أفكار للحوار (5) (الإعلام مواكبة الحدث) -2-
التاريخ: الخميس 22 ايلول 2011
الموضوع: اخبار



 محمد قاسم "ابن الجزيرة"
m.qasim@nefel.com

الإعلام، وقد مر بظروف وأشكال عديدة ومختلفة ... وقبل ظهور التكنولوجيا الإلكترونية. كان يسمى: "الصحافة" ربما من "الصحيفة أو الورق"،  ووُصفت بأنها "السلطة الرابعة" لما لها من تأثير على مسار الأحداث. السياسية خاصة، إلى جانب السلطات الثلاثة المعروفة في علم السياسة -وواقع الممارسة السياسية-وفقا  للفقه السياسي الغربي، الذي تبنّى هذا الثالوث الذي يتألف من: ثلاثة مفاهيم – سلطات- متكاملة (السلطة التشريعية -السلطة القضائية-السلطة التنفيذية). كمنظومة دولة؛ ومستقلة في إجراءاتها عن بعضها البعض من جهة أخرى.


  ضمانا لتحقيق الديمقراطية واقعيا . هذا النهج- الديمقراطية- الذي أثبت أنه الأكثر نجاحا في حكم‘ فيه توازن وعدالة نسبية، ويوفر نوعا من الاستقرار والإبداع معا-ودون الاعتقاد بأنه نهائي، فلا يزال البحث جارٍ باستمرار لتطويره، ومعالجة الأخطاء المرافقة لممارسته. عندما بدأت الصحافة أداءها؛ كاستجابة لمتطلبات واقعية؛ تضمنت الرقابة الشعبية-على أداء الحكومات، فسميت السلطة الرابعة لذلك. ورتبت ليكون أداؤها محققا للمطلوب ديمقراطيا عبر تكامل المفاهيم الثلاثة-السلطات الثلاثة-. كانت المعايير لعمل هذه السلطات مستندة إلى قيم اجتماعية/أخلاقية مستمدة من روح الأمة التي تبنتها – هنا الأمم الغربية-  حيث تحقيق الديمقراطية كنظام عمل سياسي/اجتماعي فيها..ابتداء من الثورة الفرنسية.  ولا  ننسى أن الديمقراطية مفهوم قديم يعود إلى اليونان في العصور الأولى للفلسفة فيها. (كما نذكّر بمرحلة الحكم الديمقراطي في مرحلة حياة الرسول محمد "ص " والخلفاء الراشدين الأربعة-أو الخمسة إذا أضفنا إليهم عمر بن عبد العزيز- لكن الآليات فيها كانت تعتمد على قيم دينية روحية  ذاتية أكثر مما كانت تعتمد على قيم موضوعية اجتماعية- ربما من هنا اعتراض المتدينين –أو بعضهم- على مفهوم الديمقراطية في الرؤية الإسلامية للحكم. بتأثير اعتبارات مختلفة تكمن في جبلّة الإنسان؛ حيث الصراعات بين القوى النفسية وبين القيم والمبادئ التي يؤمن بها، ويسعى إلى تكريسها؛ كقيم عليا في حياته... فإن الممارسة البشرية تتغير بين الاعتقاد في البدايات والاعتقاد في مراحل المسير المتعاقبة، نحو اتجاهات قد لا تنسجم مع طبيعة الأسس في البدايات –وربما نحو الاتجاه السلبي-.  لكن الوعي المستند إلى المنطق العقلي- مع توفر الإرادة - يجاهد ليبقى الأمر في مساره على الأغلب..ولا يشذ عن هذا ،واقع الصحافة في حياة الإنسان.. وبالمقارنة بين ما يحدث في المجتمعات المتقدمة –والغربية على رأسها، بغض النظر عن موقفنا نحوها فيما يتعلق بتفصيلات اجتماعية ودينية وأخلاقية...الخ- وبين ما يحدث في المجتمعات المتخلفة –أيضا بغض النظر عن موقفنا من بعض التفصيلات المختلف عليها فيها- يطالعنا بجلاء بعض أمور: -  التمويل والاتجاه السياسي والمصلحي لمالك الإعلام، يترك أثرا بيّنا  في نهج هذا الإعلام ...لكنها -في المجتمعات المتقدمة- تكون وفقا لحالة متبصرة وذكية؛ تجهد أن لا يؤدي النقل  المنحاز- العرض- إلى تأثير يلغي حقيقة المعلومة بشكل مباشر وفاقع...ويفقد الإعلام مصداقيته.  بخلاف المجتمعات المتخلفة –والنظم المستبدة فيها- فهي تفرض  أيديولوجيتها على النقل الخبري والتحليلي بطريقة واضحة الانحياز وفاقعة.. وطبعا هذا ما يجعلها فاقدة لمصداقيتها، ويصبح بقاءها-واستمرارها- مرهون بقدرة مصادرها المالية بالدرجة الأولى، لا بتأثيرها- المتلاشي-.  ومما يؤسف له إن تمويل الإعلام في هذه المجتمعات هو من الضرائب التي يدفعها المواطنون من كدهم، ولكن النظم تحتكر الإعلام لصالحها كسلطة على حساب المجتمع ومصالحه المفترضة. بل وتوجهه ضد مصالح الشعب في احتكار مقيت وغريب جدا.. نسمع دائما من المواطنين – في ظل هذه الأنظمة المستبدة وإعلامها المصادَر منها، من يقول: "لقد اشتريت الجريدة- المطبوعة- لاستخدامات منزلية ، فما فيها لا يعدو الروتين المعهود، والتلفيقات المعتادة...". وهذا ينسحب على التلفزيون والإذاعة وكل الوسائل التي تنطوي تحت عنوان الإعلام في هذه البلدان المتخلفة.. -         العاملون في الإعلام –فضلا عن التزامهم بدرجة ما ، بالسياسة المحددة لوسيلة الإعلام التي يعمل فيها –مصدر معيشته-- قد يخلطون  بين ميولهم  ورغباتهم وبين ما يخبرون عنه أو يعلنونه عموما.. وربما  تنقصهم –أحيانا- شروط معرفية، وخبرة وغيرها...وربما يقعون تحت ضغوط  قاسية...وهذه من الظروف الطبيعية التي ترافق العمل الإعلامي عموما، ويفترض بالعاملين فيه، البحث عن سبل لمعالجة هذه المشكلات بذكاء وشجاعة وصدق مع المهنة (ومن المؤسف أن هذه العلاقة شبه معدومة في المجتمعات المتخلفة كنتيجة لباهتية الشخصية في تكوينها ونموها وممارستها لذاتها الحرة بتأثير النظم المستبدة).. - قد تكون ظروف الحصول على الخبر – المعلومات- صعبة ومضللة، وكذلك ظروف إيصالها...تحتاج لخصوصية المقدرة والكفاءة والموهبة...من هنا كنت المغامرة وفكرة السبق الصحفي... - وأشياء أخرى ...
لكن الأهم والأخطر في العمل الإعلامي-كما كل نشاط بشري- هو مصادرة الحرية في الحركة والتعبير والنقل ...فيه.  وهذا ما هو حاصل في المجتمعات المتخلفة عموما، والمجتمعات التي تكون محكومة بأنظمة أيديولوجية استبدادية.. ومن أمثلتها العراق في ظل حكم الرئيس الراحل صدام وحزب البعث،وظروف الحكم في سوريا في ظل حكم الأسد وحزب البعث،وليبيا المحكومة من القذافي وعائلته وأعوانه، ومصر مبارك-كما كانت تسمى مثلما نسبت البلدان السابقة ذكرها إلى حكامها.. وكل النظم المماثلة عربيا أم إقليميا أم عالميا.فالقضية ذهنية-سيكولوجية(ثقافية).بالدرجة الأولى. والثورات التي سميت "الربيع العربي" إنما هي نتيجة المعاناة الضاغطة ونمو الوعي بقيمة الحياة  المختلفة، والتي تستند -في قوامها- على الحرية والاختيار . ولعلها  ستنشئ روحا جديدة، وذهنية جديدة، وسيكولوجية جديدة، بل ثقافة جديدة. إن القاسم المشترك في النظم المستبدة  هو فقدان الحرية في مختلف ميادين الفاعلية، وفي الإعلام بشكل خاص(فقط بعد انتقال السلطة في كوبا من فيدل كاسترو إلى أخيه غير الشقيق، أتيح للمواطن الكوبي أن يقتني الموبايل)..قبل سنتين أو أكثرقليلا. الحرية هي قوام القدرة على الفعل المنتج في الحركة- أية حركة- وفي الاجتهاد، وفي عمليات الفرز، وفي التصنيف...الخ. وهذا ما حصل سابقا، -ويحصل الآن- في الغرب ، بدرجة مُحقِّقة لنتائج مؤثرة ومعقولة. أما في  الشرق -والعربي خاصة- فالحريات ترفٌ في نظر الحكام-المتحكّمين... بل وخطر على مصالحهم منذ كرسي الحكم ومزاياه، ومرورا بالمصالح التجارية وغيرها.   مما يحيل العمل الإعلامي- وغيره- فيها، إلى إخضاع وتطويع لأيديولوجية هذه النظم المستبدة. ومن المؤسف أن هذا النموذج من النظم يجد دوما بين مختلف الشرائح -ومنها ما تسمى الشرائح الثقافية- من يستسلم لها بتأثيرات مختلفة منها، الإغراءات ومنها الخوف...وأهمها ضعف الشخصية وما تحمل من  قيم تتعلق بمعنى القيمة والكرامة البشرية..  يستسلم هؤلاء لهذا النهج الهادم لقيم الحياة وبراءتها.وتكريس الفساد والإفساد عبر الكذب والتزوير المتعمد، تؤدي إلى ارتداد الذهنية والسيكولوجية (الثقافة) إلى زمن كان فيه الشعب  يعيش ويعمل من اجل الحاكم. ولعل الشعارات التي يرددها الناس –بعضهم- في ظل هذه الأنظمة- بالروح بالدم نفديك يا رئيس..يا ملك..يا أمير...أو عبارة "الملك المفدى أو الأمير المفدى ...لا تزال تسكن بقوة، ذهنية وسيكولوجية(ثقافة) الشعوب المتخلفة. فضلا عن ثقافة بعض الأقليات الدينية  والطائفية وربما الإثنية... والتي تتمثل في قول شائع"من يتزوج أمي فهو عمي" فإنها ربما أسوأ ثقافة تكرس الأنانية والجبن وسوء الخلق...لأنها تعيش دوما على حساب الآخرين بعد التنازل عن القيمة والكرامة المفترضة لكل إنسان . ربما لهذا نجد فقط في الثقافة العربية والمتخلفة عموما عبارات لم تعد موجودة في أدبيات المجتمعات المتقدمة بل أصبحت من تاريخها فحسب. فيما لا تزال تعيش بقوة هنا: فخامة الرئيس.معالي الوزير- جلالة الملك...الخ. ومن الطريف أنني قرأت قريبا على شاشة إحدى التلفزيونات: " حضرة صاحب السمو الشيخ...الأمير المفدى..." وهو ليس سوى أمير على جزيرة صغيرة ...بينما كانت العبارة التي تشير الى رئيس اكبر دولة قوة وتأثيرا في العالم "الرئيس....". وفي منظر سابق لا زلت أتذكره بقوة: رئيس الولايات المتحدة ينزل من الطائرة حاملا مظلته ب يده وظل ممسكا بها في مسيره إلى جانب أمير لجزيرة صغيرة كان أحدهم يحمل المظلة فوق رأسه إلى جانب ضيفه... هذا هو الفارق بين الشخصية ا لمتحررة والشخصية المستعبدة من ذاتها وغرائزها المشوّهة،والتي تنعكس على النظرة-او الثقافة –التي تخص هذا الحاكم نحو شعبه. من تقبيل الأيادي والأكتاف والتذلل أمامه. فقد أصبحت كلمة "سيد" هي الجامعة لمعنى القيمة الإنسانية المشتركة بين عامل القمامة وأعلى هرم في المجتمع الرسمي والشعبي...فيما عدا ذلك فكل ينادى بحسب وظيفته"الرئيس...الوزير...المحافظ..الوالي...رئيس البلدية.. العمدة...الخ.    








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10091