الحركة الكردية وحالة الركود المزمنة
التاريخ: الأربعاء 29 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار


بقلم: الدكتور عبد الحكيم بشار

لقد احترت أية تسمية أطلقها على واقع الحركة الكردية والحالة التي تعيشها ، هل هي حالة سكون ؟ سكون مطلق ؟ أم ركود ؟ حسب المفهوم العلمي فإن جميع الكائنات الحية تعيش حالة حركة مستمرة ، بل إن الحركة هي الشرط الأساسي للحياة بما في ذلك النباتات وحتى الصخور تعيش حالة تفاعل داخلي بين مكوناتها وبنائها الداخلي ، لذلك فإن إطلاق صفة السكون المطلق على الحركة – رغم أنها تبدو كذلك ظاهرياً – إلا أنها ليست دقيقة علمية ، لذلك أطلقت عليها صفة الركود والتي لا تظهر فيها أي حركة بادية للعين

وإن الركود يطلق على جميع البنى السياسية والاقتصادية والثقافية التي توقفت عن التطور والتي إذا استمرت فإنها تهدد بالانهيار ، وإن هذه الصفة أو حالة الركود تعيشها الحركة منذ عقود من الزمن رغم بعض النشاط الخارجي الشكلي والذي لا يعكر صفو هذا الركود ، إلا أن حركات انفعالية شاذة تتجلى على شكل انشقاق في هذا الفصيل أو ذاك تؤدي إلى نوع من الحركة الشاذة تخلق نزاعات في الهيئات الحزبية يضطر كل طرف إلى التحرك السريع لملء هذه الفراغات بشكل غير مدروس للوصول إلى حالة الركود مرة ثانية مترافقاً مع بعض الانكماش الذي يعتبر بذاته نوعاً من الحركة السلبية ( الحركة إلى الوراء ) .
ولكي لا يأخذ حديثنا أو مقالنا طابع العموميات فإنني سأتطرق إلى بعض البنى الأساسية للفصائل الكردية لتوضيح هذا الركود وهي :
1- البنى التنظيمية : تعيش البنى التنظيمية ( الهيكلية التنظيمية ) للحركة الكردية ركوداً تاماً منذ عقدين من الزمن دون أي تغيير فيه فالهيئات العليا الشخص الأول للحزب   ( رئيس الحزب – الأمين العام – السكرتير ) وكذلك المكتب السياسي واللجنة المركزية ، وكذلك اللجان المنطقية والفرعية لم يطالها أي تغيير حقيقي خلال عقدين من الزمن ، فبقي كل شخص في مكانه وفي هيئته ، وإذا كان ثمة تغييرات قد حصلت فقد جاءت نتيجة الانشقاق في هذا الفصيل أو ذاك مما اضطر كل طرف إلى تعبئة الشواغر لديه في الهيئات دون أي مساس بالهيئات ذاتها أو مساس بأعضائها وأن الحركة التي حصلت أو التغيير الذي طرأ لم يكن بفعل تطور نوعي لدى الحزب ليدب النشاط والحركة في هيئاته وليخلق المنافسة المعتمدة على الكفاءات والمؤهلات بين أعضائه ، وإنما كانت عملية اضطرارية لملء الشواغر والتي تتوقف تماماً حتى يحصل انشقاق آخر ، وأعتقد أن أعضاء اللجان المركزية للأحزاب الكردية يبلغ ( 150 – 180 ) عضواً وكذلك المكاتب السياسية يبلغ ( 60 – 80 ) عضواً ، بقي معظمهم أو ( 99% منهم في مكانه ) إذا كان التغيير قد حصل بنسبة أقل من 1% لمدة خمس سنوات وهي المدة الفاصلة بين مؤتمرين فهذا لا يعتبر تغييراً أو تطوراً وإنما لأسباب تتعلق بالمؤتمرات ، إذن يمكن القول إن جميع الهيئات الحزبية من الفرع وحتى السكرتير تعيش حالة ركود شبه مطلق تتخلله حركات انشطارية شاذة غير تطورية تؤدي إلى مزيد من الانكماش والركود مما يخلق حاجزاً كبيراً وعاملاً اساسياً من عوامل كبح التطور التنظيمي ومثبطاً لعوامل الإبداع والتأهيل ولا جماً للمنافسة الحقيقية في الهيئات الحزبية .
2- البنى الإعلامية : رغم أن البنى الإعلامية للحركة الكردية هي غير جديرة بالوقوف عليها ومناقشتها وتقييمها لأنها شبه غائبة ودورها شبه معدوم إذا ما قورنت بالإعلام ( ليس العالمي ) وإنما بإعلام مضطهدي شعبنا إذا ما تم تقييمه ليتوفر فيه الحد الأدنى الذي يجب أن يتوفر في أي وسيلة يمكن اعتمادها  كجزء من الإعلام ولو كان متواضعاً بعكس الإعلام الكردي المستقل والذي يشهد تطوراً ملحوظاً خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة إذا ما قورن بالإعلام الحزبي حيث تشهد الساحة الكردية العديد من المواقع الألكترونية المستقلة والتي تزداد يوماً بعد يوم سواء لجهة حيويتها وفعاليتها وتغطيتها للأخبار ومواكبتها النسبية للأحداث وتجددها المستمر او سواء لجهة الكتاب والمثقفين المشاركين فيها أو لجهة المواضيع المتنوعة التي يتم التطرق إليها إذا ما قورن بالإعلام الحزبي ، هذا الإعلام ( أعني الحزبي ) رغم ضعفه الشديد سواء لجهة عدد الصفحات الشهرية ( ثماني صفحات شهرياً ) أو لجهة المواضيع التي يتم التطرق إليها ، وإن أضعف نقطة فيها هو غياب أي نفس ديمقراطي في الإعلام الكردي بشكل مطلق حيث تخضع هذه الصفحات المعدودة إلى رقابة شديدة وصارمة ولا أعتقد أنها موجودة في أي بقعة من بقاع الأرض سوى عند بعض النظم الاستبدادية التي باتت معدودة ومحدودة ، وإذا كان البعض يتحجح أن الحركة تعيش ظروفاً خاصة فإنني أقول إن هذه الظروف الخاصة هي من صنع مسؤولي الحركة وإنها ستستمر طالما استمر غياب الديمقراطية ( وهي نفس الحجج التي تتحجح بها الأنظمة الاستبدادية وتسميها ظروفاً خاصة ) وهنا لا بد أن استشهد بظاهرة ديمقراطية فريدة في المنطقة والتي أقيمت في كردستان العراق وحتى قبل توحيد الإدارتين وعندما كانت هناك حالة حرب شنها pkk على الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق عام 1995 فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعلن حالة الطوارئ رغم ظروف الحرب ورغم التدخلات الإقليمية المتعددة ورغم مشروعية حالة الطوارئ في هذه الحالات إلا أن الرئيس مسعود بارزاني ومن إدراكه لحقيقة أن الديمقراطية هي القوة الحقيقية للشعب والحزب فقد آثر الديمقراطية رغم الظروف الأمنية الصعبة والمعقدة التي مر بها الإقليم والتي كانت جميعها تدفع الأمور باتجاه تطبيق الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ والتي رفضها رفضاً قاطعاً ، وإذا كان هناك زوايا حرة في بعض الجرائد الكردية فهذه الزوايا أيضاً تخدم سياسة الجريدة ولا يمكن نشر مادة تناقض سياسة الحزب والجريدة ، ولكن أغرب شيء في الحركة الكردية هو التناقض الجوهري بين الاسم وبين الممارسة والفعل ونمط التفكير وأسلوب العمل ، فالاسم ( ديمقراطي ) ؟؟! لجميع الأحزاب الكردية تقريباً ، أما السلوك والممارسة ونمط التفكير فقد أوضحناه في البنى التنظيمية والإعلامية ولا داعي لتكرارها فقط أن نذكر هنا ( أن لا تغيير في أعضاء الهيئات مدى الحياة أو حصول انشقاق ؟؟؟ هذه هي القاعدة الأساسية للعمل والممارسة .
3- قضايا النقد : هناك ثلاث محرمات في الحركة الكردية في سوريا لا يجوز المساس بها باي شكل من الأشكال وخاصة بالنسبة للشخص الأول في الحزب وأعضاء المكتب السياسي وبعض أعضاء اللجنة المركزية وهي :
1-  النقد – النقد الذاتي – الخطأ أو أخطاء القيادة رغم أن النقد والنقد الذاتي موجودان في أدبيات ومناهج وبرامج وجداول أعمال كل الهيئات الحزبية إلا أن وجودها يشبه اسم الحزب ( الحزب الديمقراطي … دون وجود ديمقراطية حقيقية ) أي أنها مجردة من أي معنى وإنما تتلى دون ممارسة ، فخلال عمري الحزبي عامة والذي قضيته في القيادة خاصة لم تسجل حالة واحدة من الشخص الأول أو المكتب السياسي بشكل خاص ( وهم أهم قيادات الحزب ) واللجنة المركزية عامة لم تسجل حالة واحدة أن تم قبول النقد بحق الهيئة المعينة أو الشخص المعين وتم تسجيله في سجلات القيادة ونفس الشيء بالنسبة للنقد الذاتي ، وكذلك بالنسبة للأخطاء خاصة أخطاء القيادة فلم تسجل حالة واحدة ان أقرت قيادة الحزب بأنها ارتكبت الخطأ الفلاني سياسياً وإعلامياً … فجميع مواقفها وسياساتها صائبة ؟؟؟ لنقبل هنا أن جميع قيادات الحركة الكردية هم من نوابغ وكبار مفكري الكون أليسوا بشراً ؟؟؟ طالما أنهم بشر فلا بد أنهم أخطأوا في موقف ما … مهما امتلكوا من العلم والمعرفة والذكاء والنبوغ … أنا أتحدى أن يكون في سجلات اجتماعات اللجنة المركزية لأي حزب كردي خلال عقدين من الزمن أن يكون هناك تسجيل لحالة واحدة من النقد بحق القيادات المهمة أو هناك نقد ذاتي مهم أو هناك مراجعة حقيقية لمجمل سياسات الحزب والإقرار ولو في محطة واحدة أو موقف واحد مسجل بأن الحزب قد أخطأ في القضية ( الفلانية ) ويجب إعادة النظر فيها .
إن الحركة الكردية بهذا الأسلوب من العمل تتحول بالتدريج إلى جثة هامدة فاقدة للروح ، وإن إعادة إحياء الروح فيها تتطلب بعض الخطوات الديمقراطية الحقيقية وهذه الخطوات ( تختصر كما تطرق إليه المقال ) :
أولاً – في البنى التنظيمية : إن جعل الحزب في حالة حراك تنظيمي دائم ومتفاعل بشكل إيجابي وخلق أجواء تنافسية قاعدتها الأساسية الكفاءة والمؤهلات التي تتناسب مع المرحلة يجب إعادة النظر في البنى التنظيمية بشكل عام وتحديد سقف زمني لإشغال أي مركز حزبي ( أي تحديد سقف زمني لمنصب الشخص الأول وللمكتب السياسي ولأعضاء اللجنة المركزية ، وكذلك المنطقيات ) لأن تحديد هذا السقف الزمني كفيل بإدخال تعديلات مستمرة على الهيئات القيادية مما يعني قتل الروتين وقتل الاحتكار وفسح المجال أمام الكفاءات والمؤهلات لتأخذ مواقعها وكذلك يعني استقطاب الكفاءات والمؤهلات من خارج التنظيم لأنها ستجد في هذا الحراك الدائم فرصة للتعبير عن نفسها ومؤهلاتها وأفكارها داخل الحزب وفي مواقع تناسب تلك الكفاءات .
ثانياً – على الصعيد الإعلامي : ليس بخاف على أحد أن الإعلام المستقل ( وخاصة الموقع الألكتروني ) هو أكثر نشاطاً وحيوية وتطوراً من الإعلام الحزبي والسبب الأساسي هو غياب الديمقراطية في الإعلام الحزبي ، لذلك فإن الخطوة الأولى لتطوير الإعلام الحزبي أولاً وتعليم الرفاق على ممارسة الديمقراطية ثانياً هي الالتزام بالديمقراطية قولاً وفعلاً في الإعلام الحزبي ، وهذا يعني الإعلان عن سياسات الجريدة العامة بأن يكون هذا الإعلان واضحاً وشفافاً تكون فيه الخطوط الحمراء ضئيلة وقليلة جداً ( على سبيل المثال نحن لن نقبل بنشر مقالات تهاجم الرموز الكردية مثل البارزاني الخالد والشيخ سعيد والقاضي محمد ومسعود البارزاني ، لن نقبل بالتشكيك بالوجود الكردي في سوريا وبوجود قضية كردية ) أما ما عدا ذلك من المقالات التي تتطرق إلى مختلف الجوانب السياسية حتى تلك المخالفة والمناقضة لسياسة أحزابنا يجب أن نقبل بنشرها في جريدتنا المركزية ، بل أعتقد أن قوة الحزب وحيويته تتجلى في قبوله بنشر مقالات مناقضة لسياسته في أدبياته .
إن تطور الإعلام الحزبي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور الديمقراطي فيه فكلما ازدادت الديمقراطية ممارسة كلما نجح الإعلام في استقطاب المزيد من الأدباء والكتاب والمثقفين وبالتالي ازداد الإعلام غنى وتنوعاً ونشاطاً وحيوية وزاد في تلبيته لحاجياته السياسية والإعلامية وبالتالي زاد في تأثيره واستقطابه لها ونجح في ترسيخ المفاهيم والمبادئ الديمقراطية القومية والوطنية لديه .
ثالثاً – في قضايا المحرمات والمقدسات والنقد والنقد الذاتي والأخطاء لا يمكن للأشخاص أن يتطوروا وكذلك الهيئات وبالتالي للحزب أن يتطور وبالتالي أن يؤثر في مجتمعه ويدفعه باتجاه التطور الإيجابي إلا إذا تجاوز المقدسات الثلاثة المذكورة وأصبحت ممارسة النقد والنقد الذاتي والإقرار بالأخطاء جزءاً اساسياً وحقيقياً من الممارسة السياسية للأفراد والهيئات والحزب برمته والإقرار بأننا بشر وأن جميع البشر خطاؤون كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم .
لذلك فنحن نعمل ومن يعمل لابد أن يخطأ اللهم في حالة واحدة وهي عندما يتوقف الإنسان والهيئة والحزب عن العمل فبالتأكيد لا يخطؤون في هذه الحالة أما ما عداها فالخطأ جزء من ممارسة العمل والشجاعة الحقيقية هي الإقرار بالأخطاء والعمل على تجاوزها والسعي لمنع تكرار نفس الأخطاء أو التقليل منها وذلك بالاعتراف بها والعمل على تخفيف آثارها ونتائجها السيئة .
القامشلي في 27-11-2006


 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1155