قراءة في الحقوق الإيزيدية في مسودة دستور إقليم كوردستان
التاريخ: الخميس 23 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار


د. خليل ألياس مراد

الإنسانية عامة بلا استثناء تعيش اليوم في عالم سريع الحركة والتغيير عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وعقب أحداث 11 أيلول عام 2001 و إن الحدث الذي هز منطقة الشرق الأوسط بسقوط النظام السياسي العربي في العراق في 9/4/2003 أعاد توجيه الاهتمام من بين أولوياته إلى القضية الكوردية، والى الشعب الكوردي بكل فئاته الوطنية من كورد سنّة وكورد فيليين شيعة وكورد إيزيديين والى فئات كوردستانية من أرمن وتركمان وكلدواشوريين وغيرهم...
 حيث قدمت الشعوب (الكورد ـ ستانية) الكثير من القرائن للتعبير عن حقوقها القومية الإنسانية المشروعة ودفعت ثمناَ باهضاً في النضال لإثبات هويتها وانتمائها.


وفي هذا الإطار (الجيوسياسي) أصبحت القضية الكوردية بتطوراتها وانجازاتها عقب عام 1992 وحتى اليوم، غاية في الأهمية في عملية التغيير. تأخذ مطالب الكورد والأقوام القاطنة معها في كوردستان العراق بعين الاعتبار لتصبح أنموذجا للاستقرار والرخاء السياسي في عموم المنطقة وربما في العالم. وهذا ما ذهبت إليه اللجنة المشرّعة لمسودة دستور إقليم كوردستان التي حددت بدقة (مصالح شعب كوردستان الوطنية والإقليمية والدولية). ولكنها أغفلت بعض حقوق سكان كوردستان ومنهم الإيزيديون من منظور خصوصيتهم الاجتماعية ـ الدينية.
فالإيزيدية هي جزء حيوي وأساسي وأصيل من ارض كوردستان تاريخياً. وأصبح الوجود الإيزيدي في المنظور الاستراتيجي الجديد بعد ولادة إقليم كوردستان جزءً لا يتجزأ من ديناميات العقل  السياسي الكوردستاني. حتى غدت الإيزيدية بمفهوم الأمن القومي الكوردستاني في الحاضر والمستقبل (البوابة الجنوبية الغربية لإقليم كوردستان). ولنتذكر ما قاله كاك مسعود  ألبارزاني رئيس إقليم كوردستان قبل عدة أعوام: بان أي تهديد للإيزيدية هو تهديد لأمن القومي الكوردستاني. ثم إن الإيزيدية هي إحدى مكونات الشعب الكوردي (الكورمانج)، بمعنى آخر أدق هي كيان اجتماعي  يعبّر عن حالة خصوصية دينية في عقيدته ومورثه الاجتماعي. هي ليست (أقلية دينية) كما كان ينظر إليها البعض من قصيري النظر حتى وقت قريب عن عمد. فهي الديانة الثانية بعد الدين الإسلامي في كوردستان. وتشكل نسبة (15ـ 17%) من سكان الإقليم. وبالتالي هي مجتمع متجانس بعاداته وطقوسه تحكمه منظومة قيم تأخذ الصدارة والأصالة في التميّز في المجتمع الكوردي. وإذا سلمنا بان الديانة الإيزيدية قد ضمنها المشرّع بموجب المادة (65) من مسودة الدستور ضمن حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وغيرهم، لكن هذه المادة لم تعد انجازا بقدر ما هي حق عام للجميع على حد سواء. وفي الماد (18) من المسودة نصت على إن (المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز...) فقد دخلت الإيزيدية ضمن الحقوق العامة للكورد وهذا يشكل إجحاف وغبن مادام المشرّع منح (الكورد الفيليين) حقاً خاصاً. الإيزيدية بدورها لها حقوق خاصة بحكم الخصوصية الاجتماعية وبحكم الواقع الجغرافي الجديد للإقليم. فضلاً إن الإيزيدية تبحث عن ذاتها منذ عدة عقود لإثبات شخصيتها الحقوقية والقانونية. وقد تبلور الرأي الغالب، بان (الذات) الإيزيدية في كوردستان وليس مع أية جهة اخرى. وهذا ما تلمسه القيادة السياسية الكوردستانية من تفهم عميق يوماً بعد آخر، بأن الإيزيدية تتعدى الانتماء الديني إلى الانتماء الاجتماعي ـ الحضاري الكوردي الأوسع. ولنتذكر إن الغالبية العظمى للإيزيديين أدلوا بأصواتهم الانتخابية لصالح التحالف الكوردستاني  في انتخابات عام 2006 ومن جانب آخر إن قواها الاجتماعية الفاعلة في الإقليم وخارجه تبحث بوسائل عديدة لبناء مؤسساتها الرسمية والشعبية والروحانية خاصة بعد تشخيص: إن القيادات الإيزيدية الراهنة في كل المواقع المتعددة والمتنافرة قد (تركت المجتمع  داخل سفينة  بلا ربان تصارع العواصف والأمواج من كل صوب وأصبح الشغل الشاغل لتلك القيادات إن لم نقل الإدارات مصالحها الذاتية) وغالباً تفضل المصالح الحزبية الضيقة على المصلحة الإيزيدية العليا.
وبعد طرح مسودة الدستور آن الأوان لوضع حل جذري (للمسالة الإيزيدية) السياسية والقانونية والإدارية التي عانت ولا تزال تعاني من ظروف الاستجداء والتهميش والغبن وتقديم المذكرات الشخصية والتشبث بوساطات من مراكز النفوذ السلطوي والحزبي للحصول على حق مشروع. ودون الحديث عن المحسوبية والولاءات والخاصة لترشيح أشخاص إلى مناصب في الحكومة أو البرلمان البعض منهم لا يمثل الوجه الحقيقي الإيزيدي. والمجتمع الإيزيدي بتياراته المعاصرة لم يعد يسكت على (ضيم) بعد أن تكاثر عدد مثقفيه أضعافا وتجاوز العمل الروتيني إلى إصدار مجلات متخصصة وامتلاك مواقع انترنت وإدارة شبكات إعلامية وأصبح لها كتاب وأساتذة جامعيون ونخبة من طلبة الماجستير والدكتوراه وتنوعت المؤسسات الثقافية والسياسية ووصل أبنائها إلى مناصب وزارية وقيادية في بعض الأحزاب.
إن هذا النمو الطبيعي بفضل أجواء الحرية الجديدة يخاطب العقل السياسي الكوردستاني الحاكم والمؤثر في صنع القرار وقادة الأحزاب الوطنية الكوردستانية وقبل فوات الأوان! بأنه آن الأوان الاعتراف بالحقوق العامة للكورد الإيزيديين مثل سائر فئات الكورد. وندعو المشرّع لدستور كوردستان الإقرار بالخصوصية الإيزيدية قولاً وفعلاً مثلما فعل خيراً بمنح (مفوضية خاصة للكورد الفيليين بموجب المادة (147 ـ أولاً) في مسودة الدستور. رغم إن الكورد الفيليين يستحقون ذلك لكنهم لا يتميزون عن الكورد الأغلبية السنية سوى بالمذهب الشيعي ولا توجد لهم خصوصية دينية مثل الإيزيديين ولم يعانوا من الماسي والويلات والمظالم تاريخيا. ولكن هذا لا يمنع من القول من أن الجميع عانوا من الاضطهاد والتهجير ألقسري.
لذا نشدد على ضرورة أن يخصص المشرّع الكوردستاني فقرة خاصة بالإيزيدية في المادة (147 ـ أولاً) بمنحهم (مفوضية خاصة للكورد الإيزيديين) وهذا هو الحل الذي يتمناه الجميع، وترتبط بها الدوائر التالية:
ـ مركز لالش الثقافي والاجتماعي بفروعه والمراكز الثقافية الأخرى.
ـ المديرية العامة للأوقاف الإيزيدية.
ـ المديرية العامة لتربية شؤون الإيزيدية.
منظمات المجتمع المدني.
ـ منسق مع المجلس الروحاني الإيزيدي.
ـ دائرة انتخابات لترشيح شخصيات للمناصب الحكومية في الإقليم و إلى برلمان الإقليم والى أعضاء المجالس البلدية وغيرها.
ـ دائرة إعلامية.
ـ أخرى وحسب الحاجة.
وأخيراً نعتقد ومعنا كل الخيرين، انه الامتحان الأخير أو إنها المعركة الأخيرة مع الذات يتحمّل مسئوليتها أبناءها المخلصين وخاصة النواب الإيزيديون في برلمان كوردستان والمقربون من العقل القيادي الكوردستاني وقادة الرأي الإيزيدي، وكلنا أمل أن يرى دستور كوردستان النور والإيزيديون على أعتاب مرحلة جديدة تبزغ فيها مؤسساتها الإدارية يتم تنميتها على أساس ترتيبات اجتماعية ـ حضارية أكثر إشراقاً ينعم في ظل الدستور الكوردستانيون كافة بالاستقرار والرفاه الاجتماعي. وغداً لناظره قريب.
الدكتور خليل ألياس مراد/ بعشيقة/ كاتب ومؤرخ


في 2006/11/22





أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1132