في تحولات ثقافة الثورة السورية
التاريخ: الخميس 02 شباط 2012
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

  لكل ثورة على مر التاريخ خطابها السياسي وبرنامجها ومشروعها وتطلعاتها وخصوصيتها المميزة أي ما يمكن أن يطلق عليه بمجموعه بالثقافة السياسية المعبرة عن مصالح غالبية السكان من طبقات اجتماعية ومكونات وفئات وهي في حالتها السورية كما في الحالات الأخرى الأعم عرضة للتبدل اما بوتيرة سريعة أو متوسطة أو بطيئة بحسب الظروف الفاعلة المحيطة وتأثيرات العوامل الداخلية والخارجية وتحولات الثقافة السياسية بمفهومها الايجابي دليل حيوية ومظهر من مظاهر التفاعل مع الواقع المعاش بخلفياته التاريخية وراهنيته وخضوع طبيعي لتأثيرات ميزان القوى في الصراع التناحري المحتدم مع النظام المستبد الموغل في جرائم ابادة بحق السوريين وبمجمل مؤثرات الساحتين الاقليمية والدولية .


  الحراك الثوري السوري المتواصل كان منذ البداية في تحول دائم وانتقال محسوب من وضعية الى أخرى أكثر تقدما والى جانب انطلاقه من مخزون نضالي معارض ينشد البديل الديموقراطي متراكم على مر الأجيال السورية وتحديدا منذ تسلط حزب البعث على مقاليد السلطة وبشكل أخص لدى استيلاء النظام الأسدي العائلي فقد بدأ على شكل احتجاجات محدودة حول حالات الاعتقالات التعسفية ثم خطوات باتجاه الدعوات للاصلاح السياسي في اطار النظام القائم مالبث أن تطور ذلك الحراك نحو التمسك باالتغيير الديموقراطي متزامنا مع التظاهرات الاحتجاجية الحاشدة الكبرى وصولا الى الانتفاضة الثورية وانتهاء بالثورة المستمرة حتى اسقاط النظام كل هذا التدرج كان محاطا بكل خطواته وتحولاته بجملة من الشعارات السياسية والمطالب والأهداف تعبر بدقة ووضوح عن كل خطوة ومرحلة شكلت بمجموعها مشهد تحولات الثقافة السياسية للثورة السورية المتسمة بالابداع والتعبير الحقيقي عن نبض الشارع وكانت ومازالت حصيلة ارادة وطموحات شباب الثورة والجمهور الأوسع من الشعب الثائر من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والمكونات الوطنية ذات المصلحة في اسقاط نظام الاستبداد وهي الغالبية الساحقة من الطيف الوطني السوري على أي حال .

  يمكن القول أن من أبرز تجليات تطوير الثقافة السياسية وتحولاتها العميقة ترافقا مع الخطوات والمراحل التي اجتازتها عملية الكفاح الثوري السوري في غضون أكثر من عشرة أشهر هو :
 أولا – طوي صفحة الخوف من أجهزة وأدوات النظام القمعية وتصاعد وسيطرة ارادة المواجهة السلمية الشجاعة وبالصدور العارية وثقافة الاقدام والمبادرة بدلا من نزعة التردد وردود الفعل وتجسيد ذلك بالشعارات المرفوعة في الشوارع والساحات .
  ثانيا – مواجهة مزايدات النظام اللفظية الممانعة الجوفاء بعد اكتشاف وفضح بنيته الطائفية – العائلية بثقافة وطنية حريصة على وحدة البلاد وسيادتها وتعزيز الوحدة الوطنية والمناداة ببديل ينشد السلم والاستقرار والبناء والتنمية والرد على فئوية النظام وشوفينيته واستغلاله بحزمة من الثقافة السياسية تنم عن أهداف ومبادىء سامية نحو ازالة التميز القومي والديني والمذهبي وتعزيز وحدة المكونات الوطنية واعادة الاعتبار لها وجودا وحقوقا .
  ثالثا – تمسك الثورة بثقافة اعادة تعريف الشعب السوري ورؤية الشعب الكردي السوري كقومية ثانية وكمكون وطني أصيل شريك للشعب العربي منذ مرحلة التحرر من الاستعمار مرورا ببناء الدولة السورية وانتهاء بالثورة الراهنة وذلك مقابل سياسة النظام الاقصائية العنصرية المضطهدة للكرد والمتسببة في معاناتهم وتهجيرهم وافقارهم وحرمانهم حتى من حقوق المواطنة وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم واعتبارهم عنصرا غريبا في وطنهم .
  رابعا – نجاح الثوار بفضل يقظتهم باتباع ثقافة سياسية واعية متجددة ومبدعة في ايجاد البديل الميداني في مختلف المناطق والمدن والبلدات أمام خطط النظام في توسيع وتيرة اصطياد القادة الميدانيين قتلا واعتقالا واختطافا كوسيلة لقطع جذور الثورة ووقفها وارباكها .
  خامسا – اتباع الثوار لتقليد ثقافي ديموقراطي في التوافق على تسمية أيام الجمعة بصورة موحدة بعد الاستفتاء على عدد من المقترحات .
  سادسا – عدم ارتهان الثورة لفصيل سياسي معارض في الخارج بعينه بل مراقبة أداء جميع الأطراف التي تدعي المعارضة أو التمثيل الشرعي الوحيد وهذا مايفسر مضمون الشعارات المرفوعة في التظاهرات والتي تتبدل بين جمعة وأخرى وحتى بين صفوف المتظاهرين وهذا يعبر عن ثقافة سياسية واقعية مستقلة تضع مصالح الشعب وثورته قبل أي شيء آخر .
  سابعا – مواكبة ثوار الداخل لتطورات المواقف الاقليمية بما فيها الجامعة العربية والدولية وتحديد الخطوط الحمر وابداء وجهات النظر حول كل حدث يتعلق بالقضية السورية ومايصدر عنهم خير تعبير عن الموقف الأسلم والأكثر صدقا وهو ليس الا ظاهرة ثقافية سياسية سليمة دشنتها الثورة وأبطالها دبلوماسييون شباب في عمر الورود اكتسبوا الخبرة في الميدان وعبر وسائل المعلوماتية الفيسبوكية .
  ثامنا – أفرزت الثورة السورية نوعا جديدا من العسكريين في صفوف " الجيش الحر " بخطاب متجدد وثقافة سياسية ثورية منحازة للشعب ومعبرة عن مصالح الشعب وموعودة بحماية الشعب ومكتسباته فور سقوط النظام وذلك مقابل ثقافة جيش النظام العقائدي الحامي له ولمصالحه ومؤسساته القمعية وقاعدته الاقتصادية .
  تاسعا – توسع الادراك الثقافي السياسي للثوار في الداخل بحيث يمكنهم من فرز الصالح من الطالح من بين المنظمات والأطراف والجماعات والأشخاص المحسوبين على المعارضات وتفهم دوافع الملتحقين حديثا بصفوف الثورة بعد تردد دام عشرة أشهر مع الحذر منهم وعدم السماح لهم لتبوء مواقع القرار وكذلك اكتشاف من يتذرع بمقولات الحفاظ على بنية الدولة تمهيدا لانقاذ رأس النظام ومؤسساته القمعية والقدرة على فك طلاسم العبارات الغامضة واللعب بالمصطلحات من جانب من هو متواطىء مع أجهزة النظام من أحزاب وجماعات وافراد وبذلك يكون الثوار قد تسلحوا بثقافة سياسية يقظة وحذرة خاصة في ظروف الثورة والمراحل الانتقالية .
  عاشرا – الثقافة السياسية الوحدوية هي السائدة في أوساط الثوار بعكس ظروف الشقاق السائدة في الوسط السياسي المعارض وخاصة خارج البلاد وهو تناقض يحتاج الى معالجة عاجلة وكنا دعونا اليها في مبادرتنا الوطنية لتوحيد المعارضة السورية منذ حوالي ثلاثة أشهر ومازلنا في الطريق لتحقيقها بالسبل الأكثر موضوعية وفائدة .
  أمام كل هذه الايجابيات التي تتميز بها ثورتنا المستمرة هناك الكثير من العوائق والسلبيات أيضا وهناك أخطاء تقترف هنا وهناك ولكن المسار العام يوحي بالاطمئنان خاصة وأن المعركة تزداد توسعا وحماوة في جوانبها الميدانية والدبلوماسية والنظام يوغل في القتل والاجرام لأنه وحسب كل التقديرات يعيش أوقاته الأخيرة .








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11522