الصراع على كرد سوريا
التاريخ: الجمعة 27 تموز 2012
الموضوع: اخبار



جان دوست

بعد وصول الثورة السورية إلى منعطف مصيري حاسم، برزت أيضاً ملامح الصراع على كرد سوريا جلية واضحة. ولكي نحدد الأطراف المشاركة في هذا الصراع على النفوذ لا بد لنا أولاً من القول إن ضعف الحركة السياسية الكردية في سوريا وعدم تناغمها مع إيقاع الثورة السورية الصاخب وترهل جسمها السياسي وقياداتها التقليدية وتشتتها وتوزع ولاءاتها السياسية فتح باب هذا الصراع على مصراعيه دون أن يكون للكرد السوريين كلمة فاعلة أو فعل مؤثر على الأرض. فهم قضية مطروحة على طاولة النقاش..وهم الآن بمثابة  الجسد المسجى على سرير العناية المشددة بينما ينتظر الورثة الطامعون في ردهات المشفى نبأ إعلان الوفاة وتقاسم التركة.


إن كرد سوريا الذين شاءت الجغرافيا أن تكون رقعتهم الأقل مساحة وعددهم الأقل نسبة، وشاء التاريخ ألا يخرج من بينهم قائد كاريزمي يجمعهم حوله فباتوا يتغنون بأمجاد قادة من خارج الحدود، إن هؤلاء الكرد يقفون اليوم منتظرين لمن ستكون الغلبة في هذا الصراع عليهم.

تركيا: لا أفق لبسط النفوذ
تركيا الطرف الأكبر حجماً في هذا الصراع تحاول أن تجد لها موطئ قدم ليس في سوريا القادمة وحسب  بل وبين كرد سوريا أيضاً وهي بذلك تسعى ضمن ما تسعى إليه إلى قطع شريان الحياة وتجفيف الخزان البشري الذي يمد عدوها التقليدي وأعني حزب العمال الكردستاني بالكوادر القتالية منذ ثلاثة عقود وإلى الآن. وفي اعتقادي فإنها لن تنجح في مسعاها بسبب العداوة التاريخية ليس بينها وبين حزب العمال الكردستاني بل بينها وبين عموم الشعب الكردي، فهي بالنسبة للكرد كما إسرائيل بالنسبة للعرب منبوذة من أقصى كردستان إلى أقصاها..وبالرغم من محاولات رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ترطيب الأجواء عبر عمليات وخطوات تجميل اعتبرها المراقبون إيجابية من فتح قنوات تلفزيونية باللغة الكردية والسماح المحدود لتطوير الثقافة الكردية إلا أن الكرد في كافة أنحاء كردستان ومنذ عقود طويلة ينظرون بعين الكراهية إلى الدولة التركية التي تحتل القسم الأكبر من كردستان ولا تعترف بوجود الكرد كشعب وتزج بأحراره في السجون والمعتقلات ولها مع الكرد تاريخ طويل من القمع لا يستطيع الكرد نسيانه..ولذلك فلن يكون لتركيا أي نفوذ مستقبلي بين كرد سوريا. وفي اعتقادي فإن تركيا ليست مهتمة بالكرد السوريين إلا من الزاوية التي بسطناها آنفاً أي من زاوية حربها مع حزب العمال الكردستاني..ولولا بعض الأخطاء التي وقع فيها حزب الاتحاد الديمقراطي  خلال الثورة السورية لما كانت تركيا تستطيع الآن أن تهدد وتتوعد بالتدخل لأن هناك حسب زعمها "تركيبة إرهابية" ستنشأ على حدودها!! ومع ذلك فإن كرد سوريا لن يستقبلوا بطبيعة الحال الترك بالورود والرياحين ولا بالدبكة وحلقات الرقص الفولكلوري بل إن النخوة الكردية تتطلب محاربة أي سعي تركي بالتدخل العسكري وعلى كافة الفصائل الكردية أن تتهيأ لملاقاة الغزاة القادمين فالأمر لا يتعلق بحزب الاتحاد الديمقراطي وحده بل بالوجود الكردي ومستقبل المصالح القومية الكردية في سوريا..مهما كان خلافنا مع حزب الاتحاد الديمقراطي كبيرا ومهما كانت تصرفاته، علينا أن ننسى ذلك في غمار غزو تركي محتمل. فالمصلحة القومية العليا تتطلب منا في المرحلة الراهنة نسيان الخلافات والتكاتف لمواجهة الخطر القادم من الشمال. ولعل أحد الأخطاء التي وقع فيها حزب الاتحاد الديمقراطي هو احتكار السلاح لأن ثمرات ذلك الاحتكار مُرَّةٌ للغاية ولن يستطيع المقاتلون الكرد القادمون من هامات جبال كردستان بعددهم القليل لوحدهم مجابهة الآلة العسكرية التركية، وأعتقد أنه آن الأوان لكي يبادر هذا الحزب سريعاً إلى ترميم علاقاته بالشارع الكردي ويبني بينه وبين الناس جسوراً حقيقية من الثقة وليس فقط جسوراً من اتفاقيات تعقدها هنا وهناك. وأعتقد أنه سينجح في ذلك بوجود الإرادة الصادقة.
إن الدعاية التركية الموجهة هذه الأيام تفعل فعلها وتحرض الشارع السوري العربي ليس ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وحده بل ضد الكرد عموماً، وللأسف الشديد فإن هذه الدعاية قوية وفعالة في غياب فعل مضاد من قبل الكرد السوريين حيث الإعلام الهزيل والخطاب البائس الذي لا يجدي أمام هذه الآلة الدعائية التركية حيث تضخ الملايين من الدولارات في سبيل تلميع الوجه التركي وتشوية الكردي.

حزب العمال الكردستاني: نفوذ قديم يتجدد
ماكان حزب العمال الكردستاني ليتحول إلى هذه الورقة الإقليمية الضخمة لولا الكرد السوريون الذين احتضنوا كوادر الحزب وفتحوا أبواب بيوتهم على مصاريعها وتبرعوا للحزب ليس بالمال فقط بل بخيرة شبابهم وشاباتهم واستشهد الكثير منهم- تقارير غير مدعومة بالوثائق تتحدث عن خمسة آلاف شهيد- ومازال آلاف المقاتلين من الكرد السورين بين صفوف مقاتلي هذا الحزب وقياداته العليا..وبطبيعة الحال لا ننسى الدعم الاستخباري واللوجستي والعسكري القوي الذي قدمه النظام السوري على مدى عشرين عاماً للحزب في خضم الحرب الخفية بين الدولتين الجارتين . ولم يكن حزب العمال الكردستاني منذ البدء على علاقة ود مع الأحزاب الكردية في سوريا ودخل في صراع مرير تجلى في سحب البساط من تحت أرجل الأحزاب الكردية المهلهلة العجوز حتى بات التنظيم الأكثر شعبية مستعيناً في ذلك بأهدافه المعلنة في تحرير كردستان وبناء دولة كردية موحدة، تلك الأهداف التي تم التخلي عنها رسمياً فيما بعد.
وبالرغم من إبعاد عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني عن سوريا بسبب التهديدات التركية ثم خطفه في مؤامرة دولية في شباط 1999 فلم ينحسر نفوذ الحزب جماهيرياً إضافة إلى أن الصلات بين النظام السوري وبينه بقيت قائمة حتى نهاية عام 2003.
مع استلام حزب العدالة والتنمية زمام السلطة بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية عام 2002 انتهجت الحكومة الجديدة في أنقرة سياسة المهادنة مع جارتها اللدودة سوريا..ونجحت هذه السياسة في التضييق على أنصار حزب العمال الكردستاني وأصبح الموالون لهذا الحزب أهدافاً لأجهزة المخابرات السورية حيث زجت بالعشرات منهم في السجون وسلمت العديد من كوادر الحزب إلى تركيا وساءت العلاقات كثيراً إلى بداية الثورة السورية حيث انقلب الوضع. وبات بالشكل الذي يعرفه كل المتابعين.
وفي خضم الثورة السورية قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتقديم خدمة فائقة لحزب العمال عبر المظاهرات الاستعراضية التي كان يقوم بها مناصرو الحزب والتي لم يكن لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالأهداف التي قامت لأجلها هذه الثورة..فكان المتظاهرون يرفعون صور أوجلان وينادون بحريته بينما كانت المدن السورية تُدَك بالمدافع والآلاف يسقطون شهداء على مذبح الحرية في بلد ننتمي إليه شئنا أم أبينا. كان المشهد سريالياً في الواقع وغير مفهوم على الإطلاق بل أضر بالحركة السياسية الكردية في سوريا وأساء لصورة الشعب الكردي ككل ..ولم يكتف الحزب بهذا الأمر بل لجأ إلى التضييق على الشعب حتى في الحريات الشخصية فلفت بذلك الأنظار فيما يشبه الدعاية المسلحة وهكذا استعاد حزب العمال الكردستاني بعضاً من نفوذه المفقود. كنا نتمنى أن تكون قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي أكثر حنكة مما هي عليه فلا تؤلب علينا فصائل المعارضة السورية المسلحة عبر معاداتها العلنية للجيش السوري الحر الذي أصبح بالرغم من أخطائه الجسيمة أيقونة للشعب السوري وحسناً فعل صالح مسلم رئيس الحزب في تصريحه الديبلوماسي الأخير المتأخر لصحيفة البيان الإماراتية بأن حزبه لا يعادي الجيش الحر حيث قال بالحرف الواحد: "أما بالنسبة للجيش السوري الحر فهو جزء من الثورة السورية وليس لدينا أي عداء نحوه، بل نحن نقدر دورهم الشريف الذي يقومون به" (لبعض الكتاب من الزعانف أقول: هذا الكلام ليس لجان دوست..بل لصالح مسلم).
http://www.albayan.ae/one-world/interviews-dialogues/2012-07-27-1.1696547
كنا نتمنى على هذا الحزب أن يفصل بين رؤيته الخاصة للموضوع السوري وبين رؤية الحزب الأم أي حزب العمال الكردستاني الذي يجوز له في الشرع السياسي ما لا يجوز لحزب سوري. كما كنا نتمنى على حزب العمال الكردستاني  أن يأخذ بزمام المبادرة ويسعى لجمع الكرد السوريين في مؤتمر وطني عام مبدياً بذلك حرصه على كرد سوريا بشكل عاام وليس فصيلاً بعينه مما أثر في مصداقية كونه حزباً يعامل جميع كرد سوريا نفس المعاملة. وأرجو ألا يضيق صدر قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ولا صدور مناصريه من قول الحقيقة فما أنا إلا متابع للوضع وحريص على مصلحة الشعب الكردي بعيداً عن كل تحيز ومحاباة.

حزب الاتحاد الوطني الكردستاني:
ليس لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني نفوذ كبير لدى كرد سوريا إلا في بؤر ضيقة وهي حزبية لا يعتد بها ولعل جلال الطالباني هو الزعيم الكردي الوحيد الذي لا جماهيرية له بين كرد سوريا وهذه ظاهرة تستحق التوقف عندها. لذلك يبدو أن هذا الحزب ومن زاوية عداوته التقليدية للحزب الديمقراطي الكردستاني يريد مجارة حزب العمال الكردستاني والمشي بموازاته. وهو بذلك ليس له أي مطمح سياسي خاص به ولا يستطيع إيجاد منطقة نفوذ له سوى تلك التقليدية المتمثلة بالحزب الديمقراطي التقدمي والأحزاب الصغرى المنشقة عنه وبعض قوى اليسار.

الحزب الديمقراطي الكردستاني:
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فهو الحزب الذي ينافس حزب العمال الكردستاني في الصراع على كرد سوريا وكسب قلوبهم. وإنصافاً نقول فإن المواقف القومية المشرفة التي يعلنها مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان وحرصه الشديد على كرد سوريا والذي تمثل في جمع الفصائل الكردية تحت سقف حوار وطني ثم التوقيع على اتفاقية هولير التي أنجبت بدورها الهيئة الكردية العليا، إن هذه المواقف قد رفعت من رصيد الحزب الديمقراطي الكردستاني لدى الشارع الكردي في سوريا كثيراً وجعلت شخص مسعود البارزاني القائد الأأكثر شعبية وتأثيراً في كردستان سوريا.
إننا نتمنى أن تبقى الأمور عند هذه الحدود ولا يسعى الحزب في سبيل مصالحه الضيقة إلى البحث عن مناطق نفوذ وسيطرة بين كرد سوريا، بل إن مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني  ما يقوم به رئيس الإقليم من جهود جبارة لجمع كلمة الكرد في هذا الظرف العصيب من تاريخ المنطقة هو الذي سيعمق من نفوذه ويُكسبه جماهيرية كبيرة. أرجو ألا يأخد التنافس على النفوذ شكل صراع خفي سرعان ما سيتجلى في صراع مكشوف في الشارع وسيضر بقضية كرد سوريا قبل غيرهم.

المجلس الوطني السوري:
ليس لدى هذا المجلس رؤية خاصة بالقضية الكردية في سوريا تنصف الكرد وتعيد لهم حقوقهم المسلوبة، وبالرغم من الملحقات الخاصة بالكرد السوريين والتي أضيفت إلى الوثائق التي أقرها هذا المجلس في مؤتمراته العديدة وبالرغم من تسلم الدكتور عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس لأنه بقي حبيس النظرة التي هي خليط من القومية الضيقة والإسلامية والتي لا ترى في القضايا القومية ومشاكل الأقليات سوى مؤامرات خارجية. المجلس الوطني السوري لم يستطع ولن يستطيع كسب قلوب الكرد لأنه غامض وضبابي وغير واضح المعالم. تشاركه في ذلك هيئة التنسيق الوطنية بطبيعة الحال.

الجيش السوري الحر:
يبدو أن هذا الجيش وقع في الفخ التركي مع الأسف وأصبح بدل أن يصوب بنادقه إلى النظام، يبحث عن عدو آخر فلم يجد سوى حزب العمال الكردستاني ليقاتله بالنيابة عن تركيا. وأنا شخصياً لم أقرأ تهدياداته الأخيرة للكرد إلا من زاوية الوقوع تحت تأثير الدعاية التركية ومن المرجو أن تعيد قيادات هذا الجيش قراءة الواقع تحت ضوء مصباح وطني ولا تقع تحت تأثير القوى الخارجية التي لها أجندات خاصة بها وتريد أن تزجه في معارك جانبية هي ليست معاركه على اللإطلاق. إن الجيش السوري الحر والذي له مواقف مقاومة رائعة ضد النظام لا يمكن له أن يكسب ود الشعب الكردي ما لم يتخل عن لونه الطائفي القومي البغيض. فإن الكرد ومهما كانت عداوتهم للنظام لن ينساقوا وراء فصيل لا يعترف بهم شريكاً في مقارعة النظام ولا في بناء الوطن السوري الحر.

للحديث بقية







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=13554