في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية..
التاريخ: الأربعاء 19 تشرين الاول 2011
الموضوع: اخبار



حسين جلبي

في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية يولد ـ ربما ـ كل ألف عام أحد العظماء، لا أحد يفهمه، لا أحد يلتفت إليه، و ربما لا أحد يراه، و إن رأته الأمة، فهي تجده غريب الأطوار، تجد أفكاره مجنونه، و كلامه هذيان، سلوكه شائن، و حياته غيمةُ صيفٍ عابرة، فهو متمردٌ على رحم الأمة، و خارجٌ على نواميس الكون الكردي.
في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية، تضحي الشهادةُ عاراً، و الشهيد إحراجاً، و القصة كلها تبعث على الخجل. أقصر الطرق لمحو العار و للتخلص من الإحراج و لدفن الخجل، هو رميه، رمي الشهيد، في أقرب فرصة، وأده في الحفرة التالية تحت جنح الظلام، بعد محو بصمات القاتل، و بعد إزالة آثار الجريمة، و بعد ترميم الجثة، و اعتبار الحدث قضاءً و قدراً، أو كأنه لم يكن.


في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية ، ثمةَ من لا يصدق دم الشهيد، ثمة من لا يصدق مقدمات حفلة الدم و لا خواتمها، ثمة من يقطع الحبل السري الواصل بينهما و الذي ينشر عليه القاتل صورته، ثمة من يرسم صورةً أخرى نمطية للقاتل حتى لا يتعب رأس الأمة، لذلك يحرق الشهيد، ينثر رماده في فضاء الأمة، ينشرها شائعاتٍ سوداء تتساقط كالأمطار، فتجرف سيولها الشهيد و كل ما يمت إليه بصلة.
في أمة كالأمة الكردية، ثمةَ من ينكر الشهيد، لكنهُ يعيشُ على هامشه، يتغذى على فتاته، يسقي صحراءه بدمه المنهمر قطرةً قطرة، ثم يتصدر الوليمة، فيأكل من لحمهِ حد التخمة، و يشرب نخب موته، كؤوساً مليئةً من دمه المعتق.
في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية السياسة هي الملعب الذي يلتقي فيه الجميع، على البساط ذاته يمارس الجميع كل الألعاب. هناك هزائم كاملة في الاقتصاد و الاجتماع و التعليم، لكن النجاح الباهر متحققٌ في السياسة، و كلمة السر هي في البيان، المخلوق الخالد الذي يولد لمرةٍ واحدة طوال عمر الأمة، أنه المبتدأ و الخبر، الغاية و المرتجى، يصلُح لكل المناسبات، لأفراح الأمة و أحزانها، لمناسبة إنشاء الحزب أو انشقاقه، كما لمرضه و وفاته، مثلما يصلح أصحابه، و هم المراكز العلمية المتحركة، لكل الأدوار السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية.
في أُمةٍ كالأمةَ الكُردية، تدور عجلة الزمن كل يوم، فتتبادل الخيانة و الشجاعة الأنخاب و الثياب، و يبقى كلام البعض سكاكين، يبقى قتلهم خناجر و اعتذاراتهم سيوف.
jelebi@hotmail.de







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10401