الكورد ومشروع الشرق الأوسط الكبير – الجديد
التاريخ: الأحد 26 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار



د. إسماعيل حصاف*

تدور حاليا في الأوساط السياسية والمؤسساتية البحثية الحديث والمناقشات حول مشروع الشرق الأوسـط الكبير – الجديد ومنها الكونفرانس الذي إنعقد في عاصمة إقليم كوردستان هولير في يومي 29 – 30 من تشرين الأول المنصرم والذي كرس أعماله لهذا الموضوع، حيث شارك فيه عدد كبير من السياسيين والأكاديميين بموضوعات ومحاضرات قيمة .
لاشك أنه من حق الشعب الكوردي كمكون شرق أدنى - أوسطي مهم ، موزع بين عدة كيانات من دول المنطقة الإهتمام بهذا الموضوع ،مادام المشروع هـو أمر واقع ومفروض على جميع شعوب المنطقة في حال البدء بتنفيذه ، وتكمن أهمية دراسته ليس فقط في عرض نقاطه  من وجهة نظر صاحبه ، بل وأمكانية الإستفادة منه وفق مشروع متبلور يعبر عن وجهة نظر كوردية .  


 لايمكن التحدث عن الشرق الأوسط  دون إعطاء الإعتبار لكوردستان وللشعب الكـردي الذي يعد إلى جانب  العرب والفرس والترك أحد الشعوب الأربع الرئيسة في الشرقين الأوسـط والأدنى وذلك للإعتبارات الآتية:
تاريخيا : تثبت دراسات الأنتروبولوجيا والأتـنولوجيا أن الشعب الكردي عريق في الشرق الأوسط ، وشارك في كافة الأحداث التاريخية والسياسية في المنطقة منذ فجر التاريخ وتزداد أهمية هذا الدور في العصر الراهن أكثر من اي وقت مضى لأسباب عدة ، وتأتي أهمية الثقل الكوردي بسبب الطاقات البشرية والاقتصادية والجغرافية الهائلة لكوردستان : 
1 ـ يشكل الشعب الكردي اليوم مجموعة بشرية ضخمة في الشرق الأوسط ، إذ يناهز عدد سكان الكورد اليوم أكثر من 40 مليون نسمة ، وإذا اخذنا التقديرات السوفياتية حسب لازاريف(1) والبرت منتشاشفيلي (2) لعام (1983 نرى اللوحة التالية : 
                        
               تركيا 47279 مليون         عدد الكورد      1418370      مليون         30 %
               إيران 41640 مليون         عدد الكورد       749520       مليون          18%
               العراق 14654 مليون       عدد الكورد         41312       مليون           28%
               سوريا 9814 مليون          عدد الكورد        127582      مليون          13%

مساحة كردستان :

تبلغ مساحة كردستان أكثر من 530 ألف كم2 وهي بذلك تزيد على مساحة ست دول من دول أمريكا اللاتينية مجتمعة وهي : غواتيمالا ـ هوندوراس ـ كوبا ـ نيكاراغوا ـ سلفادور وجامايكا(3) . وحسب ميخائيل سيميونوفيج لازاريف فإن ثلثين من دول العالم يملك مساحة أقل من مساحة كـردستان . 

الثروة النفطية :

عثر في كردستان على حوالي 2600 مليون طن من النفط الخام أي حوالي 8% من كل إحتياطي النفط في العالم الرأسمالي ، وهذه تقديرات سابقة تعود إلى حوالي نصف قرن ،
والنفط في كردستان في إزدياد مستمر : فمثلا إزداد إنتاج النفط العراقي من 3,2 مليون طن عام 1948 إلى 34,8 مليون طن في عام 1958 أي حوالي 11 مرة (4)،  بينما قدر إحتياطي البترول في إيران بــ 4295 مليون طن والعراق بـ 3300 مليون طن(5) نهاية عام 1957.
فمثلا من أصل 78,630 الف طن من النفط المنتجة في بلدان الشرق الأوسط عام 1950 أنتج 38,003 ألف طن منه في العراق إيران وتركيا على أن منابع النفط في الدول الثلاثة تقع بشكل أساسي في كـردستان ، ووفقا لجريدة الغارديان البريطانية عن 6 شباط 1970ن فإن النفط الذي يستخرج من كـردستان يغطي حوالي 60% من ميزانية العراق(6) .

الثروة المائية :   

تمتلك كردستان إلى جانب سلاح النفط سلاح آخر سيكون له دور فعال في الصراعات الدولية مستقبلا وأعني سلاح المياه ، أن اكبر الأنهار في المنطقة موجودة في كردستان .
فمثلا نهر الفرات ، يقع منبعه في كردستان ، وطوله 2800 كم منه 1110 في كردستان. نهر دجلة  يقع منبعه في كردستان ، وطوله 1900 كم منه 600 كم في كردستان. نهر آراس طوله 920 كم منه 435 كم في كردستان . بالإضافة إلى الأنهار الأخرى كالزاب الكبير والصغير وبتليس وبوتان وسيرفان والخابور ... إلخ . ناهيك عن أن كردستان تقع في منطقة هطول 380 مم من الأمطار .

الموقع الجيو ـ سياسي :

يتميز كردستان بموقع جغرافي عظيم ، كمعبر إلى كل من القوقاز والخليج الفارسي وإلى الشرق الآسيوي والعالم العربي وستصبح جارة لأوربا فيما لو دخلت تركيا الإتحاد الأوربي وبذلك فإن كردستان بحق هي القلب النابض للشرق الأوسط ، وكان له حسابات في كل المشاريع والمخططات الدولية وبخاصة قي فترة الحرب الباردة التي إنطلقت من كردستان بتصفية جمهورية كردستان التي كانت عاصمتها مهاباد وإنتهت فيها على أثر حرب الخليج الثانية ، ناهيك عن دخول كردستان ضمن المناطق الذرية خلال الحرب الباردة وفي الحزام الشمالي ( الطوق الشمالي ) الذي وضعه جون فوستر دالس وزير الخارجية الأمريكية آنذاك وكذلك ضمن نظريات : كالرملاند وأوراسيا وكانت هدفا لكل الأحلاف الدولية والإقليمية في التاريخ المعاصر كسعد أباد والناتو والسنتو وشكل لهذا الغرض ماعرف بلجنة مكافحة العمل الهدام .

البعد الدولي للقضية الكردية :

جاءت الإتفاقية الأنكلو ـ فرانكو ـ الروسية بين الحلفاء في عام 1915 حول إعطاء المضائق أول خطوة عملية لتقسيم القسم الآسيوي من تركيا وبضمنها كردستان . أما المرحلة الثانية من المناقشات الأنكلو-- الفرنسية فقد جرت في لندن في الفترة الواقعة من تشرين الثاني 1915 إلى شباط 1916 بين الإنجليزي آرتور نيكلسون ( حل محله مارك سايكس ) والفرنسي فرنسوا جورج بيكو وإحتلت المسألة الكردية حيزا مهما في المناقشات .
ولابد العودة إلى سيفر كوثيقة دولية إعترفت بالأكراد للمرة الأولى في التاريخ الدولي المعاصر وستصبح حجة دامغة للدفاع عن الحق الكردي لدى إنعقاد المؤتمر الدولي القادم بشأن المسألة الكردية ، مادام الدول العظمى تتحمل المسؤولية التاريخية .
وعليه لابد من وضع الإستنتاجات التالية :
1 ـ لن يعم السلم والإستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي في الشرق الأوســط  مهما كان نوعه وشكله دون إيجاد حل سياسي جذري ونهائي للقضية الكردية .
2 ـ  تشكل كردستان طاقة أساسية اقتصادية وبشرية ولايمكن الإستفادة منها إلا بعد حل قضيتها القومية .
3 ـ يشكل كردستان قلب الشرق الأوسط ، ولايمكن الإستفادة من الجسم الكبير إلا بقلب قوي دافق .
4 ـ العودة إلى سيفر ووضع الدول العظمى امام مسؤلياتها الدولية والتاريخية  . 
5 ـ إنتقال العامل الكردي من عامل إستخدام كورقة ضغط إلى عامل مؤثر أساسي في التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط ، إذ أن هذا العامل الكردي الذي كان مشتركا بين الدول المقسمة لكردستان بدا يتضعضع بعد خروج العراق من هذه الدائرة إلى جانب التحولات المنتظرة الأخرى القادمة في المنطقة .
6 ـ مفتاح الديمقراطية يمر عبر حل القضية الكردية وليس بالعكس .
7 ـ تعتبر كردستان نقطة إلتقاء المصالح الدولية والإقليمية بسبب موقعها الجيوبوليتيكي ، إضافة إلى التدخلات الدولية ، لذلك لايمكن الإستغناء عنها .
8 ـ تتخذ القضية الكردية طابعا دوليا وتحولت إلى قضية ساخنة في الشرق الأوسط والأدنى ، لذا من مصلحة الأطراف كلها حل هذه القضية ليعم الأمن والسلام والإستقرار في المنطقة .
وأخيرا أنهي هذه المداخلة بما كتب عن دور واهمية الكورد وكردستان : فقد كتب المفكر والديمقراطي الأرمني خجاتور أبوفيان (1805 ـ1846 ) في مقالته الأكراد :... من الممكن تسمية الأكراد بفرسان الشرق بكل معنى الكلمة فيما لو مارسوا حياة الحضر بشكل أكثر .... ))(7).
أما كمال باشاالذي وصفه أرمسترونج بالذئب الأغبر، فقد أشارفي وقته إلى (( أنه عندما تكون القوة متعادلة في شروط المعركة في الشرق الأوسط فإن المنتصر سيكون من يسيطر على كردستان ))(8)  .

المراجع:

1 – م . لازاريف ، الأكراد والمسألة الكردية ، مجلة : " آسيا وأفريقيا اليوم ، العدد 12 ، 1983 ، ص 37 . ( باللغة الروسية )
2 – أ.م. منتشاشفيلي ،الأكراد ، موسكو ، 1984 ن ص 3 . 0 باللغة الروسية ) .
3 –  الدكتور بيجرماني ( إسماعيل حصاف ) ، كردستان الوطن والقضية في المواثيق والمواقف الدولية ، 1986 ، ص 9 . 4
4 – صلاح الدين سعدالله ، كردستان والحركة الوطنية الكردية ، بغداد ، 1959 ، ص 18-19.  
5 – المرجع نفسه ، ص 19 . 
6 – الغارديان البريطانية ، 6 شباط 1970 .
7 – خ . أبوفيان ، المؤلفات الكاملة ، الجزء الثامن ، يريفان ، 1958 ، ص 360 – 361 .
8 – د. إسماعيل حصاف  ، المرجع السابق ، ص 8 .

-----------------------------------------------------------

* كلية الآداب – جامعة صلاح الدين – قسم التاريخ . ِِ

 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1142