الثورة السورية: قراءة في مواقف الدول المجاورة
التاريخ: الأثنين 09 كانون الثاني 2012
الموضوع: اخبار



حسين جلبي


ليست الرغبات و الأمنيات و المصالح وحدها، هي ما يتحكم بمواقف الدول المحيطة بسوريا، بل الخوف من النظام و من المجهول، تبعاً لبقاء النظام أو سقوطه، هو العامل المرجح في تلك المواقف، هذا الخوف الذي يجعل تلك الدول تمتنع عن وضع بيضها كله في سلةً واحدة، بل تناور لتصل إلى توزيع بضاعتها الكلامية على كفتي الميزان بصورة متساوية، و كل ذلك، لأنها لم تتوصل بعد، إلى فك الإحجية التي تشغلها على مدى الأشهر العشرة الماضية، و التي تدور حول سر بقاء النظام.


و الحقيقة فإن مواقف دول الطوق السوري، تتراوح بالنسبة للشعب السوري، و ربما بالنسبة للنظام أيضاً، بين السئ و الأسوأ، فهي لم لم تنفع الثورة في شئ، بل بالعكس، أصابتها في مراحل معينة، بخيبة أمل كبرى، و كلفتها المزيد من الدماء، و خاصة بعد أن رفعت تلك الدول من سقف تصريحاتها المعادية للنظام السوري، ، لتسقط من ذلك العلو، خيبات أصابت شظاياها الثورة أيضاً.
و لعل أكثر المواقف إثارةً للتعجب، كان الموقف التركي، لأنه شكل إنقلاباً مفاجئاًعلى شقيقه السيامي السوري، ففصلتهما خطوطٌ حمراء، وهمية، وضعها الأول و تجاوزها الثاني، و خُيل للبعض، و هم يرقبون القصف العاطفي المدرار، من الثنائي أردوغان و أوغلو، اللذين أوصلا الدموع لما فوق الركب، أن الإثنان لفرط إستعجالهما، و تأثرهما بالمأساة السورية، بصدد إقتحام سوريا سيراً على الأقدام، و الدخول في إشتباك بالأيدي مع آل الأسد، لكن تلويح الأخيرين بأوراقهم، و من ثم العقوبات الإقتصادية، التي أعلنتها تركيا حفظاً لماء وجهها، بعد لهجتها التصعيدية، و بعد أن أُسقط في يدها، نتيجة إعلان الدول العربية حزمة من العقوبات، قد جاءا بنتائج عكسية على الإقتصاد التركي، مما أدى إلى تغيير الموقف التركي، و جعل السياسة التركية تخرس و إلى الأبد، لوقف الأضرار التي حصلت نتيجة خطأ في الحسابات، بُني على فرضية أن سقوط النظام السوري سيكون مثل شقيقه الليبي سريعاً، لكن تأخر السقوط، جعل العقوبات التركية ذات مفعول معاكس، حتى خُيل للبعض أن سوريا هي التي تعاقب، ساعدها في ذلك ـ ساعد سوريا ـ إقتصادها المُضحك، الذي يقوم على تجميع الأموال، بوسائل الإبتزاز و الإحتيال و اللصوصية و القرصنة، مقابل الإقتصاد التركي الهش، الذي ليس سوى شركة للسياحة و السفر، ميزتها الوحيدة وجود مقرها في منطقة ترانزيت.
بجوار ذلك، خرج النظام العراقي أخيراً عن صمته، أو كشف القناع عن وجهه، حيث تبين أن الحرية و الديمقراطية التي حاولت أمريكا زرعها في العراق، لم تكن سوى عملية إنقلاب طائفي، جعلت العراق العقدة في عمامة الولي الفقيه، و مجرد وصلة في الممر الواصل إلى دويلة حزب الله على البحر المتوسط. لذلك كان من المنطقي أن تتدفق، و بأوامر من الولي الإيراني، الأموال و كذلك المرتزقة للمساهمة في حماية النظام السوري، و التخفيف من وطأة العقوبات الدولية.
لكن موقف إقليم كوردستان قد تمايز عن موقف حكومة المالكي في بغداد، إلا أن هذا الموقف بقي حذراً و لم يذهب إلى حد تشجيع الكُرد في سوريا على الإنخراط مع المعارضة المطالبة بإسقاط النظام، و لعل السبب الرئيسي لموقف حكومة الإقليم الكُردي هذا هو أنها لُدغت و لا زالت في أكثر من موضع و من أكثر من مكان من قبل الحكومة العراقية، حيث كانت هذه الأخيرة قد قطعت التعهدات و وقعت الوثائق عندما كانت في المعارضة بحل المشاكل التي خلقها النظام العراقي السابق للمناطق الكردية، و ذلك وفق مقتضيات الحق و العدل، و قد مرت السنين، و أصبح للعراق دستور ينص على حل مشكلة كركوك و المناطق المستقطعة بعد تطبيع أوضاعها، لكن حكومة المالكي لا زالت تمتنع عن تنفيذ تعهداتها و إحترام توقيعها و إحترام دستورها.
أما لبنان المنقسم على نفسه، فهو قد أصبح مجرد مدينة إنتاج إعلامي، و ساحة لتنفيس النظام عن عقده، و صندوق بريد بديل يوجه من خلاله رسائله، عبر السُعاة الذين يستدعيهم رئيس النظام كلما كان لديه ما يرغب بقوله، لكن من جهةٍ أخرى، أدت الثورة السورية إلى تحجيم حزب الله و إزاحة ورقة التوت الأخيرة التي كان يستر بها عورته الطائفية، بعد تدخله الدموي إلى جانب النظام، و بالمقابل كانت هذه الثورة بمثابة القيامة لثورة الرابع عشر من آذار و صحوةً جديدة لتيار المستقبل، و لعل لبنان هو الدولة الوحيدة التي أثرت و تأثرت بما يجري في سوريا.
لكن هذه الإضطرابات الكلامية في دول الجوار السوري لم تظهر إلا في حدودها الدنيا في إسرائيل، حيث كل شئ هادئ على الجبهة، كما كان عليه الحال منذ وصول آل الأسد إلى السلطة، لا بل أن المسؤولين الإسرائيليين قد ساعدوا زملائهم السوريين ببعض الحركات الممانعة، و كذلك بإطلاق بعض التصريحات (المعادية) التي عززت تلك الحركات. لكن هدوء الجبهة هذا لا يشي بأن ما وراءها في الجهة الإسرائيلية هو كذلك، فالبرود الذي يقابل به العالم الدم السوري المسفوح، هو دلالة لدى البعض على وجود حركة ساخنة في إسرائيل لتبريد الرؤوس الساخنة الكبرى في العالم، و هذا ما يدفع للشعور بأن إسرائيل لا تزال ممسكة حتى اللحظة بخيوط اللعبة، و تحتفظ لديها بمفاتيح آل الأسد.
أما الأردن، حكومة و أحزاب و فعاليات شعبية و شخصيات، فهو يكرر نفسه من خلال القيام بالدور ذاته الذي لعبه مع النظام العراقي السابق في جميع مراحله، قبل السقوط و بعده.
كما كانت الكلمة الأولى في الثورة السورية لشبابها، فإن الكلمة الأخيرة سيسطرها هؤلاء أيضاً، أما تلك الزوابع التي أثارتها و تثيرها دول الجوار، بل كل الدول التي تناولت الشأن السوري، فقد عَبرت، تأقلم معها النظام و إعتاد و لم تعد تقلقه، ما يقلقه حقاً، و ما لا يستطيع أن يتأقلم معه، هو إرادة الثوار التي لا تنكسر في النزول كل يوم إلى الشارع، و كذلك الجيش الحر الذي يستجيب للثورة، و كذلك عامل الزمن الذي راهن عليه النظام طويلاً، و يتبين يوماً بعد آخر أن رهانه كان خاطئاً، حيث سيساهم إمتداده، و بالإشتراك مع العوامل الأخرى، وفي لحظةٍ ما، بإسقاط النظام كله دفعةً واحدة.









أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11267