سوريا مابعد «الفشل الأممي»
التاريخ: الأحد 05 شباط 2012
الموضوع: اخبار



هوشنك بروكا

فشلَ مجلس الأمن، أمس، للمرة الثانية، في اتخاذ قرارٍ يدين النظام السوري على ما يرتكبه من قتلٍ وحشي بحق المدنيين العزّل، منذ حوالي 11 شهراً.
على الرغم من تعديل مشروع القرار العربي الغربي، الذي تقدّمت به المملكة المغربية، أربع مرات، وتقديم الجامعة العربية بإعتبارها صاحبة المشروع، مع أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تنازلات كثيرة، وإلغائها للكثير من البنود الجوهرية فيه، لا سيما تلك المتعلقة ب"لاءات" روسيا الثلاث، إلا أنّ القرار لم يُمرّر، بسبب استخدام الفيتو المزدوج من جهة روسيا والصين، اللتان اعترضتا على مشروع القرار.


الإتحاد الروسي، اعترض على القرار بحجة أنه "يدعو الى تغيير النظام، ويشجع المعارضة على السعي للسيطرة على السلطة، ويوجه رسالة غير متوازنة الى الطرفين"، مؤكداً انه "لم يكن يعكس واقع الوضع في سوريا". أما الصين فبررت اعتراضها على القرار، لكي "تمنع حدوث المزيد من الإضطرابات والخسائر" و"تجنّب هذا البلد من المزيد من سفك الدماء"، على حدّ قولها.
كان من الممكن بالطبع لهذا التبرير/ الذنب ألاّ يكون "أقبح من الجريمة"، فيما لو استطاع الفيتو الأول الذي مضى عليه حوالي أربعة أشهر، واستخدم للغرض ذاته، وفي القضية ذاتها، لمنع القتل المنظّم ذاته، تجنيب سوريا وأهلها بالفعل من آلة قتل النظام.
فلا نار الفيتو الأول كان على السوريين برداً وسلاماً، ولا الثاني سيكون كذلك.
روسيا والصين تعلمان قبل غيرهما، حق المعرفة وعينها أيضاً، بأنّ الفيتو الأول قد "غوّل" النظام السوري أكثر، وشجّعه على ارتكاب المزيد من القتل، والمزيد من الحلّ الأمني العسكري، بدلاً من البحث عن حلول سياسية ممكنة، ما أدى إلى تضاعف كبير في أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين، بشكلٍ فظيع.
أعداد القتلى ارتفعت من حوالي 3000(قبل أربعة أشهر) إلى أكثر من 6500، والمعتقلين من حوالي خمسين ألفاً إلى أكثر من 100 ألف معتقل.
فشلُ مجلس الأمن في اتخاذ قرار بشأن الأزمة السورية، التي تذهب يوماً إثر يوم، من سيءٍ إلى أسوأ، ومن مجزرةٍ إلى أخرى، يعني سقوط سوريا في أكثر من مجهولٍ.
فشله في "إنقاذ" سوريا، للمرّة الثانية، يعني ترك باب الأزمة السورية مفتوحاً، أمام كلّ الإحتمالات، لعلّ أسوأها الحرب الأهلية التي ستكون لها أبعاداً إقليمية خطيرة.
"إقفال" مجلس الأمن أمام سوريا، ب"شمع" الفيتو الروسي/ الصيني، يعني البحث عن بدائل أخرى خارج مجلس الأمن.
أكثر من مندوب لأكثر من دولة في مجلس الأمن(أميركا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) لمّح إلى ضرورة بذل جهود أكثر، للبحث عن حلول أخرى للأزمة السورية، عبر قنوات أخرى.
ردّ فرنسا على الفيتو الروسي/ الصيني، جاء سريعاً. بعض هذا الرّد، يمكن قراءته في تأكيد الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي على أنّ "فرنسا لن تيأس"، واقتراحه على شركائه العرب والأوروبيين إنشاء "مجموعة أصدقاء سوريا"، على غرار ما جرى في ليبيا العام الماضي، حيث تمّ تشكيل ما سميت ب"مجموعة إتصال" خاصة بليبيا، لوضع خارطة طريق سياسية مدعومة من الأطراف الدولية لإسقاط نظام معمّر القذافي.
الأرجح أنّ أميركا والأوروبيين إلى جانب العرب وتركيا، سيبحثون خارج مجلس الأمن، عن حلول أخرى ممكنة للخروج بسوريا من أزمتها. 
لكنّ التدخل العسكري المباشر، ليس مطروحاً حتى الآن، على جدول أعمال "الأصدقاء القادمين" لسوريا. قد يتجه هؤلاء "الأصدقاء" إلى جانب فرض المزيد من العقوبات الإقتصادية والسياسية والديبلوماسية(كما فعلت تونس بسحبها أمس إعترافها بالقيادة السورية)، لإنشاء مناطق عازلة آمنة لحماية اللاجئين السوريين، على طول الحدود السورية مع تركيا.
هذا السيناريو الوارد إن حصل، سيعني تحوّل الثورة السورية من "ثورة مدنية" إلى "ثورة مسلحة" بكلّ ما تعني هذه الكلمة من معنى. أيّ أنّ "الجيش السوري الحرّ"، لن يبقى جيشاً في حالة الدفاع عن النفس، كما يُقال، وإنما سيتحّول إلى "جيش للثورة" يدخل في معركة مصيرية(وجود أو لاوجود) مع "جيش النظام".
كلّ المؤشرات، سواء على مستوى بعض "أصدقاء سوريا"، أو على مستوى المعارضة الممثلة بالمجلس الوطني السوري، تشير إلى "ضرورة" تسليح المزيد من الثورة، وتقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجستي والمالي والسياسي ل"الجيش السوري الحرّ"، لإسقاط هذا النظام.
إذن، المعركة القادمة، بين النظام والشعب في سوريا، لن تكون معركة "شعارات ضد دبابات"، كما أرادت لها الجماهير المنتفضة منذ حوالي 11 شهراً، أن تكون، وإنما ستكون معركة "عسكر ضد عسكر"، و"سلاح ضد سلاح"، و"جيش ضد جيش"، ما يعني دخول سوريا في الحرب الأهلية من أوسع أوبوابها، خصوصاً إذا ما وضعنا في الإعتبار طبيعة المجتمع السوري المتعدد القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، هذا ناهيك عن صناعة النظام نفسه ل"الطائفية والطائفية المضادة"، و"القومية والقومية المضادة"، واشتغاله طيلة أكثر من 40 عاماً، على كلّ هذه المتناقضات، لضرب كلّ الشعب بكلّه.
وسط وضعٍ معقدٍ ومتشابكٍ كهذا، يبدو أنّ السوريين، لسوء حظهم وسوء ربيعهم، لا زال أمامهم الكثير من الدم والدم المضاد.
عليه، فإنّ فشل مجلس الأمن في سوريا، يعني الترخيص للمزيد من القتل والقتل المضاد، وغسل الدم بالدم، بدلاً من غسل الدم بالماء.
فشل مجلس الأمن، يعني "نجاح" روسيا والصين، و الأسد من ورائهما، في ضرب السلم والأمن الأهليين، ليس في سوريا فحسب وإنما في المنطقة برمتها.
فشل مجلس الأمن، يعني سقوط الأمن في فخ اللاأمن، والضعفاء الأبرياء في فخاخ مصالح الأقوياء، وسقوط سوريا في حربٍ الآخرين "بالوكالة"، لا طائل منها.
أن يفشل مجلس الأمن، يعني أنّ السلام سقط، مقابل صعود الحرب.
فشل مجلس الأمن، هو "فشل أممي" بإمتياز، فيه أكثر من رسالة تطمين لأكثر من ديكتاتور، في أن يذهب إلى المزيد من الديكتاتورية، لقمع المزيد من الشعب، وقتل المزيد من الحرية، ما يعني قتل المزيد من العالم والحقوق العالمية.
فشل مجلس الأمن، هو "فشلٌ إنساني" بإمتياز؛ يشهد على "سقوط" الإنسان في نقيضه، والعقل في الغريزة، والمجتمع في الغابة.
فشل مجلس الأمن، يعني فشل الإنسان، في أن يكون "كائناً سياسياً"، أو "كائناً مدنياً"، كما تنبأ به أرسطوطاليس، ما يعني سقوطه في ذاته، بإعتباره "كائناً ضد كونه"، أو "عدواً طبيعياً ضد طبيعته"، كما قال توماس هوبز، ذات فلسفةٍ.
فشل مجلس الأمن، هو فشلٌ لكلّ العالم في أن يكون عالماً.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11579