حوار مع الناشطة وداد عقراوي *
التاريخ: الأربعاء 22 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار


إعداد :بدرخان علي- سوريا
bedirxaneli@maktoob.com

وداد عقراوي من مواليد عقرة ـ كردستان العراق.
أنهت دراستها الجامعية في عام 1990 وحصلت على بكلوريوس في الهندسة المدنية قسم البناء و الإنشاءت وعملت في شركة الطرق والجسور في محافظة الموصل.
تعيش الآن في الدنمارك، حيث درست وحصلت على شهادة اختصاصية في علم الجينات من الجامعة التكنولوجية الدنماركية وثم شهادات عليا في تحديد وظيفة الجينات المجهولة وفي المايكروبيولوجيات والأمراض الوراثية وعملت في المستشفى الملكي في كوبنهاجن في تخصص الأمراض الوراثية.

أصدرت روايتها الأولى باللغة الدنماركية بعنوان كتاب تارا في عام 2003. الرواية ترجمت إلى اللغة النرويجية أيضاً واشُتريت من قبل الهيئة الثقافية النرويجية التابعة لوزارة الثقافة.
ـ منذ عام 1987 وحتى الآن القيام بالعديد من الدراسات والبحوث والحملات من اجل تحسين الظروف المعيشية للمرأة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وتفعيل دورها والبث بالخطوات العملية من اجل الحصول على مجتمع صحي تحترم فيه جميع الشرائح ويحصلون على حقوقهم ويؤدون دورهم تجاه مجتمع يخدم الفرد ويوفر له المناخ الملائم للعيش الكريم.
رئيسة تحرير أخبار وحملات وتقارير منظمة العفو الدولية باللغة العربية.
القيام بالمهام المترتبة عليها كـ"ملكة" لمنتدى جريدة شروق الإعلامي الأدبي حيث رُشحت وفازت ـ في انتخابات ديمقراطية ـ بلقب "الملكة".
صياغة القوانين الإدارية في منتدى جريدة شروق الإعلامي الأدبي وعضوة في هيئته الإدارية.
رئيسة تحرير في منظمة إهداء جائزة نساء أوروبا لجميع أقسامها الدنماركية والانجليزية والفرنسية
تعمل في مجال الصحافة ومراسلة راديو استراليا ـ القسم الكردي ونشرت العديد من المقالات باللغة الدانماركية وشاركت في العديد من الندوات الثقافية.
وهي عضو في الهيئة الإدارية لمنظمة جائزة نساء أوربا ـ فرع الدانمارك و عضوة ناشطة في مجال حقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى مساهماتها في حملات متعددة لمنظمات دانماركية وعالمية مختلفة من ضمنها صندوق الأمم المتحدة للسكان والهيئة العالمية لمساعدة ضحايا التعذيب.
اختيرت كسفيرة منظمة العفو الدولية لوقف التعذيب ـ الدنمارك، وفي مؤتمر منظمة العفو الدولية السنوي الأخير 29-30 نيسان 2006م، حصلت في انتخابات ديمقراطية على أغلبية الأصوات ودخلت في الهيئة القيادية العليا لمنظمة العفو الدولية.
بصدد إنهاء روايتها الثانية وديوان شعر، كلاهما باللغة الدانماركية.

مجلة "الحوار" أجرت معها الحوار الآتي:
باسم مجلة "الحوار" نرحب بكم، ونهنئكم على اختياركم في قيادة منظمة عالمية مهمة على الصعيد الدولي معروفة بتاريخها ودورها في رصد انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم فضلاً عن كونها منظمة عضو في الامم المتحدة بصفة مراقب....بداية نريد أن تعطينا نبذة عن منظمة العفو الدوليةamnesty international organization نشأتها ، محطات مهمة في مسيرتها أهدافها آليات عملها....؟

قبل كل شيء أود أن أعبر عن حزني العميق لاستشهاد أشقائنا وشقيقاتنا من ريف عفرين وناحية جندريس... اعزي الإنسانية جمعاء برحيل كل روح بريئة في كل يوم وبوفاة بناتها وأبنائها الأخيار الذين فقدوا حياتهم لأنهم أرادوا أن يكافحوا من اجل لقمة العيش... كما أتقدم بالتعازي القلبية إليكم والى أهالي الضحايا وأصدقائهم........ ( شهداء القصف الإسرائيلي على الحدود السورية اللبنانية والبالغ عددهم 23 شهيداً من الأكراد السوريين ، يوم السبت 5آب 2006 – الحوار)
لكم من الشكر جزيله على فرصة اللقاء بكم وبقراء مجلة "الحوار" التي جلبت من نسيم الشرق عليله... كما اشكر تهنئتكم وأبارك لنفسي بكم... سعيدة جداً بتواجدي معكم...
بالنسبة لمنظمة العفو الدولية فهي كما هو معروف منظمة عالمية تعنى بحقوق الإنسان... هي أكبر منظمة غير حكومية في العالم... هي الصوت المنتقد الذي ـ وباستقلال تام وبعيداً عن مصالح الدول الاقتصادية، الداخلية والخارجية، والإيديولوجيات السياسية والمعتقدات الدينية ـ يعمل من اجل تعزيز حقوق الإنسان في كل العالم... آمنستي تسعى من اجل أن توفر للجميع الحقوق المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ونشر بموجب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948.
البحوث الدقيقة والمعايير المتفق عليها دولياً هما النواتين اللتين يتمركزان حولهما عملنا ككل. والعمل نفسه عبارة عن وقف المعاملة أو العقوبة القاسية وإنهاء الاعتداء الجسدي والنفسي بالضرب والسب والتعذيب بكافة أشكاله، الروتيني والغير روتيني، والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وكافة صور العنف، والاغتيالات وحالات القتل التي تتم وتنفذ من قبل الحكومات أو المجموعات المعارضة لأسباب سياسية أو طائفية أو عنصرية أو دينية... تساند المنظمة ضحايا التعذيب وتعمل على تحسين الأوضاع في السجون والمعتقلات وخاصة الظروف الصحية والصرف الصحي، وتركز في التحقيق في الآثار الصحية والنفسية المترتبة على انتهاكات حقوق الإنسان وذلك في النزاعات الداخلية والدولية.
المنظمة تأسست في عام 1961 بعدما كتب المحامي البريطاني بيتر بننسون مقالاً بعنوان "السجناء المنسيون"... منظمتنا تضم اليوم 1,8 مليون عضو في جميع أنحاء العالم... لدينا أعضاء ومساندين في أكثر من 140 دولة وللمنظمة فروع في أكثر من 53 دولة وأكثر من 7.800 فروع محلية ومجموعات متخصصة... عدد أعضائنا في الدنمارك يتجاوز 75.000 عضو.
حازت المنظمة على جائزة نوبل للسلام في عام 1977.
داخل جدران المنظمة تُحشد طاقات الأعضاء للتضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان... عمل الأعضاء عمل مجاني.

برأيك ،ما مدى تأثير المنظمات العالمية غير الحكومية NGO  ومنها المنظمات الحقوقية المعروفة كمنظمتكم ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان  Human Rights Watchعلى سياسات الحكومات (الديمقراطية أو المستبدة) والرأي العام الدولي إزاء حالات انتهاكات حقوق الأفراد أو الجماعات في أرجاء العالم؟

المنظمات العالمية الغيرحكومية تقف في العادة بين تلك الحقيقة المرة وهي لجوء بعض السلطات لفعل أي شيء من أجل إدامة حكمها وحماية مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهذا يشمل في بعض الأحيان حكومات ذات ثقل مؤثر لإنهاء الأزمات والانتهاكات، وبين حقيقة إيمانها النابع من خبرتها بان المجتمع الدولي والرأي العام المدني له دور كبير لا يستهان به ويجب أن لا يقف عاجزاً عن القيام بواجباته ويتغاضى عن ممارسة دوره الرقابي والحيوي في وجه أي اعتداء على حقوق الأفراد أو الجماعات وفي وجه أي جرائم ترتكب في أي شبر من عالمنا.
نتائج بحوث المنظمة تُعلن وهذا يحرك الرأي العام لتتضافر جهوده ‏الدولية للضغط على أصحاب القرار لوقف الانتهاكات والتجاوزات.
منظمة العفو تدعو باستمرار كل الحكومات في العالم لإتباع نظام عادل ومستقل، ولتوقيع المعاهدات والصكوك الدولية والاستفادة من ترسيخ مبادئها في صيغ عملية تحمي حقوق الأفراد في المجتمعات. آمنستي تساهم من خلال عروض ودورات تدريسية في كسب الدعم من المنظمات والأفراد والمؤسسات من اجل احترام قيمة الفرد وحقوقه المشروعة.
جهود منظمة العفو الدولية المتواصلة ومتابعتها الدؤوبة والمتبصرة حققت وتحقق اليوم بعد الآخر انجازات حقيقية واضحة وملموسة لا لبس فيها. قبل أسبوع وصلتنا نتائج إحصائياتنا التي بينت بأنه نتيجة لآلاف المناشدات التي بُعثت من قبل أعضائنا تم إطلاق سراح 1510 سجين من سجون العالم خلال الستة أشهر الأولى من سنة  2006. وكان من بين هؤلاء عدد ممن سجنوا في سوريا.
غالباً ما يعبر ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان عن رأيهم بالنسبة لعمل المنظمة ويؤكدون بان مبادرات ومناشدات وحملات المنظمة لها اثر كبير في تحسين ظروفهم نوعاً ما في السجون وقد يتوج النجاح بإطلاق سراحهم.
لدينا أيضاً محاولاتنا في مجال إقناع الحكومات بإدخال تعديلات على إجراءاتها وقوانينها ولوائحها وممارساتها.

بداياتك مع النشاط الهادف لنشر ثقافة حقوق الإنسان، كيف وقع اختيارك على هذا المجال الإنساني، وهل هناك خلفيات سياسية أم أنها تعود لمعاناة عايشتها أنت عن قرب، وماذا تتوخين من اهتمامك البالغ بانتهاكات حقوق الإنسان؟

بداياتي مع النشاط الحقوقي الإنساني طرحت أغصانها الفتية في دواخلي وأنا أرى الظلم الاجتماعي الذي كان يكابده كبار العمر والصغار، وأتمعن في القوة والمادة وأثرهما في تصرفات الأشخاص... بكائي المكتوم مع تمزق أحلام طفولتي كان تعبير عن يقيني برفضي القطعي لواقع العالم الظالم المظلم... أتذكر تلك الأيام وكأنها البارحة وأنا أراقب كل شيء بحذر وكدر، وخوفي من موت المظلومين والمظلومات يشتتني... كنت اجلس وحيدة واسهر مع نفسي بحثاً عن إجابات غائبة، وردود حاسمة لمشاكل متراكمة... حلول مقنعة وعقلانية وشافية لتساؤلات متعددة محرّمة...
عندما برزت الأغصان في الربيع بشجن عذب اصطدمت ببوارج التراب وظلت تحت رحمة الأسراب... تحسستُ براعمها النامية بعدما أدركت مشارفة موسم تمرداتها على الابتداء في ردهات المزيد من الزهور الساهرة الندية... كنت استمد عزيمتي من الاضطهاد المستمر، المتسمر بين الندى والمئبر، ليقضم فجأة جسدي النحيل وشفاهي المطالبة بالتغيير الجذري، وابتلاع سكناتي السائرة نحو درب اللجوء إلى سِمة العلم وخِباء البعد الصحيح ومبيض الفكر الفلسفي وقعر العمق...
بدأت بالورقات التويجية لحقوق الإنسان وعرجت إلى عِرناس السياسة بعد تجربة قاسية مررت بها وأنا ابنة السابعة عشر زادتني قوة داخلية وقدرة ذهنية وصلابة لازمة... ثم تبعثر دمعي فوق ورقة حقوق الإنسان المثلوثة... وهناك أتواجد الآن...      
ما أتوخاه من عملي هذا وما يدفعني إلى الحديث والكتابة لنشر ثقافة حقوق الإنسان هو إثارة الأسئلة... هو زرع زهرة صبار بذور الأمل... هو الوقوف في كفة تناصر المظلوم ضد الظالم دون أدنى تفكير في جنس أو قومية أو إيديولوجية أو لغة الظالم أو المظلوم... إن اهتمامي ما هو إلا مواصلة لحالة الرفض التي أدركتها وقد تكون حقيقة كوني ولدت كردية يكون لها اثر بالغ في عملية الازهرار المختلط لواقع إدراكي بذلك القهر وعامله المجلط وأنا صغيرة جداً... ولكن أعود فأقول سواء أخفقت أو نجحت، أو نجحت في نواحي معينة فقط أو أخفقت في بعضها أو أغلبها فان دأبي هو لوضع بصمة متواضعة من أوراق حياتي في خدمة خزامى حياة غيري في هذا الروض المتجدد وفضائه المتجدد....

كناشطة كردية عانيت ما عاناه الكرد والعرب والآشوريين والتركمان في العراق عموماً من قسوة الاضطهاد والقتل اليومي والعنف الرمزي والمادي ،كيف تحاولين الانتقام(إن صح التعبير،هنا) لهؤلاء الضحايا من أبناء كردستان العراق والعراقيين  عموماً بعد أن مات من مات ودمرت أسر وقرى ومدن بأكملها.....ألا تشعرين بالعجز والضعف إزاء مأساوية الواقع.....تحريم القتل والعنف وتجريمهما على الصعيد العالمي بعيد المنال وحلم للإنسانية كيف يمكننا المساهمة في نشر هذه المفاهيم النبيلة في مناطق التوتر العالمي ومنطقتنا بالأخص..؟!

نساء الأقليات عموماً واجهن ويواجهن التمييز العنصري والتمييز الجنساني والتمييز العرقي وهذا ما يجعل مسيرتهن تكاد تكون شبه مستحيلة وخصوصاً لو أضيف إلى ما سبق الغوص في نشاط حقوقي أو تنظيمي أو حزبي... ولكن مهما كانت الظروف فتبقى الرؤية الواضحة للمسائل ضرورية...
يلجئ الظالم العاصي والجبار المتعالي والجلاد القاسي للظلم لأنه لم يتعلم أن يسلك طرقاً أخرى تجنبه ذلك... أي أن هنالك قصور أو انعدام للرصيد المعرفي وإخفاق بوجوه عديدة تسببت في ذلك الضعف النفسي الهائل المائل للسلوك الدكتاتوري...
بطبيعتي لا أحب الانتقام ولا أؤمن به... من عادتي أن أبادل الحب بالحب، والكره بالحب، القهر والقبر والغدر بالبر والعذر... الحقد والانتقام والكره هو انجراف الإنسان نحو هاوية الأنانية الفردية ذات النظرة المحدودة، والتلقائية الأدائية التي تخلق الأجواء الفوضوية، والعفوية الانفعالية المجردة من العقلانية الإنسانية... وهذه المشاعر الوبائية تجعل الدنيا تزداد اسوداداً، وتخرم القوى، وتضعف النفوس، وتدمر النفسيات، وتنسينا أهدافنا وكيفية الوصول إليها، وتوقعنا في الأخطاء الدفاعية البليدة وردود الانفعال، وتدفع الإنسان لاختيار صغار الأفعال... إنها قنابل شعورية ضررها يعادل أسلحة الدمار الشامل التي تأكل الأخضر واليابس... لذلك لا أتقبله ولا استسيغ تقلباته...
أخي العزيز، ثلاثة مرات في حياتي ـ لحد الآن ـ شممت فيها بالكاد رائحة العجز المزعجة... الأولى كانت ونحن نعيش مأساة الأنفال... والثانية كانت عندما استشهدت اعز صديقاتي... والثالثة عندما توفي والدي... ما أحاول قوله هنا هو أنني لا اقبل العجز كمصطلح وكحقيقة واقعة يجب الرضوخ لها واليها... عندما اشعر بالعجز واليأس اتخلص من تلك المشاعر السلبية بإغراقها في انهار قناعاتي وحملاتي وأفعالي بأمواجهم الآنية والمستقبلية...
أما الخير والشر فهما قوتان تاريخيتان باقيتان أبديتان... وواجبنا الإنساني والأخلاقي يحتم علينا أن نساند الخير بعملنا الخيّر مع الأخيار وقد نفلح في إنقاذ المنجرفين من نيران الشر والأشرار...    

مشاركة المرأة الشرقية مازالت ضعيفة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في بلداننا ،هل يمكن إرجاعها لعوامل سياسية أم دينية- ثقافية، أم نظرة المرأة لذاتها بقليل من الثقة والجدارة الكافيتين لنيل شخصيتها المستقلة؟!

كل ما أشرت إليه أخي الكريم هي عوامل تؤثر وتجعل مشاركة المرأة ضعيفة...
تنتهج بعض التيارات السياسية المتطرفة وأصحاب بعض الايدويولوجيات التي تستفاد منها سياسة تهدف إلى إخضاع المرأة للرجل بشكل مطلق لأسباب يرجعونها إلى نقصان العقل، وعدم القدرة على التحكم بإرادتها، وعجزها عن تحمل أعباء المسؤولية وتدبير الأمور، بالإضافة إلى "الذنب الأكبر" وهو: إغراء الرجال على ارتكاب الفحشاء... ولكن الحقيقة هي إن السبب الأساسي في انتهاج المجتمعات لمثل هذا النهج يعود إلى عدم قدرة الأفراد على تجاوز الذهنيات المتحجرة والسياسات المتكلسة وعدم التحكم في الانفعالات والشهوات لدى قلة قليلة من الرجال حال رؤيتهم للجنس الأنثوي...
يتصارع في مجتمعاتنا الشرقية فيض من أنواع حمّى مختلفة، منها بعض الحالات من ضعف الشخصية الذكورية التي تخشى حصول النساء على حقوقهن المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولذلك  تنتاب تلك المجتمعات في فترات نوبات صرعية من المخاوف والفزع والهواجس والرعب مما ينجم عنها أضرار إنسانية جسيمة.
هناك أيضاً هيمنة الأنظمة المستبدة، والإرهاب والعنف الدموي الذي يُمارس ضد المرأة بشكل خاص في بقاع معينة، وضعف الحركات النسوية الديمقراطية الحرة... ففي أحيان كثيرة تنخرط النساء في العمل السياسي ومن ضمنه النضال من اجل المرأة ولكن بسبب التزاماتهن بالأجندة السياسية للايديولوجيات التي يتبنونها يضيّعن قضيتهن... بالإضافة إلى ذلك أأسف كثيرا لحركات سياسية ديمقراطية وعلمانية ولكنها مثلا لا تسمح للمرأة بان تستلم دفة الريادة فلا تزال العقلية الذكورية، الغير متقبلة لقيادات نسوية لحركاتهم النضالية، متواجدة...
اجل اعترف بان العبئ كبير جدا على المرأة، واعترف بان هناك من لا تثق بنفسها بالدرجة الكافية لاستلام القيادة، واعترف بان دربها ملئ بالألجام والألغام، واعترف بان تفكير بعضهن مشوش وطموحات فئة منهن محدودة، واعترف بأن عليهن استيعاب ضرورة نضالهن في عدة جبهات، واعترف بأن عليهن أن يهتمن بأولوياتهن بشكل أفضل ووو... ولكن أتسآل أية دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلمت كرسي الريادة لإحدى النساء المستحقات لذلك؟ لا يوجد للأسف... حقيقة مبعثها عدم وجود الديمقراطية الحقيقية والعدل الإنساني وتفحل التمييز العنصري أو التمييز الجنساني أو التمييز العرقي أو اثنان منهم أو كلهم مع بعض...

تدعي الكثير من منظمات حقوق الإنسان استقلاليتها سواء في بلداننا أو في العالم ،هل حقوق الإنسان حقل منفصل عن السياسة برأيك؟ 

سؤال وجيه جداً أشكرك عليه... هناك فرق كبير بين أن تختار حقوق الإنسان كحقل لتشربك لحقوق الإنسان كمصطلح وكظاهرة وكمفهوم فلسفي تبني عليه أسس حياتك وتدعم بهذه الأسس أسس بيوت أناس آخرين، وبين اختيار حقوق الإنسان كحقل سياسي تنتقد من خلاله أنظمة معينة... مهما كانت درجة استبدادية تلك الأنظمة ومهما كنت محقاً في انتقاداتك فلا يمكن اعتبار الحقل الثاني سوى حقلاً سياسياً بغلاف حقوقي ولن ينجح برأيي حتى لو سمى نشاطه بـ"عمل إنساني" لان مدن السياسة فيها أزقة وحواري ومقاهي لتحضير التكتيكات المتشابكة التي ستمتص عطر أي عمل إنساني وتجعله شاحباً خالي الأريج...
ولكن العمل الإنساني الحقيقي قد ينتج عنه تغييرات جيدة على الساحة السياسية وهذا ممتاز ولكنه نتيجة للإيمان بالعمل نفسه والبعيد كل البعد عن أي خط أو هدف سياسي...

إن واقع حقوق الإنسان في بلدنا سوريا متدهور للغاية كما تعلمون من خلال متابعتكم وعملكم،فأبسط الحقوق محرومة على المواطن السوري عربياً كان أم كردياً،فضلاً عن انتهاكات خاصة بأبناء القومية الكردية، والمثال الأسطع لذلك تجريد واستمرار حرمان أكثر من ربع مليون إنسان كردي من حق تملك الجنسية وما يترتب على ذلك من حرمان في جميع مجالات الحياة...ومحاربة اللغة الكردية وأدبها ، مع إن سوريا من الدول الموقعة على جميع مواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة....كيف تتعاملون مع هكذا حالات أقصد هذا التناقض؟!

اجل سيدي العزيز الوضع في سوريا متدهور جداً... الانتهاكات التي تحصل في سوريا تشمل التمييز والعنف ضد المرأة، وعقوبة الإعدام، والتعذيب وسوء المعاملة والأخذ بـ "الأدلة" المنتزعة تحت وطأة التعذيب والتوقيف والاعتقال التعسفيان وعدم التحقيق في تصريحات المعتقلين بتعرضهم للتعذيب، والقيود المفروضة على حرية التعبير والاجتماع والاشتراك في الجمعيات والتمييز ضد الأقليات.
كما تعلمون فان محكمة أمن الدولة التي استحدثت بموجب قانون الأحكام العرفية وحالة الطوارئ التي تعيشها سورية إثر الانقلاب العسكري في 8 مارس 1963 واستلام البعث للسلطة هي محكمة غير شرعية ويتم من خلالها إصدار أحكام جائرة بحق العديد من الأشخاص داخل الحدود السورية.
تزعم السلطات السورية بين الحين والآخر بأنها غيرت نهجها وبأنها بصدد تغيير قواعد اللعبة بعد انضمامها إلى الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية العمال المهاجرين واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والبروتوكولان الاختياريان الملحقان باتفاقية حقوق الطفل ، لكن للأسف نكتشف بان لعب السلطات  بالقواعد لم يتغير وعدم تنفيذها للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد عدم استعداد السلطات السورية لترجمة حقوق الإنسان الواردة فيه إلى حقيقة ملموسة.
ويبقى السؤال الذي سألته سابقاً: متى سيؤون الأوان لترجمة حقوق الإنسان إلى واقع عملي في سورية؟
للأسف لا ادري! ولكنني متأكدة من أنني سأظل استنكر أي انتهاك لحقوق الإنسان في أي زمان ومكان ومن ضمنها سوريا. وسأستمر في تذكير السلطات السورية بضرورة اتخاذ خطوات فورية من اجل التنفيذ الكامل للمعاهدات والصكوك الدولية، بما في ذلك القضاء على جميع ضروب التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإانسانية أو المهينة، وضمان تمتع جميع القوميات الأخرى الغير عربية بالحماية الفعالة من التمييز وتمكُّنهم من التمتع بثقافتهم واستخدام لغتهم، وإلغاء عقوبة الإعدام التي تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والحد من القيود الواسعة المفروضة على الحق في حرية الرأي والتعبير وعلى الحق في التجمع السلمي، وممارسة التمييز والعنف ضد المرأة واستهداف مدافعي حقوق الإنسان.

كلمة أخيرة للقراء؟

ادعوكم أحبائي إلى غرس خصلات الأمل بتَلَمس مظاهر روح التضامن الفعلي والدعم والمؤازرة، الذي يجعل خصلات خيوط الأمل مرئية، ويساعد الكل على التمسك بخيط من خيوطه العنكبوتية، وهذا بحد ذاته من أهم وقد تكون من أصعب المهام لأنها تقتضي معرفة كاملة بميكانيزما النفوس البشرية، وخبرة خاصة بكل ما يتعلق بتوظيف وتشغيل كل طاقاتها البناءة، بتفويض من إمكانياتها الطوعية العالية بأنماطها السيكولوجية والنفسية والفكرية والعاطفية. فحافز الأمل مقترن بحافز الحياة ويتوجب أن لا ينضب كلاهما عند السجناء والسجينات ـ تلك المجاميع البشرية التي تقف مجبرة غير مخيرة أمام أقسى أنواع الضغوطات والصعوبات و أعتى معارك المداهمات وهتك الحرمات واعنف أعاصير ضربات التحديات، ولكنها بالأمل تظل متماسكة، صامدة، قادرة على البقاء على قيد الحياة لتنهار في النهاية مرتفعات القهر الرملية الشاهقة التي لا بد لها أن تندثر بالإرادة القوية...
لأهالي الضحايا الصابرين الطارقين لكل الأبواب بحثاً عن إنصاف لبناتهم وأبنائهم وذويهم أقول شكراً لجهودكم وتعاونكم ولجميل الصبر والسلوان... لمدافعي ودعاة حقوق الإنسان المشكورين الملتزمين بقيمهم النبيلة بالرغم من المخاطر والصعاب التي تواجههم من كل حدب وصوب أسجل: اعلم علم اليقين بأنكم ستواصلون المسيرة نحو الهدف... دمتم للإنسانية...
أبعث لكل من سيقرأ هذا الحوار ولكل من لن يقرأه بأعطر التحيات المفعمات بالحب والمودة والوفاء والولاء من أخت تحس نحوكم بالانتماء... وتتمنى لكم كل الرخاء.
------------------------

* سفيرة منظمة العفو الدولية لوقف التعذيب
و عضو الهيئة القيادية العليا لمنظمة العفو الدولية ـ الدنمارك

---------------

عن مجلة "الحوار" العدد 50/51 شتاء وربيع 2006
الحوار مجلة ثقافية فصلية حرة تصدر في سوريا- قامشلي منذ عام1993
تهتم بالشؤون الكردية وتهدف لتنشيط الحوار العربي- الكردي.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1129