الربيع العربي بعض إفرازات ونتائج مختلفة (2)
التاريخ: الأربعاء 02 تشرين الثاني 2011
الموضوع: اخبار



محمد قاسم " ابن الجزيرة "
m.qibnjezire@hotmail.com

كان القذافي بين يدي الثوار في حال يرثى لها، وربما استدرّت عطف الحانقين عليه؛ أكثر من تشفّيهم بما يرونه فيه...!
هكذا هي طبيعة الحال البشرية السوية...!
المشاعر تفور – وتنفر - عندما يثيرها منظر غير مستقر في أعماق النفس؛ كجزء طبيعي فيها،  أو يصنّف كمنظر مستهجن في عرفهاـ وبمعاييرها الفطرية ،خاصة، و المكتسبة أيضا.


نسي الناس في لحظة، ما فعله القذافي، وهم يرونه في حال مستضعفة بين أيدي جماعة ينهالون عليه ضربا، ويهينونه، وهو في حالة عجز عن الدفاع عن نفسه، والدماء تسيل على وجهه ؛ يتحسسها بارتباك ودهشة ووجل ...!
حيال مشهد كهذا؛ يتوقف- أو ينشلّ- عمل التفكير، وينشط عمل المشاعر؛ وهي في مثل هذه الحال تهتاج، وتزداد هيجانا؛ كلما طالت مدة المنظر المثير للشفقة، وقد يتحول التعاطف مع الثوار –هنا- إلى التعاطف مع القذافي، والذي كان قُبيل هذه اللحظات، يوصف بالتوصيفات الموغلة في الذم والقدح وربما الشتائم.
وعلى الرغم من احتمال أن يتذكر البعض -في بعض لحظات- مواقفه المكابرة، والمبالغة في ادعاء البطولة، والقوة، والعظمة المزيفة... وهذا قد يستدعي بعض السخرية، لكن العمق الانفعالي المشاعري سرعان ما ينزلق إلى المشهد المؤثر ،الحاضر.
البشر –مذ وجدوا على وجه البسيطة- يناضلون "ضد الطبيعة" بتعبير الماركسية، وضد كل ما يعيق طموحهم نحو حياة يتمنونها هادئة،هانئة، مرفهة، فيها أمن وأمان واطمئنان، وشعور بالحرية في البحث عن الذات وتحقيقها...
ويبدو أن الخالق –أو الطبيعة –بلغة الدهريين والملحدين...- قد تعمّد أن تكون الطبيعة الكونية، والبشرية، بهذه الصيغة التي تتطلب الكثير من الجهد، والبحث والوعي...!
وكأن هذه الحالة ضرورية لكي تدفع- وتوفر الحافز- نحو البحث في الذات وعنها، وفي الكون، وإيجاد مواءمة بين الذات وتكوينها؛ والكون ومعطياته المختلفة.
أعجبني قول احد "الألمان" في مقابلة تلفزيونية شاهدتها منذ زمن إذ قال: قضيت أربعين عاما أبحث فيها عن ذاتي، وعندما سأله المذيع:وماذا تنوي أن تفعل بعدها؟ قال: سأحاول أن أستقر، فأتزوج، وأنجب أولادا، وأجد عملا، وأحيا حياتي الباقية كما فهمتها ..
ولكن هل يسمح الحكام الذين اعتادوا الاستبداد، والتحكم في رقاب الناس، والتدخل في تفاصيلها، بمثل هذا النمط من الحياة التي يتمناها الإنسان أن يعيشها، ووفق ما فهمه في الحياة حين البحث عن الذات واكتشافها...؟!
في مقابلة على قناة البي سي اللبنانية –وهي مقابلة حصرية  في ظرف ينتظر المحاكمة فيه.خلال يومين،  يؤكد  مدير "موقع ويكيليكس" جوليا أسانج- أن الثقافة الاستخباراتية –السرية- هي مصدر الفساد في العالم، وهي مصدر الظلم والتجبر واستغلال المستضعفين عموما.
ومن المؤسف أن الثقافة الاستخبارية  هي المهيمنة في أدبيات حياة الحكام عموما، ويبدو انها قد قضت على الروح الخلاّقة والمبدعة؛ لبحث القضايا المهمة من اجل تحسين حياة البشر –خاصة في البلدان المتخلفة- والعربية منها- ولعل هذا هو سر الربيع العربي ومفرزاته ونتائجه ..
لا يبدو أن تطوير المجتمعات بهذه الخصائص، سيتحقق  في المدى المنظور –على الأقل في حياة شعوب الشرق الأوسط، ومنها الشعوب العربية، وتلك المتعايشة معها بحكم ظروف مختلفة، والتي بدا مصطلح الأقليات يهتز ليحل محله مصطلح التكوينات أو المكونات ...وقد ابتكر في العراق بعد سقوط الراحل صدام حسين.، ولا ندري بعد فترة ما هو المصطلح المحتمل؟!..
يقال في الفيزياء:"الضغط يولّد الانفجار" وكان الحكام يعرفون هذا، لذا كان النهج المتبع هو أن لا يصل الضغط إلى الانفجار اجتماعيا وسياسيا..غير إن اعتيادهم على الاستبداد، والسلوك اللامبالي بمشاعر ووعي وحقيقة واقع الشعوب ، وإيكال الكثير من مهماتهم التي سئموها إلى أتباعٍ –غالبا هم مرتزقة، ومنتفعون عموما، في مثل هذه الأحوال- ليتفرغوا لبعض ملذات تتزايد جاذبيتها باستمرار.
 وكلما مارسوا هذه الملذات؛ اعتادوها اكثر ،وانصرفوا عن المهام- والمسؤوليات- الكبيرة التي يفترض أنهم يحملونها...وقد نبه إلى ذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع الأمازيغي –ابن خلدون.
وبناء على هذا التحليل، قسم عمر الدولة إلى أجيال، آخرها تلك التي يستسلم حكامها إلى ملذاتهم، وتضعف قوة الحكم القابضة برقاب الناس- أو إدارتهم- فتصبح جاهزة للسقوط تشبه الثمرة المستوية، والتي تنتظر –وكما يقول :نأمة " تسقطها.
عندما تسود المصلحة الخاصة وقيمها؛ فإن الرابطة بين الحكام وأتباعهم تضعف، وتخضع لنوع من المساومة المباشرة وغير المباشرة، ويهتم هؤلاء الأتباع والمؤيدون بمصالحهم الخاصة في الجانب الأكبر من اهتماماتهم، وينفلت عقال الذين كان الضغط يسد أمامهم أبواب الانفجار، فينفجرون...!!
 وما أدراك ماذا يعني انفجار قوة الشعوب..انه كقوة السيل من عل، يقتلع أمامه كل شيء، ولا يعود لكل الأساليب القديمة من التحكم؛ ذات جدوى..وهذا ما حصل في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي سوريا.. وسيحصل في معظم الدول ما لم تتدارك ذاتها، وها هي بعضها تحاول ذلك، ففي السعودية أصبح ممكنا أن تقود المرأة السيارة وان تكون في مجلس الشورى...وغير ذلك، وفي عمان تتوالى إصلاحات، وهاهي قطر تهيئ الظروف لتغييرات تجنّبها الزلزال، وفي المغرب حدث ذلك، والجزائر –على الرغم من نهجه التقليدي المتهالك- يحاول أن يبث الأمل في الشعب، فيما السودان اضطر إلى الاعتراف بجنوبه دولة، وها هو يناقش بشأن قضية دارفور، بضغط من الأمم المتحدة...  والحبل على الجرار كما يقال.
بل في أمريكا ذاتها انبثقت حركة "احتلوا"،  وتتصدر أخبار العالم، وفي الصين –على الرغم من الأيديولوجيا المعدلة فإن روح الثورة تتنامى ،وأحيانا تتجلى في شكل ما، وهكذا...
كل هذه الإجراءات ليست سوى رتوش لا تلامس العمق. فالتغيير هنا تكتيك في ذهنية الحكام، وليس شعورا بضرورة التغيير كنتيجة لمتغيرات الحياة ومتطلباتها .
هذه مشكلة في الذهنية الحاكمة تاريخيا، ولكن الدول المتقدمة –أو لنقل الشعوب المتقدمة –تجاوزتها، ولعل طبيعة الثقافة التي أصبح العلم والنهج العلمي-المنطقي أساسها، هي التي استطاعت أن تغوص إلى بعض أسرار العلاقات الاجتماعية –ومنها السياسية طبعا- بينما تلك التي بقيت ذات ثقافة أدبية؛ ذات طبيعة ذاتية، ولا تزال تعيش مرحلة البحث والدوران حول الذات، وأحيانا كثيرة مرحلة الوهم والتوهم.
في هذه الظروف ما لم يستعد "الحدس الشعبي الطبيعي" الجذور والأصول -ويبدو ان روح الثورات جوهرها- فإن المستقبل يبقى غامضا.لكن الخطورة هي في المضادات التي تعيق عفوية الثورات، وأيضا انحرافات محتملة في نهج الثائرين بتأثير تربية خاطئة في صورة ما لعل الغالب فيها هو الميل إلى الثأر والتدمير في لحظات انفعال...
في حياة الإنسان –عادة- جانبان بارزان،جانب عقلي منطقي، ومنه الجانب التحصيلي العلمي والمناهج، وجانب نفسي- أحيانا يمتزج مع جانب فيزيائي-  يختزن الغرائز والميول والعواطف ...الخ.
ويمكن تصنيفها جميعا تحت عنوان: الانفعال –وهو ذاته متدرج في القوة ما بين الهدوء والهيجان الثائر - ولكنه يبقى انفعالا، تقل في فاعليته، تأثيرات العقل عادة.
وكأن البعد الانفعالي هو  الذي يتحكم في سلوك المجتمعات المتخلفة أكثر، لذا فالمناهج المتّبعة في الفهم، وفي العمل؛ تبقى هي ذاتها؛ تلك التي تخضع لما يمليه الانفعال، والحالة الذاتية.
فكانت حصيلة هذا النموذج من التفكير والسلوك ما شهدناه في بلدان الربيع العربي التي تغيرت، وما نشهده في بلدان الربيع العربي التي لا تزال تعيش المعاناة،بل المأساة.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10583