من حلب الى دمشق والقامشلي
التاريخ: الأثنين 19 ايلول 2011
الموضوع: اخبار



حسن صافو

انها ليست احدى رحلات ابن بطوطة او (المسالك والممالك) لابن خرداذبة بل انها مجرد (سفرة) بسيطة لمواطن سوري بسيط (ان بقي لمعنى المواطنة في سوريا قيمة) حيث سافر بين ممالك آل الاسد عبر مسالك وطن يسمى سوريا
كانت الانطلاقة من القامشلي الى حلب حيث كانت الطرق سالكة وسليمة وجميلة بخضارها وتؤكد انباء واخبار قناة الدنيا واخواتها وانها فعلا على حق وشعار (سوريا بخير) شعار مظبوط 100% وتكذّب جميع الاعلام المغرض والمفبرك ضد سوريا


وحلب فحالها حال ومالها مال لقد خسرت تجارتها وهيبتها وسمعتها وهي حائرة الان بين الحفاظ على صمتها ووقوفها مع النظام وبين اللحاق ببقية اخوتها من المدن السورية واستعادة كرامتها ومكانتها اللائقة بها
فليكن الله في عونها ويهديها الى ماهو خير لمالها وحالها
ومن حلب باتجاه دمشق وتحديدا عند خان شيخون وجدت عبارة على احدى اعمدة الجسر الموجود امامي (الجولان يرحب بكم) فقلت في قرارة نفسي انها احدى فعايل المندسين وهي عبارة لاتقدّم ولاتؤخر وان احد عملاء قناة الجزيرة قد فعلها ليقوم بتصويرها وليقبض ثمنا بخسا ويتآمر على وطنه سوريا
وقبل حماه وعلى بعد 60 كم منها شاهدت دبابة محمّلة على لودر (سيارة مسطحة) وعليها جنود يحملون بنادق وآر بي جي بعدّتهم الكاملة المسلحة فقلت قد يجوز انهم اضاعوا طريقهم لان هذه الطرقات مخصصة للمدنيين ولكن المنظر والصورة لم تنقطع فظهرت دبابة اخرى واخرى ثم اخرى واخرى وهكذا
فتحت موبايلي البسيط لاخذ صورة او القيام ببعض التصوير لجيشنا الباسل بيننا الا ان السائق والمرافق تسابقا في الرجاء من اجل عدم التصوير لان لديهم عائلات تنتظرهم ولايريدون ان يتم القاء القبض عليهم او قتلهم او واطلاق النار علّي مباشرة وانا في السيارة وقالا بالحرف الواحد اذا كنت تريد الانتحار و(زهقان من الحياة) انزل وصوّر من محل آخر فالتصوير هذه الايام جريمتها اكبر بكثير من حمل السلاح نفسه
فاضطررت آسفا الى التراجع والاكتفاء بتصوير المنظر بالعيون فقط
مشهد الدبابات لم تنقطع الى ان وصلنا الى مفرق حلفايا أي بمسافة 30كم تقريبا بين خان شيخون ومفرق حلفايا كلها كانت مزدحمة بالدبابات وتسير نحو الجنوب قادمة من جهة الشمال من اين قدموا والى اين وجهتهم الله وبشار وحدهما يعلمان ؟؟؟!!!!
لقد كنت سابقا فيما مضى في غاية من السعادة عندما كنت اسافر على هذه الطرقات لان الاخضرار لاينقطع والشجر يملئ جانبي الطريق ويلوّح لي دائما وكأنها ترحب بي وبكل ضيف يمر من هناك الا ان هذه المرة كانت واقفة واجمة لاتتحرك مرتعبة من هول ماتراه وما رأته  هذه الايام
هذه الاشجار كئيبة حزينة لاتلّوح ولاترحب كعادتها على الرغم من الهواء الدائم و القادم من الغرب . انها بانتظار شيء ما من المجهول
وعندما دخلنا حماه وياليتنا لم ندخلها فلقد دخلناها عن الطريق المار من بين القبور ومن كثرتها قال صديقي (هل هذا معقول يارجل وكأن اهل حماه كلهم ميّتون) فالقبور القديمة كانت تضم بين ثناياها قبورا جديدة توحي بأن الاجداد قد اوصوا الاحفاد بوصيّة هي سر بينهم فالاحفاد يسيرون على هدى الاجداد . اما داخل المدينة فكل شيء محاصر الشوارع والطرق والشجر والدوائر والتقاطعات وحتى العشب والماء والهواء من كثرة المتاريس والجنود المنتشرين داخل المدينة ويقومون بفحص و(نفض) كل شيء ينتقل من مكان الى آخر وبدون استثناء
وفي الكراج حيث لاحركة بشرية الا لمن هو مضطر للسفر والوجوه ينتابها الكآبة فلا احد يضحك ولا يبتسم وحتى لايتكلّم فالكل يقوم بعمله بصمت رهيب بعكس ماجرت العادة في كراجات المدن السورية حيث يعلو صوت الباعة والاغاني الصاخبة الهابطة والطّاردة لروح الموسيقى العربية
لم تتأخر السيارة وكأنها كانت على عجل من امرها وتريد الهرب والخروج من هذه المدينة التي تحوّلت الى مدينة اشباح
تحرّكت السيارة بسرعة فائقة ولم تتوقف الا في دمشق وكأن حمص غير موجودة في مسالك سوريا فاخبرنا مرافق السيارة ان الدخول الى حمص ممنوع حيث التعليمات تمنع الدخول والخروج منها أي ان المدينة وضعت عليها كاتمات الصوت والصورة في محاولة يائسة لتقطيع اوصالنا الملتحمة مع بعضها البعض
وما شدّ انتباهنا على الطريق كثرة جثث الكلاب المقتولة وكأن هناك من يخشى هذه الكلاب من ان تقوم بنقل الاخبار والمعلومات في هذه المنطقة او قد تجتمع هذه الكلاب بالتظاهر والمطالبة باسقاط النظام
اما دمشق (شام شريف) وملتقى الشرق والغرب فليفرج الله كربها حيث انها لم تعهد ان تبقى في يوم من الايام من دون ضيوف وزائرين منذ نشأتها الا هذه السنة بالاضافة الى منع الدخول اليها وخاصة من جهة الجنوب حيث (درعا ) ومن الشرق (بلدات الغوطة) ومن الغرب (زبداني ومضايا) والحصار يبدأ اعتبارا من عصر الاربعاء وينتهي يوم السبت ومن خلال تجوالنا ضمن المدينة بسيارة اجرة صدف وان ركبنا مع احد السائقين من المنطقة الشمالية الغربية من سوريا ومن خلال تبادل اطراف الحديث سألنا (من وين الشباب) فاجبته من القامشلي فردّ فرحا وكأنه وجد ضآلة له (على راسي والله انتو جماعة بينرفع فيكم الراس لانكم لم تتخلوا عنّا كما فعلناها بكم عام 2004)
وفي لقاء مع احد الاخوة (الدرعاوية) اكّد على محبتهم الكبيرة للقامشلي وللشعب الكردي بشكل خاص وانه سيشاركنا عيد النوروز في العام القادم اذا ما سقط النظام وانتصرت الثورة قريبا وطلب مني مازحا ان اصليّ معهم يوم الجمعة بدمشق فاجبنته لي الشرف في الوقوف الى جانبه ومن معه للمطالبة بالحرية والكرامة واعلاء صوت الحرية ولكن افضّل ان اموت في مدينتي العزيزة قامشلو واتنفّس هوائها في آخر اللحظات من عمري اذا ما دنى اجلي ولا فرق بين أي سوري وآخر طالما انه يخرج وفي أي مكان ليقول للعالم انه لم يعد يطيق العبودية ويريد انهاء حكم هذه العصابة على بلدنا الحبيب سوريا
والطريق من دمشق الى القامشلي مليء بالحواجز الامنية والعسكرية حيث لاتعد ولا تحصى والملاحظ ان جميع القائمين على هذه الحواجز يتحدثون بلهجة واحدة معروفة لدى جميع السوريين وبخاصة قبل دخول دير الزور وضمنها وبعد الخروج منها حيث انها صورة طبق الاصل عن اختها حماه وما يلفت الانتباه جدران المدينة التي تؤكّد على الصراع العنيف الذي جرى في المدينة فهناك كتابات تم تشويه البعض منها ومسح بعضها الاخر ومن بين هذه الكتابات (حرية وبس – الشعب يريد ...- يسقط الحافظ )
وكتابات اخرى تدل على اصحاب فكرها مكتوبة بالخط العريض (من هنا مرّت الاسود – الاسد او لااحد)
الدبابات منتشرة في كل مكان وخاصة الطرق المؤدية الى البوكمال والميادين وواقع المدينة تتحدّث عن اعمال هذه الاسود وما تقوم به من جرائم بحق كل صوت يطالب بالحرية والكرامة وقانون الشبيحة الذي لايعترف حتى بالله في علاه ويرغم السوريين على قول لا اله الا بشار لانهم كالعقارب خرجت من بطن اسدهم ولذلك فمصيرهم متعلّق كالحبل السري بمصير سيدهم
الفرات ليس كعادته فهو ايضا ساكن لايتحرك وينتظر شيء ما من المستقبل المجهول كاشجار حماه وساحات دمشق وعيون السوريين الذين يتطلعون الى المستقبل ليطووا ماضيهم القريب المظلم وهذه الغمة التي اقتربت من نهايتها
مواطن سوري








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10053