، حيث تم وصف النظام بأنه نظام استبدادي متخلف وهي اشارة واضحة  في ذلك المؤتمر بأن الخطاب السياسي للحزب سوف يتغير من المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بالتغير عبر جملة من المقترحات بخصوص الانتخابات والدستور ، وقد يتعرض رفاق الحزب للاعتقال والملاحقة نتيجة هذا الموقف ، وكان يدرك أن النظام السوري بهذه العقلية لا يمكنه أن يقوم بإصلاح سياسي ، وأن اعتماده على الأجهزة الأمنية في تسير أمور البلاد ستؤدي إلى كارثة ، لذا كان من الذين ينادون بالحوار بين المعارضة كي تتحول إلى فاعل سياسي في الساحة السياسية السورية وتقوم بدورها في رفع الوعي الوطني لجميع السوريين وأن يتم ذلك عبر نضال جدي لهذه المعارضة , وزرع الثقة بينها ، ففي إحدى حواراته وبعد تأسيس اعلان دمشق والذي يعتبر بحق نواة للمعارضة ، وكان له دور فعال في تأسيسه ووضع برنامجها السياسي عبر البيان الذي صدر باسم اعلان دمشق  حيث يقول :
(يهدف الإعلان لإقامة نظام وطني ديمقراطي, بعد أن فشلت كل المراهنات المعقودة على وعود السلطة بشأن الإصلاح المنشود وإصرارها على مواصلة النهج التسلطي الشمولي، ودفع البلاد نحو المواجهة مع المجتمع الدولي، نتيجة قراءاتها الخاطئة للتطورات الإقليمية المحيطة, مما تسبب في عزل سوريا وفتح الثغرات أمام الضغوطات الخارجية التي عجزت السلطة عن مواجهتها، ومن هنا جاء إعلان دمشق لحشد وتنظيم طاقات المعارضة الداخلية للتصرف بمسؤولية من أجل استيعاب المعطيات الراهنة ، وعدم ترك مصير الوطن مرهوناً بعاملي النظام و الخارج( .//حوار المتمتدن//
وفي نفس الموضوع عن إعلان دمشق وفي حوار مع احدى المواقع الالكترونية يركز على أهمية الحوار الموضوعي في نقل القضية الكوردية من الدائرة المغلقة إلى دائرة أوسع وأكثر انفتاحاً وذلك بنقل القضية من الدائرة الكوردية إلى الدائرة الوطنية  ، وكيفية اقناع الاخرين بعدالة القضية  فيقول :
( إن إخلاصنا للقضية الكردية لا يقاس فقط بمقدار وحجم التضحية من أجلها, بل كذلك بقدرتنا على إقناع الآخرين بها، لرفع سقف ذلك الحد الأدنى المشترك، وتوسيع دائرة الأصدقاء والأنصار حولها , ومن هنا فإن إعلان دمشق، بما جمعه من طيف واسع، وبالصيغة التي أقرها للقضية الكردية، نقل هذه القضية إلى موقع متقدم، حيث دخلت معه إلى كل محفل وتجمّع وطني سوري في مختلف أنحاء البلاد وخارجها, أي أنها أصبحت قضية وطنية سورية، وأصبح النضال من أجل حلها على أساس ديمقراطي عادل، في إطار مجموع الأفكار والتوجهات التي تضمنها الإعلان، مطلباً وطنياً سورياً عاماً , ويعتبر ذلك مكسباً لا يستهان به لشعبنا الكردي في سوريا..) .
كان له دور مميز في النضال السياسي الذي كرس إسم الحزب في الحياة السياسة في سوريا وأعطى بعداً وطنيا لهذه القضية عندما تم لصق بيان عن وضع الأجانب في محافظة الحسكةعام 1992 وقامت على اثرها الاجهزة الامنية باعتقالات طالت أغلب نشطاء  القيادة المشتركة بين ثلاث أطراف ، حيث تحولت فيما بعد لحزب واحد ، والذي يعتبر تغيراً استراتيجياً في مسيرة الحركة الكوردية النضالية ، وكيفية المطالبة بالحقوق ، حيث أنهى مرحلة الترجي ، وتحول إلى مرحلة  نضالية تعتمد على قوة الشعب وعدالة القضية  من خلال الاستعانة بأساليب سلمية تحرج النظام أمام الرأي العام الوطني والدولي ، حيث جاء في النظام الداخلي للحزب يعتمد الحزب الاساليب السلمية لحل القضية الكوردية وذلك عبر الاحتجاج والاعتصام والتظاهر .
ركز استاذ اسماعيل عمر عند تسلمه رئاسة الحزب بأن التعددية الحزبية لا ضرر منها اذا كانت موضوعية وغير مفرطة ، وإذا كانت تعمل لصالح القضية ، وكان ينبذ المهاترات الحزبية والشخصية ، وارتبط أسمه بالمرجعية الكوردية كرائد لهذه الفكرة والتي تجعل الكورد في هيئة واحدة رغم العدد المفرط من الاحزاب فكان يدعو إلى لم شمل الكورد في اطار تنظيمي يجمعهم ويوحد رؤيتهم  السياسية حيث يقول في إحدى مقالاته وهو يعلق على أحداث 12/3/2004:
(ورغم أن موضوع البحث عن مركز موحد  للقرار الوطني الكردي يعود تاريخه إلى ما بعد أول انشقاق في الساحة الكردية، فإن تلك الأحداث الأليمة التي هزت المجتمع الكردي ككل وأحسته بخطر حقيقي، أبرزت أهمية الاستعداد لمواجهة تطورات غير محسوبة قد تداهمه في أي زمان وأي مكان، وألزمت أطراف الحركة بالعمل تحت إسم مجموع الأحزاب الكردية في سوريا، والذي رغم أنه كان مجرد تجمع لم يجمع بين أطرافه برنامج سياسي، ولم تنظم عملهم آلية تنظيمية، لكنه أعطى في النهاية انطباعا بأن هناك إمكانية لبناء مرجعية كردية منظمة، وبأن الكرد لا يجيدون فقط صنع الانشقاقات ، بل أن بإمكانهم أن يتحدوا أيضا ضمن. إطارات نضالية توحد كلمتهم وطاقاتهم.
ومن هنا بدأ الانطلاق العملي نحو المرجعية التي لا تزال تبقى مطلوبة وممكنة التحقيق، ورغم الفتور الذي يحيط بالجهود الرامية لبنائها الآن، فإنها تظل مشروعا وطنيا لم تكتمل عناصره وشروطه الضرورية بعد، أو أنه خطة عمل لا زالت بحاجة للمزيد من الإنضاج. وفي كل الأحوال، ومهما طال الزمن، فإنها- أي المرجعية-، أو أي إسم آخر يعبر عن هذا الهدف، ستظل بمثابة قدر ينتظر الحراك الكردي، لأنها ضرورة نضالية، وهي إن لم تتحقق اليوم، فإنها ستتحول غدا إلى حقيقة لا مفر منها) //مجلة الحوار60/61//.
وبعيد عن خطابه السياسي كان وفياً لأصدقائه ورفاقه يقف على مسافة واحدة بين الجميع لا يفضل أحداً على أحد يحترم خصوصية رفاقه ويقدر وضعهم ،  لا يبالي بالرسميات يضع نفسه في خدمة الحزب أينما ذهب دون شروط ، ويزور كل أصدقائه ،  وقد بقي وفياً لكل من فارق الحياة قبله وأشاد بكل وطني كوردي ناضل في سبيل حقوق الشعب الكوردي ، ففي منتدى نور الدين ظاظا ألقى كلمة تحدث عن هذا المناضل الكبير حيث قال :
( إن الوفاء لهذا المناضل الكبير الذي ظلم من قبل البعض، وضاع جزء من حقوقه في خضم الصراعات الحزبية التي لا طائل منها، إنما هو وفاء للتنظيم الأم الذي زرع بذور الشعور القومي بين أوساط شعبنا الكردي في سوريا، ووفاء للرواد الأوائل الذين ضحوا بكل شيء من أجل تذليل الصعوبات وفتح الدروب أمام الأجيال اللاحقة في نضالها من أجل وطن حر وشعب عزيز، يكون فيه شعبنا شريكاً في الحقوق مثلما كان كذلك في الواجبات، وهو ما تسعى له الحركة الوطنية الكردية اليوم، والتي لا زالت بصمات الدكتور نورالدين ظاظا ورفاقه تطبع مسيرتها السياسية، التي رغم كونها لا تزال دون الطموحات المطلوبة،  فإنها تتقدم بخطوات واسعة نحو الأمام، مستندة في ذلك إلى تاريخ نضالي عريق، ترك فيه الدكتور ظاظا ورفاقه تراثاً نسترشد به في اتخاذ الدروس والعبر، ومن تلك الدروس، ضرورة البحث عن مرجعية سياسية كردية، تملك حق القرار والتمثيل الكردي وتحويل القضية الكردية من قضية أحزاب فقط لها أجندتها الخاصة إلى قضية شعب يجب المراهنة عليه بمختلف فئاته الاجتماعية وأطيافه السياسية وفعالياته الثقافية ).
هذا هو ابو شيار لا يمكن أن نوفيه حقه في بضعة اسطر أو كلمات  أو سرد تاريخي فهذا الرجل عاش بيننا كصديق وأخ وأب ، نتبادل الاحاديث و كل كلمة ينطق بها كانت عبرة ، لا نبالغ في ذلك ،  بل انها الحقيقة قد نكون عاطفيين تجاهه ولكن الكل يشهد على هذا ،  لقد فرض احترامه بتواضعه بإنسانيته بتواصله المستمر مع محيطه برسائله بزيارته ببساطته  ، وما قدمه للقضية الكوردية هو ملك لهذا الشعب العظيم الذي يعرف كيف يحافظ على نضال وارث هذا الرجل الكبير  .






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=14239