القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 555 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: الشعوب العربية وضرورات الإصلاح والتغيير

 
الأربعاء 16 اذار 2011


خالص مسور

لاشك أن النهضة العربية الأولى في القرن التاسع عشر جاءت دون مستوى السقف المطلوب لطموحات الشعوب العربية آنذاك، ولم تقدم للشعوب العربية مستويات من التطور والتقدم المناسبين، بل أجهض المشروع النهضوي العربي بفعل التدخلات الإستعمارية أولاً ثم بالإنقلابات العسكرية ثانياً، واليوم وبعد مرور أكثر من قرنين على أشلاء تلك النهضة التي لم تكتمل فلا تزال الشعوب العربية تمر بمرحلة الطفولة الحضارية وتعيش في حالة من الإستلاب والقهر السياسي والمستقبل المجهول، وتترنح تحت وطأة البؤس والقلق والضياع على أيدي أنظمة القمع والإستباد الحاكمة التي سلبتها إشراقات الحرية وبوادر الأمل.


ولكن يبدو أن أمواج تسونامي الإصلاح والتغيير بدأت تكتسح المنطقة العربية لتجرف أمامها تراكمات مئات بل آلاف السنين من عذابات القهر والفقر والجهل والتخلف، كما جرى في كل من تونس ومصر واليوم في كل من ليبيا واليمن والبحرين في سابقة تاريخية لم يسبق لها أن ظهرت بمثل هذه القوة الجرأة و الزخم الثوري الهادر. وفي هذا الزخم الثوري أثبتت الشعوب العربية أنها تواقة إلى الإنعتاق والحرية، لتكون سيدة نفسها وصاحبة الحق في السيادة على مقدرات بلدانها وأن تختار انظمتها الديموقراطية بملء إرادتها، وعلى الحكام أن يفهموا هذا الأمر ويستجيبوا لرغبات شعوبهم في الإنطلاق نحو الإصلاح والتغيير بأي شكل من الأشكال.    
ففي ليبيا فوجيء عقيدها وملوك أفريقيا بثورة الحرية الكاسحة ضده ووقف أمامها بذهول واندهاش عاجزاً عن تفسير ماجرى ويجري حوله. وهذا مايفسر مفارقة مثيرة في حفريات سياسة بعض الأنطمة العربية التي لاتتفهم شعوبها التي فاقت تحركاتها اليوم كل التوقعات بعد الصمت الذي لازمها طيلة سنوات مديدة، وكان هذا الصمت الطويل سببه بالإضافة إلى عدم نضج الظروف الذاتية والموضوعية عدة أمور أهمها أولاً: الميراث التاريخي الذي جرى فيه وسم الحاكم العربي خصوصاًً بالأوحد الذي بدأ مع معاوية أول الخلفاء الأمويين والذي قال قولته المشهورة: أنا أول الملوك، رغم عدم وجود الملكية في الإسلام، ولازال بعض الحكام العرب اليوم يعتبرون أنفسهم ملك الملوك مستخفين بشعوبهم ناعتين إياهم بالمقملين والجرذان، وهو مايظهر فعلاً حالة من التأليه والإستواء فوق العروش والشعوب. والثاني هو ما ينص عليه الميراث الفقهي الديني من باب ) أطع الحاكم ولو ضربك وسبك وأهانك وأكل مالك) كما يقول ابن تيمية. والثالث هو حالات الخوف والوجل والقلق الذي لازمت هذه الشعوب بعد الإنقلابات العسكرية التي جرت في مرحلة ما بعد الإستقلال وما رافقها من قمع كبت واضطهاد. والرابع هو حالة الجهل والتخلف الثقافي الذي تعيشه الشعوب العربية وخاصة في الجانب السياسي منها. كل هذه الأمور وغيرها أدت إلى حالة من الركود في الميكانيزمات الحياتية لهذه الشعوب وخاصة في الجوانب السياسية والإقتصادية منها، فكان المنتج هو مرحلة تأليه الحاكم الذي لا يتورع عن ترويع وقتل شعبه الآمن بالمرتزقة والبلطجية كما رأيناه في كل من مصر وليبيا.
وليس صحيحاً أن الحاكم الذي يتلطخ أياديه بدماء شعبه ويعرضهم للإعتقالات ويزج بهم في غياهب السجون وينعتهم بالمقملين والجرذان هو حاكم يحب وطنه وشعبه، وليس صحيحاً أيضاً أن شعبه يحبه ويخلص له. في مثل هذه الحالات المتجاوزة على الحقوق الإنسانية لايستطيع أي حاكم الإدعاء بأنه يمثل شعبه ويخدمه فمن يخدم شعبه يعطيه الحرية ويجله ولا يضيق عليه الخناق ويذله. ومع هذه الإجراءات نجد أنفسنا على الدوام أمام وضع شعبي يتصف بالإضطراب والقلق والتوتر، وضع مهيأ للإنفجار في أية لحظة وهو ما يحدث اليوم في بعض الدول العربية تماماً. وما نراه كحل منطقي سليم لمثل هذا الأمور المصيرية، هو فتح باب التواصل والحوار أي حوار الحاكم مع الشعب من آن لآخر حتى يسترشد بآرائهم وما يرجون ويتمنون فيما يخص شؤونهم الحياتية، وألا يكون هناك خط احمر بين الطرفين ومن أشرف الأمور أن يستمع الحاكم إلى مطاليب شعبه فيستجيب للممكن ويحاول إذلال الصعب منها، ففي العهود الإسلامية وحتى في عهد خلفاء الدولتين الأمويين والعباسية رغم استبداد معظمهم، كان هناك ديوان للمظالم يجلس فيه الخليفة في أيام معينة من الشهر للإستماع على شكاوى الناس ورد الظلم عنهم، وبالمقارنة مع الحالة الحاضرة سوف نجد أنفسنا هنا أمام حالة ارتدادية إلى الخلف، أي دون تسجيل أي تقدم سياسي يذكر على مستوى البلدان العربية اليوم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ويزيد.
ومن استمع إلى خطاباب العقيد القذافي مؤخراً سوف يرى مقدار عنجهيته وانقطاعه عن مآسي شعبه فكان يسأل المحتجين ضد حكمه على الهواء: ليش...ليش..إيش صارلكم... ما إنتو كل شي متوفرلكم... أنا شو مساويلكم...؟...أنا مثل ملكة بريطانيا...أنا المجد... وتساؤلاته كلها تدل بشكل مثير على أنه إله أو نصف إله يسكن برجه العاجي يحكم في السماء كما يحكم في الأرض. وبناء على هذا نرى أن على الدول العربية الأخرى ومنها الدولة السورية أيضاً التركيز على الإنفتاح على الشعب وفتح صفحة حوارات جادة معه، والقيام بدون تردد بإجراء إصلات ضرورية وعاجلة، وخلق حالة من الثقة في التعامل مع الجماهير بكل تجرد وشفافية وإطلاق سراح سجناء الرأي. بالإضافة إلى تغيير إتجاه البوصلة الأمنية مع الكرد الذين هم جزء من النسيج السوري والتخفيف من القيود المفروضة عليهم وإيقاف التهم الجاهزة بحقهم من قبيل التحريض ضد الدولة، وإثارة النعرات الطائفية أو القومية، واقتطاع جزء من سورية وإلحاقها بدولة اجنبية، وللعلم فلا أحد من الكرد يريد إقتطاع جزء من وطنه سورية وإلحاقها بدولة أخرى أبداً، ولهذا يتوجب تغيير وجهة بوصلة الإتهامات نحو جهة الثقة المتبادلة والنسيج السوري وحسن الظن ووضع ذلك في خدمة التلاحم الشعبي والوطني، وليس من شأن الحرمان من الوظائف والإعتقال والضغط الأمني والإتهامات الجاهزة، إلا الإتيان بنتائج عكسية ومزيد من عدم الإستقرار والتفرقة بين مكونات الشعب السوري المتآلف والمتضامن كما أثبت التاريخ ذلك بجلاء ووضوح. وبالمقابل على الكرد السوريين اتباع المسار العقلاني في الدعوة إلى مطاليبهم وحقوقهم القومية المشروعة ضمن سورية موحدة وأن قضيتهم تنحل في دمشق وليس في غيرها، والانضواء تحت العلم السوري الذي أراقوا الدماء تحته جنباً إلى جنب مع كل مكونات الشعب السوري الأخرى، دفاعاً عن سورية كما في معارك الإستقلال وفي الحروب مع العدو الإسرائيلي أيضاً كما قال المرحوم اسماعيل عمر يوماً في إحدى مقابلاته، ليصار إلى تحديد سقف مطاليبهم من الحكومة السورية في ظل هذا العلم الوطني مفرقين بينه وبين أعلام الأحزاب، وهم في هذه الحالة وليس غيرها سيكسبون تعاطف الشارع العربي السوري من جهة، وسيسحبون البساط من تحت تهم الإقتطاع والإلحاق من جهة أخرى.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.66
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات