لكنة الوداع ...
التاريخ: الخميس 16 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار


روني علي

   بقليل من الدهشة، يخال إلينا أحياناً، ونحن نحاول استيقاظ المكبوت فينا، والنفخ في رماد أحلامنا، أننا نغزل من بنات الخيال أشباحاً لموتانا، بل لشهدائنا، ونسرد لأطفالنا، والجاثمين فوق تراكمات الآمال، وكذلك المتسكعين خلف ( حكماء ) السياسة من بني جلتنا، الباحثين عن الغد والأفضل، والطامحين إلى رؤية قرص الشمس وهو ينبلج بهياً في الأفق الكردي، قصص أولئك الذين توارو عن الأنظار، وإلى الأبد، من أجل أن يتذكرهم القوم، ولو في الأحلام، حين تنطق الحقيقة كلمتها، وتصحو الحرية من كبوتها، والجثو أمام مراكز القرار من غفوته

كونهم أرادوا أن ينطقوا كلماتهم، بمزيج من اختلاجات الدماء والدموع، ويفترشوا الأرض بعضاً من بذور شقائق النعمان، علها تبث الأمل في قلوب أولئك العوانس، ممن يسامرون الكبوة في شرايين ممتهني لعبة السياسة، حتى لو كانوا على قناعة بأنهم لم يجيدوا بعد، قراءة بعض السطور التي كتبت؛ على أن الساسة الحقيقيون، هم أولئك الذين يحملون قضاياهم في عقولهم وعلى أكتافهم بشيء من النبل والرجولة، حين تكون المسائل متعلقة بقضية وجود أو لا وجود، كما حالنا نحن معشر الكرد، الذين نعارك الحياة من أجل البقاء .. وأن الساسة الحقيقيون هم الذين يصنعون من الموقف حياةً ومن الحياة تاريخاً ..؟؟!. وشتان ما بينهم، وأولئك الذين يجدلون من شقاء المنهكين، وبؤس المنخرطين في صراط التحزب والتخندق والولاء، الفاقدين لبوصلتهم، بحكم الخواء المعرفي وثقافة الانصياع والركون إلى ما هو أمر واقع، طقوسهم وشهواتهم في تجسيد ذواتهم، وإشباعهم لغريزة الأنا والذات، التي تضخمت على حساب المجموع، بعيداً عن الوسط والبيئة وحقيقة قاماتهم، خاصةً إذا ما انزاحت عنهم أقنعة الادعاء، وكذلك التلاعب بالمفردات والمصطلحات، أو انسلخ عنهم المريدون، أولئك الذين يرضخون لمشيئة القرار والتقرير، ويلتزمون الصمت والسكون، إما لقاء التباهي ببعض المواقع، أو الحفاظ على الذات من غضب أولي الأمر، ومدارة أشكال المواجهة ومضاعفاتها .. وما أكثرهم، في الوقت الذي نطمح إلى تغيير النموذج والنمط والذهنية.. وما أكثرهم، في الوقت الذي نحترم التاريخ النضالي لكل من ساهم ولو بموقف، في عملية النضال من أجل الارتقاء، كوننا نحترم آدمية الإنسان، وندرك جيداً أن عملية التغيير الذي ننشده كردياً، لا مجال فيه للانقلاب أو إقصاء الآخر، إلا أننا نحاول أن نعيد الأمور إلى نصابها في استنطاقنا للوقائع والحقائق، وكشف ما هو مستور، وما هو مغلف بمساحيق وألوان، أمام ناظري المنخرطين في العمل السياسي، والذين يبنون مواقفهم على قناعات، توحي لهم، بأن كل من دخل الوعاء النضالي الكردي، لا بد وأن يكون متمتعاً بخصائل المناضلين وقيم المضحين، وفي ذلك الكثير من الإجحاف، والكثير من التضيق في زاوية الرؤية، والمزيد من التسكع أمام قاطرة التغيير ..
   وبقليل من الدهشة نقرأ الموقف ونرى نقيضه على الأرض، وذلك في معمعان تلاطم المواقف، وإجادة لعبة التبرير والتنصل من كل ما من شأنه المساس بهالة الذات، حتى لو كان المعني بالأمر، من المؤسسين للموقف ذاته، كوننا نسل ثقافة تحول الهزيمة إلى انتصار، ونجابه بكل ما أوتينا من قوة، كل من يحاول أن يخدش سلامة منطقنا، وسداد رأينا، وإن كنا نتفهم الدور واللعبة، وأن السياسة في نظر البعض؛ ما هي إلا محض تجارة، ينبغي أن يجني ثمارها، وإن كان ذلك يتطلب القفز من فوق الحقائق، وتقديم المقدسات إلى أسواق المقايضة .. لكن ما يقلقنا، هو أن تستمر الحال ضمن سياقات الحال وآفاق المستقبل، ونكون مجبرين على إطلاق صافرة الوداع بلكنة الوداع، للمرحلة التي هي حبلى بمشاريع، كان من الممكن أن نأخذ منها قسطاً من أجل الكرد وفي سبيل القضية الكردية، دون أن نكون قد خرجنا من رقادنا، وأخرجنا برؤؤسنا من بين حدي مقصلة التوازنات الحزبية والفئوية والسلطوية، ونكون مرةً أخرى مجرد توابيت تحملها أكف أولئك التجار، ويدفع بنا إلى أسواق النخاسة، ونحن نردد شعارات التضحية والنضال، قبل أن تُقرع أجراس الرحيل وتُعزف سمفونية الوداع، ونُقنع أنفسنا بأننا لسنا سوى عربون وفاء للعقل السديد، وثمن التضحية من أجل ما نحن مؤمنين به، ونكون بذلك قرابين العقلية التي لا تدرك من أولويات النضال والتضحية، سوى الحفاظ على الذات، وإن كان فيه إهدار للطاقات وهتك للمقدسات ..     
   فقضايا النضال وإشكاليات السياسة وزكزاكية المواقف، لا يمكن معالجتها وإخراجها من عبثيتها، عبر الركون إلى أشكال المجاملات، ومسد الجبين، وملاطفة المشاعر، والابتعاد عن ممارسة الذات، وأن الخروج من حالة الترهل والانكسار والستاتيكية، لا يتم وفق العقلية التي تخشى من الخطأ الإفشاء، ومن الموقف الفك والتركيب، وإخضاعه إلى التحليل والاستنباط، ولا إلى الذهنية التي تخشى من الغسيل حين نشره أمام الملأ، أو مجابهة بذور الفكر والثقافة تحت مسميات ويافطات لا صلة لها بما يتم الادعاء به، لأن في الحالة هذه، نكون كمن يؤدي التراتيل، ويقدم طقوس الولاء لما هو مقدس، ولأنه في الحالة هذه، تكمن نقطة الضعف فينا، ويمضي المستقبل كما الماضي، ونحن نزيد من صرخاتنا، وإن كنا نجس آلامنا ونشكو من القمع والاضطهاد والضياع، ولأن في الحالة هذه، دمار وانهيار، وبالتالي سنقف مضطرين إلى التقاطر، ودون أن ننتظر الدور، كي نطلق صافرة الوداع، خاصةً إذا ما ترجمت قراءتنا، ومن لدن الذين يعول عليهم التغيير، على أنها محض افتراءات أو مجرد نصائح مجانية، أو أنها تهدم دون أن تبني، أو فيه ما يمس المقدس ويخدش المتداول والسائد، بدل من أن يستجمع طاقاته ليطلق صرخته قائلاً : فإلى متى ..... ؟!. وذلك حتى لا يكون من هم على شاكلتنا رازحين أبداً، وفي مختلف المراحل، تحت سطوة زفرات التأوهات ولكنات الوداع ..       







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1111