بيكر - هاملتون والقضية الكردية
التاريخ: السبت 16 كانون الأول 2006
الموضوع: اخبار


فؤاد عليكو

لقد صدر تقرير لجنة الكونغرس الأمريكي برئاسة جمبس بيكر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق و هاملتون حول تقييم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص ورغم ما بذل من جهد كبير طيلة تسعة أشهر من الأعداد والدراسات إلا أنها لم تلامس بشكل جوهري جذور القضايا الحساسة في الشرق الأوسط وتحديدا القضية الكردية والقضية الفلسطينية وقضية الإرهاب الأصولي وموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان ,بل جاءت بمجملها في البحث عن آليات لتحقيق المصالح الأمريكية بطريقة براغماتية بحتة دون أي اعتبار لمصالح الآخرين وتحديداً أبناء المنطقة .


وتناست إن تحقيق المصالح الأمريكية فقط دون مراعاة مصالح الآخرين ومعالجة قضاياهم أمر يستحيل تحقيقه وتحقيق أي استقرار في المنطقة مهما فعل المنظرون السياسيون والعسكريون الأمريكيون وسوف يغو صون في وحول الشرق الأوسط ورماله المتحركة أكثر فأكثر ولن يفيد بيكر معازلة القوى المتطرفة شيئاً في آلية الاستقرار مع تجاهل تام للقوى الديمقراطية والمعتدلة . لذلك كان يفترض ببيكر – هاملتون التركيز على القضايا الأساسية في المنطقة والاعتماد على مبادئ العدالة والمساواة والحرية لشعوب المنطقة بدلا من التركيز فقط على المصالح الاقتصادية الأمريكية لان المصالح الأمريكية تمر عبر تركيزها على هذه المبادئ لا عبر تجاهلها .
والقضية الكردستانية هي إحدى القضايا الساخنة والهامة في الشرق الأوسط التي تم تجاهلها من قبل لجنة بيكر – هاملتون ويبدو أنهم تعمدوا تجاهلها بداً من تجاهل اللقاء مع القيادات الكردستانية في العراق الذين يعملون ليل – نهار من اجل استقرار العراق ويتبؤون مواقع قيادية هامة ويساهمون بفعالية في البرلمان العراقي والحكومة العراقية . لما يقدمه القيادة الكردستانية من جهد كثير من اجل استقرار العراق وتقريب وجهات النظر بين الأطراف العراقية المختلفة لما فيه مصلحة الشعب العراقي . كما تناسى بيكر أن القوات الأمريكية لم يتعرضوا لأي آذى على الجبهة الشمالية وان البيشميركة هم الذين قاموا بتحرير المنطقة الشمالية من العراق ( موصل – كركوك) قبل الجيش الأمريكي وان كردستان ونتيجة توفر الأمان والاستقرار أصبح ملاذاً أمنا لقوات التحالف الدولي والشعب العراقي معاً من هجمات الإرهابيين الذين يعيثون فساداً وقتلاً و تدميراً في ارض العراق وبأبشع الوسائل المتوفرة لديهم . ومع كل ذلك يأتي بيكر ليوصي بتأجيل قضية كركوك وموضوع العراق الفدرالي . وذلك بتعليق بعض مواد الدستور التي تتعلق بذلك والسؤال الذي يطرح نفسه هل تعمد بيكر تجاهل القيادات الكردستانية في العراق إرضاء لبعض الجهات العراقية او الخارجية ؟
أم لايزال يعيش أوهام القرن الماضي ومؤامرة ( كسينجر – جروميكو – صدام – ا لشاه 1975) وفي كلا الاحتماليين أخطا بيكر الهدف, والتاريخ لن يعود الى الوراء مطلقاً ولن يستطيع احد تجاهل القضية الكردستانية باجزاءها الأربعة سواءً من القوى الدولية أو الإقليمية وذلك لعدة اعتبارات أساسية منها :
1- إن القضية الكردية في الشرق الأوسط تعتبر من أهم قضايا المنطقة بامتياز لأنها قضية شعب يعيش على أرضه كردستان والتي تبلغ مساحتها /500 ألف كم2/ ويعيش عليها حوالي /50مليون/ نسمة وتعتبر أهم بقعة جغرافية من حيث الثروة النفطية وثروات أخرى ومناخ معتدل . وموزعة بين أربعة دول في منطقة الشرق الأوسط ( تركيا – عراق – إيران – سوريا ) إضافة الى وجود جالية كردية كبيرة في أوربا ولبنان وإسرائيل والأردن وهذا ما هو غير متوفر لأية قضية من قضايا الشرق الأوسط .
2- الشعب الكردي أصبح يملك قيادات مجربة وتمتلك من الحنكة السياسية والدبلوماسية ما يؤهلها من كشف اللعب والمؤامرات الدولية والإقليمية بسهولة ولا يستطيع احد أن يفكر او يتجاهل الدور الرائد الذي يقوم به الرئيس جلال طالباني والأخ مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان و السيد كوسرت رسول نائب رايس الاقليم و والسيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق والدكتور بهرم صالح نائب رئس وزراء ورايس وزراء الاقليم السيد نيجرفان برزاني ليس على صعيد العراق فحسب بل على الصعيد الإقليمي والدولي أيضا . واظهروا بامتياز أنهم رجال دولة من الطراز الأول . وغيرهم كثيرون فالشعب الكردي شعب يحب الحرية والعدالة والمساواة وتواق الى تحقيقها ومهما بلغ الثمن من التضحيات .
3- الشعب الكردي شعب متماسك ومتضامن في اللحظات الحرجة التي يتعرض لها أي جزء من الأجزاء الأربعة ولا نعتقد إن بيكر نسي تضامن الشعب الكردستاني جميعاً مع انتفاضة كردستان العراق 1991 وأثناء اعتقال عبد الله أوجلان /1999/ وانتفاضة الشعب الكردي في كردستان سوريا /2004/ وكيف كان /50/ مليون كردي يتضامنون معاً من اجل الدفاع عن إخوانهم في المحطات الحرجة ناهيك عن مظاهرات الجالية الكردية في أوربا ولبنان . لذلك على القوى الدولية والإقليمية أن تنطلق من هذه الحقيقة وذلك بان أي طمس أو تجاهل لحقوق الشعب الكردي في هذه المرحلة سوف لن يجدوا استقرارا في هذه المنطقة مهما استخدموا من قوة وبطش فالشعب الكردستاني يمللك القدرة والإرادة على تقديم تضحيات لاتقدر من اجل الدفاع عن حقوقه وكرامته ولم يجنب الأخ مسعود البر زاني الصواب حين قال ( إن من يفكر بالتعدي على شعبنا سوف نجعل كردستان مقابر لهم ) . وإذا كان الشعب الفلسطيني في غزة يقاوم اعتى قوة عسكرية في المنطقة بوسائله البدائية وتضطر إسرائيل الى الانسحاب منها مرغما ً وتدمير مستوطناته . ومساحة قطاع غزة لا تتجاوز مساحة منطقة القامشلي . فهل الشعب الكردي اقل شجاعة وقوة من الشعب الفلسطيني أم إن البعض أمثال بيكر يحاول استغلال طيبة الكرد ونهجهم السلمي وسيلة للقفز على حقوقهم أرضاء للآخرين .
4- إن كردستان تعيش على مخزون نفطي هائل ولا يمكن استثمار هذا المخزون دون وجود مناخ استثماري آمن . لذلك من مصلحة أمريكا والغرب والدول الإقليمية أن تؤمن هذا المناخ الاستثماري الآمن ولن يتم ذلك إلا بإيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في الأجزاء الأربعة وواهم من يستطيع القول غير ذلك . وإذا كانت المنطقة الكردستانية تنعم بالهدوء النسبي الآن فمرد ذلك إن الشعب الكردستاني يعطي الفرصة للتجربة الكردستانية في العراق ونأمل أن تصبح مثالا يقتضى به الأنظمة الأخرى التي تقسم كردستان لإسقاط تلك التجربة في دولهم وحل القضية الكردية لديها بأسلوب الحوار الديمقراطي السلمي البناء و السليم , فكيف والحال هذه اذا تم التآمر وفشلت التجربة . هل يتوقع بيكر او غيره ان يبقى الشعب الكردستاني متفرجين على هؤلاء وهم يهضمون حقوقه ويستثمرون خيراته وينتهكون كرامته ولماذا لا يعتقد بيكر وغيرهم من إن يتحول 50 مليون كردي الى 50 مليون قنبلة بشرية اذا ما تم تجاهل قضية الشعب الكردي اعتقد انه الغباء السياسي بعينه سواء كان ذلك من بيكر أو هاملتون أو القوى الإقليمية .
لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة هل تستثمر القوى السياسية في كردستان العراق عمقها الكردستاني كما يجب ؟
نعتقد إن الجواب سلبياً حتى الآن. فالقيادة الكردستانية العراقية تمارس حتى الآن سياسة الابتعاد عن القضية الكردية في الأجزاء الأخرى أملا منها في كسب ود الدول الإقليمية وتحديداً الدول التي تقتسم كردستان على أمل أن تعاملها بالمثل بعدم التدخل في شؤونها الداخلية . والتجربة العملية لإقليم كردستان العراق منذ /1992/ أثبتت فشل هذه السياسة فالقوى الإقليمية لم تترك كردستان العراق وشانها في يوم من الأيام وتتدخل في كل شاردة وواردة وتحيك المؤامرة تلو الأخرى لإجهاض التجربة الفدرالية وتستخدم كل أجندتها السياسية الإقليمية والدولية من اجل ذلك ناهيك عن تجنيدها لمجموعات عرقية موالية لها ( تركمان ....مثلاً) للعمل على وأد التجربة الفدرالية والقيادة الكردستانية في العراق تعرف هذه الحقائق جيداً أكثر منا ومع ذلك لازالت تمارس لعبة الملاكم الضعيف الذي يضع يديه على وجهه لدرء ضربات الخصم على وجهه لا أكثر . بدلا من اللعب في الحلبة واستغلال نقاط ضعف الخصم واستثمارها لصالحه فالعمق الكردستاني مخزون استراتيجي كبير ودعم لوجستي لا حدود له ويفترض بالقيادة الكردستانية اذا ما أرادت أن تكون لاعباً قويا في اللعبة السياسية الشرق أوسطية والدولية أن تعيد النظر بمجمل سياستها السابقة وتستفيد من هذا العمق الاستراتيجي الكردستاني الضامن وأن تلوح بها في وجه الدول الإقليمية ووجه بيكر وغيره وفي وجهة كل من يحاول الاقتراب من الموضوع الكردي بشكل سلبي ولن يتحقق لها ذلك إلا بالبدء بإتباع خطوات جدية في هذا المجال وذلك من خلال :
1ً- الدعوة لعقد مؤتمر قومي كردستاني يشمل كافة القوى السياسية الكردستانية في الأجزاء الأربعة في العاصمة اربيل ودون استثناء احد من القوى السياسية الكردستانية مهما كانت أوجه التباين بينها . على أن ينبثق من هنا المؤتمر تشكيل مجلس قومي كردستاني يعمل وفق ميثاق عمل كردستاني يشخص القضية الكردية في كل جزء بموضوعية ومراعاة خصوصية كل طرف ومن ثم يبنى على هذا التشخيص المطالبة بالحقوق القومية فيها وأن يتم الدفاع عن هذه الحقوق علناً وفي وسائل الإعلام ولدى القوى الإقليمية والمحافل الدولية دون تردد ودون مراعاة للدول الإقليمية
2ً- الدعوة لعقد مؤتمر للجالية الكردستانية في الشتات والمهجر ( أوربا – أمريكا – كندا ...... الخ ) تشارك فيه كافة التنظيمات السياسية والشخصيات الكردية المؤثرة على الساحة الدولية بغية تأطير جهود الجالية والتنسيق فيما بينها في كل دولة والعمل وفق خطة عمل مشترك لتعريف الرأي العام الدولي بالقضية الكردستانية وعدالتها ..
وبدون تحقيق هذا العمل تبقى كردستان عرضة للإهمال والتجاهل وساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية . وتبقى القيادة الكردستانية لاعبا ضعيفا وتمارس حركة النعامة في السياسة الإقليمية والدولية التي تعالج قضايا الشرق الأوسط . ويبقى بيكر وامثالة ينظرون إلى الكرد والقضية الكردية كورقة يستخدمونها حين اللزوم ويرمونها حين اللزوم أيضا ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة .......

* عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1247