قراءة نقدية في مشروع - حازم نهار -
التاريخ: الأربعاء 11 نيسان 2012
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

 طرح الكاتب السياسي السوري السيد – حازم نهار – منذ أيام مشروعا مقترحا للنقاش تحت عنوان " الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية " أثار انتباه قطاع واسع من المثقفين المعنيين بالشأن الكردي السوري لما تميز بلغة ومفردات جديدة وعمق في تناول احدى أهم وأعقد القضايا الوطنية السورية التي تنتظر الحل منذ عقود وستشكل احدى مواضيع الساعة في مرحلة مابعد الاستبداد واختبارا حقيقيا للعهد الديموقراطي المنتظر مما تلقي مسؤولية بحثها ومناقشتها من الآن على عاتق الوطنيين السوريين المنخرطين في الثورة والعاملين على نصرتها كجزء من الجهود الفكرية والثقافية المبذولة للتحضير لبلوغ سوريا الجديدة حاملين المشاريع والبرامج التي تؤسس قواعد ومبادىء الدولة التعددية المنشودة بنظامها السياسي الديموقراطي ودستورها الحديث


 ومن هذا المنطلق أرى لزاما علينا المشاركة في كل ما يطرح للحوار حول مختلف المسائل المتعلقة بالقضية السورية العامة ومن ضمنها الحالة الكردية بغية التوصل الى أمثل الحلول التوافقية حولها ومايتعلق الأمر بهذه " الوثيقة " أرى التالي :

 أولا – للوهلة الأولى يتراءى للقارىء أن " الوثيقة الوطنية " كما سميت تقتصرعلى تناول مسألة الكرد السوريين وتحدد أسس معالجتها بصورة شفافة ومفصلة في حين توجهت أكثر صوب آفاق أوسع وغرقت في العموميات والمبادىء النظرية الشاملة وهي فائق الأهمية ولكنها لاتأتي بجديد عندما تؤكد على أن " القضية الكردية في العموم هي قضية قومية، تماماً كقضية القومية العربية .. أو أن الأكراد يحملون مقومات جماعة متماسكة ومقومات شعب، ومن حق هذا الشعب أن يستكمل مقومات وجوده القومي كأمة، وأن يكون له كيان قائم بذاته ووطن أسوة بغيره من الشعوب .. أو  القضية الكردية هي واحدة من المسائل المعقدة في العالم، فهي تتناول من ناحية الحقوق القومية لشعب متواجد كأقليات قومية موزعة في خمس دول متاخمة لبعضها وبينها حدود دولية فاصلة، وهي في الوقت ذاته تحمل تطلعات شعب يطمح إلى أن يكون أمة بين الأمم وأن يكون له كيانه القومي المستقل بين الكيانات القومية في العالم... " .
 ثانيا – وفي مجال العلاقات العربية الكردية وضروراتها لاتضيف الوثيقة جديدا بل تؤكد على "  لا يمكن للمشروع العربي الوحدوي أن يتقدم في منطقة يتداخل فيها الأرض والبشر دون الأخذ في الاعتبار الأهداف الوطنية الكوردية المشروعة. كما لا يمكن للمشروع القومي الكردي، إذا ما أعطيناه أبعاده كمشروع تحرر وطني ووحدة شعب وأرض، أن يسير نحو الأمام دون أن يتلاقى ويتعاون مع الأهداف والمطامح العربية الوحدوية .. " .
 ثالثا – وحول سبل حل القضية الكردية – عامة – تضع الوثيقة باللائمة وبصورة متساوية على " الأحزاب العربية والكردية " وتعتبر أن أطروحات الجانبين مغلفة بالآيديولوجيا وبالتالي لايمكن حل المسألة أيديولوجيا من دون أن تشرح الوثيقة مواقف حزب البعث الحاكم في سوريا والذي كان حاكما بالعراق مثلا الذي انتهج طريق التعريب بالحزام والحرمان من حق المواطنة والابادة وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطق الأكراد وتهجيرهم واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضدهم في حين كان ومازال شعار الحركة القومية الكردية بكل مكوناتها الديموقراطية والاصلاح والتغيير والحلول الوطنية رغم كل مآخذنا على أداء ودور وأهلية غالبية الأحزاب الكردية السورية في المرحلة الراهنة .
 رابعا – وفي سياق " حل القضية الكردية " عامة  تمضي الوثيقة في الصيغ العمومية " فإن حل القضية الكردية كقضية قومية عامة ليس مرتبطاً بسورية وحدها ولا بالعرب كلهم .. ، فهي مسألة لم تبدأ من سورية ولا تنتهي عند سورية، ولا هي بين الأكراد والعرب وحدهم، بل هي تمتد للعلاقات مع دول وشعوب غيرهما، وخاصة تركيا وإيران وروسيا، وهي ترتطم بالنظام الدولي القائم ذاته وتوازناته الاستراتيجية واستقطاباته الكبرى وتحالفاته... ، إذ لن يكتسب حق تقرير المصير الأهمية اللازمة في أي بلد ما لم تعالج قضية الشعب الكردي بكامله، وليس في دولة واحدة من الدول التي يتواجد فيها " في هذه الفقرة نجد بعض الغموض الى درجة التناقض ونوعا من التهرب من الاستحقاقات فاذا اعتبرنا القضية الكردية في سوريا جزء لايتجزأ من مسألة التطور الوطني الديموقراطي فلماذا عزلها واستثناؤها ورميها على الآخرين ؟ وهل نحن بصدد حل شرق أوسطي أو عالمي للقضية الكردية وكيف ؟ أو ليست البلدان العربية المستقلة انتزعت حق تقرير المصير فرادى وفي أزمان متباعدة من دون انتظار نزع هذا الاستحقاق كأمة واحدة – من المحيط الى الخليج - وفي وقت واحد ؟ .
 خامسا – أما بشأن " حل القضية الكردية في سوريا " والتي تقترب منها الوثيقة من دون البت فيها في آخرها "  إن معالجة قضية الأكراد في سورية محكومة بجميع الحيثيات التي وردت، ولا سيما باستقرار حدود سورية كدولة في النظام الدولي، وبجملة التوازنات الإقليمية والدولية.
• سورية وحدها لا تستطيع حمل عبء المسألة الكردية في كليتها القومية، إنها لا تستطيعه إلا في سياق نهوض قومي عربي، وإلا وضعت وجودها ذاته في مهب العواصف .. " منذ أكثر من قرن والكرد يسمعون مثل هذه التبريرات فقد وعدهم العثمانييون بأن مجرد تحقيق استقرار الامبراطورية سيتم حل قضيتهم في الاطار الاسلامي وأقسم لهم الاسلامييون بأغلظ الايمان بأن انبثاق دولة الخلافة كفيل بحل قضيتهم وبشرهم الشيوعييون بأن بزوغ فجر الاشتراكية كفيل بمنحهم حق تقرير المصير والآن ونحن في بداية القرن الجديد يتكرم كاتب الوثيقة بتأجيل حل قضيتنا لحين حصول " نهوض قومي عربي " وبودنا التساؤل مااذا كان حل القضية الكردية في العراق على أساس ارادة الكرد في الفدرالية قد تم في ظل النهوض القومي العربي أم في ظل الاجتياح الامبريالي الأمريكي واسقاط الدكتاتورية وبارادة عراقية توافقية ضمن العملية السياسية الديموقراطية العامة ؟ .
 سادسا – تضمنت الوثيقة شرحا لطبيعة وأهداف الثورة السورية والدولة السورية القادمة مابعد الاستبداد والنظام الديموقراطي والمواطنة لتتوقف على جملة من الاستخلاصات مثل " هدف الثورة هو التغيير البنيوي الشامل، وهو الذي لا يعني إسقاط النظام وحسب، بل وتفكيك بنية الدولة الشمولية وإعادة بنائها عبر تأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن المساواة بين المواطنين من جهة، والمساواة بين القوميات من جهة أخرى... الدولة السورية دولة متعددة القوميات, وسوريا المستقبل هي لكل السوريين على نحو متساو وعادل دون تفاوت أو تفاضل، والانتماء لسورية هو القاسم المشترك بين السوريين, وليس هناك سوري أكثر سوريّة أو أقل من سواه
 أمام الدولة السورية هناك شعب سوري، ومواطن سوري... • الدستور السوري: دستور سورية المستقبل هو دستور ديمقراطي يقر أن الدّولة السورية هي دولة متعدّدة القوميّات، والكورد هم ثاني أكبر قومية، ويعترف بحقوق الجماعات القوميّة الأخرى كـالكلدوآشوريين وغيرهم، كما يقر بالتساوي التامّ بين جميع القوميات في المكانة والدور، وفي الحقوقِ والواجبات... • المبدأ الجوهري في الديمقراطية هو المساواة السياسية بين الأفراد على أساس المواطنة... . المواطنة المتساوية هي شرطٌ سياسي وتاريخي لكمال الدّولة السورية ونضجها، ومقدمة لشرعيتِها واستمرارها، وتجسيدها لوحدة إرادة السوريين جميعاً..." وهكذا تمضي الوثيقة  بتأكيد المبادىء والحقائق والاعتراف بالوجود الكردي وبتعددية الدولة السورية وهي مبادىء تنم عن بعد نظر وطني وتشكل منطلقات متقدمة لابد من أدائها قبل تحقيق برامج وسبل الحل الواضح والصريح والمفصل التي نأى الكاتب بنفسه عنها .
 سابعا – تستبعد الوثيقة أية حلول عملية لقضية الأكراد السوريين حتى مابعد الاستبداد وتخلو حتى من مقترحات بهذا الشأن " الحل الإجرائي المناسب في اللحظة السياسية الراهنة هو توسيع نطاق الحكم المحلي في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً، والعمل على إلغاء جميع السياسات والمراسيم والإجراءات التمييزية المطبقة بحق المواطنين ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعلان القطيعة مع الإجراءات العنصريّة والسياسات الإنكارية تجاه الكورد وقضيّتهم، واستعادة عمومية الدولة وإعادة بناء الثقافة والهوية الوطنيتين على أسس ديمقراطية، وإعادة إنتاج مبدأ المواطنة في العلاقات الاجتماعية والسياسية " .
 نجح كاتب الوثيقة في عرضه المبدئي النظري العام حول الكرد وقضيتهم في المنطقة ولكنه أخفق في تشخيص القضية الكردية في سوريا بتاريخيتها كون الكرد من السكان الأصليين يقيمون على موطنهم الذي تعرض للتجزئة من دون ارادتهم منذ اتفاقية سايكس – بيكو  وموضوعيتها باعتبارها قضية وطنية لاتتجزأ من الحياة السياسية العامة ومسألة قومية لها خصوصيتها الدستورية والحقوقية والادارية ومشروعيتها كمسألة شعب يرنو الى الحرية والخلاص من الاضطهاد والاقصاء ومن التمثلية القومية وسبل حلها في الاطار الوطني الديموقراطي وبان العجز بوضوح في التعامل الواقعي مع الموضوع تارة بوضعه ضمن مسؤولية الاقليم والعالم وأخرى بترحيله الى عالم المجهول خاصة بعد غياب أي برنامج لمعالجته على الصعيد العملي .
 نتفق مع الكاتب بقوة على أن الثورة السورية الوطنية الديموقراطية ستعمل على تفكيك سلطة الاستبداد وسيعيد الشعب السوري بناء دولته التعددية وسينجز حل القضية الكردية حسب عقد سياسي اجتماعي جديد ونضيف : على قاعدة الشراكة وحسب ارادة الكرد وضمن خيارات عديدة (الادارة المحلية - الحكم الذاتي – الفدرالية) في مناخ ديموقراطي حر في تقرير مصيرهم الاداري والقومي في اطار سوريا الواحدة الموحدة وبضمانة دستورية وقانونية تشمل أيضا حقوق ومطالب المكونات الأخرى القومية منها أو الدينية والمذهبية من كلدو- آشور وتركمان وأرمن مع ضمانات لحماية وحرية العقيدة للغالبية السنية والعلويين والدروز والمسيحيين والأزيديين على قدم المساواة   .
  رغم كل المآخذ والملاحظات أسجل لكاتب الوثيقة ابداعه النظري العميق حول الاحاطة بالموضوع الكردي في اطاره العام وتخطيه بعض الحواجز التي تعد بنظر الأوساط الشوفينية خطوطا حمراء وأجد في مادته الكثير من الثراء النظري وأعتبرها فاتحة سليمة لحوار عربي كردي سوري جديد بالعمق وبكل صراحة ووضوح تفرضه متطلبات انتصار ثورتنا وشروط وحدتنا الوطنية واعادة بناء دولتنا المشتركة وآفاق مستقبل أجيالنا .






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12372