دكتاتور أقل، جرائم أقل
التاريخ: السبت 22 تشرين الاول 2011
الموضوع: اخبار



حسين جلبي

هناك علاقة تناسب طردي بين كثرة الأنظمة الدكتاتورية و إرتفاع معدل الجرائم في العالم، فكلما زادت الأنظمة الدكتاتورية، كلما إزدادت القلاقل و إزدادت معها بالتالي نسب الجرائم، إزداد تخريب الإنسان و الأوطان معاً.
إنظروا إلى تاريخ الدكتاتورية في العالم خلال القرن الماضي ، من دكتاتورية هتلر إلى موسوليني إلى ستالين إلى غيرهم، سلسلة طويلة من المجازر الدموية كلفت ملايين من البشر حيواتهم، و كلفت العالم ثروات طائلة كان يمكن أن تصرف في التنمية. إنتهت هذه الجرائم بمجرد سقوط الأنظمة التي حكم هؤلاء بإسمها.


و حتى لا ندخل في تفاصيل ليس أوانها، فلنبق في موضوع الساعة و لنستعرض بعضاً من كبريات جرائم الدكتاتور الليبي القذافي التي تحتاج في الحقيقة لمجلدات عديدة للألمام بها،فعلى الصعيد الدولي لا تبدأ جرائمه من تفجير طائرة (بان أمريكان) فوق لوكربي باسكتلندا عام 1988 و لا تنتهي بتفجير مقهى (لابيل) في برلين أو الطائرة التابعة لشركة يوتا الفرنسية عام 1989 فوق صحراء النيجر، و التي كانت بالنسبة له مجرد أفعال طائشة، لكن دفع ثمنها مئات الأبرياء، و لنتذكر و نحن نستعرض هذه الكبائر، أنه لم يبق تنظيم يتبع العنف من مشارق الأرض إلى مغاربها إلا وتلقى مساعدات من ذلك الدكتاتور بالمال والسلاح والتدريب و المؤتمرات و الصوت المرتفع؛ فكل الحركات التي اعتبرها العالم تنظيمات إرهابية وجدت في ليبيا بقيادة العقيد معمر القذافي ملاذاً وسنداً. أما جرائمه في ليبيا فحدث و لا حرج، و لعل أشدها هولاً أو شهرةً هي مجزرة سجن أبو سليم التي قتلَ فيها و بدمٍ بارد مئات السجناء، و التي أشعلت مناسبتها السنوية الثورة الليبية التي كتبت نهايته.
اليوم بمقتل القذافي انتهى و إلى الأبد أحد أكبر مصادر الشر  في العالم، سترتاح ليبيا، و سترتاح أفريقيا، و سيرتاح العالم أخيراً من صُداعٍ دام اثنين و أربعين عاماً، فقد انتهت كل هذه الجرائم و لن يحدث مثلها بعد الآن.
لكن ما فعله و يفعله النظام السوري لا يقل حقيقةً عما فعله نظام القذافي، فهذا النظام قد تلاعب بالعالم شرقاً و غرباً، شمالاً لكن ليس جنوباً، أو بالتحديد ليس كل الجنوب، فقد بقي القسم من الحدود المشتركة مع إسرائيل خارج اللعبة التي عرف النظام أن ثمن الهفوة هناك قد تكلفه غالياً. و ما عدا هذه الجزئية،  فقد اعتبر هذا النظام ما وراء حدوده كلها في كل الجهات ملاعب أتقن إشعال الحرائق فيها، و إطفائها عند اللزوم، كما كانت تلك الملاعب صناديق بريد حملت رسائله إلى جميع أنحاء العالم، و إلى داخل سوريا ذاتها كدليل على جبروته.
و لعل الحريق الأكبر الذي أشعله النظام كان في العراق، و ذلك عبر سيناريو و إخراج إيراني متقن أوقف مسلسل التدخل الأمريكي و جعله مقتصراً على نسخته العراقية، فقد فتح النظام السوري حدوده على العراق بعد سقوط شقيقه العراقي فكانت هذه الحدود كأبواب جهنم، فمنها تقاطر الإرهابيون و المتفجرات و الأموال و كل الشرور الذي وصل من شتى أنحاء العالم، و تم إعداد هؤلاء على عجل في أفرع المخابرات السورية لمهمة واحدة هي سفك الدماء، فما كان من هؤلاء إلا أن أغرقوا العراق في ظلام دامس و أسالوا فيه أنهاراً من الدماء غرقت فيها الماكنة الأمريكية .
أما في لبنان فجرائم النظام لا تحتاج إلى شرحٍ و تفصيل، و لعل أشدها وقعاً عدا عن مسائل التوريط في حروبٍ بالوكالة والفتن الحروب الأهلية، و عدا عن النهب المنظم، هي جرائم الاغتيال السياسي لنخبة من الشخصيات اللبنانية هي أروع ما يمكن أن تفاخر بها أمة، بسبب وقوف هذه الشخصيات ضد سياسات النظام.
أما في تركيا فقد استغل النظام السوري العاطفة القومية لدى أكراد سوريا و وجهها إلى ما وراء الحدود باتجاه تركيا، بهدف إضعاف الوجود الكردي في سوريا من جهة و ابتزاز تركيا في مسائل المياه و لواء إسكندورنة (عندما كان اللواء لا يزال على أجندته) و تقوية دوره الإقليمي من جهةٍ أخرى، لذلك دعم النظام حزب العمال الكردستاني بالمال و السلاح و المقاتلين و أبقى الحريق مشتعلاً إلى أن بدأ يصل أليه، عندها فقط نفض يده من الحزب، و إنقلب رأساً على عقب، و راح يتلو فعل الندامة، الذي يبدو بأنه قد ندم على تلاوته مؤخراً.
اللعب بالورقة الفلسطينية لم يختلف كثيراً عن التلاعب في المسألة اللبنانية إلا في التفاصيل، يكفي أن نذكر أنه منذ بدأ الثورة السورية و قبضة النظام قد بدأت ترتخي يوماً بعد آخر عن القضية الفلسطينية، حصلت منذ ذلك الحين مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية، و تمت صفقة لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين و الإسرائيليين، كانت مثل هذه الأمور قبل الثورة السورية ضرباً من الخيال، لقد دفع الفلسطينييون ثمناً غالياً نتيجة لتعطيل النظام السوري لكلا المسألتين.
أما في سوريا ذاتها فقد تلاعب النظام الدكتاتوري بمصائر البلاد و العباد، تحولت سوريا و ما عليها إلى مزرعة خاصة يتم إستثمار ما تحتها و ما فوقها و ما يعلوها لمصلحة العائلة المالكة. منذ سبعة أشهر يمارس النظام القتل اليومي دون أن يرف له جفن، فهو يمارس القنص في أملاكه الخاصة.
ماذا سيحدث عندما سيسقط النظام الدكتاتوري في سوريا؟
ستسقط مع النظام كل المشاكل التي يتسبب بها للدول المجاورة، سيرتاح لبنان، سيعود دولة و سيخرج من الوصاية، سيرتاح الفلسطينيون و الأردنيون و العراقيون و غيرهم، و سيتنفس العالم كله الصعداء لرحيل نظام هو بؤرة التوتر و مصدر جرائم مقززة ضد الإنسانية، و لن يسمع العالم بعد ذلك بإسم سوريا إلا كل بضع سنوات عندما تجري فيها انتخابات برلمانية أو رئاسية يتم بموجها تداول سلمي للسلطة، أو عندما يحقق السوريون الإنجازات في المجالات العلمية أو الرياضية أو في غيرها المجالات المختلفة التي أعاق النظام تقدمهم فيها.
أما السوريون فسيلتفتون أخيراً إلى شؤونهم، سيعيشون أخيراً في دولة القانون كمواطنين لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات، و سينظم أمورهم دستورٌ مدني و قوانين عصرية لا يتم تغييرها إلا ضمن آليات تحول دون التلاعب بها لمصلحة أحد.
أما أنا فسأعود أخيراً بعد غربة ثلاثة عشرة عاماً، أزور والدي العجوزين اللذين هرما، أخوتي و أصدقائي، قبور الأعزاء الذين فقدتهم و أنا في الغربة، والذين سقطوا على درب الحرية و لهم الفضل في عودة أمثالي، و سأذرع شوارع القامشلي شارعاً شارعاً، مدينتي التي اشتقت لها كثيراً جداً.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10428