ـ والله لو كنتَ عمّ حرمتي، السيّدة الثالثة، لكانت صورتك لا تفارق تلك الوسائل. ها ها ها
° قصدكم، السيّدة الأولى؟
ـ العمى في عيونكن، العمى. بدأتم بتخريب الاقتصاد منذ لحظة تسلم مهامكم؟
° أعوذ بالله، سيّدي. ماذا رأيتم مني؟
ـ كيف هذا، وأنت لا تعرف أنّ والدتنا، قدّس سرّها، هيَ السيّدة الأولى؛ وأنّ شقيقتنا، العقيد الركن، هيَ السيّدة الثانية؟؟
° اغفروا لي هذه الهفوة، أرجوكم..
ـ نحن نغفر الذنوب، جميعاً، لأولئك المؤمنين، الورعين، الذين يسجدون يومياً أمام صور سيادتنا.
° وأنا منهم، سيّدي. حتى أنني عندما كنت أصوم، لم يطب لي الإفطار إلا على صوت فضيلة الشيخ المفتي العام؛ وهوَ يسبّح بحمدكم و..
ـ وأنا، أيضاً، من شدّة ورعي فإنني أحطتُ نفسي بثلاثة من الأشهر الحرم: " رجب " طيّب أردوغان، وبثينة " شعبان "، وسعيد " رمضان " البوطي. ها ها ها
° وهل علاقتكم بالسيّد أردوغان، المتوترة، قد عادت لصفائها؟
ـ كنت أتمنى لو أنّ تعكّر علاقاتنا ليست سوى سحابة انتخابات، عابرة.
° ربما يقتنع بمسيرتنا الإصلاحية إذا تسنى له الإطلاع على دستورنا، الجديد؟
ـ الإصلاحية والحسمية. نعم. بالمناسبة، أين مشروع الدستور الجديد، الذي وضعته لجنة من الخبراء الأمنيين.. أقصد، الخبراء القانونيين ؟
° إنه داخل هذا الملف، وأصلاً كنتُ أتشرف بحضوري لمكتبكم من أجل عرضه.
ـ هم م م. دعني، الآن، ألقي نظرة خاطفة على مواده... الباب الأول.. الباب الثاني.. الباب الثالث.. ماهذا؟؟
° خير، سيّدي، هل ثمة مواد لم تنل رضاكم؟
ـ المواد رائعة، ولكنّ الأبواب كثيرة بالنسبة لهذه البناية؛ التي اسمها " دستور ".
° إنه في الصياغة الأولى، بعد. ولا تنسوا أنه منقول، حرفياً تقريباً، عن الدستور السويسري.
ـ عال. وسيصبح خرابة، عاجلاً، عندما يتمّ تطبيقه على الأرض من قبل الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية والشبيحة.
° أفهمُ من كلامكم، سيّدي الرئيس، بأنكم موافقون على هذا الدستور، المقترح؟
ـ بكل تأكيد. فهل سويسرا، مثلاً، تفرق عننا في حقوق الحيوان.. أقصد، حقوق الإنسان ؟؟
° معاذ الله.
ـ ولكنني أصارحك، بقلقي من تكرار كلمة " حرية " في مواد الدستور.
° لمَ، سيّدي؟
ـ أخشى أن يقرأ أحد المسؤولين هذه النسخة من الدستور، المقترح، أمام أعضاء مجلس الشعب، فيقوم الحراس بالتهجم عليه ضرباً بأخمص بنادقهم وركلاً ببصاطيرهم وهم يصرخون: " هاي مشان الحرية "..
° سنتدبّر الأمر، لكي لا تحصل هكذا مفاجآت غير سارة.
ـ عظيم. والآن، خذ هذه النسخة من الدستور، المقترح، واقرأ بصوت عال محتواها حتى نناقشها معاً، بما أننا أصبحنا دولة ديمقراطية مدنية تعددية.
° نعم، سيّدي: " دولة ذات سيادة تامة، ولا يجوز التخلي عن أي جزء من أراضيها ".
ـ ذات سيادة، تامة؛ باستثناء سيادتنا على محافظة الجولان وتخلينا عن لواء اسكندرون، من أجل مصلحة عائلتنا، الملكية.
° " السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة أو حزب ادعاؤها "..
ـ طبعاً باستثناء سيادتي وجماعتي المختارة وبس.
° " تقوم السيادة على مبدأ حكم الشعب بالشعب "..
ـ حكم الشَعْب بالشِعَب الأمنية والحزبية..
° " الحرية والعدالة جوهر بناء المجتمع السوري "..
ـ الحراميـــة والعمالـــة جوهر بناء النظام السوري.
° " تعمل الدولة على إنشاء عاصمة إدارية لها "..
ـ رائع. وستكون قريتنا، القـــرداحة، هيَ العاصمة المقبلة؛ لكي لا تخرج علينا الفضائيات، المتآمرة، بحكاية انتفاضة العاصمة دمشق ضد نظامنا المقاوم الممانع.
° " تكفل الدولة الحرية والأمن والطمأنينة والمساواة والكرامة وتكافؤ الفرص لكلّ مواطنيها "..
ـ كلّن، كلّن ؟؟
° هل لديكم، سيدي، رأي آخر؟
ـ أنا أرى أن تعدّل الصيغة، كما يلي: " تكفل الدولة أجهزة الأمن لمعظــــم مواطنيها "؛ ما رأيك، ولاه ؟
° أمركم، سيّدي. وأقترح أن نؤجل قراءة بقية المواد، حتى لا يرتفع ضغطكم أكثر.
ـ إن هذا الدستور، يا فهمان، هوَ مثل الكلمات المتقاطعة.. أي لقتـــــل الوقت.
° طبعاً، ولا ريب. ولكن ثمة مواد تقول، أن حرية الفرد مقدسة وكرامته مقدسة؛ أنه لا يجوز تحري أي فرد أو تعذيبه أو الحط من كرامته أو اقتحام منزله وتفتيشه أو..
ـ الفرد أم القرد ؟؟
° الفرد وليسَ القرد، سيّدي.
ـ آه..
° كما أنّ للسجين الحق في التظلم والرعاية الصحية واستلام المطبوعات ورؤية الفضائيات وخدمات التدفئة والتهوية ولا يجوز حبسه في زنزانة انفرادية و..
ـ وقد طبقنا ذلك، كما أذكر، منذ رمضان العام المنصرم؛ باجتياح السجون وإبادة المعتقلين في زنزاناتهم.
° أنتم تكرمونهم، سيّدي؛ لأنّ الشهداء ـ كما يقول والدكم الخالد ـ هم أكرم من في الدنيا.
ـ قناة الدنيا؟؟
° أعني.. أقصد..
ـ مفهوم، مفهوم. أكمل، ولكن باختصار شديد. لأنّ لديّ اجتماع مع قادتي في الجيش، لبحث عمليات اجتياح مدن ومناطق أخرى.
° لقد وصلنا، في قراءتنا لمواد الدستور الجديد، إلى الجيش: " فهو حامي الوطن وسيادته واستقلاله، وتنحصر مهمته في ذلك ويلتزم ثكناته ومواقع انتشاره في خارج المدن والتجمعات السكنية، إلا في حالات الحرب والطواريء "..
ـ حالة الطواريء، وا عيني، قد ألغيناها. ثم استعضنا عنها بحالة الحرب على البلد كله، باستثناء قريتنا الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
° وحدة حرية اشتراكية.
ـ لسّه فاكر..
° إنه شعار حزبنا، القائد.
ـ القائد حتى بعد إعداد هذا الدستور، السويسري؟
° الشعار باق، وكذلك حزبنا العظيم. أما هذا الدستور، وتلك القوانين، فهي للاستهلاك الخارجي كما تعلمون.
ـ والله أنك عاقل، ولستَ حماراً.
° سيّدي، هذه شهادة أعتز بها.
ـ ولكن ماذا يقول دستورنا، المقترح، عن السلطات التشريعية والتنفيذية؟
° سننتقل إلى الباب الثاني، ومنه نعلم أنّ مجلس الشعب صار اسمه مجلس الشعب..
ـ وما الفرق بين هذا وذاك؟
° فرق كبير، سيّدي. فمجلس الشعب في نظامنا الممانع يعادل مجلس النواب الأمريكي.
ـ والله. كنت اعتقد أن المجلس ذاك، الأمريكي، بيقرب الشاعر العراقي مظفر النواب. ها ها ها
° بالمناسبة، سيّدي.. لماذا لا نعتقل هذا الشاعر؛ الذي وَصَف والدكم، قبل حوالي أربعين عاماً، بـ " ديّوس الشام " ؟
ـ الشام أم القرداحة؟؟
° كلاهما..
ـ ها؟؟
° أعني، أن القائد الخالد كان جديراً بحكم بلدنا، مثلما أنتم جديرون بحكم العالم.
ـ على كلّ حال، اكتب لي تقريراً بهذا الشأن. أما الآن، فعجّل عليّ بالمادة الخاصة برئيس الجمهورية الملكية، الوراثية؛ لكي أضمن سلاسة وشفافية انتقال السلطة لوليّ عهدنا.. طبعاً بعد عمر طويـــــــــــل