جمهورية مهاباد الكوردية كانت سوفيتية المنشيء، وغربية المزيل
التاريخ: الثلاثاء 23 كانون الثاني 2007
الموضوع: اخبار


محمد محمد ـ ألمانيا

انها كانت أول جمهورية كوردية فتية في العصر الحديث، تم الاعلان عنها من قبل الزعيم الكوردي, وكرئيس لجمهورية مهاباد الكوردية، الشهيد قاضي محمد في 23.01.1946 وفي ساحة جار جرا/ المصابيح الأربعة/، وذلك  بتشجيع وبتأييد أساسيين من الاتحاد السوفيتي السابق. وبمناسبة احياء ذكرى تأسيسها لا بد على الأقل من تقديم عرض متواضع حول ظروف نشأت هذه الجمهورية القصيرة الديمومة، والضيقة الجغرافيا، لكنها كانت وستظل طويلة الأهمية والذكرى، وواسعة الأفق والأمل لدى أجيال الشعب الكوري. فرغم أنها لم تدم سنة كاملة, حتى أصبح اسم مهاباد ذكرا أدبيا تاريخيا بطوليا، وأصبحت أرض مهاباد المدينة والمنطقة مقدسة لدى الكورد الذين تحقق لهم آنذاك جانبا محدودا لرغباتهم وأمنياتهم المشروعة.


ففي آغسطس سنة 1941 توغلت القوات السوفيتية والبريطانية في ايران, بعدما صمم الحلفاء المعادين لألمانيا اثناء الحرب العالمية الثانية، بضرورة تلبية حاجات الجيش السوفيتي بنقل العتاد الأمريكي من الخليج الفارسي وعبر الطرق البرية الايرانية الى بحر قزوين لذلك الجيش,مما أوجد ذلك شروطا مناسبة ومهيئة لانطلاقة جديدة لتحقيق الرغبات القومية للكورد أيضا. وبصدد تعليل نقل المعدات والحاجات العسكرية الغير المعلنة بالممول الأمريكي، الى الجيش السوفيتي المحتاج، كان على زعم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي في موقع الحياد من الحرب العالمية الثانية في السنوات الأولى لها، ولكنها كانت في السر تقدم فعلا العتاد والمساعدات المتنوعة للحلفاء. وبعد انهزام القوات الايرانية أمام ذلك التوغل أضطر الشاه رضا خان بهلوي بالتنازل والقبول باحتلال مناطق التوغل لصالح الحلفاء. ومن ثم أنتقلت الخلافة الى ابنه القاصر محمد رضا, وسعت الحكومة الجديدة الضعيفة على الأغلب الى الحفاظ  بالسيادة على القسم المتبقي من البلاد خارج الاحتلال. وهكذا تمكنت القوات السوفيتية التوغل والسيطرة على الأقليم الآذري الايراني وعلى قسم محدود من الشمال الغربي للأقليم الكوردستاني الايراني حتى منطقة سنندج ومن ثم الانسحاب بعد مدة محدودة منها ثانية, مخلية لنفوذ القوات البريطانية, ولتستقر في شمال مدينة مهاباد، ربما بالاتفاق مع القوات البريطانية أو تلبية لطلبات ومخاوف معينة لتلك القوات، بألا يخضع قسما كبيرا من أقليم كوردستان ايران للنفوذ السوفيتي آنذاك، وبالتالي لكي لا ينتشر النفوذ السوفيتي بين الكورد عندئذا ومستقبلا أيضا بعد انتهاء الحرب، وذلك رغم تحالفهما المستند فقط على معادادة ألمانيا النازية آنذاك. ونظرا لوجود النفوذ البريطاني القوي في العراق والخليج في ذلك الوقت, فقد أصبح معظم مناطق غرب ايران وأقليم كوردستان ايران في كرمانشاه وحتى سنندج خاضعا لنفوذ القوات البريطانية، ولتقوم بايصال العتاد والحاجيات العسكرية الأمريكية اللاذمة من الخليج الى القوات السوفيتية في شمال غرب كوردستان ايران، ومن ثم لتقوم هذه الأخيرة بنقلها الى الاتحاد السوفيتي المحارب مع ألمانيا في الجبهة الشرقية. أي أن كل من القوات البريطانية والسوفيتية أعتمدا على أن يسيطرا بشكل أساسي على الأقليمين الكوردستاني والآذربيجاني الايرانيين لتنفيذ تلك المهمة وغيرها, وليس عبر مناطق ايرانية أخرى, انطلاقا من اعتبارات معينة، منها أن هذين الأقليمين المتتاليين يشكلان طريقا أكثر اختصار بين الخليج والاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك على أساس أن أغلبية سكان الأقليمين هم من الكورد والآذريين المضطهدين من قبل الحكومة الفارسية المركزية، وبالتالي فهم سوف لا يسببون لقوات الحلفاء المحتلة هناك مشاكل كثيرة، بل عى الأغلب سوف يرحبون بتلك القوات أملا في الوصول الى حرياتهم وحقوقهم القومية المشروعة أيضا بوجود ومساعدة تلك القوات المعززة لديهم. وهكذا بعد التفاعل المباشر بين القوات السوفيتية والآذريين الايرانيين، وخصوصا كان يوجد العديد من المختصين والجنود الآذريين السوفيتيين لدى تلك القوات، وما تبين لهم بأن أخوتهم هناك في آذربيجان السوفيتية يتمتعون بالكثير من الحقوق القومية والثقافية والادارية، كممارسة التكلم والتعلم بلغتهم الآذرية الأم، وجود مؤسسات تعليمية واعلامية كالمدارس والجامعات والاذاعة وغير ذلك، الأمر الذي أدى الى تجاوبهم السريع مع مساعي خبراء السوفيت هناك والذين كانوا يدعون ويشجعون كل من الشعبين الآذري والكوردي في مناطق نفوذهم على تنظيم أنفسهم والاتفاق مع بعضهم باعلان جمهوريته الذاتية. أما بخصوص تعامل خبراء السوفيت أولئك مع الكورد فقد كانوا حذرين جدا منهم، ويقال أيضا بأن العديد من وجهاء الكورد المعنين لم يكونوا متحمسين للخطط والنظم الاشتراكية السوفيتية  بالمقارنة مع الآذريين. فيذكر الكاتب الألماني كونتر ديشنر Günther Deschner في كتابه الكورد Die Kurden : كان أولئك الخبراء يعتبرون الكورد كمناصرين وأصدقاء تقليديين للألمان عادة./ طبعا لا أعلم صحة وسبب ذلك/ . حيث اتبعوا خطة دقيقة في سنوات  1941، 1942، ... 1946 ، بحيث لا يعكروا أجواء وأمزجة الكورد مطلقا، بل أصبحوا يتقربون مع وجهاء الكورد السياسيين والاجتماعيين والدينيين هناك بشكل سلس، ويدعوهم على الاتفاق مع بعضهم وتنظيم حزبهم السياسي وكذلك تشجيعهم على اعلان جمهوريتهم الذاتية في منطقة مهاباد أسوة بجمهورية جيرانهم الآذريين الجديدة في ايران.
أما في مناطق  نفوذ البريطانيين في كرمنشاه وسنندج وسقز وبانه, ورغم الكفاح الوطني القوي الذي كان يؤديه القائد الكوردي الآخر حمى رشيد، الذي جاء من جهة كوردستان العراق آنذاك، ومناصروه ضد بقايا الوحدات الفارسية ودحرها، فان البريطانيين وللأسف الشديد لم يهتموا كثيرا كاهتمام السوفيت بالسعي الى ايجاد نوع من الحكم المستقل للشعب الكوردي هناك !!!
وبهذا الصدد كان العديد من أولئك الخبراء السوفيت، أمثال Selim Atakchiov، وهو كان آذربيجاني الأصل من باكو منضما الى البعثة السياسية السوفيتية الى شمال غرب ايران، والضابط الكوردي السوفيتي أسلانوف وزميله مصطفايوف وغيرهم، يتحاورون مع العديد من ممثلي ووجهاء الكورد، سعيا جديا الى ايجاد تعاون بين السوفييت والكورد. كما وقد تلقى حوالي ثلاثين شخصية كوردية ايرانية دعوة زيارة دراسة الى الاتحاد السوفيتي آنذاك. وقد أثمرت تلك الاتصالات الكوردية ـ السوفيتية نتائج أكثر ايجابية خصوصا بعد التحاور مع الشخصية السياسية والقانونية الكوردية المهمة قاضي محمد علي قاضي في مهاباد, ومن ثم زيارته الأولى والثانية الى باكو والالتقاء مع رئيس وزراء آذربيجان السوفيتية جعفر باكروف الذي دعا الى التعاون والصداقة بين السوفيت والكورد والآذريين، ونوه أيضا، على أن الاتحاد السوفيتي يؤيد حقوق الشعوب المضطهدة كالكورد والآذريين, بالاضافة الى دعوته لقاضي محمد بتأسيس الحزب الديموكراتي الكوردستاني على أنقاض كومله زيانه كوردستان. وهكذا كان يتم بازدياد تعزيز المزيد من التفاهم والاتفاق بين تلك الأطراف المعنية معا, بحيث تمت تهيئة الأجواء المناسبة لتأسيس الحزب الديموكراتي الكوردستاني ـ ايران, وليعلن الزعيم والشهيد قاضي محمد رسميا وسط جو احتفالي في 23.01.1946 في ساحة جار جرا ميلاد جمهورية مهاباد الكوردية, وبوجود الضابط القيادي السوفيتي المفوض يرماكوف الذي حضر ذلك التدشين أيضا. ومن ثم ليتم تشكيل بعض الوزارات والمؤسسات المهمة هناك، وينتقل الزعيم والشهيد الآخر ملا مصطفى برزاني الكبير مع عدة آلاف من البشمركة وعوائلهم من كوردستان العراق الى جمهورية مهاباد، بعد حدوث صعوبات كبيرة لاستمرار المقاومة ضد القوات الحكومية العراقية هناك. فيتم تعيين البرزاني الكبير قائدا وجنرالا كبيرا لبيشمركة الجمهورية، بعد أن كان قد تم تعيين أحد أشقاء قاضي محمد وزيرا للدفاع سابقا، أي قبل وصول البرزاني الكبير الى جمهورية مهاباد. في ظل ادارة الجمهورية نشطت الحركة التجارية نسبيا، راديو كوردستان بدأ يبث برامج باللغة الكوردية مدة ست ساعات يوميا، لم تكن توجد رقابة صحفية واعلامية، طبع كتب مدرسية باللغة الكوردية، انشاء جمعيات للنساء وللشبيبة ... وغيرها، أي ان الادارة الكوردية كانت تعمل بنشاط أكثر فأكثر لتنظيم وتأطير مختلف النواحي الاجتماعية،العسكرية والاقتصادية. ولكن كان هناك مؤشرات سلبية تظهر بين فينة وأخرى من جانب الحلفاء الذين وعدوا الحكومة الايرانية المركزية لدى انتهاء الحرب العالمية الثانية باخلاء مناطق نفوذهم المحتلة حتى بداية آذار 1946، في الوقت الذي كانت فيه تتعزز القوات السوفيتية في المناطق الآذرية، والمستشارين السوفيت يدرسون وضع تدريب القوات الكوردية، بينما غادرت القوات الأمريكية ايران في 31.12.1945 ، وكذلك أخلت القوات البريطانية مواقع نفوذها في ايران في 02.03.1946 وغادرتها.
ورغم ذلك فان طلبات ودعوات الحكومة الايرانية الى الجهات السوفيتية الرسمية لم تكن تجد, مثلها مثل التنبيهات والانذارات العاجلة الأمريكية والبريطانية لموسكو للخروج من ايران، أي صدى وتجاوبا لدى موسكو. غير أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا استمروا في مجلس الأمن الحديث بالدفاع عن المطالب الايرانية الداعية الى ضرورة خروج القوات السوفيتية من ايران، وكذلك قدم  كل من أمريا وبريطانيا بمذكرة شديدة الاحتجاج الى موسكو بذلك الخصوص أيضا. وهكذا فقد شعرت موسكو بأنها ستتعرض بسبب ذلك الى العزلة الدولية، لذلك أرادت على الأقل أن تحصل على بعض الامتيازات من الحكومة الايرانية قبل أن تغادر ايران، طالما هي مضطرة للخروج بسبب الضغط الأمريكي ـ البريطاني ـ الفرنسي عليها. فقد تم الاتفاق بين السوفيت وايران على منح حق تنقيب واستثمار النفط لشركة سوفيتية ـ ايرانية في ايران لمدة خمسين عاما. وكذلك الاتفاق على اعطاء بعض المقاعد لحزب توده الشيوعي داخل البرلمان الايراني مستقبلا، هذا بالاضافة الى غيرها من المصالح الأخرى، مم دفع ذلك كله بمغادرة القوات السوفيتية من ايران في  مجرى نوفمبر ـ ديسمبر 1946، وتخل السوفيت عن الدفاع وحماية كل من الجمهورية الآذرية وجمهورية مهاباد الكوردية. وأخير وفي غياب الدعم الدولي، تمكنت الحكومة الايرانية بسهولة القضاء على هاتين الجمهوريتين الفتيتين، واعادة نفوذ السلطة المركزية ثانية الى تلك المناطق الآذرية والكوردية، بعد أن تم استشهاد الزعيم الخالد قاضي محمد وعدد من رفاقه الشهداء الآخرين في نفس ساحة جار جرا على يد السلطات الايرانية الشوفينية.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1423