تركيا وأكرادها.. صراعٌ من يدفع ثمنه؟
التاريخ: الخميس 20 تشرين الاول 2011
الموضوع: اخبار



محمد خير داوود

مقتل ست وعشرون جندياً تركياً في هجومين لعناصر حزب العمال الكردستاني.. عنوان لخبر منشور في أكثر من موقع اخباري، يشدّنا إلى قراءته رغم إننا اعتدنا قراءة عناوين مماثلة عبر التاريخ الطويل من الصراع بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، لكن قلّما تجدنا نفكّر في أسباب وقوع حدثٍ ما وتداعياته ونتائجه، وذلك بسبب النزعة الأنانية التي تحتل ذواتنا، والتي ما هي إلا نتيجة حتمية لتراكمات اجتماعية وسياسية ورثناها عن عقلية مريضة، عقلية الوالد الذي يحذّرنا من ابن فلان، قائلاَ: إنه كالعربي يلدغ صاحبه ويغدر به!،


وعقلية بعض النسوة الكرديات اللواتي حين تستصغر احداهن شخصاً ما، فانها تقول: رأسه كرأس المسيحي. أو العقلية السابقة لكادر من حزب العمال الكردستاني، حين يقوم بجمع التبرعات المالية للثورة التي يقودها حزبه في تركيا، حيث يتلوا درسه الذي حفظه عن ظهر قلب كي يقنعنا بدفع المال، مستغلاً سذاجتنا ونزعتنا القومية، قائلاً: كل ليرة ستدفعها ستصبح رصاصة في قلب رجل تركي!.
بالمقابل، تحدّ أفكارنا المتشددة من الجهات الأخرى أفكار أكثر تشدداً، حين يفرض التركي قَسماً على غير الكردي كي يتباهى كل صباح بتركيّته المستوردة ويتعهد بخدمة القومية التركية حتى الموت!، والافكار التي حاول البعث مراراً وتكراراً زرعها في ذهنيتنا كي نلغي امتنا ونعتبرها أمة افتراضية ونمجّد الأمة العربية التي تعتبرنا دخلاء عليها!، ناهيك عن القتل والتدمير والتهجير والتتريك والتعريب المتواصل. لكن، لنبدأ من أنفسنا، هل نحن أخيار، وهل بقي للخير مكان في أفئدتنا؟ الرد على هذا السؤآل مخيف جداً.. يا إلهي.. كم نحن، الشعوب المضطهَدة، مستعدين أن نصبح مضطهِدين، وكم نحن قادرون على نزع رداء البراءة وارتداء فروة ذئب!.
قبل حوالي شهر، زرت مدينة دياربكر في تركيا، مدينة تظهر لك صمودها وتعلّقها بالحياة وعنفوانها.. أناس متحررون من عقد اجتماعية كثيرة، لكن السياسة تصبغ حياتهم من كافة النواحي، حتى اطفالهم مسيّسون. هذا ما اكتشفته عندما استوقفني طفل في العاشرة من العمر، طلبت منه وضع الكيس الذي يحمل فيه عبوات الماء التي يبيعها، كي التقط له صورة، فما كان منه إلا ان وضع الكيس جانباً ليرفع يديه ويصنع بإصبعيه الصغيرين اشارة النصر!.. حتى الطفولة هناك اصبحت ضحية للسياسة.
صبيحة إحدى الأيام، خرجت من الفندق برفقة أحد الدياربكريين، وحين وصلنا لتقاطع شارعين، لاحظت حشداً من الجنود والشرطة، همس لي الدياربكري بنشوة عارمة: قبل ساعة من الآن قام الرفاق بعملية هنا، حيث قتلوا شرطيين!. ومما لاشك فيه فان أحد الجنود الاتراك، في مكان ما، يتباهى في ذلك الوقت بقتل متمرد كردي!..
حادثة أخرى هزّت فيّ كل ما هو حي، حين اتجهت إلى محطة إنطلاق الباصات في انطاكية.. بكاء نسوة وفتيات ودموع تتلألأ في أعين رجال وهم يودعون ابنائهم الجنود الذين إنتهت إجازاتهم وهم في طريقهم إلى مناطق ساخنة على الحدود مع العراق، حيث تدور رحى حرب هوجاء بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني، أمهات تودعن ابنائهن وهن لا يعلمن إن كان هؤلاء الشباب سيعودون أحياء أم أن هذه آخر لحظة تجمعهن بأبنائهن. بالكاد تمالكت دموعي وانا أرى ذلك المشهد التراجيدي الذي ذكّرني بأمهات المقاتلين الاكراد وهن يودعن أبنائهن وهم في طريقهم إلى الموت. إذاً لمَ كل هذه الحرب إن كان الألم واحدا، وإن كانت الدمعة لا تفرّق بين عين أم تركية وعين أم كردية؟!، في النهاية سيكون هناك قتل، والقاتل والمقتول أبناء وطن واحد، أما آن الأوان كي ينتفض الخير وتنتهي الحرب؟! سؤآل مكروه في السياسة، لكنه برسم الشعوب في منطقتنا المنكوبة بعقليتنا.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10408